الاكتناز في العراق -مشاكل وحلول

شارك الموضوع :

مع استمرار هيمنة الدولة على القطاع المصرفي وبنسبة كبيرة ومحدودية دور القطاع الخاص فيه وغياب عنصر المنافسة وتسلل الفساد للقطاع المصرفي الخاص والحكومي سيظل هذا القطاع يعاني من التخلف في اداءه

يُعد الاكتناز ظاهرة عامة في العراق كون اغلب المواطنين يكتنزون أموالهم في منازلهم دون استثمارها في مشاريع انتاجية تنعكس بشكل ايجابي على واقع الاقتصاد العراقي، وذلك لأسباب عديدة تقف خلف هذه الظاهرة أبرزها غياب المناخ الاستثماري وضعف الجهاز المصرفي وخطأ عملية التحول وهيمنة الدولة وانخفاض الوعي المصرفي.

الاكتناز والمناخ الاستثماري

حيث يعد المناخ الاستثماري احد الاسباب الجاذبة او الطاردة للاستثمارات ويكون جاذب متى ما استطاع البلد من توفير المزايا والضمانات للاستثمار من جانب وتذليل العقبات والتحديات أمامه من جانب آخر، والعكس صحيح يكون طارد متى ما عجز البلد عن توفير المزايا والضمانات وعدم معالجة العقبات والتحديات التي تقف امام طريق الاستثمار.

الاكتناز هو تعطيل رؤوس الاموال عن الحركة في الاقتصاد، لأسباب عديدة، أبرزها هو المناخ الاستثماري حيث توجد علاقة عكسية بين المناخ الاستثماري والاكتناز، فكلما يتحسن المناخ الاستثماري ينخفض حجم الاكتناز لان المناخ الاستثماري الجيد يحفز المستثمرين على الاستثمار وهذا ما يعني زيادة الطلب على رؤوس الاموال وارتفاع الفوائد والارباح لأصحاب رؤوس الاموال وهذا ما يدفع الآخرين بفعل عنصر المحاكاة إلى سلوك نفس الطريق رغبة بالفوائد والارباح على رؤوس اموالهم، فيبتعدون عن الاكتناز باتجاه الادخار او الاستثمار.

والعكس صحيح حينما يسوء مناخ الاستثمار ستخفض الارباح والفوائد على رؤوس الاموال وانخفض حجم الاستثمار كنتيجة لغياب المزايا والضمانات ووجود العقبات والتحديات، وهذا ما يدفع اصحاب رؤوس الاموال الى اكتنازها في منازلهم بعيداً عن ادخارها او استثمارها او استثمارها في الخارج بحكم توفر المناخ الملائم.

وبما ان مناخ الاستثمار في العراق مناخ ليس غير جاذب بل طارد للاستثمار، حيث يحتل مراتب متأخرة في مؤشر سهولة بيئة الاعمال الصادر عن البنك الدولي، وبالتحديد المرتبة 165 من أصل 190 دولة، فضلاً عن احتلاله مراتب متقدمة في مؤشر مدركات الفساد العالمي الصادر عن منظمة الشفافية العالمية، وبالتحديد المرتبة 168 من أصل 180 دولة، لذا أصبح الاكتناز في العراق ظاهرة عامة.

الاكتناز والجهاز المصرفي

هناك علاقة وثيقة بين الاكتناز والجهاز المصرفي فكلما يكون الجهاز المصرفي جهازا متطورا في اداءه كلما يستطيع التحجيم من ظاهرة الاكتناز، والعكس صحيح كلما يكون اداء الجهاز المصرفي متواضع سيزداد حجم الاكتناز.

من أبرز علامات تطور الجهاز المصرفي هو مدى قدرته على جذب المدخرات وتوجيهها نحو قنوات الاستثمار الحقيقية، فكلما يكون قادر على جذب المدخرات عبر تحقيق الكثافة المصرفية التي تعني عدد المصارف بالنسبة لعدد الاشخاص والشمول المالي الذي يعني حصول جميع افراد المجتمع على الخدمات المصرفية بما يلبي احتياجاتهم في كل مكان وزمان وبجودة عالية واسعار مناسبة، وتوجيهها نحو الاستثمار سيكون قادر على امتصاص الاكتناز.

ان النسبة المعيارية للكثافة المصرفية في العالم هي فرع واحد لخدمة كل عشرة الالف نسمة، وبما ان نسبة الكثافة المصرفية في العراق هي فرع واحد لكل 35،٥٠٠ نسمة عام 2016، هذا ما يعني انخفاض الكثافة المصرفية في العراق وهذا ما ترتب عليه انخفاض الشمول المالي حيث بلغت نسبته 11% وهي نسبة متواضعة قياساً بالنسب التي حققتها الكثير من الدول الاجنبية والعربية والدول المجاورة، حسب ما اوضح مستشار البنك المركزي العراقي وكالة وليد عبد النبي. فتخلف الجهاز المصرفي كان احد الاسباب وراء شيوع ظاهرة الاكتناز في العراق.

