كل الدلائل تبين أن الخيار الحكومي سيكون باللجوء الى خيار خفض الانفاق الاستثماري وتأجيل أو ترحيل المشاريع الاستثمارية الى السنة القادمة، مما سيعطي مساحة أكبر لاتساع نسبة النفقات الجارية الى النفقات العامة التي لا تحقق مردود اقتصادي مقابل تحمل تكلفة الفرصة البديلة في ضياع الجهد التنموي في زيادة الاستثمارات التي تسهم في النهوض بالقطاعات الحقيقية مع استيعاب جزء كبير من البطالة في الاقتصاد العراقي
تهاوت اسعار نفط خام برنت في هذا الاسبوع لتتذبذب بين سعر(75-81) دولار للبرميل الواحد في اغلاق تعاملاته اليومية، بعد أن تخطت في الاشهر السابقة حاجز 100 دولار للبرميل الواحد، وان ابعاد ذلك الانخفاض تصب على الموازنة العامة الاتحادية الثلاثية التي حددت سعر تخميني للنفط الخام عند 80 دولار للبرميل الواحد، بما يعني ان العوائد النفطية للعراق ستنخفض في الاشهر القادمة بنحو 12 دولار (7- مع نفط البصرة+ 5 فرق سعر الموازنة العامة )، وان تبعات انخفاض اسعار النفط قد القت بظلالها على سعر صرف الدينار العراقي الذي ارتفع عند 1150 دينار لكل دولار، بما يعني زيادة أسعار السلع الاساسية وتزايد العبء على ذوي الدخل المحدود. فضلاً على أن المحللين الاقتصاديين يضعون في الحسبان التخوف من احتمالية تعرض الاقتصاد العراقي الى ثلاث مخاطر مالية أساسية في المستقبل هي كالآتي: -
الخطر الاول : أن انخفاض اسعار النفط دولياً سيؤثر على مجمل القطاعات الاقتصادية والايرادات العامة للدولة، لكون الاقتصاد العراقي اقتصاد احادي الجانب ، إذ ان الجزء الاكبر من الايرادات العامة للدولة يأتي من النفط الخام، لذلك فإن ايرادات الدولة السيادية مرتبطة بطبيعة هذا المورد وتقلبات السوق النفطية . فضلاً عن ذلك أن القطاع النفطي يسهم في تكوين النسبة الاكبر من الناتج المحلي الاجمالي وناتج القطاعات السلعية في ظل تراجع ناتج القطاعات الأخرى التي يكاد وجودها مرتبط بقطاع النفط الذي يحتل النسبة الأكبر من اجمالي الصادرات.
الخطر الثاني : زيادة الضغط على الموازنة العامة نتيجة احتمالية زيادة النفقات العامة لبند الاجور والرواتب الذي يشكل أكثر من (50%) من النفقات الجارية بسبب تخصيص أكثر من 3000 درجة وظيفية لحملة الشهادات العليا هذا العام مما يعني زيادة اعداد الموظفين في العراق الى ما يزيد (3.5) مليون موظف في القطاع العام حسب بيانات وزارة التخطيط / الجهاز المركزي للإحصاء كما يبينه الشكل (1)، وأن تلك الاعداد في حالة تزايد في السنوات القادمة في ظل ضعف فرص العمل الخاصة بالقطاع الخاص. كما ان زيادة نفقات الموازنة الجارية يعني زيادة نسبتها من النفقات العامة مقابل انخفاض نسبة النفقات الاستثمارية واستمرار الاختلال الهيكلي للنفقات العامة.
{img_1}
الخطر الثالث : ان انخفاض الايرادات العامة مقابل زيادة النفقات العامة يضعنا أمام ازمة تلوح في الافق او قاربنا على مشارفها وتعرض الموازنة العامة الى عجز مالي في نهاية السنة المالية التقويمية.
ان المعطيات المذكورة آنفاً تؤشر أوجه المخاطر المتوقعة في الاقتصاد العراقي لكونه اقتصاد ريعي تشكل الايرادات النفطية الثقل الاكبر لإيرادات الموازنة العامة وهي غير مستقرة لأنها محددة بعوامل خارجية تؤثر في مقدارها لتمثل اختلالاً كبيراً في الموازنة العامة الاتحادية بصيغتها التي اعدت على ضوء سعر تخميني متفائل للنفط الخام عند (80) دولار، مع ترسب مشاكل مالية اخرى تطفو على السطح منها اتساع نفقات الحكومة في ظل ضعف مرونة الجهاز الانتاجي إذ أن النفقات الجارية تغطي دعم الاجور والرواتب وتمويل الاستهلاك العام، بالإضافة الى جوانب الدعم الاستهلاكي الخاص. وان التعويل على حلول الرجوع الى الادخار الاجباري بعيد كل البعد عن مطلب موظفي القطاع العام طالما هناك تدهور في القيمة الشرائية للأفراد في ظل ارتفاع المستوى العام للأسعار، كما ان اللجوء الى خيار تقليل نفقات الحكومة على الاجور والرواتب خيار صعب حالياً في حال الاستمرار في تخصيص درجات وظيفية جديدة في القطاع العام مع تردي واقع القطاع الخاص وضعف نشاطه في الاقتصاد، فضلاً عن ان خيار اصدار سندات دولارية موجهة للجمهور بفوائد عالية بهدف جذب المدخرات وتوجيهها الى قطاع السكن وبعض القطاعات الانتاجية لتحريك الاقتصاد سيجابه بركود طالما هناك ضعف في الانفاق الاستثماري المحفز لحركة الجهاز الانتاجي.
وبذلك كل الدلائل تبين أن الخيار الحكومي سيكون باللجوء الى خيار خفض الانفاق الاستثماري وتأجيل أو ترحيل المشاريع الاستثمارية الى السنة القادمة، مما سيعطي مساحة أكبر لاتساع نسبة النفقات الجارية الى النفقات العامة التي لا تحقق مردود اقتصادي مقابل تحمل تكلفة الفرصة البديلة في ضياع الجهد التنموي في زيادة الاستثمارات التي تسهم في النهوض بالقطاعات الحقيقية مع استيعاب جزء كبير من البطالة في الاقتصاد العراقي .
اضافةتعليق