مشروع موازنة 2023 ومخاطر تضخيم الحسابات المقدرة

حظي مشروع الموازنة الاتحادية لعام 2023 بجدل واسع خلال الاسابيع الماضية نظرا لما تضمنه من تضخيم للتخصيصات المالية واعباء وقروض تهدد الاستدامة المالية للبلد، دون توافر رؤية اقتصادية جادة للتنويع الاقتصادي والحد من احادية الاقتصاد العراقي وانكشافه على اسواق النفط العالمية او تنويع الايرادات العامة وخفض الاعتماد على النفط والاقتراض في تمويل الانفاق الحكومي المتضاعف خارج حدود الكفاءة والجدوى الاقتصادية والاجتماعية. ومن حيث المضمون لا تختلف موازنة 2023 كثيرا بالاتجاهات او طرق الاعداد والحساب عن الموازنات السابقة، بل جاءت مضخمة بشكل يجانب معايير (الكلفة – العائد)، ودون مراعاة لنسب الانجاز والتنفيذ في الموازنات السابقة، نظرا لغياب الحسابات الختامية، فضلا على تصميمها خارج حدود الامكانية والمقدرة المالية للاقتصاد العراقي.

وبالمقارنة باخر موازنة اقرت عام 2021، يفصح الجدول التالي عن مديات التوسع والتضخيم في كافة بنود موازنة 2023، وبالأخص في الجانب الانفاقي. فقد ارتفع اجمالي الانفاق العام المخطط الى (199) ترليون دينار مقارنة بـ (130) ترليون دينار عام 2021، اي بقرابة (69) ترليون دينار مقارنة بالإنفاق العام المخطط عام 2021، وبنسبة زيادة (53%)، في حين يتطلب المنهج الاصلاحي ضبط وترشيد الانفاق العام باتجاه التقليص او على الاقل ان لا تتجاوز نسب الزيادة (5%) من نفقات العام الماضي، كما هو الحال في معظم دول المنطقة والعالم. وقدرت الانفاق الجاري بنحو (149) ترليون دينار، وبنسبة زيادة (48%) بالمقارنة مع الانفاق الجاري المقدر في موازنة 2021، في حين ارتفع الانفاق الاستثماري بقرابة (20) ترليون دينار في موازنة 2023 مقارنة بموازنة 2021. ويلاحظ تركز الزيادة في الانفاق الجاري على ارتفاع تخصيصات تعويضات الموظفين، التي تستحوذ على نصف الانفاق الجاري في الموازنة، والتي زادت بنسبة (31%) نتيجة التوظيف غير العقلاني وتكديس البطالة المقنعة في القطاع العام، مما يزيد من صلابة الانفاق الجاري وعدم مرونته للتكيف مع ازمات هبوط الايرادات النفطية عند حدوث ازمات اقتصادية عالمية تطيح بالأسعار كما حدث عام 2014 وعام 2020. كما تشهد موازنة 2023 ارتفاع مضاعف في تخصيصات المستلزمات الخدمية التي ارتفعت بنسبة (376%)، تليها المستلزمات السلعية بنسبة زيادة (55%) والمنح والاعانات بنسبة زيادة (37%) والرعاية الاجتماعية والديون بنسبة زيادة (43%) و(41%) على التوالي، مقارنة بموازنة 2021.

في المقابل، شهد الايراد العام المقدر تضخيم كبير ايضا في الارقام، فقد ارتفع اجمالي الايراد العام المقدر بقرابة (33%) في موازنة عام 2023 مقارنة بموازنة 2021، وكانت حصة الزيادة في الايرادات النفطية بحدود (36) ترليون دينار وبنسبة زيادة (44%) عن الايرادات النفطية المخططة في موازنة عام 2021، ولا يخلو هذا الرقم من مبالغة وتضخيم بسبب اختيار سعر نفط (70) دولار للبرميل وهو بعيد عن واقع الاسواق النفطية والتوقعات الاقتصادية العالمية لمعدلات النمو الاقتصادي وافاق الطلب العالمي على النفط عام 2023. كما ان تثبيت معدل الصادرات النفطية اليومية بقرابة (3.5) مليون برميل يوميا، بضمنها (400) ألف برميل تصدر من اقليم كوردستان رقم كبير جدا مقارنة بوضع الصادرات النفطية في الاقليم والتوقف الحاصل بسبب مشاكل قانونية تعيق تصدير نفط الإقليم الى تركيا في الوقت الراهن، فضلا عن مشاكل كلف نفط الاقليم المرتفعة مقارنة بالنفط المصدر عبر وزارة النفط العراقية. واخيرا، ورغم ان الايرادات غير النفطية المقدرة في موازنة 2023 كانت بحدود (17) ترليون دينار وهي اقل من الايرادات غير النفطية المخططة في موازنة عام 2021 بنسبة (15%)، الا ان الايرادات غير النفطية المتحققة عام 2022، فعلا، لم تتجاوز (7) ترليون دينار، مما يعني وجود تضخيم في الايرادات غير النفطية من اجل تقليص حجم العجز الفعلي في موازنة 2023.

واخيرا يلاحظ من خلال الجدول ادناه انعكاس الارتفاع الشاهق للإنفاق العام في اتساع عجز موازنة 2023 الى (64) ترليون دينار مقارنة بالعجز المخطط في موازنة 2021 والبالغ (28) ترليون دينار، اي ارتفاع معدل العجز بنسبة (125%) في موازنة 2023. ناهيك عن تضخيم الايرادات العامة بشقيها النفطية وغير النفطية مما يعني امكانية اتساع العجز الفعلي لموازنة 2023 بشكل كبير في حال لم تتحقق الايرادات المخمنة بشقيها النفطية وغير النفطية، وهو المتوقع على الارجح. 

وعلى الرغم من وجود رصيد مدور من العام الماضي بقرابة (23) ترليون دينار، الا ان الفجوة التمويلية بين الانفاق العام المخطط والايراد العام المخطط تبقى كبيرة وخارج حدود الامكانية المالية، فضلا عن كونها تزيد من هشاشة الاستدامة المالية وترفع من مخاطر تأثير تقلبات اسعار النفط في الاسواق العالمية على الاقتصاد العراقي من خلال قناة الموازنة العامة، التي تمثل محرك النمو والاستقرار لكافة القطاعات الاقتصادية والشرائح الاجتماعية في البلد.

التعليقات