هل يؤثر قرار أوباما بطرد السفراء الروس في علاقة الإدارة الأمريكية الجديدة مع موسكو؟

اختتم الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته "باراك أوباما" السنة الميلادية بإصدار مرسوم رئاسي مساء يوم الخميس 29/12/ 2016 بطرد ((35 دبلوماسيا روسيا من الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك على خلفية ادعاء واشنطن بتدخلهم في الانتخابات الأمريكية التي افرزت "دونالد ترامب" كرئيس للولايات المتحدة بعد منافسة شرسة مع المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. وقد تميزت فترة حكم أوباما أتجاه موسكو في التصعيد بشأن بعض القضايا الدولية أبرزها: • ملف الدرع الصاروخي الذي عملت به واشنطن مع حلف شمال الأطلسي على توسيع نشاطهما العسكري في دول بحر البلطيق وبعض دول أوروبا الشرقية، إذ كان أخر تلك الخطوات تدشين قاعدة للدرع الصاروخي الأمريكي في رومانيا والشروع في بناء موقع عسكري مماثل في بولندا. • قانون الدفاع الأمريكي الجديد الذي وقعه الرئيس أوباما قبل أيام، إذ يخصص البنتاغون بموجبه نحو 3.400 ثلاثة مليارات وأربعمائة مليون دولار لما أسماه الرد على روسيا. • أزمة أوكرانيا وشبة جزيرة القرم التي رفضت واشنطن الاعتراف بانضمامها إلى روسيا، على الرغم من أن ذلك جاء باستفتاء شعبي جرى في مايو/مارس 2014. • الأزمة السورية والصراع في منطقة الشرق الأوسط، إذ لم يتوصل الطرفان إلى حل سياسي لأنهاء الأزمة السورية ولم تنفذ الإدارة الأمريكية -كما يقول الروس-تعهداتها لموسكو بفصل المعارضة السورية عن الجماعات الإرهابية. • أخرها القرصنة الإلكترونية التي اتهمت بها واشنطن موسكو، والتي استهدفت من خلالها مؤسسات سياسية وحسابات الإلكترونية تابعة للحزب الديمقراطي قبيل الانتخابات في محاولة منها "موسكو" لمساعدة الرئيس المنتخب دونالد ترامب للفوز بالانتخابات. وقد يعكس هذا القرار ‘‘قرار ترحيل السفراء الروس" سخط الإدارة الأمريكية الحالية التي ستغادر البيت الأبيض في 20/كانون ال ثاني2017 من التصرفات الروسية، ليس اتجاه موضوع القرصنة فقط، وإنما بشأن الملفات الأخرى. وقد يكون الملف السوري والتقارب (الروسي، التركي، الإيراني) بشأن حل الأزمة السورية ونجاح موسكو في الهدنة السورية لوقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة وتجاهل دور واشنطن، على رأس تلك القضايا التي ازعجت الإدارة الأمريكية الحالية، لاسيما وأن الأخيرة فشلت في تسوية الأزمة السورية عدة مرات. واستند أوباما في هذا القرار إلى تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية بفروعها المختلفة. وقد يضع قرار أوباما بترحيل الدبلوماسيين الروس تركة ثقيلة على سلفه دونالد ترامب في البيت الأبيض الذي يسعى إلى التقارب مع موسكو، لاسيما وأن الرئيس الجديد يلاقي معارضة شديدة لطروحاته السياسة في المؤسسات الأمريكية واعضاء من الحزب الجمهوري، فضلاً عن المعارضة الديمقراطية له. وربما يعاب على الإدارة الأمريكية الحالية بهذا القرار بأنها لم تشرك الرئيس الأمريكي المنتخب في هذا القرار (وهو خطأ سياسي كما يصنفه بعض المختصين). وقد اقترحت الخارجية الروسية على الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) الرد بالمثل وطرد (35) دبلوماسياً أمريكياً من روسيا، إلا أن هذا المقترح جوبه بالرفض من قبل الرئيس الروسي. وهذا الرفض، ربما يعكس الحنكة السياسية للرئيس بوتين في التعامل مع القضايا الخارجية -كتلك التي تعامل معها اتجاه تركيا عندما اسقطت الطائرة الروسية على حدودها مع سوريا، وأن رفض بوتين الرد على قرار واشنطن بطرد الدبلوماسيين الروس يأتي في أطار الفهم السياسي للإدارة الحالية وتصرفاتها اتجاه موسكو. وهو الأمر الذي استقبله الرئيس الأمريكي المنتخب برحابة صدر معتبراً رفض الرئيس الروسي الرد بالمثل خطوة إيجابية وعظيمة وأنها تعكس الذكاء الشديد لبوتين؛ لأن رد الروس بالمثل على القرار الأمريكي سيأزم العلاقات الأمريكية-الروسية، وسيعقد التقارب النظري بين ترامب وبوتين وسيخّلف تركة ثقيلة على إدارة ترامب الجديدة بالتعامل مع موسكو. إذ تأمل موسكو الكثير من ترامب بعد توليه رئاسة الولايات المتحدة في نهاية الشهر الجاري، وذلك من أجل إصلاح العلاقات الأمريكية-الروسية التي تدهورت بشكل كبير في عهد الرئيس الحالي (باراك أوباما). وفي رواية أخرى قد يكون الرئيس أوباما -وفقاً للصحف الأمريكية-بأنه أخبر الرئيس المنتخب والفريق الذي يعمل على المرحلة الانتقالية بهذا القرار، مستنداً إلى تقارير أجهزة المخابرات الأمريكية. وهذا يعني بأن الرئيس المنتخب يعلم بشكل مسبق بالقرار الرئاسي الذي اتخذه أوباما بطرد الدبلوماسيين الروس، إلا أن موقف الرئيس المنتخب من هذا القرار سيتجلى بشكل رسمي بعد توليه الرئاسة بشكل فعلي في 20/ كانون الثاني، وأن موسكو ستؤجل الرد لحين تسنم الإدارة الأمريكية الجديدة رئاسة البيت الأبيض؛ وذلك بسبب التعويل الروسي عليها. وعلى الرغم من أن موسكو تعّول على إدارة ترامب في تصحيح أخطاء الإدارة الأمريكية الحالية اتجاه موسكو، لاسيما فيما يتعلق بطرد الدبلوماسيين الـ(35)، إلا أن أمام ترامب أمرين أحدهما "قانوني" والآخر "سياسي" في التعامل مع هدا القرار الرئاسي: الأمر الأول:(قانوني)، وهو أن ينقض ترامب قرار الرئيس الحالي بخصوص طرد الدبلوماسيين بقرار رئاسي آخر يعيد الدبلوماسيين الروس ويساهم في إعادة العلاقات الأمريكية الروسية إلى حالتها الطبيعية، وبذلك سيتجنب ترامب سياسة الصدام مع العملاق الروسي في بداية حكمه، الأمر الذي يقود إلى تفاهمات مشتركة بين الطرفين في مناطق الصراع، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط. وهذا النقض ممكن جداً من الناحية القانونية؛ لأن هذا القرار هو قرار رئاسي وليس قانون ملزم للرئيس المقبل أو قانون صوت عليه مجلس النواب، وبالتالي بإمكان الرئيس الجديد أن ينقض هذا القرار ويتخذ قرار بالاتجاه المعاكس. الأمر الثاني: (سياسي)، وهو أمر في غاية الصعوبة قد يواجهه الرئيس الأمريكي الجديد، لاسيما وأن ترامب قد لا يستطيع نقض هذا القرار لأسباب سياسية تتعلق بالمنظومة السياسية والعسكرية والامنية وغالبية القوى السياسية التي ترى بأن قرار أوباما جاء في محله للرد على الاختراق الروسي للمنظومة الإلكترونية. كتلك التصريحات التي أدلى بها السيناتور الأمريكي "جون مكين" اتجاه روسيا، إذ قال بأن روسيا "يجب أن تدفع ثمن الهجمات الإلكترونية على الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن امكانية فرض عقوبات كثيرة بما في ذلك على المؤسسات المالية، معتبراُ هذا الهجوم عملاً من اعمال الحرب" وبهذا، فربما يكون الرد الروسي قاسيا ومماثلاً على القرار الأمريكي، إذ لم ينقض الرئيس الجديد هذا القرار ويساهم في أعاد العلاقات الأمريكية- الروسية، لاسيما وأن بوتين رفض اقتراح الخارجية الروسية برد مماثل وعّول على الإدارة الأمريكية الجديدة في تطبيع العلاقات بين البلدين وحل المشاكل السياسية العالقة. وعليه فأن مستقبل العلاقة بين موسكو وواشنطن في المرحلة المقبلة تتوقف على سياسة الرئيس "دونالد ترامب" وإدارته، وقد يكون مستقبل العلاقات الأمريكية الروسية مفتوحاً على كل الاحتمالات، لاسيما في ظل الخيارات المتعددة والتحديات السياسية والامنية التي تواجه الإدارة الأمريكية الجديدة، وقد يكون الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" في البيت الأبيض مختلفاً عن ذلك المرشح الجمهوري وما طرحه في دعايته الانتخابية، وقد يكون أكثر اصغاء للمؤسسات الأمريكية سواء للصقور أو الحمائم. ولربما سيعمل الرئيس المنتخب على إعادة العلاقات بين البلدين ويساهم في تخفيف التوتر بين موسكو وواشنطن؛ لأن طروحات ترامب السياسية والاقتصادية تتطلب عدم التصعيد مع الجانب الروسي. وهذا ما أعلن عنه ترامب خلال دعايته الانتخابية وبعد فوزه بالرئاسة الأمريكية. وبالتالي فأن العلاقة بين موسكو وواشنطن في عهد ترامب ستكون أفضل مما كانت عليه في عهد الإدارة الديمقراطية برئاسة "أوباما"، ومن المتوقع ألا يؤثر قرار أوباما بعلاقة البلدين بعد مجيء ترامب.
التعليقات