مسارات الاستقرار المالي في العراق

شارك الموضوع :

المؤسسة النقدية في العراق نجحت في تحقيق العديد من اهداف السياسة النقدية على الصعيد المحلي والخارجي، لعل اهمها تأمين مظلة استقرار سعري مناسبة

رغم العديد من الملاحظات التي وجهت لأداء البنك المركزي العراقي خلال السنوات الماضية، والتي ركز جُلها على مزاد بيع العملة وشبهات الهدر والفساد التي اطرت عمل نافذة العملة الاجنبية، فان المؤسسة النقدية في العراق نجحت في تحقيق العديد من اهداف السياسة النقدية على الصعيد المحلي والخارجي، لعل اهمها تأمين مظلة استقرار سعري مناسبة لدعم جهود التنمية والاعمار والاستثمار وتمويل جزء من العجوزات المالية بسبب انهيار اسعار النفط وتكاليف والحرب على داعش، فضلا على قيام البنك المركزي بمد جسور التمويل اللازمة لدعم القطاع الخاص وتوفير القروض اللازمة للصناعات الصغيرة والمتوسطة وانعاش الاقتصاد الوطني وابعاده عن الجزء الحاد من الازمة بعدما خلف تراجع الايرادات النفطية ركودا طويلا طال معظم القطاعات الانتاجية والخدمية في البلد.

بالإضافة لما سبق، يعد استقرار النظام المالي أحد الأهداف الرئيسة الواجب تحقيقها والمحافظة عليها من قبل البنك المركزي العراقي جنباً الى جنب مع استقرار مستوى الأسعار وأسعار الصرف، لضمان أداء فعال لجميع الوحدات الاقتصادية نحو تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة. ويعني استقرار النظام المالي ان يكون النظام المالي بكافة مؤسساته قادرا على تحقيق الاستقرار في أداء وظائفه الأساسية المتمثلة في تعبئة المدخرات ومنح القروض المختلفة وتسوية المدفوعات بفاعلية، لاسيما في أوقات الأزمات المالية الناتجة عن تدهور النظام المالي أو المتولدة من القطاع الحقيقي.

مؤشرات السلامة المالية

أن الاهتمام المتزايد من قبل البنك المركزي العراقي في موضوع تحقيق الاستقرار المالي في العرق نابع من مسؤوليته في ضمان نظام مالي سليم ومستقر والحفاظ عليه وتقليل المخاطر المحتملة بعد التنبؤ بها، هذا ما شجع البنك المركزي العراقي على جعل الاستقرار المالي الهدف الأول ضمن استراتيجيته المعلنة للمدة (2016-2020). وفي سياق ذلك، ولأجل التحقق من سلامة النظام المالي يحاول البنك المركزي العراقي رصد وتحليل مؤشرات السلامة المالية التي تعرضها تقارير الاستقرار المالي السنوية . وفيما يلي تحليلا لاتجاهات تلك المؤشرات وما تعنيه للنظام المالي العراقي ككل.

1-مؤشر نسبة كفاية راس مال:

تهدف البنوك المركزية الى تعزيز المراكز المالية للمصارف عن طريق زيادة رؤوس أموالها، كونها خط الدفاع الأول تجاه المخاطر المحتملة، وتعد كفاية راس المال من أهم المؤشرات التي تستخدم للتعرف على ملاءة المصرف وقدرته على تحمل الخسائر المحتملة أو حالات الإعسار المتوقعة. وقد بلغت نسبة كفاية راس المال للجهاز المصرفي العراقي ككل (%128)، وفقا لتقرير الاستقرار المالي لعام 2016 ، وهي نسبة مرتفعة تعكس قدرة وكفاءة الجهاز المصرفي على مجابهة المخاطر والتحديات غير المتوقعة.

2-مؤشر السيولة المصرفية:

يعد عنصر السيولة من أبرز العناصر المؤثرة على استقرار الجهاز المصرفي لأي بلد، ويبقى امتلاك المصارف لمستوى ملائم من السيولة التحدي الاكبر كونه قائم على المفاضلة بين الربحية والسيولة النقدية، ففي حال انخفاض مناسيب السيولة يتعرض المصرف إلى مخاطر مالية كبيرة قد تؤدي إلى الافلاس وعدم القدرة على سداد طلبات الزبائن فورا، وهذا ما حدث في اليونان قبل سنوات. ويتمتع الجهاز المصرفي في العراق بمناسيب سيولة عالية تفوق النسب المحددة من لدن البنك المركزي، اذ يلاحظ تسجيل نسبة الموجودات السائلة / إجمالي الموجودات لدى الجهاز المصرفي ككل قرابة  (%64.5)عام 2016، وهي نسبة مرتفعة وفقاً للعرف المصرفي وتعكس بوضوح الاتجاه التحوطي للجهاز المصرفي العراقي في ظل ارتفاع درجة المخاطرة في البلد.

3-مؤشر جودة الموجودات:

تشكّل جودة ونوعية الموجودات حجر الأساس لمستوى مصداقية معدلات راس المال، لكون معظم مخاطر الإعسار المالي في المؤسسات المالية تنجم في الغالب عن طريق نوعية الموجودات أو مصاعب تحويلها إلى سيولة عند الحاجة. وهناك نوعان من المؤشرات التي تبين طبيعة الموجودات المتحققة لدى الجهاز المصرفي الاول هو نسبة الديون المتعثرة (القروض غير العاملة)، وتؤثر هذه النسبة على محفظة الإقراض للمصارف ومن ثَمَّ على وضع التدفقات النقدية وصافي الدخل وكذلك تؤثر على درجة الإعسار المالي فيها وتقاس باستخدام مؤشر نسبة الديون المتعثرة / إجمالي القروض والتي شهدت في المصارف العراقية ارتفاعا عام 2016 مقارنة مع العام 2015 ، وهو ما يشير إلى أنها قد تؤثر بشكل أو بآخر في مؤشر الاستقرار المالي في العراق. إذ ارتفع إجمالي الديون المتعثرة لدى المصارف العراقية الحكومية والخاصة إلى (3.3) ترليون دينار نهاية العام 2016 مقارنة مع العام 2015  حين بلغت (3.1)  ترليون دينار. وتوزعت الديون المتعثرة لعام 2016 بواقع (2.2) ترليون دينار للمصارف الحكومية و(1.2) ترليون دينار للمصارف الخاصة، ويشير ذلك إلى أن المصارف الحكومية أكثر عرضة لمخاطر عدم التسديد ويشكل نقطة ضعف على وضع الجهاز المصرفي الحكومي مقارنة بالمصارف الخاصة. 

4-مؤشر الإيرادات والربحية:

يعد مؤشر الايرادات والربحية عنصراً حاسما في الحكم على الاتجاهات السلامة المصرفية لأي بلد، ويمكن الاستعانة بعدد من النسب في تحديد معدلات الايرادات والربحية التي حققها الجهاز المصرفي في العراق لعل اهمها نسبة العائد على الموجودات في المصارف الحكومية، والتي سجلت ( %0.4) عام 2016  متراجعة عن نسبتها المتحققة عام  2015 والبالغة . (%0.5) أما فيما يخص المصارف الخاصة فقد انخفضت تلك النسبة عام 2016 إلى (1.6%) بعد أن بلغت (%2.4) عام 2015 وذلك بسبب انخفاض ربحية المصارف قياساً بحجم الموجودات المرتفع وارتفاع حجم السيولة المصرفية أيضاً.

الخلاصة

هناك العديد من المؤشرات التجميعية المقترحة التي تفصح عن اتجاه الاستقرار المالي في العراق. ويمكن من خلال الاستعانة بمؤشرات السلامة المالية في العراق رصد جملة من المؤشرات التي توضح مخاطر وتحديات النظام المالي في البلد. ففي الوقت الذي حققت نسب كفاية راس المال والسيولة المصرفية نسب مرتفعة تعكس قدرة ومتانة الجهاز المصرفي في مجابهة المخاطر والتحديات غير المتوقعة، فان ارتفاع معدلات الديون المتعثرة / إجمالي القروض، خصوصا في المصارف الحكومية، قد يؤثر بشكل أو بآخر في مؤشر الاستقرار المالي في العراق. اما بخصوص معدلات الايرادات والربحية التي حققها الجهاز المصرفي في العراق خلال السنوات السابقة فقد سجلت هبوطا حادا بسبب انخفاض ربحية المصارف (قياساً بحجم الموجودات المرتفع) نتيجة انحسار استثمارات المصارف وانكماش توظيفاتها المالية نتيجة الأوضاع السياسية والأحداث الأمنية التي تشهدها البلاد.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية