الحكومة الاتحادية لم تستفد من تجربة الحكومة الاسبق في التعامل مع المناطق المتنازع عليها (حكومة السيد حيدر العبادي)، وأنها اخطأت التقدير في اشراك حكومة الاقليم في شؤون مناطق تابعة لسيطرتها الادارية والامنية
تصاعدت الهجمات التي شنها عناصر حزب العمل الكردستاني (PKK) على مصالح حكومة اقليم كردستان التي بدأت في استهداف انبوب تصدير النفط الى تركيا، والاعتداء على قوة لحماية أحد آبار النفط شمال محافظة دهوك، واستهداف عجلة لقوات البيشمركة جنوب قضاء العمادية في جنوب محافظة دهوك.
هذه الهجمات تأتي بعد شهر على اتفاق سنجار لإعادة الاستقرار، وتؤشر معارضة الـ (PKK) للاتفاق وسعيه لعرقلته. ففي 9/ تشرين الاول الماضي، اعلنت الحكومة الاتحادية عما أطلق عليه "اتفاق اعادة الاستقرار وتطبيع الاوضاع في قضاء سنجار" بين بغداد واربيل في محاولة لإعادة الاستقرار الى القضاء وعودة سكانه الذين لم يتمكنوا من العودة اليه بعد أكثر من ثلاث سنوات على تحريره من سيطرة تنظيم داعش الارهابي الذي سيطر عليه بعد انسحاب قوات حماية اقليم كردستان العراق (البيشمركة) منه، وقيام داعش الارهابي بقتل وتهجير سكانه.
قضاء سنجار -الذي يقع شمال غرب الموصل، ضمن محافظة نينوى، ويبعد نحو 50 كيلومتراً عن الحدود مع مدينة الحسكة السورية و70 كيلومتراً عن الحدود التركية ويضم خليط من العرب المسلمين والعرب المسيحيين، والتركمان والايزيديين، فضلا عن قرى آشورية – ضمن المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم. وهذا الملف أحد أبرز الملفات الخلافية بين الاقليم وبغداد. وسبق للحكومة الاتحادية برئاسة السيد حيدر العبادي ان تعاملت مع هذا الملف بجرأة كبيرة واجراءات حاسمة بعد هزيمة داعش وتحرير اراضي محافظة نينوى نهاية عام 2017، وتمت السيطرة على كركوك والمناطق المتنازع عليها والحقول النفطية كما كانت قبل عام 2014، فضلا عن التعامل مع ملف المنافذ الحدودية وتصدير النفط.
لكن بعد تشكيل الحكومة الاتحادية برئاسة السيد عادل عبد المهدي عاد الاقليم ليسيطر على تلك المناطق. وفيما يخص قضاء سنجار تعقدت الاوضاع اكثر حيث عادت قوات حزب العمال الكردستاني (pkk) الى القضاء بعد ان ساهمت في تحريره تحت لواء هيئة الحشد الشعبي الى جانب قوات عراقية وقوات التحالف الدولي، واستطاع الـ (pkk)من الاختباء وراء قوات إيزيدية في المدينة تُعرف بـ"اليبشة" تأسست قبل 6 سنوات، وهي في الحقيقة مكونة من عناصر (PKK) أو مؤيدة له على أقل تقدير، وشكل الإدارة الحالية لسنجار بالتعاون مع بعض فصائل الحشد الشعبي، على الرغم من رفض حكومة نينوى هذا الإجراء.
بعد شهر على اتفاق سنجار لم تستطع بغداد واربيل تنفيذ الاتفاق الذي ضم شؤون امنية وادارية وخدماتية. وتظهر معارضة حزب العمال الكردستاني (PKK) والفصائل المتواجدة هناك والتي تنتمي لهيئة الحشد الشعبي، بسبب ان الاتفاق نص على انسحاب جميع تلك الفصائل وعناصر الـ (PKK) من القضاء على ان تنفذ قيادة العلميات المشتركة وهيئة الحشد الشعبي هذا الانسحاب. وهذا ما قابله رفض من حزب العمال الكردستاني وعناصره التي تختبئ خلف الحشد الشعبي الأيزيدي.
