العقوبات المحتملة على روسيا وآثارها على الاقتصاد العالمي

شارك الموضوع :

تحتل روسيا المرتبة الأولى عالمياً في احتياطي الغاز الطبيعي في المتوسط خلال العشر السنوات الأخيرة, والمرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الامريكية في إنتاج الغاز الطبيعي، والمرتبة الأولى في صادرات الغاز الطبيعي"، " أما على مستوى النفط فهي تحتل المرتبة السابعة عالمياً في المتوسط خلال العشر سنوت الأخيرة، والمرتبة الأولى في الانتاج النفطي، والمرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية في تصدير النفط

عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية حلقته الشهرية التي حملت عنوان" العقوبات المحتملة على روسيا وآثارها على الاقتصاد العالمي) يوم السبت الموافق ١٩/ ٢/ ٢٠٢٢ الساعة الرابعة عصراً في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام.

وقد افتتح الحلقة الدكتور خالد عليوي العرداوي بالتحية والترحيب بالحضور ثم فسح المجال للسيد الباحث في المركز (حامد عبد الحسين خضير) ليُقدم ورقته النقاشية عن الموضوع حيث أبتدأ قائلاً:

"بعد تفكك الاتحاد السوفيتي تحت قيادة روسيا عام 1991 أصبح العالم أكثر ترابطاً واندماجاً بحكم سيادة العولمة التي تدعو لإزالة الحدود وتحرير الاقتصاد بقيادة الولايات المتحدة الامريكية. أي أصبح العالم كقرية صغيرة، وإن أي أزمة تحصل في دولة معينة ستنقل لباقي دول العالم بنسبة معينة حسب أهميتها في الاقتصاد العالمي كما حصل في أزمة كورونا في الصين والعالم وشلت اقتصاده". واستكمل قائلاً: " ومن خلال التصريحات الاوروبية والامريكية المُحملة بالتهديدات ضد الجانب الروسي على خلفية تحشيد الأخير جنوده بالقرب من الحدود الاوكرانية الموالية للغرب، يبدو إن العالم قد يشهد أزمة كبيرة تطال الجميع، خصوصاً إذا ما علمنا إن روسيا تحتل أهمية كبيرة في الاقتصاد العالمي".

ثم عرّج على وزن روسيا في الاقتصاد والطاقة عالميا فقال:" إن حجم صادراتها من السلع والخدمات أكبر من استيراداتها خلال السنوات العشرة الأخيرة(2011-2020) حيث شكلت صادراتها للاقتصاد العالمي ما نسبته 27% من ناتجها المحلي في الوقت الذي شكلت استيراداتها من الاقتصاد العلمي ما نسبته 20% من ناتجها المحلي"، و" تحتل روسيا المرتبة الأولى عالمياً في احتياطي الغاز الطبيعي في المتوسط خلال العشر السنوات الأخيرة, والمرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الامريكية في إنتاج الغاز الطبيعي، والمرتبة الأولى في صادرات الغاز الطبيعي"، " أما على مستوى النفط فهي تحتل المرتبة السابعة عالمياً في المتوسط خلال العشر سنوت الأخيرة، والمرتبة الأولى في الانتاج النفطي، والمرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية في تصدير النفط"

هذه النسب والمراتب، تعطي صورة واضحة عن مدى ثقل روسيا في ميزان الطاقة العالمي، وإذا ما تم تطبيق العقوبات الامريكية والغربية عليها فإن الآثار التي ستتركها على الاقتصاد العالمي ستكون كبيرة.

وأشار الباحث بإيجاز الى أهم الآثار التي قد تتركها العقوبات إذا ما فُرضت على روسيا وهي:

1- اختلال الميزان العالمي للنفط والغاز

2- ارتفاع أسعار الطاقة الدولية

3- تعثر تحول الطاقة العالمي

4- ارتفاع معدلات التضخم العالمية

ثم فُتح باب المدخلات بعد طرح السؤالين الآتيين:

س/ ما سبب ونوع العقوبات المحتملة من أمريكا واوروبا على روسيا؟ 

س/ إذا ما طُبقت العقوبات فعلاً ما هي الاثار التي ستتركها عالمياً وعراقياً، وكيف ستنتقل؟

المداخلات:

-الدكتور خالد عليوي العرداوي/ مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية بدأ كلامه بالقول: اليوم ننظر للأزمة على إنها أزمة روسية -أوكرانية لكن في الحقيقة هي ليست كذلك بل هي أزمة مرتبطة باستحقاقات القيادة العالمية، أي مَن يقود العالم؟ إن تعامل الولايات المتحدة والغرب ضد روسيا بهذه الحدّة لصالح أوكرانيا من أجل إيصال الرسالة للصين بأن عليها إلا تفعل الأمر مع تايوان وإذا ما فعلت ستتعرض لنفس العقوبات. إن أي تساهل من الغرب تجاه روسيا بخصوص أوكرانيا يعني السماح للصين بالسيطرة على تايوان، وإن الفشل في أوكرانيا يعني الفشل في تايوان، ولذلك أصبح التعامل من قبل الغرب تجاه روسيا بهذه الحدّة. ويربط أحد الباحثين موقف أوكرانيا بسوريا، بمعنى عندما سُمح لروسيا بموطئ قدم في سوريا، أصبحت النتيجة الوصول لأوكرانيا. وفي المقابل روسيا لا تذهب في هذه القضية بهذا الشكل (بمعنى لا تذهب لاقتحام اوكرانيا من أجل مصالح محدودة) لأنها تدافع عن مصداقتها لتكون مؤهلة للقيادة العالمية في المرحلة القادمة بمعنى تكون قطبا في العالم. والغرب يواجه روسيا ليقول لازالت القيادة قيادة أمريكية غربية للعالم، وانه لن تستطيع روسيا أو الصين تجاهل هذه القيادة، وبهذا الصدد صرح المستشار الالماني " ان العالم لا زال بحاجة للقيادة الامريكية والتي أثبتت إنها قيادة فاعلة ولا دور في الأزمة الامريكية"

قد لا يكون الاجتياح عسكري لأنه قد يكون انقلاب عسكري تنظمه روسيا في اوكرانيا ولكن حتى مع الانقلاب العسكري سوف لن يكون الغرب متسامح معه. ستكون الحرب الاقتصادية قاسية على روسيا إلى جانب تحشيد حلف الناتو، وهذا ما سيكون له آثار على الاقتصاد العالمي، بحكم اعتماد أوربا بشكل كبير على الغاز الروسي، وسيتكون أمريكا هي المستفيد الوحيد من هذه الأزمة لأنها المزود الاكبر في الغاز لأوربا. وإن الدول المنتجة للطاقة ومن بينها العراق ستستفيد من ارتفاع اسعار النفط إذا ما ارتفعت بشكل جنوني لكن المشكلة إن دولة مثل العراق لا تملك سياسات واضحة لاغتنام الفرص وهذا ما يقتضي وجود قيادة سياسية تكون مستعدة لتشكل العالم من جديد وفي حال عدم وجود هذه القيادة سنخسر كل الفرص.

-الدكتور علاء الحسيني/ تدريسي في كلية القانون/جامعة كربلاء رأى أن الأسباب معروفة هي ذات طابع سياسي-هيمنة اي تحاول الدول الكبرى أن تهيمن على المشهد العالمي وتتقاسم نفوذها على جميع الأصعدة. كان هناك تهديد للنفوذ الروسي من البوابة الاوكرانية، إذ حاول بعض الدول تقريب وجهات النظر بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، وهذا يمثل تهديد لروسيا وعملت على سد هذه الثغرة بشتى الطرق. الاثار كثيرة سياسية واقتصادية وقانونية كما إن روسيا دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، ويفترض إنها من اوائل الدول التي تحل المشاكل بالطرق الدبلوماسية، وتمتنع عن استخدام القوة العسكرية بأي طريقة من الطرق. باعتبار إن هناك التزامات من قبل جميع الدول أن لا تلجأ للحلول العسكرية نظراً لما قاسته من مرارة الحرب العالمية الثانية ومن بينها روسيا التي كانت من أكثر الدول تضرراً في عدد الاشخاص الذين لقوا حتفهم في الحرب، لذلك يفترض إنها تلجأ للحل الدبلوماسي. ولو حصل وإن تدخلت روسيا في أوكرانيا سيكون هناك خرق قانوني لمعاهدة دولية شارعة التزمت بها روسيا منذ عام 1945 ولا تزال سارية المفعول، سيترتب عليه آثار قانونية، أي كيف سيتم التعامل معها في الأمم المتحدة؟ هل يمكن لمجلس الأمن أن يتدخل لإعادة السلم والأمن العالميين إذا ما أختل؟ بمعنى إنها أزمة قانونية وليس فقط أزمة سياسية أو اقتصادية. وإن أصل وجود الأمم المتحدة من أجل الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين فكيف إذا جاء التهديد للأمن والسلم الدوليين من أحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن؟ وهذا ما يترتب عليه إعادة النظر بميثاق الأمم المتحدة والفصل السادس والفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وإعادة تشكيل هذه المنظمة الهرمة بشكل يتناسب مع واقع الحال العالمي الذي أخذ يتشكل من جديد.

