بعد سقوط الموصل منتصف العام 2014م كان بالإمكان إعادتها مباشرة من قبل القوات الأمريكية، الأمر وقتها وحسب التقديرات العسكرية لإمكانيات الولايات المتحدة المتعارف عليها لا يستغرق أكثر من (72) خصوصا إذا كان بالتوافق مع الحكومة العراقية وبطلبها وفق اتفاقية الإطار الاستراتيجي المعقودة بين الطرفين التي تنص على القيام بهذا الأمر إذا ما طلب العراق عند تعرض سيادته إلى خطر يهددها، اعادة المدينة بهذه الطريقة لم يحصل، الذي حصل ولازال يحصل هو مأزق عراقي تمثل باستنزاف عسكري وسياسي واقتصادي واجتماعي منذ دخول داعش للعراق والى يومنا هذا، في المقابل تفرج أمريكي واضح، المأزق العراقي تدور رحاه بين قلة الإمكانات العسكرية بجوانبها المختلفة اللازمة لمواجهة داعش واسترجاع الأرض التي احتلتها بوقت قياسي وبدون تكاليف باهظة، وما زاد من هذا المأزق عدم وجود استقلالية وحرية كاملة في اتخاذ قرار استراتيجي سياسي على المستوين الداخلي والخارجي في تهيئة الإمكانات والقدرات العسكرية أو الاستعانة بقدرات خارجية من غير الولايات المتحدة لتخرجه من مأزق دخول تنظيم داعش والقضاء عليها. التفرج الأمريكي في المقابل كان ولا يزال سيد الموقف من الناحية العملية في عملية استعادة الأرض، تحكمه خطوات وحسابات سياسية ، إعلاميا يعكس حال من الاهتمام في قضية التحرير ومساعدة القوات العراقية في تحرير المدن خاصة ما يروج اليوم من دعم لتحرير الموصل، ميدانيا وعلى الأرض الأمر مغاير، فالدعم ألاستخباري، التسليح، التدريب، غيرها من ما يقدم للعراق لا يتناسب وقوة وإمكانية الولايات المتحدة كدولة عظمى والأكثر تطور في الإمكانيات العسكرية على مستوى العالم، إذا الولايات المتحدة لم تقدم الدعم العسكري المباشر بتدخل بري وحسم تحرير الموصل عند سقوطها وكذلك غيرها من المدن سقطت بعدها تباعا ولم تقدم ذلك الدعم العسكري المطلوب للقوات العراقية لتقوم باسترجاع المدن التي فقدت السيطرة عليها، عدم قيامها بالتدخل المباشر يمكن إن نرجعه إلى عدة احتمالات منها:-
1- بعد تدخلها في كل من أفغانستان عام 2001 والعراق 2003، ونتيجة لتكاليف الحرب الباهظة في كل منهما بالأرواح والمعدات والاقتصاد وعدم حصولها على نتائج عسكرية وسياسية تتناسب وحجم تلك التدخلات، على إثر ذلك القرار السياسي والعسكري الأمريكي أخذ بعد ذلك منحا جديداً هو الابتعاد عن التدخل البري والاكتفاء بالتدخل الجوي ودعم قوى حليفة أو صديقة على الأرض في حال تعرض مصالحها إلى خطر في أي بقعة معينة من العالم.
2- الولايات المتحدة صاحبة مشروع كبير في المنطقة لم تفصح عن مضمونه بصورة جلية، لكن أدوات التنفيذ لهذا المشروع ظاهرة بصورة علنية هي التنظيمات التكفيرية، وتعتبر الأدوات المثلى لتنفيذ هذا المشروع، الولايات المتحدة هنا من غير المنطقي إن تقوم بإنهاء أدوات تعمل لها بتكليف أو بغير تكليف قبل إن تحقق مشروعها من خلالها، المتوقع إن الأخيرة تقوم بإنهائها حال تحقيقها مشروعها وانتفاء الحاجة لهذه الأدوات.
3- إرادة الحكومة العراقية خاصة القوى الشيعية كانت ولازالت ترفض التدخل البري الأمريكي بدعوة عودة الاحتلال وانتهاك السيادة وهي ذات الوقت كانت ولازالت متوافقة مع الرغبة الأمريكية في ذلك وهذا لا يعني إن الاثنان على تفاهم في هذا الجانب.
4- إيران كانت ولازالت ترفض أي حسم عسكري على الأرض في العراق ضد تنظيم داعش يحدث تحت مظلة أو عنوان أمريكي بصورة كاملة، خطواتها كانت ولازالت مسرعة لإنهاء تواجد داعش في العراق من اجل كسب الريادة في هذه المعركة، هذا ما تشهده ساحات المواجهة ضد تنظيم داعش اليوم فالسباق على قدم وساق بينها وبين الولايات المتحدة في هذا الجانب.
• أسباب عدم تدخل الولايات المتحدة لتقديم الدعم العسكري الحقيقي للجيش العراقي.
1- المنظومة العسكرية العراقية بعد سقوط الموصل باتت شبه منهارة ومقعدة وهي بحاجة إلى قسطا من الزمن لتستعيد عافيتها من جديد، تزويدها بقدرات عسكرية بعد انسحابها من الموصل وهي في ذات الوقت تاركه لأغلب معداتها العسكرية هناك بيد تنظيم داعش يعني مره أخرى تكرار للحدث مرة أخرى، وبالتالي تزداد قوة التنظيم قدره أكثر مما هي عليه إثناء سيطرته على المدينة واغتنامه تلك الترسانات العسكرية.
2- بعد دخول تنظيم داعش للعراق تشكلت فصائل شبه عسكرية مسلحة من مناطق الوسط والجنوب العراقي بصورة سريعة، التي عوض بها الانهيار الذي حدث للمنظومة العسكرية، وتلقي تلك الفصائل الدعم العسكري من إيران الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تتحاشى من الإقدام على تقديم دعم العسكري للقوات العراقية خوفها من وقوع تلك الأسلحة بيد تلك الفصائل وخوفها أيضا من تحكم واطلاع إيران بتقنياتها العسكرية حال تقديمها.
3- ضغط القوى السياسية الكردية والسنية في العراق على الجانب الأمريكي بصورة مباشرة أو من خلال لوبيات في الإدارة الأمريكية للحيلولة دون تقديم الدعم العسكري للجيش العراقي بمبررات وحجج تمثيله للون اجتماعي واحد(الشيعة) وذلك للحفاظ على التوازن في القدرات العسكرية بين تلك القوى ونظيرتها الشيعة ولو لفترة من الزمن لتحقيق أهداف تلك القوى وبعدها يقدم الدعم على شكل دفعات.
• سؤال ما هو الدعم العسكري الذي كانت ولازالت تحتاجه القوات العراقية لحسم ملف وجود تنظيمات داعش في العراق؟
كل ما تحتاجه من دعم عسكري هو التالي: -
1- سربين من طائرات ((F16 والسرب هو(6) طائرات اي (12) طائرة حربية متطورة، كذلك (5) طائرات ناقلات للجند والذخائر، وأيضا(12) طائرة مروحية متطورة.
2- إما ما يخص الدروع فـالجيش العراقي بحاجة إلى (100) دبابة، والى (100) ناقلة جند وبعدد يماثلها من كاسحات الألغام.
• الولايات المتحدة تعلم إن هذه الاحتياجات كانت ولازالت كفيلة حال توفيرها لتصبح القوات العراقية وحدها قادرة على هزيمة داعش وإعادة تحرير المدن التي احتلتها تلك التنظيمات بوقت قياسي وبدون الحاجة إلى تحالف دولي والى مؤتمرات وقرارات دولية وغيرها من الترتيبات الدبلوماسية والسياسية الدولية الشكلية.
. ختاما : مما تقدم يتضح إن هناك جملة من المعوقات الحقيقية التي منعت وتمنع الولايات المتحدة الأمريكية من التدخل العسكري المباشرة في العراق ومنها تحرير مدينة الموصل، فما يقدم للعراق اليوم من قبل واشنطن، هو دعم تحت عنوان دعم لوجستي من تدريب ومعلومات، لكن العسكريين العراقيين على الأرض ينكرون اي دور او اي حاجة عملية ميدانية لهذا الدعم، الحكومة العراقية من جانبها وأمام هذه الوقائع غير مهيأة للبت في هذه الحقائق؛ لأنها تعلم عواقب تهميش دور للولايات المتحدة في المعركة ضد داعش في العراق ولو كان ذلك الدور إعلامي.
اضافةتعليق