اسباب الرفض تكمن في الموقع المهم للقضاء كونه يمثل نقطة انطلاق الى الاراضي السورية وهو أقصر طريق يمكن ان تسلكه بعض فصال الحشد الشعبي للوصول الى سوريا حيث تقاتل بعض الفصائل الشيعية الموالية لايران هناك، كما ان تمسك حزب العمل الكردستاني بالقضاء ومقراته فيه تأتي بعد ان قررت السلطات في اقليم كردستان اخراج مقرات الحزب من الاقليم. وهذه الفصائل وعناصر الحزب يحاولون تبرير تواجدهم انهم يمثلون رؤية سكان القضاء الذين أكدوا عدم اشراكهم في الاتفاق، وانهم لا يمكن ان يسمحوا لقوات البيشمركة بدخول القضاء مرة اخرى بعد ان كان لها دور في دخول داعش الى القضاء بعد الانسحاب منه عام 2014.
بالنتيجة، وبعد مرور شهر على الاتفاق لم يتم تنفيذ أي من بنوده. ان الحكومة الاتحادية لم تستفد من تجربة الحكومة الاسبق في التعامل مع المناطق المتنازع عليها (حكومة السيد حيدر العبادي)، وأنها اخطأت التقدير في اشراك حكومة الاقليم في شؤون مناطق تابعة لسيطرتها الادارية والامنية.
التنديد والرفض الرسمي لحكومة الاقليم تجاه الهجمات التي شنها عناصر الحزب مؤخرا، تذهب باتجاه بلورة رأي عام محلي مضاد لسلوكيات حزب العمال الكردستاني، ولكن الامر بحاجة الى وقت بسبب التعاطف القومي مع عناصر الحزب وهو جماعة كردية حتى ان حكومة الاقليم ومسؤوليها تطلق عليهم "الاخوة الاكراد"، وأنها لا تريد صراعات مسلحة بين الاخوة الاكراد، وترى حكومة الاقليم انه على عناصر الحزب ان يكفوا عن الهجمات التي تؤثر سلبا على مصالح الاقليم. وهذا ما يجب ان يؤخذ بنظر الاهتمام من قبل حكومة بغداد في اعاد النظر بمشكلة قضاء سنجار وتحقيق الاستقرار فيه.
الامر الاخر الذي ينبغي ان يؤخذ بنظر الاهتمام، ان اشراك حكومة الاقليم في الموضوع لم يكن خيارا صائبا، فهي ترى في القضاء انه منطقة كردستانية جرى تغيير ديمغرافيتها عنصريا. وعلى الجانب الاقتصادي ترى حكومة الاقليم ان وجودها في القضاء ومشاركتها في ادارته سيصعب على بغداد الحصول على ممر تجاري مباشرة مع تركيا عبر منطقة اوفاكوي وهي النقطة الحدودية بين محافظة نينوى وتركيا. وايضا ترى حكومة الاقليم سيطرتها على القضاء سيحرم تركيا من استخدام هذه الورقة ضد الاقليم كما هددت بعد الاستفتاء من انها (أي تركيا) ستغلق منفذ الخابور الحدودي وتفتتح بوابة اوفاكوي الجديدة لتوريد السلع الى العراق بدون المرور بإراضي الاقليم كأجراء عقابي عقب الاستفتاء. وهذا الامر ربما تشترك فيه الفصائل الموالية لايران المنتشرة هناك، من ان هذا المنفذ التجاري سيعرض المصالح التجارية لايران في العراق للخطر ويحد من الطلب على السلع الايرانية مقابل السلع التركية.
خلاصة القول، نحن امام تجربة متعثرة للأسباب اعلاه، ولا يمكن ان تكون منطلقا لإعمامها على باقي الملفات الخلافية بين بغداد واربيل كما اعلنت الحكومة عن ذلك. فقضية المناطق المتنازع عليها ومنها قضاء سنجار تتداخل فيها فواعل من غير الحكومة، ويوجد فيها ادوار لقوات تعلن ظاهرا التزامها بتوجيهات القيادة العامة للقوات المسلحة، لكنها لا تلتزم بها واقعا، كما ما هو حال بعض ألوية هيئة الحشد الشعبي التي ترى ان اتفاق سنجار مؤامرة اميركية ضد الحشد هناك.
اضافةتعليق