الاهوار في العراق بين الواقع والتحديات والطموح

تمثل الاهوار الجنوبية في العراق من اكثر المناطق البيئية ثراء، وعلى الرغم من الاهمال المتعمد الذي عانت منه الاهوار في الفترات السابقة ، قياساً بما تحويه الاهوار من مياه وامكانية لزراعة العديد من المحاصيل الزراعية ، بالإضافة لكونها تعد البيئة الطبيعية لمعيشة العديد من الاحياء التي لا يمكنها العيش الا في هذه المنطقة من اسماك وطيور وغيرها، كما تعتبر من البيئات الهامة لتكاثر الطيور وهجرتها وتضم انواع نادرة منها، بالإضافة لاحتوائها على البردي والقصب المستخدم كمادة اولية في صناعة الورق وغيرها، وقد كانت الاهوار تضم العديد من الانواع والاعداد من هذه الحيوانات قبل الثمانينات، الا انها تضررت كثيراً بسبب عملية التجفيف المستمرة من قبل النظام البائد، فقد تعرضت لظروف استثنائية تداخلت فيها عوامل سياسية واقتصادية شتى، فضلا عن متغيرات أخرى طرأت على العراق وجواره. وإبان الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها، طالت الإجراءات الأمنية والعسكرية بيئة المنطقة بتحويل مجرى الأنهار وإقامة موانع وسدود لحجب المياه عنها، وبالتالي تجفيفها بدعوى تسهيل العمليات وملاحقة المعارضين. ففي الفترة الممتدة بين حقبة السبعينيات وعام 2003، تعرض زهاء 90 بالمائة من منطقة الاهوار الاصلية للتجفيف والتدمير نتيجة للاستغلال المفرط والمنظم لها ونتيجة لتعرض سكانها للقمع السياسي ونتيجة لعدم وجود تنسيق إداري للمنطقة فحوالي 175000 من مواطني الاهوار أجبروا على الفرار منها والبحث عن موطن آخر في أرجاء مختلفة داخل العراق وخارجه. أما من بقي فهم يعيشون بظروف سيئة بل الى الأسوء في المنطقة الجنوبية من البلد. وعقب عام 2003 حينما تغير نظام الحكم لاحت في الافق فرصة فريدة لإعادة إحياء الاهوار، إذ بدأت بالفعل العديد من المجتمعات المحلية والمؤسسات والمنظمات حشد ما يمكنها لدعم إعادة إحياء الاهوار. ونتيجة لتلك الجهود تمت إعادة تأهيل 40 بالمائة من المنطقة تقريبا، ولايزال العمل مستمراً لمواصلة إعادة إحياء التنوع البيولوجي وسبل العيش في منطقة الاهوار بنجاح، وتشغل الاهوار نسبة كبيرة من القسم الجنوبي للسهل الرسوبي وهي المنطقة المحصورة بين محافظة ميسان شمالا والبصرة جنوبا وذي قار شرقا، وتصل مساحتها الى حوالي (20000) ك م2(2). وبعد نجاح ضم الأهوار العراقية وثلاثة مدن قديمة اخرى (أور وأريدوا قرب ذي قار وأوروك الوركاء حالياً في المثنى) جنوب العراق الى لائحة التراث العالمي الخاصة بمنظمة اليونسكو بعد الاجتماع الاخير لها في تركيا، وتمت الموافقة بتأريخ 17-7-2016، فأن الحديث السائد الأن بين الأوساط المعنية في قطاع السياحة حول ماهي المنافع الاقتصادية التي سيتحصل عليها العراق بعد ذلك؟ لقد أشار العديد من الاقتصاديين الى ان مناطق الاهوار والآثار متعددة الموارد، وستساهم في تحفيز وتطوير العديد من النشاطات الاقتصادية المرتبطة بها، وهذا من شأنه سيعمل على توفير فرص عمل في قطاعات النقل والصناعات الحرفية واليدوية والتراثية في هذه المناطق، وبالتالي سيمثل ضم الأهوار والمدن الأثرية احد المنافذ للخروج من الازمة الاقتصادية، اذ ستشكل مورداً اقتصادياً مهماً وستعمل على تنويع ايرادات الدولة، وبالتالي نرى انه من الضروري وحتى يمكن الاستفادة من هذا النجاح في تحقيق اهدافه المرسومة، ان تكون هناك نظرة جدية من قبل الحكومة المركزية والمحلية لأهمية الأهوار وان تعمل على توفير كافة مستلزمات المحافظة على الاهوار وتطويرها من بنى تحتية وخدمية، وان تولي قطاع السياحة الاهتمام الذي يستحقه وان تفعل دوره بالشكل الذي يسمح له بتطوير السياحة في البلد، وخاصة القطاع الخاص السياحي من خلال تقديم الدعم المالي والتسهيلات الادارية وكافة المتطلبات الخاصة بنجاحه، من اجل تنويع مصادر الدخل وتعظيم الايرادات، وهذا سيمثل تحدياً صعباً على الحكومة في ظل هذه الظروف التقشفية والمخاطر الامنية وتأخر تشريع الكثير من القوانين مع حالة الفوضى السياسية التي تعم البلد، اذ على الحكومة ان تعمل وبشكل متواصل من أجل الاستفادة من قرار ضم الاهوار الى التراث العالمي، الا ان المتابع لهذا الموضوع يرى ان هناك عملية بطء وتراخي من قبل الحكومة في سعيها لانعاش الاهوار، اذ من المفروض ان تكون هناك حملة وطنية كبرى تتزعمها الحكومة المركزية تأخذ على عاتقها استنفار كل الجهود المحلية والدولية من أجل تطوير الاهوار والعمل مه الجهات الاخرى كالمؤسسات الاكاديمية والبحثية والقطاع الخاص والاعلام من اجل تحقيق الفائدة المرجوة من الاهوار والتي من الممكن اذا وجدت الاهتمام الكافي فأنها ستكون مورداً اقتصادياً هاماً أكثر من النفط نفسه كونها مورداً غير ناضب، اذ تشير الدراسات الى انه من الضروري اعتماد نهج النظم الايكولوجية في إدارة الاهوار ضمن سياق التنمية الوطنية؛ من خلال تحديد العلاقة التي تربط بين قيمة خدمات نظام الاهوار الايكولوجي والتي يقصد بها الخدمات المتمثلة بتوفير البنى التحتية والتنظيمية والثقافية والاجتماعية وكافة سبل الدعم والتطوير للأهوار، وبين ورفاهية الانسان وأهداف التطوير الوطني، بالإضافة الى إجراء تقييم لقيمة الاهوار العراقية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. إن أخذ القيمة النقدية لخدمات نظم الاهوار الايكولوجي بعين الاعتبار سيساعد صناع القرار العراقيين في تقييم الثروة الطبيعية والخيارات الاستثمارية للحفاظ عليها، فعلى سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن استثمار 33 ألف دولار لاستعادة 10 دونم من الاهوار سيجلب منفعة اقتصادية قيمتها 300,171 دولار بعد 40 عاما(3). وهذا سيساعد في إمكانية دمج نهج خدمات النظم الايكولوجية في صنع السياسة العامة واستراتيجية التنمية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ايمن عبد اللطيف كويس : دراسة بيئية وموفولوجية لاهوار جنوب العراق، مركز علوم البحار، جامعة البصرة، 2008، ص437. (2) الامم المتحدة : ادارة التغيير في الاهوار – التحدي الكبير الذي يواجه العراق، تقرير صادر عن فريق الامم المتحدة للمياة، 2011، ص2. (3) المصدر نفسه : ص15.
التعليقات