يقال ان السياسة تصنع ما تعجز عنه الحروب ، فالسياسة هي فن ادارة الدولة ومن يتمكن منها باستطاعته التمكن من اي شيء ، والعراق اليوم يسجل لحظات مرحلية في عمق تاريخه السياسي فبعد التمدد الكردي الذي عجزت ان توقفه الة الحرب ها هي السياسة اليوم حققت نقلة نوعية عبر استعادة المناطق المتنازع عليها مع الاقليم دون خوض حرب، وسياسيو الاقليم ربما وقعوا في فخ الاستفتاء الذي حصل في 25 ايلول عبر استدراجهم بصورة غير علنية لإجرائه ، وكما يقول هاري ترومان : ( اذا كنت لا تستطيع اقناع خصومك، حاول ان تسبب لهم الارتباك )، فالجميع كان يتساءل عن سبب ردة الفعل الخجولة الرافضة لإجراء الاستفتاء وما هو سبب بقائها دون مستوى الطموح سواء من الحكومة الاتحادية في بغداد او الدول الاقليمية وحتى الولايات المتحدة الامريكية ، وهذا الامر جاء بعد تعنت قادة الاقليم والتمسك برأيهم بإجرائه والانفصال عن العراق بعد كل التنازلات التي قدمتها بغداد وبعد الحالة السياسية والامنية والاقتصادية التي وصل اليها الاقليم ، فالعقوبات ما بعد الاستفتاء اظهرت ومما لا شك فيه عن رغبة محلية إقليمية لإيقاف قادة الاقليم عن نهجهم التوسعي والانفصالي وحتى على مستوى الداخل فقد ظهرت مديات الخلاف الكردي الكردي، وكما يقول ونستن تشرشل : ( الذين ارتقوا سلم المجد إما على أكتاف أصدقائهم، أو على جماجم أعدائهم ) ، فهذه الخلافات سرعان ما طفت نتيجة لأسباب عدة منها التفرد بالحكم وابعاد المعارضين ايضاً حجم الفساد الذي بدأ يظهر ما بعد التقشف الحكومي وخفض اسعار النفط ، كما وان استيلاء بعض المتنفذين على مقدرات الاقليم والاستيلاء على الثروة حتى وصل الحال الى عجز الاقليم عن دفع مرتبات موظفيه ، ايضاً التعامل الحكيم من قبل الحكومة العراقية مع الملف الكردي وفوق كل ذلك بروز تيارات شبابية كردية تطالب بالعدالة واشراكها في مقررات الاقليم .
لذلك فالتحدي يتأتى من جانبين : الاول – تحدي داخلي ينصب على المأزق الكردي الناجم من اجراء الاستفتاء وما تبعه من احداث وهو مأزق وضع القادة الكرد انفسهم فيه دون حساب الخطوة اللاحقة في حين كان من الاولى لهم معالجة الاخفاقات الداخلية وتكوين راي عام كردي حقيقي وتصفير المشاكل مع بغداد والدول المجاورة قبيل الاقدام على هكذا مشروع انفصالي ، اما الجانب الثاني _ تسعى حكومة بغداد الى الحصول على مكاسب جديدة تعوض من خلالها تعديل الاتفاق مع الاقليم لا يخلو من حصة الاقليم في الموازنة وهو 13% اضافة الى تصدير النفط عن طريق شركة سومو مع بسط النفوذ الحكومي على المناطق المتنازع عليها ، لذلك اي تأخير في اطلاق المفاوضات هو في صالح حكومة المركز بينما تتزايد التظاهرات الشعبية وتزداد فجوة الخلاف الداخلي الكردي مما سيضطر القادة الكرد بالنهاية للقبول بشروط بغداد للحفاظ على الاقليم .
اخيراً من الضروري أن تستثمر الحكومة الاتحادية حالة الاقليم للموافقة على شروطها التفاوضية، اضافة الى استقطاب الشارع الكردي وكسب تأييده لا سيما فيما يتعلق بموقف الحكومة الرافض لقمع تظاهرات المواطنين الكرد اضافة الى استعدادها لتسليم رواتب موظفي الاقليم وغيرها من الامور التي تعزز حضور المركز في الاقليم واستمالة بعض الاحزاب والتيارات الشبابية الرافضة للانفصال ، فجميعها اجراءات تؤدي الى حلحلة الاوضاع هناك وبالتالي اضفاء طابع من الاستقرار على مستوى العلاقات ما بين المركز والاقليم واعادة العلاقة بما ينص عليه الدستور.