عدم الاكتراث لأوضاع البلاد من قبل "القوى السياسية الشيعية" والانشغال بمصالحها الضيقة ليس جديدا. ولكن الجديد في الامر هو الازمة المركبة الحالية، والرفض الشعبي للقوى السياسية كافة من دون استثناء. كما ان هذا الانقسام سرعان ما كشف زيف مواقف بعض القوى التي حاولت التقرب من الجماهير المنتفضة
عدم الاكتراث لأوضاع البلاد من قبل القوى السياسية الشيعية والانشغال بمصالحها الضيقة ليس جديدا. ولكن الجديد في الامر هو الازمة المركبة الحالية، والرفض الشعبي للقوى السياسية كافة من دون استثناء. كما ان هذا الانقسام سرعان ما كشف زيف مواقف بعض القوى التي حاولت التقرب من الجماهير المنتفضة.
الانقسام بين القوى السياسية الشيعية ليس وليد المرحلة الراهنة بل تمتد جذوره الى ما بعد الانتخابات التشريعية في التي اجريت في آيار 2018. اذ برز الى السطح خلاف شديد حول من هي الكتلة النيابية الاكثر عددا (الاصلاح والاعمار) ام (البناء والاعمار)؟، مع ان زعامة الكتلتين هما من الاحزاب الشيعية المؤثرة في المشهد السياسي العراقي. ولم يحسم هذا الامر الا بالتوافق على ترشيح السيد عادل عبد المهدي لتشكيل الحكومة على الرغم من انه لم يشارك في الانتخابات كمرشح.
ومع ان التأثير الايراني نجح نسبيا للمرة الاولى في ادماج الاحزاب والتيارات السياسية السنية داخل تحالفات نيابية بقيادة شيعية، وتمم نجاحه بتمرير عادل عبد المهدي كمرشح توافقي، الا انه (التأثير الايراني) لم يحسب حساب اشكالية عدم وجود كتلة نيابية كبيرة، تتمكن من دعم الحكومة من تنفيذ برنامجها، ويمكنها ان ترشح رئيس وزراء بديل لعبد المهدي في حال اقالته او استقالته، كما انها لم تأخذ بنظر الاهتمام الالتزام بالدستور وهو ما وضع تلك القوى في فخ المشروعية فيما بعد.
خرج توافق القوى السياسية الشيعية الظاهري عن قالبه ليظهر فيما بعد بصورة انقسام حاد فيما بينها بفعل عاملين: الاول، انهيار افضل مظاهر التوافق السياسي الشيعي المحاصصاتي السطحي استقالة السيد عادل عبد المهدي في اواخر تشرين الثاني/ 2019 – والذي يمثل - بفعل ضغط الحركة الاحتجاجية. والثاني، غياب المنسق لهذا التوافق قاسم سليماني عن الساحة العراقية بعد استهدافه من قبل الولايات المتحدة في بغداد مطلع كانون الثاني الماضي.
وفي اطار هذا الانقسام برز السيد محمد توفيق علاوي كمرشح لتشكيل الحكومة المؤقتة في شباط الماضي بضغط من كتلة سائرون وزعيمها السيد مقتدى الصدر والذي جوبه برفض من قوى كبيرة في تحالف البناء مثل دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي. وبسبب اصرار علاوي على تجاوز مبدأ المحاصصة استجابة لمطالب المتظاهرين، وما تقتضيه اوضاع البلاد الراهنة، وبالرغم من تقديمه بعض الاسماء الحزبية، الا انه جوبه برفض شيعي عارم مسندا بموقف كردي وسني رافضين لمنهجه في تشكيل الحكومة والمبني على التواصل مع المكونات بعيدا عن قواها السياسية، مما نتج عنها جميعا عدم انعقاد مجلس النواب لعدم اكتمال النصاب لثلاث جلسات. الامر الذي اضطره الى اعلان اعتذاره عن تشكيل الحكومة المؤقتة في مطلع آذار الجاري.
هذا الاعتذار عزز الانقسام الشيعي اكثر في اختيار مرشح بديل، الى ان تم التوصل لاتفاق تشكيل لجنة سباعية ممثلة عن القوى السياسية الشيعية بعد زيارة ارفع مسؤول ايراني الى العراق عقب اغتيال قاسم سليماني وهو الامين العام للمجلس الاعلى للأمن القومي الايراني علي شمخاني في 8/ آذار الجاري لإعادة ترتيب البيت السياسي الشيعي واستدامة النفوذ. وهذه اللجنة لم تتوصل الى مرشح بديل نتيجة الانقسام بين اعضائها وفشلت في مهمتها وفقا لما ذكره السيد نبيل الطرفي رئيس كتلة تحالف «سائرون» الذي يتزعمه مقتدى الصدر، امس الاثنين، فشل اللجنة السباعية في الاتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة الانتقالية، مطالباً الرئيس العراقي برهم صالح بممارسة صلاحياته وتكليف شخصية لهذا المنصب.
