المعارضة السياسية في الفكر السياسي الإسلامي

تتفاوت الآراء والاعتقادات بالمعارضة في الفكر السياسي الإسلامي، فهناك من ينكرها وهناك من يؤمن بها او من يتحفظ عليها، وهناك من يشترط لها شروط وتوافرها على ارضية مناسبة، ولعل حكم المعارضة في الفكر الإسلامي يتناقض مع كثير من المبادئ السياسية الإسلامية، ولاسيما تلك المبادئ التي تتعلق بالحكم والحاكم. فقد ذهبت بعض الطوائف الإسلامية، إلى أن سلّ السيوف واجب إذا لم يمكن دفع المنكر إلا بذلك، ولعل خروج الإمام الحسين (ع) له مبرر واضح، وهو عدم جواز إمامة الفاسق، ولهذا خرج على يزيد من باب التصحيح وتغيير المنكر، في حين هناك من يعتقد عكس ذلك، ولاسيما في الفكر السياسي السني أو الفقهاء والمنظرين السنة، كابن حزم وابن قدامة وابن تيمية وابن حجر والشوكاني والطحاوي... وغيرهم. فضلاً عن ذلك، فالمعارضة كثيراً ما تتناقض مع المبادئ السياسية – العقائدية الإسلامية، التي يعتقد بها بعض المفسرين بانها وردت في حديث الرسول كقوله "من اطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن عصي أميري فقد عصاني" وقوله: "من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه ليس من أحد يفارقه شبراً إلا مات ميتة جاهلية" وفي رواية "فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه". وهذه النصوص ترسم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، التي تتضمن الطاعة والصبر حتى لو وصلت الرعية إلى ما تكره في الامير لكنها ليست الطاعة المطلقة، بل هي الطاعة المقيدة بطاعة الله، وهو ما يدخلنا بقاعدة وجوب طاعة الأمراء في الفكر الإسلامي، أو بقاعدة (الدعاء للحاكم) و (الصبر على السلاطين) و (منع الخروج على الإمام). وغيرها من المبادئ الإسلامية التي تتنافى مع حكم وقانونية المعارضة كمفهوم سياسي، إلا أن حكم المعارضة في الفقه السياسي الشيعي، مرهون على الاعم الاغلب بعدالة الحاكم وعدم فسقه، فضلاً عن ذلك، فقد رهن الفقه الشيعي قضية المعارضة السياسية – بعد الغيبة الكبرى – بدولة وولاية الإمام المهدي، باعتقاده بان كل راية قبل راية الإمام الثاني عشر هي على ضلال وصاحبها طاغوت يعبد من دون الله.  

لقد نالت المعارضة في الإسلام قسطاً وافراً من الاهتمام، فاستعمال لفظ المعارضة في المنظور الإسلامي له دلالات واضحة، تشير إلى وجود خلاف فكري بمنأى عن العقائد، أو كل ما ورد فيه نص صريح في الكتاب والسنة، إذ لا مجال لوجود الاختلاف فيها. من هذا المنطلق يلاحظ ان المعارضة في المنظور الإسلامي لها تعريفات عدة، بيد أن التعريف الذي وقع عليه الاختيار للمعارضة السياسية وفق الشريعة الإسلامية هو أنها تعني: "الانكار من قبل الرعية أو بعضها للسلطة الحاكمة لتصرفها بطريقة تخالف الشريعة الإسلامية أو بطريقة تضر بالمصالح العامة مع الأخذ بنظر الاعتبار العمل على طرح بديل لهذا التصرف"(1). 

والمعارضة في الإسلام، "هي حق المواطنين في مراقبة الدولة وأجهزتها وأنشطتها وأعمالها، ونقدها نقداً متزناً، إذ يعتبر ذلك حقاً من حقوق الإنسان المسلم على الدولة وعلى الأفراد، فهي من أهم الحقوق التي قررها الإسلام للفرد في المجتمع؛ وذلك من اجل دفع الباطل والقضاء على المنكر والأمر بالمعروف؛ لأن في ذلك صلاحاً للمجتمع وتؤدي إلى عدم انفراد الحاكم بالرأي فالإنسان مهما أوتي من الحكمة وصلاح الرأي والقدرة على الإبداع، لكنه قد ينطلق عند ابداء الرأي من حدوده الخاصة ومعرفته المحدودة، فيكون ذلك سبباً في حرمان الأمة من تجارب الآخرين وثمرات خيراتهم ومهاراتهم وآرائهم"(2).

إن "المعارضة السياسية حديثاً تلتصق بالديمقراطية الغربية التي تؤكد على أحقية ممارسة الديمقراطية للجميع، مما يجعلها على صلة تامة ووثيقة بالحريات والحصول على ما هو معروف من الحقوق السياسية الديمقراطية، فالديمقراطية هي العجلة الدافعة للحصول على تلك الحقوق في أي مجتمع، فوجود المعارضة في المجتمع يدل على وجود للديمقراطية"(3)؛ لهذا يعتقد كثيرون بان "المعارضة السياسية كمفهوم نقلت إلينا من الثقافة الغربية تأثراً بنظمها السياسية، ولا يعقل ان تقوم المعارضة السياسية ومنذ ظهورها بدخول النظام السياسي مباشرة أو الوصول للحكم بطريقة مفاجئة؛ لأن الأمر بحاجة إلى مقدمات وخطوات تمهيدية له لكي تستطيع حشد الطاقات البشرية الكافية لتساعدها في تحقيق ما تريد من خلال الدعوة لتبني فكرها ومنهجها بداية، وان كل ذلك يكون ضمن إطار المناقشة النابع من حق الكلام الحر المنظوي تحت قبة المجالس النيابية مما يساعدها على المشاركة في تعديل الدستور القائم، فمن الممكن ان يكون الخلاف القائم بين الحكومة والمعارضة خلافاً جزئياً في بعض القضايا أو كلياً موجهاً من قبلها للحكومة أو النظام السياسي للدولة، وهذا اذا ما كانت تتمتع بديمقراطية صحيحة تضمن لجميع الآراء المختلفة بالمشاركة للوصول إلى أفضل الخيارات التي تطرح"(4). والشريعة الإسلامية أفسحت مجال المعارضة في بعض الامور التي لم يرد بشأنها نص صريح وقطعي الثبوت، لا في الكتاب ولا في السنة، أي في الامور التي يجوز اختلاف الرأي ولا ضير في الاجتهاد فيها. فمن الطبيعي ان يختلف المسلمون في المسائل التي تركت لهم حرية التفكير إزاءها، مثلا طبيعة اختيار رئيس الدولة، فالفقه الإسلامي لم يحدد نظاماً أو طريقة معينة لاختيار رئيس الدولة. فالمعارضة عندما تستند إلى أسس موضوعية واعتبارات منطقية تبررها وتجعلها أكثر تحقيقاً للصالح العام، كمطالبة المعارضة بتطبيق اجراءات فيها شفافية في المسائل المالية والكشف عن اوجه الفساد المالي او الإداري في مؤسسات الدولة، وإحالة المتهمين بقضايا الفساد إلى القضاء أو مطالبة المعارضة بقانون منصف للضمان الاجتماعي أو تنظيم جباية الزكاة وإنشاء دور خاص بها وغير ذلك. ولعل من أشهر الأمثلة على المعارضة الإسلامية الحقيقية، معارضة الإمام علي (ع) عند مبايعة (أبي بكر)، وعدد من الهاشميين، وقد استمر الإمام في موقفه المقاطع، حتى وفاة السيد فاطمة (ع). وهكذا فقد برز في تلك الفترة، عدد من المواقف المعارضة لرأس السلطة في الإسلام، دون أن يجبرها أحد على تغيير موقفها بالقوة، وهذا من الأدلة الواضحة على حضور مفهوم (المعارضة) في الممارسة الإسلامية.

فالمعارضة السياسية في الإسلام كما يراها بعض المتخصصين، تكمن بإبداء الرأي السياسي بالقول أو الفعل ضمن ضوابطه المشروعة، والمستند إلى الدليل اليقيني والقابل للحوار، بعيدا عن أي أشكال العنف أو إثارة الفتن التي تهدف إلى تحقيق مصلحة شخصية على حساب غيره. وقد اختلف العلماء في حكم المعارضة السياسية في الإسلام، ويرجع سبب اختلافهم حول المساحة التي يشملها مصطلح المعارضة السياسية، وهل المعارضة السياسية خروجا على الحكم أم تصويبا له، والتعارض الظاهري للنصوص الآمرة بالطاعة والداعية إلى إبداء الرأي؟

المصادر:

1 . ناصر هادي الحلو، الفقه السياسي عند الإمام علي (ع)، اطروحة دكتوراه، كلية الفقه جامعة الكوفة (النجف الاشرف: 2014)، 52.

2 . سربست مصطفى رشيد، المعارضة السياسية والضمانات الدستورية لعملها: دراسة قانونية -سياسية-تحليلية-مقارنة، ط1، (أربيل: مؤسسة موكرياني للبحوث والنشر، 2011) 31-32.

3 . صباح مصطفى المصري، النظام الحزبي في ضوء احكام الشريعة الإسلامية، (الاسكندرية: المكتب الجامعي الحديث) 148.

4 . الحلو، الفقه السياسي، ص52. 

التعليقات