-الدكتور حيدر حسين آل طعمة/ تدريسي في كلية الادارة والاقتصاد/ جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات يقول: على طاولة الفرقاء خصوصاً أوربا والولايات المتحدة مجموعة من العقوبات يمكن الإشارة لأبرزها:

الأمر الأول، شل العصب المالي، من خلال تجميد عضوية روسيا في نظام التحويل المالي(سويفت) وأيضاً فرض عقوبات على المصارف الروسية إضافة إلى فرض عقوبات على أشخاص مقربين أو مشكوك بأنهم تابعين للرئيس بوتين وحتى الرئيس نفسه.

الأمر الثاني، تجميد الصادرات التكنولوجية أي تجميد الصادرات التي يمكن أن يستخدمها الروس في إنتاج الأسلحة والمعدات الحربية.

الأمر الثالث، محاولة تقييد روسيا من الاستفادة من الصادرات النفطية، وذلك من خلال نظام المقاصة، الذي يعتمد على الدولار الأمريكي، وذلك فبإمكان الولايات المتحدة تعطيل هذا النظام وهذا ما سيعرقل كثير من صادرات روسيا النفطية.

الأمر الرابع، الحد من استيراد النفط الروسي وذلك من خلال إيجاد البدائل كأن يتم الاستعانة بالسعودية أو أوبك بشكل كامل وحتى قطر في مجال الغاز.

وعلى نفس هذه الطاولة تم مناقشة التداعيات، إذ إن كل هذه العقوبات لها تداعيات ويمكن تناولها في الآتي:

التداعي الأول، النمو الاقتصادي الهش، إذ يواجه النمو الاقتصادي حالياً ارتفاع الاسعار بسبب انهيار سلاسل التوريد التي خلفتها أزمة كورونا، لذلك هناك اختناقات في الجهاز الانتاجي لكثير من الدول المتقدمة، تسببت في ارتفاع التضخم وهذا ما يكبح النمو الاقتصادي.

التداعي الثاني، ارتفاع أسعار النفط، إن مواجهة روسيا أو فرض عقوبات عليها، يعني ارتفاع اسعار النفط والاضرار بالدول المستوردة للطاقة والاقتصاد العالمي.

التداعي الثالث، الجانب المالي، استطاعت روسيا خلال العقود الماضية ربط كثير من المصارف الروسية بالمصارف في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية كما عملت أمريكا مع أوربا، لذلك فتجميد العمل في هذه المصارف سيؤثر على مصارف أخرى، ممكن تحدث سلسلة انهيارات أو على الأقل أزمات مالية تفقد الثقة في المصارف الموجودة بالولايات المتحدة وأوروبا.

التداعي الرابع، لجوء روسيا لحليفها الصيني من أجل الالتفاف وتجاوز العقوبات الامريكية والاوربية.

وتجدر الإشارة للجدل الدائر بين الفرقاء حول مدى حجم العقوبات وتأثيرها؟ هذا يعتمد على حجم التدخل بمعنى كل يكون تدخل روسيا أكبر سيكون حجم العقوبات أكبر، بمعنى سيكون هناك تدرج في فرض العقوبات حسب التدخل الروسي في أوكرانيا.

وفيما يخص آثار العقوبات على الاقتصاد العراقي

واهم من يظن إن العراق سيستفيد من هذه العقوبات بحكم ارتفاع أسعار النفط، لان كل ارتفاع في أسعار النفط خارج أساسيات السوق سيكون مصيره الانخفاض الحاد، إذ إن هذا الارتفاع لم يكُن بفعل أساسيات الاقتصاد كأن يكون هناك زيادة في الطلب بشكل كبير بل بفعل صدمة في العرض، فسرعان ما تحل الأزمة ستنخفض الأسعار بشكل كبير، خصوصاً إذا ما وضعنا في أذهاننا إن ارتفاع الاسعار هذا شجع منتجين آخرين على الإنتاج كانوا خارج النشاط لان الأسعار لم تكُن ذات جدوى بالنسبة لهم.