ومع التناحر والتنافس لضمان المصالح السياسية بين القوى السياسية الشيعية، والخوف من فقدان المكتسبات غير المشروعة خلال المرحلة السابقة، ورغبة في الاستمرار في ذات المنهجية المحاصصاتية التي رفضها الشعب والمتظاهرين بعد احتجاجات تشرين الاول، ولتجاهل تأثير الشارع لم تنجح هذه القوى في الاتفاق على مرشح لتقديمة الى رئاسة الجمهورية. الامر الذي دفع برئيس الجمهورية الى تكليف السيد عدنان الزرفي لتشكيل الحكومة المؤقتة بعد تنحية نعيم السهيل- الذي رفضته كتلة سائرون وقوى اخرى- الامر الذي يشير الى أن هناك صراعا داخل الكتل الشيعية السبع المكلفة بالاختيار، وكل واحدة منها تحاول إظهار قوتها أمام الأخرى، الأمر الذي يعني أن سيناريو جديدا من الفشل قد ينتظر عدنان الزرفي. ومقومات هذا الفشل تجسدت باجتماع للقوى الشيعية للضغط على رئيس الجمهورية لسحب تكليفه للزرفي وتكليف شخصية جديدة في منزل السيد عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة الوطني حضره نوري المالكي وهادي العامري وعمار الحكيم، وحيدر العبادي نفسه الذي ينتمي الزرفي إلى تياره، وفالح الفياض، وممثلون عن «عصائب أهل الحق»، بزعامة قيس الخزعلي، ونصار الربيعي ممثل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لم يصدر عنه بيان واضح برفض الزرفي بسبب استمرار الخلافات بينهم حول البديل الذي يجب تقديمه إلى رئيس الجمهورية. وتستمر الخلافات حتى داخل تحالف البناء بين الفتح الذي يذهب باتجاه ترشيح شخصيات جامعية غير مستقلين، وكتلة صادقون التي تسعى خلف بقاء عادل عبد المهدي وتجديد الثقة له لتجاوز المرحلة!
ومع هذا الرفض، استمر الزرفي في مشاوراته حول تشكيل الحكومة المؤقتة مع القوى السنية والكردية والتي تسعى وراء مصالحها عبر احتكارها الحق في تمثيل مكوناتها، رافضة في الوقت نفسه اعتماد الزرفي منهجية سلفه في التواصل مع المكونات بشكل مباشر.
كل ما سبق يبين لنا مديات الانقسام السياسي الشيعي في ظل ظروف صعبة جدا تمر بها البلاد تجسدت في ازمة مركبة تجمع بين تزايد الاصابات والوفيات بفايروس كورونا الجديد وسط تداعي القطاع الصحي وضعف بنيته التحتية، وانخفاض اسعار النفط لأكثر من 50%، وهو الايراد الرئيس لنفقات. وعدم الاكتراث لأوضاع البلاد من قبل القوى السياسية الشيعية والانشغال بمصالحها الضيقة ليس جديدا. ولكن الجديد في الامر هو الازمة المركبة الحالية، والرفض الشعبي للقوى السياسية كافة من دون استثناء. كما ان هذا الانقسام سرعان ما كشف زيف مواقف بعض القوى التي حاولت التقرب من الجماهير المنتفضة مثل سائرون وتيار الحكمة وغيرهم.
وبعيدا عن التنبؤ بنجاح السيد الزرفي في الحصول على منح الثقة من عدمه ففي ظل تداعيات الازمات الاقتصادية والصحية التي تمر بها البلاد، على القوى السياسية الشيعية بالذات ان تكترث لمصالح البلاد وتؤجل مصالحها الضيقة جانبا.
وهنا تبرز اولويات لابد من العمل عليها بشكل سريع. الامر الذي يتطلب تشكيل حكومة بالسرعة الممكنة للاستجابة للتحديات الانية التي فرضتها الازمة المركبة. ويذكر جهاد أزعور هو مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، ان الأولوية القصوى على مستوى السياسات في الدول التي تعتمد على النفط في الشرق الاوسط وباقي دول المنطقة هي حماية سكانها من مرض فيروس كورونا. وينبغي تركيز الجهود على تخفيف آثاره واتخاذ الإجراءات اللازمة لاحتوائه من أجل حماية الصحة العامة. وينبغي أن تبذل الحكومات كل ما لديها لضمان إعداد النظم الصحية وشبكات الأمان الاجتماعي بالشكل الكافي الذي يلبي احتياجات سكانها، حتى في البلدان التي تواجه تقلصا في ميزانياتها بالفعل. كما ينبغي توجيه السياسات الاقتصادية نحو منع الجائحة – وهي أزمة صحية مؤقتة – من التطور والتحول إلى ركود اقتصادي مطول مع ما ينجم عنها من خسائر دائمة من خلال تزايد البطالة وحالات الإفلاس. ويمكن أن تحقق هذا الهدف باستخدام مزيج من السياسات الموجهة بدقة في الوقت المناسب إلى القطاعات وفئات السكان المتضررة بشدة، بما فيها إجراءات تخفيف الضرائب والتحويلات النقدية المؤقتة، وهذا الدعم يتعين أن يأخذ في اعتباره الحيز المالي المتوافر. وبالامكان ان يتم توجيه تلك التحويلات الى دعم شبكة الحماية الاجتماعية وفئات المتقاعدين والشهداء. والعمل على توفير المستلزمات الطبية وما يحتاجه القطاع الصحي لمواجهة جائحة كورونا، وكذلك توفير الادوية لذوي الامراض المزمنة.
وفي مجال الحيز المالي المتاح، واذا ما استمر الانفاق وفق قانون الادارة المالية النافذ، وتوفر الايرادات اللازمة، يمكن اعادة توجيه النفقات الاستثمارية للرئاسات الثلاث وبعض الوزارات غير الخدمية او ذات التماس المباشر مع المواطن، الى القطاع الصحي خلال الاشهر القادمة.
اضافةتعليق