الأفضل للمستهلك: الدولة أم القطاع الخاص

بالتأكيد كلا النظامين، السوق (القطاع الخاص) والتخطيط(الدولة) يحققان مصلحة المستهلك في بلدين مختلفين اقتصادياً، لكن السؤال المطروح أيهما أفضل للمستهلك؟

إن الإجابة على هذا التساؤل تعطي انطباعاً لدى المستهلكين بأي الأنظمة الاقتصادية أفضل لهم من حيث إشباع حاجاتهم مما يتعين عليهم أن يختاروه كنظام لهم.حيث تقوم الدولة، في ظل تبني التخطيط المركزي كمنهج للنظام الاقتصادي؛ بتحقيق مصلحة المستهلك، والعكس صحيح، يقوم القطاع الخاص في ظل تبني اقتصاد السوق بتحقيق تلك المصلحة أيضاً. ولكن ما الذي يميز أيهما أفضل؟

يسعى المستهلك لتحقيق هدفه بأقصى ما يمكن، ويتحقق هذا الهدف من تحقق ثلاثة مزايا، الأسعار المنخفضة، والنوعية الجيدة، والتخصيص الأمثل للموارد، ومن يحقق هذه المزايا سيكون هو الأفضل للمستهلك بلا شك.

الدولة

إذ تقوم الدولة بتحقيق مصلحة المستهلك بدافع الربح الاجتماعي وذلك بفعل امتلاكها لوسائل الإنتاج وسط مزيد من التخطيط والتنفيذ من الدولة وأجهزتها المختلفة في ظل سيادة التخطيط المركزي. بمعنى آخر، إن الدولة تقوم بتحديد ما مطلوب عبر جهاز التخطيط المركزي وتقوم بتنفيذه عبر أجهزتها المختلفة بعيداً عن المنافسة، لإشباع الاستهلاك وتحقيق منفعته حتى وإن تحقق هذا الهدف بمزيد من هدر الموارد! لان هدف الدولة هو الربح الاجتماعي لا الربح المادي.

إن تحديد المطلوب من قبل الدولة وعبر التخطيط المركزي والعمل على توفيره عن طريقها أيضاً، يعني تحديد الأجور وتجميد الأسعار، وهذا ما يؤثر على كفاءة المنتجات سعراً ونوعيةً، وتخصيصاً، أي تخصيص الموارد.

تقترب الدولة من المستهلك بشكل أكبر حينما تقوم بفتح الأسواق المركزية ذات الأسعار الثابتة والمعلومة لدى عموم المستهلكين في الاقتصاد، وهذا ما يزرع الطمأنينة لدى المستهلكين بعدم استغفالهم وتحقيق المزيد من الأرباح على حسابهم.   

القطاع الخاص

يقوم القطاع الخاص، من أفراد وشركات، بتحقيق مصلحة المستهلك بدافع الربح المادي، وذلك بفعل امتلاكه لوسائل الإنتاج وسط مزيد من المنافسة والحرية الاقتصادية في ظل سيادة اقتصاد السوق. ومن خلال الأسعار يتم تحديد ما هو مطلوب ويتم العمل على تحقيقه من قبل القطاع الخاص إن كان زيادة أو تخفيض في الإنتاج وبما يتوافق مع ما مطلوب من المستهلك. بمعنى أوضح إذا ما كان العرض قليل سترتفع الأسعار وسيتحرك القطاع الخاص لزيادة الإنتاج رغبةً بالربح الذي سيتحقق من ارتفاع الأسعار، وبهذا سيتم سد النقص في العرض وتحقيق التوازن الاقتصادي والعكس صحيح.

 ونظراً لحرية القطاع الخاص في نشاطه وسلوكه الاقتصادي فهو يسعى لرفع الأسعار وتخفيض نوعية المنتجات لتحقيق هدفه، الربح المادي؛ بعيداً عن مصلحة المستهلك، وهذا ما يعني إلحاق الضرر بمصلحة المستهلك ولكن ما يسهم في ضبط إيقاعه ويجبره على التراجع عن إلحاق الضرر بمصلحة المستهلك هو المنافسة في السوق.

وتجدر الإشارة إلى، أن أداء جهاز الأسعار لا يكون مثالياً دائماً، وذلك بحكم ارتباطه بنوع السوق السائد، من حيث المنافسة والاحتكار، أي كلما كان الاتجاه نحو المنافسة أكبر كلما يكون أداء جهاز الأسعار أفضل للمستهلك والعكس صحيح، أي كلما كان اتجاه السوق نحو الاحتكار يكون أداءه سيء وأسوء للمستهلك.

القطاع الخاص أفضل للمستهلك

ويبدو للوهلة الأولى، إن الدولة هي الأفضل للمستهلك بحكم الهدف الاجتماعي الذي تسعى لتحقيقه في ظل سيادة التخطيط المركزي، من القطاع الخاص الذي يسعى لتحقيق الهدف المادي في ظل سيادة اقتصاد السوق.

لكن في حقيقة الأمر وحتى وإن سعت الدولة لتحقيق الهدف الاجتماعي، وسعي القطاع الخاص لتحقيق الهدف المادي المتمثل في تحقيق الربح المادي إلا إن الأفضل للمستهلك وأكثر جديةً في تحقيق منفعته هو القطاع الخاص. وذلك بحكم ثلاثة مزايا يتفوق القطاع الخاص على الدولة في تحقيقها لمصلحة المستهلك دون أن يستهدفها بشكل مستقل عن مصلحته بل إن مصلحته لا تتحقق إلا من خلال تحقيق مصلحة المستهلك خصوصاً في ظل تطبيق مبادئ اقتصاد السوق بشكل سليم بعيداً عن التشوهات.

السعر، النوعية، تخصيص أمثل:

السعر، يبحث المستهلك في أي اقتصاد عن الأسعار المنخفضة، كونها تجعله أكثر قدرة على إشباع حاجاته وزيادة منفعته، ونظراً لقدرة القطاع الخاص على تخفيض الأسعار في ظل غياب الاحتكار وسيادة المنافسة، فإن القطاع الخاص هو الأفضل للمستهلك.

النوعية، تأتي النوعية بالمرتبة الثانية بعد السعر من حيث أهميتها للمستهلك، وعند وصول السعر لأدنى حد وثباته، وعدم قدرة القطاع الخاص على تخفيضه، سيعمل على رفع نوعية منتجاته لجذب المستهلك وزيادة مبيعاته وتحقيق أقصى الأرباح، في إطار مزيد من المنافسة، وهذا ما يصب في مصلحة المستهلك أيضاً.

تخصيص أمثل، من شأن القطاع الخاص يعمل على تخصيص الموارد بشكل أمثل أفضل من الدولة، وذلك بحكم دافعية الأرباح، فهو يسعى توظيف الموارد أفضل توظيف والعمل على إلى تدنية تكاليف الإنتاج إلى أدنى نقطة من أجل تحقيق أقصى الأرباح.

 في حين لم تعمل الدولة كذلك لان الهدف من نشاطها هو اجتماعي بالدرجة الأولى لا مادي فهي لا تسعى لتدنية التكاليف إلى أدنى نقطة كما يسعى القطاع الخاص بل وفي بعض الأحيان إن تكاليف الإنتاج لديها تتجاوز الإيرادات فتحصل خسارة وهذا ما يعني سوء تخصيص الموارد وهدرها.  

ما علاقة التخصيص الأمثل للموارد بمصلحة المستهلك؟

إذا ما تم استثمار الموارد بعيداً عن الأمثلية يعني هدرها واستنفادها خلال مدة زمنية محدودة والنتيجة حرمان المستهلك من إشباع حاجاته فتقل منفعته، ولهذا فإن التخصيص الأمثل للموارد يحقق إشباع حاجات المستهلك ويزيد منفعته لأطول مدة زمنية ممكنة.

المستهلك في العراق

بحكم توجه العراق نحو اقتصاد السوق بعد عام 2003 ليكون القطاع الخاص هو المحرك الرئيس في الاقتصاد وسط مزيد من المنافسة ما بين المنتجين لتحقيق مصلحة المستهلك سعراً ونوعياً وتخصيصاً. إلا إن تعلق الاقتصاد بشباك الدولة أعاق التحول الاقتصادي بشكل سليم وأصبح العراق يعاني من الفوضى الاقتصادية انعكست على المستهلك بشكل سلبي في أغلب مناحي الحياة، أي ارتفاع الأسعار، انخفاض النوعية وسوء تخصيص الموارد وهدرها.

إضافة إلى شباك الدولة، هناك عنصر آخر مهم أسهم في تعثر التحول الاقتصادي وانعكست آثاره على المستهلك، ألا وهو ثقافة المستهلك العراقي، ثقافة الدولة لا ثقافة القطاع الخاص. حيث تعلم المستهلك على إشباع حاجته من قبل الدولة لا من القطاع الخاص ولا يعرف إن المزايا التي يحصل عليها من القطاع الخاص في ظل سيادة اقتصاد السوق هي أكبر وأفضل من الدولة في ظل سيادة التخطيط المركزي.

 لذلك لم يحاول المستهلك توحيد صفوفه وتركيز جهوده لتفعيل القطاع الخاص في ظل تطبيق مبادئ اقتصاد السوق بشكل سليم، من أجل إشباع حاجته وتحقيق منفعته من خلال المزايا المذكورة آنفاً.

وعليه، من أجل تحقيق مصلحة المستهلك العراقي يستلزم العمل من الجهات ذات العلاقة على تغيير ثقافته من ثقافة الدولة إلى ثقافة القطاع الخاص وذلك بعد تبيان المزايا المذكورة أعلاه بمزيد من التوسع والتفصيل والتي ستنعكس عليه بشكل تلقائي إذا ما أصّر على تطبيق مبادئ اقتصاد السوق بشكل سليم.

ومن أبرز تلك الجهات التي من الممكن أن تعمل دوراً كبيراً بهذا الصدد هي المراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدني والجامعات والمنبر الديني والإعلام.

التعليقات