إن المتضرر من هذه العقوبات هي الدول المستوردة أكثر من المصدرة، ولكن نظراً لضعف الإدارة للثروة الوطنية في العراق التي يمكن أن توظف الايرادات النفطية نحو الاستثمار الأمثل، سوف لن يستفيد العراق منها.

كذلك إن ارتفاع اسعار النفط الذي يستخدم كمادة أولية أو للطاقة، في إنتاج السلع والخدمات سيؤدي لارتفاع اسعار السلع والخدمات مما يعني ارتفاع معدلات التضخم العالمية، فتأكل معدلات التضخم الايرادات النفطية مما يقلل من أهميتها بالنسبة للدول النفطية ومن بينها العراق.

-الدكتور حسين أحمد السرحان/ رئيس قسم الدراسات السياسية في مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء، وباحث في مركز الفرات يعتقد أن العالم اليوم من الترابط والتشابك بما يكفي، وإن كل أزمة تفتح شهية الدول لأجل لعب دور عالمي أو اقليمي، كمال حصل في الأزمة السورية حيث دخلت فيها روسيا عام 2015 وكذلك أمريكا عام 2016.كما تدرك روسيا كذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها، إن إمكانات روسيا لا تكافئ الولايات المتحدة وحلفاؤها

-الشيخ مرتضى معاش/ رئيس تحرير مجلة وشبكة النبأ المعلوماتية يشير في مداخلته الى نقاط عدة منها:

النقطة الاولى، أساس الصرع الموجود هو على أوربا الشرقية بين الغرب وروسيا، إذ إن أوروبا الشرقية بولندا، هنغاريا، المجر، جورجيا، ودول البلطيق بوليفيا، لاتفيا، إستونيا، بيلاروسيا، كل هذه الدول كانت من الجغرافية الروسية.

الاتحاد الاوربي يريد انضمام هذه الدول للاتحاد وفي الناتو لكن روسيا تمانع انضمام هذه الدول في الاتحاد الاوربي وبالخصوص الناتو (الأمريكي الأوربي)، وذلك لمنع الزحف الغربي إلى روسيا، فهي دافع عن نفسها وليست مستعمرة. إذ إن هناك تناقض بين النظامين النظام الروسي نظام خاص والنظام الغربي نظام ليبرالي يحمل قيم ليبرالية، فيريدون روسيا ترضخ لليبرالية الغربية وإن كانت مستبدة، وإن روسيا لا تمانع بالاستبدادية لكن المهم ان تقبل القيم الليبرالية ومن ضمنها المثلية الجنسية وهذا واضح في قضية المجر بين فيكتور أوربان وجورج سوروس حول الشعبوية والليبرالية كما تسمى.

النقطة الثانية، عودة الجغرافية السياسية، فالعالم بعد التحالف الجديد البريطاني الأمريكي عام 2017، هذا التحالف الجديد أدى إلى نزعة استعمارية جديدة، وعودة الجغرافية السياسية ونفوذ الدول في مختلف القارات، إذ رأينا دخول روسيا في سوريا وفي أفريقيا بالإضافة إلى دخول الصين وخصوصاً في أفريقيا الوسطى ومجموعة فاغنر (مجموعة جيش سري تقوده روسيا في ليبيا وفي أفريقيا لأجل اسقاط حكومات وإنشاء مستعمرات للتحالف مع الحكم الموجودين) هذا الصراع موجود حتى بين الفرنسيين والروس في هذه القضية. بالنتيجة التحالف الجديد -البريطاني الامريكي- يُريد أن يُرضخ روسيا حتى يتم عزلها عن الصين لجعل الأخيرة وحدها في الميدان وترضخ بالنتيجة للأمر الواقع.

النقطة الثالثة، الصراع على الغاز، إذ بعد أزمة المناخية التي حصلت في الصيف الماضي على أوروبا في بلجيكا وألمانيا وسقوط القتلى، أصبح هناك تحول نحو الغاز وهذا ما دفع لارتفاع أسعار الكهرباء بشكل كبير، إذ في بريطانيا ارتفعت بأربعة أضعاف لاعتمادها على الغاز فقط، نظراً للتحول من الوقود الملوثة نحو الغاز الأقل تلويثاً للبيئة.

النقطة الرابعة، ضرر العقوبات، العقوبات على روسيا لا تضر بروسيا كثيراً، إذ إن العقوبات موجودة الآن بعد قضية القرم (المتمثلة في قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم عام 2014) وعلى هذا الأساس فرضت العقوبات عليها. العقوبات لا تؤذي روسيا إلا إذا فرضت على الدول التي تعتمد على روسيا، فمثلاً تركيا متخوفة جداً من العقوبات لأنها معتمدة في صادراتها على روسيا التي تعتمد على النفط والغاز بشكل كبير، بمعنى إنها دولة هشة، ولذلك هي تستورد من الصين وايران وتركيا بالخصوص، تمثل أكبر مصدر ومستقبل للسياحة من قبل الروس، لذلك هي متخوفة جداً.

النقطة الخامسة، والمهمة، هل تقوم روسيا بإغراق السوق بالنفط كما قامت السعودية في أزمة كورونا عام 2020؟ إذ ممكن أن تقوم روسيا خصوصاً وإنها تمتلك طاقة نقطية تصديرية كبيرة بإغراق السوق إذا ما كان اللعب على المكشوف واستخدام جميع الأوراق في المعركة.

النقطة السادس، التحالف الحساس، هو التحالف الألماني الروسي عن طريق خط النفط المعروف بـ(ستريم 2) هذا الخط حساس جداً بالنسبة للأمريكان، لان المانيا هي أهم حليف استراتيجي للأمريكان ولديهم قواعد في ألمانيا، فيتخوفون من التحولات في النظام الدولي نتيجة لهذا التحالف.

وبالفعل الالمان والفرنسيين وحتى الروس والصينين منزعجين من التحالف الجديد البريطاني الأمريكي، إذ أنهم يعتبرونه حالة استعمارية جديدة عودة إلى الزمن الاستعماري القديم.

-الدكتور محمد مسلم الحسيني/ باحث وأكاديمي عراقي ذهب الى ان الأزمة الروسية الأوكرانية المنبعثة جراء عزم أوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتو وما يعني هذا الانضمام من احراج كبير ومصيري لروسيا والذي لا يسمح لأي زعيم روسي القبول به، تجعل الأمور غاية في التعقيد والتأويل وتجعل الباب مفتوحا أمام كل الاحتمالات. لا يمكن لروسيا أن تبقى متفرجة مكتوفة الأيدي أمام مشروع انضمام أوكرانيا لحلف الناتو وذلك للأسباب الهامة التالية:

اولا: أوكرانيا البلد المجاور لروسيا والقريبة حدودها نسبيا على العاصمة الروسية موسكو تعتبر مكانا استراتيجيا لمن يتربص عسكريا لروسيا وينوي خنقها وشل حركتها، إذ لا يمكن لروسيا أن توافق على نشر المنظومة العسكرية الغربية عدتها قريبا من عاصمتها.

ثانيا: المشكلات المتصاعدة بين حكومة أوكرانيا وروسيا غاية في التعقيد والخطورة حيث يتصارع الاوكرانيون الناطقون باللغة الروسية والمدعومين من روسيا مع حكومة "كيف" صراعا مريرا وينوون الانفصال عنها. انضمام أوكرانيا في حلف الناتو يعني تمكنها من القضاء على الحركة الانفصالية هذه بالقوة دون الخشية من الجارة روسيا لأنها ستكون عضوا في حلف الناتو وروسيا تكون مجبرة على تجنب الصراع العسكري معها. هذا يعني تخلي روسيا عن أنصارها وهو موقف محرج لأي قيادة سياسية روسية أمام شعبها.

ثالثا وهو العامل الأهم: أن روسيا استرجعت شبه جزيرة القرم من أوكرانيا بالقوة بعد أن اهدتها لها إبان زمن الاتحاد السوفيتي السابق. اعتبرت حكومة ''كييف" هذا الإجراء مساسا بسيادتها وبقت تطالب بهذا الجزء المقتطع منها واعتبرته احتلالا من قبل الروس. انضمام أوكرانيا لحلف الناتو يعني بدون شك استقواء وتخطيط الاوكرانيون باسترجاع شبه جزيرة القرم من روسيا بكل الوسائل والسبل والاجراء العسكري يكون جزءا هاما وعمليا منها. لا يمكن لروسيا السكوت والقبول بانضمام أوكرانيا للحلف وهي على علم اكيد بالنوايا الأوكرانية بإعادة شبه جزيرة القرم حالما تصبح عضوا في حلف الناتو.

إذن روسيا أمام خيارين صعبين جدا لا ثالث غيرهما من أجل التخلص من هذا المأزق المتمثل بانخراط أوكرانيا عضوا في حلف الناتو وكل منهما يجلب البلاء والكوارث لها. فإن وافقت على انضمام أوكرانيا عضوا بحلف الناتو فهذا يعني استسلامها للمخاوف المذكورة آنفا!  وإن اجتاحت روسيا أوكرانيا اليوم وقبل أن تصبح عضوا في حلف الناتو ستسلم من دفاع الناتو العسكري عنها لكن مضاعفات ذلك الاقتصادية وخيمة جدا عليها حيث سيتوقف تصدير روسيا للغاز الطبيعي إلى أوربا كاحتمال وارد جدا كما أن الغرب بشكل عام سيقوم بمحاصرة روسيا من خلال العقوبات الاقتصادية الصارمة وبكل الصور والسيناريوهات وهذا سيخلف آثارا مؤلمة على الاقتصاد الروسي. كما أن أمريكا يساندها حلفاؤها سيبقون بالمرصاد للروس ومن يتعامل معهم مما قد يفضي بانشطار وتفكك في اواصر العالم مما سيجعل اقتصاديات العالم في مهب الريح خصوصا في ظروف اقتصادية عالمية هشة بسبب التأثيرات السلبية التي خلفها وباء كوفيد.

 هذا الانهيار الاقتصادي العالمي لا يقتصر على الأطراف المتنازعة وحدها فحسب إنما يمس اقتصاديات دول العالم عامة. حتى الدول المصدرة للطاقة والتي يجب أن تستفيد ماديا من خلال ارتفاعات أسعار البترول والغاز القياسية المتوقعة ستتضرر أيضا بأساليب واسباب اخرى رغم انتعاش صادراتها من مصادر الطاقة.

 هذا الثمن الباهظ لروسيا وللعالم سيجعل الروس يحسبون ألف حساب لتحركهم العسكري وغزوهم لأوكرانيا. وهكذا ورغم كل التصريحات النارية التي يطلقها الأمريكان وعلى لسان قادتهم التي تشير على النية الأكيدة لروسيا على غزو أوكرانيا فإن الفعل العسكري الروسي سوف لن يكون خيارا سهلا لروسيا، إنما ستسعى على ما يبدو إلى جر الأطراف المعنية إلى طاولة المفاوضات من أجل استحصال ضمانات تخفف من مخاوفها المستقبلية اي تحقق انصاف حلول بدلا من حلول كاملة تكلفها ما لا تستطيع دفعه لا على المدى المنظور ولا على ما هو خلف السحاب!  هذا السيناريو هو الاكثر تعقلا وحكمة لقادة يشعرون بالمسؤولية التاريخية أمام شعوبهم وهذا الذي أراه “شخصيا" حاصلا كي يخرج الجميع منتصرا من محنة قد لا تحمد عقباها.

-الباحث/ حسن كاظم السباعي يقول: بما أن معالم تلك العقوبات المحتملة لم تتضح بعد فلابد من نظرة معتدلة لها دون إفراط أو تفريط، فلا ينبغي الإهمال أو عدم الاهتمام، كما لا ينبغي التركيز المكثف الذي يؤدي إلى خلل في سائر الأمور تحت ذريعة هذه الأزمة.

 ولا بأس بنقل مثال ذكره الإمام الشيرازي في بعض كتبه حيث يقول: "ومن الطريف أن بعض الناس -في الحرب العالمية الثانية-كانوا يشكّون في وجود الحرب ويظنونها دعابة أثارتها الدول الكبرى لأغراض... بينما بعض آخر كان يظن أن الحياة تمحى من الدنيا بسبب هذه الحرب لسرعة جزمه بالدعايات...". وبناءً على هذا المثل؛ فإنَّ اليوم أشبه بالأمس. ولأجل تخفيف آثار العقوبات المحتملة فلابد من تنظيم العلاقات بين الدول من الآن وقبل وقوع الحدث، فالدول التي جعلت آمالها على روسيا وصبت كل سياساتها في هذا الاتجاه، ستتأثر حتما. أما العراق فإنّه وإن لم يكن داخل في المدار الروسي على درجة الجارة الشرقية ... إلا أنه سيتأثر بصورة أو بأخرى بناء على طبيعة العلاقات بينهما. من هنا وبناء على هذا الأساس؛ فلابدَّ من إعادة النظر في بعض الاتفاقيات تجنبًا للأضرار المحتملة.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية