يتوجب على البلدان النفطية كافة التعايش والتكيف مع معدلات الاسعار الجارية والتحرك باتجاه تنويع الاقتصادات الوطنية والحد من هيمنة المورد النفطي على كافة مفاصل الاقتصاد بدلاً من ترقب الفجر الكاذب
التزام البلدان المصدرة للنفط الخام بخفض مستويات الانتاج، منذ مطلع العام الجاري، اسهم بوضوح في تقليص تخمة المعروض النفطي وتحقيق التوازن بين مستويات العرض والطلب في اسواق النفط العالمية. ولكن لماذا استمرت الاسعار بالتأرجح ما بين 50-55 دولار للبرميل ولم تلامس عتبة 60 دولار طيلة الشهور الخمس الماضية كما توقع الخبراء رغم تنفيذ 95% من اتفاق التخفيض النفطي. يفسر الارتفاع المستمر في مستويات المخزون الاستراتيجي العالمي من النفط الخام الضغوط التي تتعرض لها اسعار النفط وتحول دون تعافي مستوياتها طبقا لأساسيات السوق النفطية. فعلى الرغم من اجماع معظم توقعات خبراء النفط والمختصين بهبوط المخزون الاستراتيجي العالمي للنفط خلال شهور، بسبب خفض امدادات النفط الخام المترتب على دخول الاتفاق النفطي حيز التنفيذ، الا ان مستويات المخزون واصلت الارتفاع لتصل الى قرابة 3.3 مليار برميل بعدما كان قرابة 2.5 مليار برميل قبل سنوات. ويبدو ان استمرار تدفق النفط الصخري للأسواق وتكيفه مع مستويات 50 دولار للبرميل، بسبب خفض التكاليف وتطوير تقنيات انتاج جديدة، اسهم في تعزيز مستويات المخزون النفطي العالمي وقلص من اثر اتفاق البلدان المصدرة للنفط في ابتلاع التخمة النفطية بالأسواق.
الجولة الثانية المبررات والتداعيات
تفاقم عجوزات الموازنات العامة وموازين المدفوعات في معظم البلدان المصدرة للنفط خلال الاعوام الثلاث الماضية وتآكل اصول الصناديق السيادية للبعض منها دفع صوب انعقاد الاجتماع الثاني لأكثر من 18 بلد مصدر للنفط من داخل وخارج اوبك في فيينا نهاية شهر ايار مايو الماضي، والخروج باتفاق نفطي جديد يقضي بتمديد تقليص انتاج النفط الخام في الدول النفطية المجتمعة الى اذار مارس 2018 بدلاً من حزيران يونيو 2017 وبمقدار 1.8 مليون برميل يوميا لامتصاص فائض المعروض النفطي املا في دفع الاسعار لمستوى 60 دولار للبرميل مطلع العام 2018.
وعلى الرغم مما يحيط بالاتفاق الجديد من مخاطر إنعاش النفط الصخري الناجم عن تحسن مستويات الاسعار، ووعود الرئيس الامريكي دونالد ترامب بتصفية المخزون الاستراتيجي الامريكي (والبالغ 700 مليون برميل) لارتفاع انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة من جهة ورغبة ترامب في تقليص عجز الموازنة من جهة اخرى، فان للاتفاق الجديد عدد من الايجابيات قد تسهم في تحقيق هدف البلدان المصدرة للنفط من تحسين مستويات الاسعار.
1. توحد البلدان المصدرة للنفط الخام من داخل وخارج اوبك تحت مظلة اتفاق فينا الجديد يعني التحكم بما يفوق من ثلثي انتاج النفط العالمي، وهذا يعني التحكم بالجزء الاكبر من مستويات العرض العالمي تمهيدا لتوجيه بوصلة الاسعار.
2. اشارت تقارير منظمة الطاقة الدولية الى استمرار تنامي الطلب العالمي على النفط الخام لهذا العام بما يفوق المليون برميل يوميا ليصل لقرابة 98 مليون برميل يوميا مطلع العام 2018 مما يزيد من فرص تعافي الاسعار وامتصاص تخمة المعروض.
3. تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية بعد تولي ترامب لرئاسة الولايات المتحدة خصوصا مع استمرار التوترات مع كوريا الشمالية والضربة الامريكية التي وجهت مؤخرا لسوريا، قد يزيد من حمى المضاربة باتجاه ارتفاع مستويات الاسعار.
4. من المؤمل ان يمهد الاتفاق النفطي الجديد لسلسلة من اللقاءات والمفاوضات بين مختلف الاطراف المصدرة للنفط لأجل تنضيج سياسات طاقة جديدة وقابلة للتطبيق وباعتماد آليات محكمة تعيد القوة الاحتكارية لمنتجي النفط الخام في مختلف بلدان العالم.
وفي هذا السياق، رفع البنك الدولي توقعاته لمتوسط أسعار النفط في العام 2017 إلى 55 دولار للبرميل، لتزيد في المتوسط إلى 60 دولار للبرميل عام 2018. مؤكدا بأن ارتفاع أسعار النفط، بدعم من خفض الإنتاج في البلدان المصدرة للنفط (أوبك) والبلدان غير الأعضاء، سيتيح للأسواق أن تتوازن تدريجيا. مع ذلك لا يمكن التعويل على عودة مستويات الاسعار لمعدلاتها السابقة ما قبل 2014 نظرا لبروز قوة احتكارية جديدة، ممثلة بالولايات المتحدة الامريكية ونفطها الصخري، يصعب ضمها لائتلاف مصدري النفط في الوقت الراهن. وقد اكدت البيانات والتقارير النفطية خلال الشهور الماضية الحساسية العالية لمنصات التنقيب عن النفط الصخري صوب تذبذبات الاسعار. مما يبدد معظم جهود تقليص الانتاج ويضعف الامل في ابتلاع التخمة النفطية، ويزيد من خطورة فقدان الحصص السوقية للبلدان المصدرة للنفط لصالح مضخات النفط الصخري. لذا يتوجب على البلدان النفطية كافة التعايش والتكيف مع معدلات الاسعار الجارية والتحرك باتجاه تنويع الاقتصادات الوطنية والحد من هيمنة المورد النفطي على كافة مفاصل الاقتصاد بدلاً من ترقب الفجر الكاذب.
اضافةتعليق