اسباب اثارة الازمات في العراق بعد الانتصارات العسكرية

شارك الموضوع :

من ضمن مشاكل العراق ما بعد التغيير السياسي عام 2003 هو كثرة الازمات والمشاكل وغالبيتها اما ان تكون مفتعلة او ذات اهداف سياسية اوهي ناجمة من جراء قصور وتقصير في جانب معين من جوانب العمل الحكومي والمؤسساتي او ربما الهدف من اثارتها مصلحة لدولة ما ، والأصعب ما في الامر ان اغلب تلك الازمات عند التحقق منها لا تخلو من بعداً سياسياً حتى وان كان الموضوع المثار حوله الازمة هو في مجالات اخرى كأن يكون ( اقتصادي ، اجتماعي ، امني ، ثقافي ) والأخطر من ذلك توجد بعض القرارات او الاحكام هي قضائية وعند التمعن اكثر او ملاحظة مخرجاتها يتبين الجانب السياسي فيها ، وهذا الموضوع لم يأتي من محل الصدفة وإنما عبر دلائل وشواهد كثيرة . وبالانتقال لملف العمليات العسكرية ومخاض التحرير واستعادة المدن الخاضعة لسيطرة الإرهابيين واحدة تلوى الاخرى وبعد تحقيق انتصارات مبهرة والاقتراب من نهاية تنظيم داعش في العراق ، وبطبيعة الحال فأن هذا الامر لم يروق للبعض اذ عمد هؤلاء الى اثارة الازمات وسواء كانت قبل الشروع في العمليات العسكرية او اثناءها او حتى بعد استعادة مدينة ما ، ومن امثلة ذلك محافظة صلاح الدين و التي سيطر عليها تنظيم داعش في منتصف عام 2014 وعمل على جعلها ولاية تابعة لدولته المزعومة وفرض سيطرته بالقوة عليها وارتكب فيها مجزرة كبيرة راح ضحيتها قرابة ال1700 جندي وطالب بالقوة الجوية في قاعدة سبايكر العسكرية . والقصة بدأت بعد انطلاق القوات العراقية في اذار 2015 ومدعومة بقوات الحشد الشعبي بالشروع بعمليات تحرير المحافظة ومركزها مدينة تكريت والتي تتمتع بأهمية كبرى من عدة نواحي اهمها محاذاتها للموصل كما وإنها تضم مسقط راس رئيس النظام السابق وبعد الاعلان عن سيطرة تلك القوات على المدينة حتى ابتدأت معها اثارة ازمة كبيرة كان الهدف من ورائها سرقة الانتصار عن طريق إثارة النزعة الطائفية عبر اتهام الحشد الشعبي بقتل وتعذيب ابناء السنة في تلك المناطق وسرقة ممتلكاتهم وجرى تسليط الضوء لا سيما الاعلام العربي على هذه المجريات دون الاشارة للانتصار الكبير الذي تحقق هناك، وتكرر نفس السيناريو خلال عملية استعادة مدينة الفلوجة ذات الاهمية الاستراتيجية للتنظيم والعاصمة الروحية له فبعد البدء بالعمليات تعالت اصوات البعض في اثارة ازمة حكومية وتسقيط متبادل للقيادات الامنية الكبرى وإحراج السيد رئيس الوزراء ، وعلى المستوى الميداني فقد اثيرت مسألة اعدام وخطف الاهالي في مدينة الصقلاوية وبأن القوات المشتركة تمارس انتهاكات مروعة في المدينة والهدف والتوقيت كان واضحاً وهي محاولة لإيقاف تلك العمليات الى ان عزيمة القوات المسلحة قد افشلت ذلك المخطط حتى وان اثيرت موجة لا سيما في القنوات العربية ، الحادث الاخر والذي تزامن مع اعلان تحرير الساحل الايسر من مدينة الموصل وفي غضون تصاعد الدعم للقوات الحكومية وللسيد العبادي فقد سارع المتربصون او سارقوا فرحة الانتصار لإثارة قضية خور عبد الله متهمين الحكومة بالتنازل عن الميناء لصالح الكويت وهذا قد اشغل الرأي العام عن الانجاز الكبير الذي تحقق وربما اختيار التوقيت هو بحد ذاته هدفاً لمصادرة الانتصار وضربة للسيد العبادي ، في حين صرح السيد رئيس الوزراء بأن الاتفاقية هي للملاحة وليست لترسيم الحدود. أما من يقف وراء اثارة تلك الازمات والهدف منها وكيفية اختيار التوقيت فيمكن اجمالها بما يلي :- 1- التنظيمات الارهابية : اذ تلجأ تلك التنظيمات الى اثارة الازمات او افتعالها عندما تشعر بالهزيمة فتبحث عن طرق ملتوية لا شغال الرأي العام العالمي او الاقليمي او المحلي لعلها تظفر بفرصة لإعادة هيكلة صفوفها او توقف الهجوم او لإثارة حرب طائفية او خلاف سياسي يخدم تحركاتها . 2- القنوات الاعلامية المغرضة : هناك بعض القنوات الفضائية محلية او عربية تقوم بإثارة مواضيع هدفها الايقاع بالآخرين اما لغرض سياسي او لابتزاز مالي او هي اصلاً متعاونة مع التنظيمات الارهابية او هناك توجيه لها من لدن دولها بما يتلاءم ومصالحهم. 3- جهات سياسية : مثلما اسلفنا في بعض الاحيان تلجأ جهات سياسية الى اساليب مختلفة وحتى وان كانت على حساب الدم العراقي او على حساب مشاعرهم ما دام الامر يتعلق بتسقيط الطرف المنافس لها وصعود نجمها من جراء اثارة تلك الازمات ، وهذا النموذج قد استعمل في مناسبات شتى . 4- مخابرات دول : ليس من محل الصدفة عندما يتم تحرير مدينة معينة يقابلها بيوم او يومين تفجير دموي يذهب ضحيته مئات الابرياء ويشعل موجة احتجاج وكيل تهم متبادلة ، او عندما تتوقف التفجيرات لوهلة من الزمن تتصاعد عمليات الخطف والقتل وهذه دلائل تفوق قدرة تلك التنظيمات او لربما يتم توظيفها من لدن اجهزة مخابرات دولية لتحقيق مأرب او دوافع تصب في مصلحة تلك الدول ، والأبعد من ذلك هناك تصارع وتصادم وتنافس اقليمي يدفع المواطن البسيط اثمانه . فصانع القرار هنا يغفل احياناً او يتناسى احياناً اخرى في البحث عن المسبب والداعم ويلجأ لأسلوب التبرير ويظهر بمظهر الضعف وهذا الامر يجعل الطرف المقابل يشعر بثمرة اثارته للازمات وما جنى منها ، لذلك لا بد من الانتباه لخطورة الموقف والعمل على تقليل اثاره مستقبلاً بواسطة التالي : - نشر الثقة بالقوات العسكرية والأمنية الماسكة بزمام الامور وزيادة صلاحياتها لان الهدف اسمى من ان ينال من عزمها اشاعة او ازمة معينة. - اخضاع الكل لهيبة القانون ومن يعمل على اثارة ازمة ما فعليه اما ان يقدم دليل يثبت صحة ادعائه او يحاسب على وفق القانون واياً كان منصبه بتهمة التشهير وعرقلة عمل القوات الامنية . - مراعاة رفع العلم العراقي في جميع العمليات العسكرية حتى لا تعطى مبررات للأعداء ببث سمومهم. - تحسين اداء وسائل الاعلام لا سيما الرسمية منها وان تكون على مستوى الحدث والرد الحاسم والمناسب وان تكون الاقرب للحدث حتى لا يعطى المجال للقنوات المغرضة. - حصر التصريحات العسكرية والأمنية بالناطق الرسمي لتلك الصنوف لتجنب الدخول بتناقض المعلومات وضياعها وتحريفها وكشف الاسرار والثغور . - مراقبة وسائل الاعلام لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي وتشكيل فريق رصد للرد على تلك الاقاويل. فخطر اشاعة الفتنة والأزمة لا يقل خطورة عن القتل والتفجير لان الغرض واحد ، كما ان على المواطن او المتابع بشكل عام التمعن والتحقق والتأكد من مصدر الخبر وان لا يغرر به من اطراف معادية ونستشهد بقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين } الحجرات/6 .
شارك الموضوع :

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية