قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب: هل هو ابتزاز سياسي أم ضغط شعبوي؟

تعد أحداث 11/ أيلول سبتمبر 2001، أكثر الأحداث الإرهابية دموية في الولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما وأن تلك الاحداث ضربت أمريكا في قعر دارها بتخطيط وعقلية كبيرة تجاوزت كل القيود الأمنية والاستخبارات المركزية الأمريكية في حينها، بالرغم من ضعف التخطيط وغياب التقنية وعدم انتشار الإرهاب العالمي وتقنياته العسكرية بمفهومه المعاصر. وعادةً ما تمر الذكرى السنوية لهذه الأحداث في الولايات المتحدة الأمريكية بإشعال الشموع في مكان الحادث والترحم لضحايا الاحداث من قبل ذويهم، مع استذكار إعلامي وسياسي أمريكي وعالمي لهذه الاحداث، إلا أن ولربما هذه المرة تكون الذكرى الـ (15) عامل مؤجج للروح الشعبوية الأمريكية اتجاه المتورطين بتلك الأحداث، لاسيما مع تصاعد التيارات الشعبوية واليمنية المتطرفة كتلك التي تدفع المرشح دونالد ترامب ومؤيديه إلى البيت الأبيض. وعلى الرغم من أن الكشف عن هذه الوثائق برأت السعودية رسميًا لحد هذه اللحظة، إلا أن إصرار نواب يمينيون متطرفون على وجود وثائق تؤكد دعم مسؤولين سعوديين لبعض هؤلاء الخاطفين. وقبل يومين من الذكرى السنوية وبالتحديد في الجمعة الماضية 9/ سبتمبر 2016 اقر مجلس النواب الأمريكي تشريعاً يسمح لأسر الضحايا بمقاضاة الدول المتورطة بالاعتداءات، لاسيما المملكة العربية السعودية. وهذه التشريع هو تكرار لتشريع سابق، الذي قدم إلى الكونغرس الأمريكي لمقاضاة السعودية، والذي على أثره هددت المملكة العربية السعودية ببيع 750 مليار دولار من السندات حال أقر هذا القانون الذي يورطها بهجمات 11 سبتمبر. وعلى الرغم من أن هذا القانون سيصطدم بالفيتو الرئاسي في حال رفع إلى البيت الأبيض للمصادقة عليه من قبل الرئيس الأمريكي؛ وذلك بسبب رفض الرئيس أوباما هذا القانون باعتباره يخالف مبدأ الحصانة السيادية التي تحمي الدول من القضايا المدنية أو الجنائية، وسيغير القانون الدولي بهذا الخصوص، مما يجعل الولايات المتحدة عرضة لأنظمة قضائية أخرى حول العالم، لاسيما وأن للولايات المتحدة مواقف واحداث تدينها بشكل مباشر في مختلف مناطق العالم وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط (العراق وافغانستان). إذ قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش آيرنست في مايو/ أيار الماضي "إن هذا القانون – لو صدر -سيغير القانون الدولي المعتمد منذ فترة طويلة المتعلق بالحصانة، وأن رئيس الولايات المتحدة لديه مخاوف جدية بأن يجعل هذا القانون الولايات المتحدة عرضة لأنظمة قضائية أخرى حول العالم". إلا أنه يمكن للكونغرس الأمريكي (مجلسي الشيوخ والنواب) تجاوز هذا (الفيتو) وتمرر القانون بأغلبية الثلثين ويصبح "فيتو" الرئيس الأميركي غير فاعل في حال استطاع القانون الحصول على أكثر من ثلثي أصوات مجلسي الشيوخ والنواب، كل على حدة. وفي حال أقر هذا القانون ستكون له عواقب وخيمة على المنطقة العربية، ولاسيما على المملكة العربية السعودية، ومن المتوقع أن أول من يرفع الأمريكيون قضايا ضدهم بعد تمرير القانون هما لأميرة "هيفاء بنت الفيصل" زوجة بندر بن سلطان، لمزاعم تمويلها مرتكبي الحادث، وأيضًا "بندر بن سلطان" على حد قول الدكتور "نايل شافعي". وبالتأكيد سيكون لهذا القانون تداعيات سياسية واقتصادية كبيرة في حال إقراره بشكل رسمي وتم الكشف عن الوثاق والأدلة التي تثبت تورط السعودية، لاسيما فيما يتعلق بـ "قضية ساراسواتا". ومن شأن هذا التشريع في حالة إقراره واكتسابه الصفة الرسمية ان يعرض العلاقات الأمريكية السعودية إلى الخطر بشكل خاص ويهدد العلاقات الأمريكية الخليجية بشكل عام، لاسيما مع ردود الفعل الأمريكية وبالخصوص من جانب أعضاء اليمين المتطرف في الكونغرس الذين ردوا على دعوة السعودية بسحب السندات والودائع التي تبلغ قيمتها 750 مليار دولار بتهديدات وتجميد هذه الودائع؛ وذلك لأن القانون الجديد (في حالة إقراره) يسمح لعائلات ضحايا اعتداءات11سبتمبر/ أيلول رفع قضايا في المحكمة الفيدرالية ضد حكومات أجنبية منها السعودية، والمطالبة بالتعويض في حال ثبتت مسؤولية هذه الدول عن الهجمات، على عكس القانون القديم - الحالي - الذي لا يسمح لضحايا الإرهاب سوى بمقاضاة الدول التي تصنفها وزارة الخارجية الأمريكية رسميًا دول راعية للإرهاب مثل إيران وسوريا فقط، وليست منها السعودية. وقد يترتب على هذا القانون بالفعل رفع الحصانة عن المملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية الأمر الذي يعرضها إلى المسائلة القانونية من قبل ذوي الضحايا وفق القانون الأمريكي بتجميد الأموال السعودية وإلزامها بدفع تعويضات باهظة، ربما تكون على غرار تعويضات "قضية لوكربي" الليبية على الرغم من أن البعض يدخل هذا القانون أو التشريع في خانة الابتزاز السياسي للمملكة. وتأتي هذه التطورات السياسية على خلفية الحملة التي قادها نواب من التيار المسيحي المتطرف في أبريل الماضي 2016، بقيادة القس "جراهام" نائب فلوريدا، ضد السعودية، والتي نقلت إلى الصحف تحت عناوين صارخة تقول: "اكشفوا حقائق 11/ 9، وأفرجوا عن الأوراق الـ 28 من تقرير الكونجرس عن هجمات 11 سبتمبر"، و"ضغوط على قاض أمريكي لرفع السرية عن 80 ألف وثيقة لـ FBI"، وعن تورط عائلة "ساراسوتا" السعودية في اتصالات مع "محمد عطا" المتهم بالتفجيرات. هذا التشريع الذي عارضه الرئيس أوباما ربما يوافق عليه الكونغرس بأغلبية الثلثين أو قد يقبله الرئيس الأمريكي القادم كجزء من حملته الانتخابية، لاسيما مع تصاعد التيارات الشعبوية اليمينية أو في حال صعود ترامب لرئاسة البيت الأبيض، الذي طالب السعودية من قبل بدفع التعويضات كجزء من الحماية الأمريكية لها، واتهامه لها بأنها دولة راعية للإرهاب، فضلاً عن مواقفه العدائية ضد العرب والمسلمين، ولاسيما السعودية، قد يجعل مخاطر هذا القانون تتعدى مسألة التكهنات والابتزازات السياسية إلى واقعة قانونية قد تضع أصول المملكة تحت رحمة القضاء الامريكي، الأمر الذي يهدد الطرفين بتداعيات سياسية واقتصادية قد تؤثر على مبدأ الشراكة والمصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية التي دامت طويلة وتفضي بتخلي الولايات المتحدة عن الحماية الأمريكية للسعودية وربما الخليج أيضاً والاعتماد على حلفاء آخرون في المنطقة، بالمقابل عدم رعايا الخليج للمصالح الأمريكية في المنطقة، والتحالف مع موسكو كجزء من الاستراتيجية الخليجية للضغط على واشنطن، لكن هذا السيناريو من التحالفات كيف تتقبله طهران الحليف القديم للروس في ظل توتر العلاقات بين السعودية وإيران؟. وربما يكون هذا التشريع يراوح مكانه ولم يُقر أو أن يبرء السعودية من الاعتداءات بشكل مباشر حفاظاً على العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، لاسيما وأن القانون في حالة إقراره سيحمل الولايات المتحدة المسؤولية عن كثير من الأحداث في العالم وبالتحديد في الشرق الأوسط، ولهذا ربما تستمر تداعيات تلك الاحداث كنوع من الابتزاز السياسي والاقتصادي أو استخدامه كوسيلة ضغط من قبل الإدارات الأمريكية على السعودية، وهذا ما ستفرزه الأيام القادمة في ظل استمرار تداعيات الإرهاب الدولي. وعلى الرغم من تعدد السناريوهات المستقبلية إلا أن مسؤولي الإدارة الأمريكية (جمهوريين وديمقراطيين) يدركوا جيداً المصلحة الأمريكية ومصالحهم الحيوية في الشرق الأوسط بغض النظر عن الاختلافات السياسية بين الحزبيين وبالتالي لايمكن للكونغرس الأمريكي ولا الإدارة الأمريكية إقرار قانون يضر بالأمن القومي الأمريكي أو أن يعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر، لكن ومع ذلك ستبقى كل السيناريوهات محتملة، لاسيما مع تصاعد التيارات الشعبوية في الولايات المتحدة الأمريكية.
التعليقات