خطاً عملية التحول وهيمنة الدولة 

ان تحول العراق بشكل مفاجئ وعشوائي ومزدوج من الدكتاتورية الى الديمقراطية سياسياً ومن الاشتراكية الى السوق واقتصادياً، أسهم في شيوع الفوضى السياسية والاقتصادية التي انعكست على الاوضاع الامنية التي ألقت بظلالها على القطاع المصرفي، فأصبح قسم كبير من المقترضين لا يمكنهم سداد ديونهم بتواريخ استحقاقها، هذا ما أربك عمل المصارف وانعكس سلباً على سيولتها حسب ما اشار اتحاد المصارف العربية.

ففي الوقت الذي تبنى العراق النظام الجديد والذي يُفترض وفقاً لهذا التبني ان تنسحب الدولة من الاقتصاد بما فيه القطاع المصرفي إلا انها لاتزال تملك حصة الأسد في القطاع المصرفي، حيث اشار اتحاد المصارف العربية، على الرغم من زيادة عدد المصارف الاهلية العاملة في العراق إلا ان حجمها ونشاطها محدودين جداً مقارنة مع المصارف الحكومية التي تدير حوالي 91% من مجمل موجودات القطاع المصرفي في حين تدير المصارف الاهلية 8% منها والمصارف الاجنبية تدير 1% فقط.

كما سيطر مصرف الرافدين وهو اكبر مصرف حكومي على 51% من موجودات القطاع المصرفي عام 2013، و47% من ودائعه، و45% من التسليفات الائتمانية. كما بلغت الحصة السوقية لأكبر مصرفين فقط، أي مصرف الرافدين ومصرف الرشيد، 75% من اجمالي موجودات القطاع، و 73% من ودائعه، و64% من القروض في نهاية عام 2013. بالتزامن مع شيوع الفساد في أغلب مؤسسات الدولة بما فيها القطاع المصرفي.

ان القطاع الخاص في العراق لا يمتلك تاريخاً عريقا في القطاع المصرفي ومع فتح الباب أمامه عام 2003 إلا انه لايزال محدود الاداء وذلك بسبب خطأ عملية التحول في العراق حيث لم تكُن مدروسة وكانت عشوائية، ولذا لم يكُن القطاع الخاص بشكل عام وفي القطاع المصرفي بشكل خاص محل ثقة المواطن.  

مع استمرار هيمنة الدولة على القطاع المصرفي وبنسبة كبيرة ومحدودية دور القطاع الخاص فيه وغياب عنصر المنافسة وتسلل الفساد للقطاع المصرفي الخاص والحكومي سيظل هذا القطاع يعاني من التخلف في اداءه، فلن يُقبل المواطنون على التعامل معه وبالتالي يفضلون اكتناز اموالهم في بيوتهم، وهذا ما حصل في العراق حين شكل الاكتناز ما نسبته 77% من حجم العملة المصدرة خارج البنك المركزي العراقي، فضلاً عن الاكتناز بالعملة الأجنبية، حسب المستشار الاقتصادي والمالي للحكومة مظهر محمد صالح.

الاكتناز والوعي المصرفي

هناك علاقة وثيقة بين الاكتناز والوعي المصرفي لدى الجمهور، تارة تكون علاقة عكسية أي كلما يرتفع الوعي المصرفي ينخفض حجم الاكتناز، وتارة اخرى تكون علاقة طردية أي كلما ينخفض الوعي المصرفي يزداد حجم الاكتناز.

ونظراً لانخفاض الوعي المصرفي لدى الجمهور العراقي الذي اتضح من خلال انخفاض التعامل مع المصارف، حيث يشير اتحاد المصارف العربية إلى 80% من سكان العراق لا يملكون حساباً مصرفياً، فانخفاض الوعي المصرفي انعكس على حجم الاكتناز الذي شكل 77% من العملة خارج البنك المركزي.

وبعد تحديد أهم الاسباب التي تقف وراء ظاهرة الاكتناز لابد من الإشارة إلى أبرز الخطوات التي تسهم في معالجة هذه الظاهرة بالآتي: 

أولاً: بناء مناخ استثماري يكون قادر على جذب الاستثمار ومحفز للمستثمر المحلي بشكل خاص حتى يستطيع امتصاص الاكتناز.

ثانياً: العمل على تطوير الجهاز المصرفي ورفع اداءه من خلال زيادة الكثافة المصرفي وتحقيق الشمول المالي، وهذا ما يشجع المواطنين على ادخار اموالهم في المصارف.

ثالثاً: انسحاب الدولة من القطاع المصرفي بشكل تدريجي وتحرص على ان تُوجد عنصر المنافسة لان المنافسة كفيلة بتحسين جودة الخدمات المصرفية وانخفاض تكاليفها.

رابعاً: رفع الوعي المصرفي لدى الجمهور بمدى أهمية التعامل مع الجهاز المصرفي وكيفية انعكاس آثاره الايجابية عليه وعلى مجتمعه واقتصاد وطنه.

خامساً: إعادة الثقة للمواطن بالجهاز المصرفي وذلك من خلال إجراءات حقيقية تحمي ودائع المواطن من الفساد وكيف تسهم في زيادتها وتشعره بأي قرارات جديدة تسهم في تنمية امواله.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية