أكثر من سنتين عدت على سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم "داعش" بسيناريو مبهم لم يُعرف تفاصيله وخيوطة التي نسجت بمؤامرة محلية إقليمية دولية "كما يقال". فما زال سيناريو الاجتياح يسجل ضد مجهول لحد الآن، على الرغم من أن الحكومة العراقية شكلت لجنة خاصة لمتابعة هذا الموضوع سميت بـ (لجنة تقرير سقوط الموصل)، التي خرجت بنتائج وتوصيات حّملت بعض الاسماء والشخصيات السياسية العراقية بعد أشهر طويلة من المباحثات والشد والجذب مسؤولية سقوط المدينة. وقد كان اسم رئيس الوزراء السابق السيد "نوري المالكي" الاسم الأبرز من بين الاسماء التي اتهمت بالتقصير والتسّبب في سقوط المدينة، ومحافظ نينوى السابق السيد "أثيل النجيفي"، ورئيس إقليم كردستان العراق السيد "مسعود البرزاني"، فضلاً عن بعض الأسماء العسكرية والمدنية. إن اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" محافظة الموصل في 10 يونيو/ حزيران 2014 "هو جزء من عملية مخطط لها بعناية من قبل الاستخبارات العسكرية الغربية، التي تدعمها سراً الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وإسرائيل". كما يقول البروفسور "ميشيل شوسودوفسكي: الاستاذ في جامعة اتاوا، ومؤسس ومدير ومحرر مركز بحوث العولمة (CRG)-مونتريال-كندا". وهذا ما أشار إليه أيضاً فلاديمير بوتين "بإن لولا الدعم الغربي فان الإرهابيين لن يكونوا قادرين للسيطرة على مناطق واسعة في سوريا والعراق ". وربما هذا ما يفسر حجم المؤامرة الدولية-الإقليمية التي اطاحت بأجزاء واسعة من الأراضي العراقية تحت سيطرة تنظيم "داعش". كذلك هنالك ما يفسر حجم هذه المؤامرة والدعم غير المعلن لتنظيم "داعش"، فالتمويل غير المنقطع والموارد التي يحصل عليها تنظيم "داعش" والأسلحة المتطورة تضع كثير من علامات الاستفهام حول الجهود العسكرية الأمريكية-الغربية لمحاربة تنظيم "داعش"؛ لأن الأخير ما يزال يتمتع بقدرات عالية المستوى في الهجوم والدفاع لاسيما في سوريا وليبيا. وعلى الرغم من أن العراق دولة ذات موارد هائلة وموازنات مالية كبيرة في السنوات الأخيرة، إلا أنها عانت وما زالت تعاني من الأزمة المالية الحادة التي ارهقتها؛ بسبب الحرب ضد تنظيم "داعش" وانخفاض اسعار النفط العالمية، الأمر الذي ادخلها في مشاكل اقتصادية كبيرة ومديونية خارجية، وأن تنظيم "داعش" مقارنة بالدولة العراقية، ورغم خسارته اغلب الاراضي التي يسيطر عليها في العراق منذ مطلع العام 2016، إلا أنه ما يزال لديه القدرات العسكرية الكبيرة، والتمويل المالي الضخم. وهذا ربما يعطي كثير من المؤشرات على أن تنظيم "داعش" ليس تنظيم عشوائي مرتبط بجماعات وبفكر إسلامي متطرف فقط، هدفه قيام دولة إسلامية على أسس ومناهج إسلامية متطرفة، وإنما تنظيم دولي مرتبط بدول وشركات اسلحة، ومنظمات ومخابرات دولية عابرة للقارات ومتجاوزه لحدود الدولة القومية. وأن اجتياح التنظيم لمحافظة الموصل العراقية هو جزء من هذا المخطط الإقليمي الداخلي، لاسيما في ظل تعقّد الهدف الأمريكي- الخليجي في المنطقة للإطاحة برئيس النظام السوري "بشار الأسد" وبسبب استمرار تدفق المقاتلين الشيعية "العراقيين والإيرانيين وحزب الله" للدفاع عن النظام السوري؛ وذلك لغرض اشغال المحور الاخير (المحور الإيراني وحلفائه) في مقاتلة عناصر التنظيم الإرهابي في العراق وليس في سوريا، وتحقيق الهدف المطلوب للإطاحة برئيس النظام السوري "بشار الاسد" عسكريا من خلال التنظيمات العسكرية التي جيشتها المخابرات الغربية – الخليجية، فضلاً عن الاطماع الكردية في توسيع نفوذهم عبر بوابة سقوط الموصل والاستيلاء على بعض المناطق المتنازع عليها، وهذا ما صرح به السيد "مسعود البرزاني" بعد اجتياح "داعش" لمحافظة الموصل بأن المادة (140) قد أنجزت. ولهذا فأن كشف الاسباب والاشخاص المتورطين أو المتواطئين في سقوط مدينة الموصل عملية معقدة جداً، في ظل هذا التعقيد والتداخل الدولي والإقليمي والارتباط العراقي الداخلي في هذه المحاور (المحاور الإقليمية والدولية)؛ وذلك لأن سياسة التوافقات الداخلية والتأثيرات الإقليمية فضلاً عن الإرادة الدولية ستلقي بضلالها على نتائج أي لجنة تتشكل لهذا الغرض، ولذلك سوّفت نتائج تقرير سقوط مدينة الموصل بهذه السياسة؛ لاسيما بعدما جاءت نتائج التقرير متهمة رئيس الوزراء العراقي الأسبق ورئيس إقليم كردستان ومحافظ نينوى السابق. وهذه الاسماء هي بحد ذاتها من الممكن أن تمثل عملية توافقية (داخلية إقليمية)؛ لأنها اتهام لأركان العملية السياسية العراقية الثلاثة (أي اتهام شيعي سني كردي). ولهذا فأن من الممكن جداً تسويف القضية وتذويبها لأن اعمدة العملية السياسية العراقية جميعها متهمة، وأن هذه الأعمدة مرتبطة داخليا بسياسة المحاور الإقليمية والدولية، وبالتالي فإن من مصلحة هذه الاطراف تسويف القضية وتذويبها حتى في الداخل العراقي، ولهذا لم تعد القوى السياسية العراقية تتكلم عن النتائج التي خرجت بها لجنة تقرير سقوط الموصل بسبب تلك السياسات. ولهذا فأن سياسة التوافقات الداخلية وارتباط اطرافها بسياسة المحاور الإقليمية هي المسؤول عن تسويف نتائج تقرير لجنة سقوط الموصل، وربما يعدها (سياسة المحاور الإقليمية) البعض بأنها العائق الأكبر أمام عملية الاستقرار السياسي في العراق بعد العام 2003، وهي المسؤولة أيضاً عن افساد العملية السياسية العراقية ودعمها لسياسيين فاسدين، واجهاضها لمشروع الإصلاح العراقي مؤخراً؛ وذلك بسبب التداخل والترابط بين السياستين (سياسة التوافقات الداخلية المرتبطة بسياسة المحاور الإقليمية)، وتغيب الروح الوطنية، التي غيّبت بدورها المشروع الوطني العراقي. ولهذا فأن نقطة الشروع في تحرير مدينة الموصل تبدأ من كشف المقصرين في سقوط المدينة وتقديمهم للقضاء، وإدراك صانع القرار العراقي والقوى السياسية لأهمية ودور المشروع الوطني العراقي والابتعاد عن سياسة المحاور الإقليمية ذات التأثير السلبي، التي القت بنتائجها السلبية على العملية السياسية العراقية برمتها منذ العام 2003. ومن ثم معالجة الاخطاء السابقة التي تسببت أو كانت جزء من اسباب سقوط مدينة الموصل (مسببات ظهور داعش)، سواء تلك المتعلقة بالمؤسسة العسكرية والأمنية ومهنيتها أو تلك الاسباب المتعلقة بالمناكفات السياسية والصراع السياسي والحزبي وسياسة المحاصصة الطائفية والحزبية. فاليوم على صانع القرار العراقي أن يقف أمام مسببات "داعش" ومعالجتها قبل خوض الصراع مع "داعش"؛ لأن الحل العسكري غير كافِ للتخلص من خطر التنظيمات الإرهابية؛ ولهذا يؤكد المختصون واصحاب الشأن على ضرورة الإصلاح السياسي المتزامن مع الحرب ضد تنظيم "داعش"، لإصلاح مفاصل الدولة الرئيسة والشروع ببناء دولة المواطنة الحقيقية.
اضافةتعليق