في الوقت الذي يعيش فيه المكون السني العراقي بين مهجر ونازح وقابع تحت حكم تنظيم داعش، وبنفس الوقت الذي تصارع فيه الحكومة العراقية على عدة جبهات سواء كانت عسكرية تتعلق بطرد تنظيم "داعش" الإرهابي من محافظة الموصل، أو اقتصادية؛ بسبب الأزمة المالية التي تعيشها الدولة العراقية جّراء انخفاض اسعار النفط العالمية والحرب المستمرة ضد تنظيم "داعش"، وتفشي الفساد في اغلب مؤسسات الدولة العراقية، أو سياسية كانت تتعلق بالصراع السياسي ضد بعض الاحزاب والقوى السياسية التي تحاول الاطاحة بمشروع السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي، من خلال التفافها على مشروع الإصلاح الحكومي وعدم استطاعتها الخروج من مبدأ المحاصصة السياسية والطائفية التي بنيت عليها الدولة العراقية منذ عهد الحاكم المدني الأمريكي "بول بريمر". تظهر بعض شخصيات المكون السني العراقي التي تناصب العداء للحكومة العراقية وربما العملية السياسية برمتها بتنظيم مؤتمر في مدينة (جنيف) السويسرية يوم الأربعاء الموافق 15 شباط/ فبراير 2017، بحضور بعض الشخصيات السنية العراقية، من بينهم (خميس الخنجر ورافع العيساوي "المطلوبين للقضاء العراقي" وناجح الميزان "المعارض للحكومة العراقية" وحضرت بعض الشخصيات السياسية العراقية المشاركة في الحكومة العراقية ومنهم صالح المطلك واحمد المساري وممثل نائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي، فضلاً عن حضور محافظ نينوى الحالي نوفل العاكول ومحافظ صلاح الدين احمد عبد الله الجبوري ومدير قناة الشرقية "سعد البزاز" وغيرهم ممن يتبنون المشروع السني). وكان المؤتمر برعاية أمريكية-أوروبية، عرابها مهندس مشروع الصحوات العراقية والمدير السابق لجهاز المخابرات الأمريكي الجنرال "ديفيد بترايوس"، ورئيس الوزراء الفرنسي الأسبق "دومنيك دوفليبان" (2005 – 2007)، فضلاً عن رئيس وكالة "الطاقة الذرية" محمد البرادعي، الذي حضر المؤتمر بصفة "محاضر". والشي المثير للاستغراب في هذا المؤتمر عدم حضور السيد طارق الهاشمي! المطلوب أيضاً للقضاء العراقي والمعارض السياسي للحكومة العراقية، بينما رفض رئيس مجلس النواب العراقي الحضور إلى المؤتمر؛ بداعي أن الحل يجب أن يكون عراقياً. ويبدو بأن رفض السيد الجبوري حضور المؤتمر يندرج تحت الخلاف الدائر بين الحزب الإسلامي الذي ينتمي إليه الجبوري وتيار النجيفي على أثر تداعيات واتهام وزير الدفاع السابق خالد العبيدي لرئيس مجلس النواب سليم الجبوري في جلسة استجواب الأول.
ويبدو بان المؤتمر استبعد ما يطلق عليهم بالسنة المعتدلين سواء كانت الشخصيات السنية الموجودة في الكتلة الوطنية "كتلة أياد علاوي" أو من الاسماء السنية الأخرى، من الذين يعارضون الحل العراقي في الخارج. واستبعد المؤتمر أيضاً هيئة علماء المسلمين والوقف السني ودار الإفتاء السنية العراقية، بالمقابل كان هناك حضور لشخصيات سياسية محسوبة على الحكومة العراقية مثل "نوفل العاكول" محافظ الموصل و "احمد عبد الله الجبوري" محافظ صلاح الدين الحالي، الذي وعلى ما يبدو بأن الحكومة العراقية قد سمحت لهم بحضور المؤتمر من اجل تقويض بعض اهدافه "اهداف المؤتمر" وربما تقويض هدفه الاساس الداعي إلى مشروع الإقلمة للمحافظات السنية لمرحلة ما بعد "داعش".
وعلى الرغم من أن المؤتمر سيناقش التحديات التي تواجه المحافظات السنية في مرحلة ما بعد داعش، وإعمار المدن المستعادة، فضلاً عن بحث إمكانية إنشاء قوات محلية سنية لمسك الأرض، ويعتقد أنها النواة العسكرية للإقليم السني، واستطلاع رأي المجتمع الدولي في إقامته، إلا أن هذا المؤتمر لا يختلف عن المؤتمرات السابقة ولا يخرج عن دائرة الزوبعة الإعلامية والتخبط السياسي السني في العراق؛ وذلك بسبب غياب الرؤية الوطنية لأغلب المؤتمرين، والفجوة الكبيرة بين القاعدة والهرم (بين المجتمع السني وقادته السياسيين)، لاسيما وأن أغلب هؤلاء القادة هم متهمين من قبل مجتمعهم الداخلي في زيادة معاناتهم، وبأنهم سبب رئيس في تأزم وضعهم الحالي؛ وسبب مباشر في ظهور تنظيم "داعش"، فضلاً عن أن أغلبهم مطلوبين للقضاء العراقي؛ ولذلك فأن حجم الثقة بين المجتمع السني وهؤلاء القادة مفقودة وتكاد تكون معدومة؛ بسبب الأزمة الحالية التي تمر بها المحافظات السنية من تدمير وتهجير وحرب ضد تنظيم "داعش"، وبالتالي فأن هؤلاء القادة لا يعبرون عن الواقع المعاصر للمجتمع السني في العراق، لاسيما بعد 10حزيران/ يونيو 2014. وقد يكون القبول والدعم الخارجي سواء (الإقليمي أو الدولي) هو من يخول هذه الاسماء -التي سبق ذكرها-المتحدث باسم المكون السني العراقي، فضلا عن الخلاف الدائرة بينهم، لاسيما فيما يتعلق بقيادة المجتمع السني وغياب المرجعية الوطنية الجامعة؛ بسبب اختلاف الرؤى والمشاريع والتوجهات والاهداف سواء الخاصة بـ الإقلمة واللامركزية الادارية أو الخاصة طبيعة النظام الإداري للإقليم وشكل المؤسسة العسكرية وطبيعتها، وطبيعة العلاقة مع بغداد. وقد يظهر المؤتمر بالنسبة لبعض القوى السنية، بانه ترتيب لأوراقها السياسية لمرحلة ما بعد داعش، ومواجهة التحديات المقبلة، إلا أن فرص نجاحه تكاد تكون معدومة؛ نتيجة هذا الانقسام والابتعاد عن المشاريع الوطنية الجامعة والقريبة من المجتمع السني والعراقي بشكل عام.
وعليه، فأن المجتمع السني مطالب -كما المجتمع الشيعي مطالب أيضاً-، بإيجاد أو خلق دماء ووجوه سياسية جديدة تلد من رحم المعاناة المجتمعية التي تعرض لها المجتمع على مدى الفترات والحقب السابقة بعيداً عن الطبقة السياسية الحالية وأحزابها التي اتخذت من السلطة هدف اساس في ديمومتها السياسية وتطلعاتها المستقبلية، دون النظر إلى مفهوم الدولة وعملية بناءها.
اضافةتعليق