الوضع الذي يمر به العراق حاليا بحاجة ماسة للتأييد والدعم الدولي، وهو امر ضروري للحكومة الجديدة لاختصار الجهود والعمل على تحقيق الهدف الذي تشكلت من أجله الا وهو اجراء الانتخابات المبكرة
حظيت الحكومات العراقية بعد عام 2003، وعقب كل انتخابات تشريعية، بتأييد كبير من دول ومنظمات دولية. واليوم اظهرت بيانات ومواقف التأييد لحكومة السيد مصطفى الكاظمي من دول عدة وكذلك منظمة الامم المتحدة ان التأييد الدولي للحكومة الجديدة بحاجة الى منهجية اداء تتناسب وتحديات المرحلة. وعلى الرغم من كثافة التأييد الا ان اغلب الحكومات لم تتوافر على قراءة واقعية للبيئة الاقليمية والدولية لتضع منهجية اداء تستثمر من خلاله الدعم والتأييد الدولي لمواجهة التحديات. وأكثر الحكومات اخفاقا في هذا الجانب هي حكومة السيد عادل عبد المهدي على عكس الحكومة الاسبق وهي حكومة السيد العبادي التي احسنت التعامل مع الدعم الدولي في القضاء على داعش وتجاوز الازمة المالية، على الرغم من انها اخفقت في ملف حقوق الانسان ونتج عن هذا التجاوز عشرات القتلى من المحتجين عام 2017.
رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة السيد الكاظمي بعد ساعات من منح الثقة لغالبية اعضائها، ودعا في بيان أصدره المتحدث بأسمه ستيفان دوجاريك، عن دعمه للحكومة الجديدة، ودعا الى "تطبيق إصلاحات ذات مغزى تحسن حياة الناس بشكل ملموس وتعزز المؤسسات الديمقراطية في العراق". كما أكد وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو عقب مهاتفته رئيس الحكومة الجديدة: " الآن يأتي العمل العاجل والجاد لتنفيذ الإصلاحات التي طالب بها الشعب العراقي. لقد تعهدت بمساعدته على تنفيذ أجندته الجريئة من أجل الشعب العراقي".
فيما ذكرت بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في بيان ترحيبها بمنح مجلس النواب الثقة لغالبية اعضاء الحكومة الجديدة، " تواجه الحكومة معركة شاقة وليس هناك وقت يُدخر. وتمثل مواجهة الازمة الاقتصادية التي تفاقمت في ظل جائحة كوفيد-19 وتراجع اسعار النفط اولوية قصوى. ولكن يجب التصدي للتحديات الاخرى التي طال امدها دون تأخير، وتشمل تقديم الخدمات العامة ومحاربة الفساد وتعزيز الحكم الرشيد، فضلا عن العدالة والمساءلة، ... والامم المتحدة مستعدة للمساعدة في تحديد الفرص والتصدي للتحديات والعمل بشراكة مع العراقيين لبناء مستقبل مزدهر ومستقر لبلدهم".
وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها إنّ "بومبيو هنّأ الكاظمي خلال مكالمة هاتفية بحصوله على ثقة البرلمان، وأبلغه بأنّه، لمدّة 120 يوماً، لن تفرض الولايات المتّحدة عقوبات على العراق لاستيراده الغاز والكهرباء من إيران". وهذه البادرة هدفها إظهار رغبة الادارة الاميركية في المساعدة في توفير الظروف الملائمة لنجاح الحكومة الجديدة. الامر الذي يجعل الحكومة العراقية امام مسؤولية الايفاء بتعهداتها لضمان الدعم الاميركي في وقت اشد ما يكون العراق بحاجة له سياسيا وامنيا واقتصاديا.
كما توالت بيانات ومواقف التأييد للحكومة الجديدة من المحيط الاقليمي العربي وكذلك إيران وتركيا والدول الصديقة للعراق.
الملاحظ من مواقف وبيانات التأييد الدولية الموجهة لرئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي انها تتلخص بجوانب عمل مهمة، هي:
1/ التعامل بموضوعية مع الازمة الاقتصادية التي تواجه البلد وتحسين حياة المواطنين عبر مواجهة جائحة كورونا كوفيد-19، وتعزيز الايرادات غير النفطية.
2/ مواجهة الفساد وانقاذ المسار الديمقراطي في البلاد عبر اجراء انتخابات مبكرة.
3/ تحسين ملف حقوق الانسان ومساءلة المتهمين باستخدام العنف ضد المتظاهرين، والعمل على تلبية متطلبات الشعب العراقي بما فيها اعادة النازحين.
ما هو مدرك، انه لايُطلب من حكومة مؤقتة ما يُطلب من حكومة دائمية. كذلك، ليس المراد من الحكومة الجديدة ان تعمل المستحيل وتلبي طموحات الشعب واستحقاق بناء الدولة، وهو ما عجزت عنه الحكومات الاربع السابقة. بل المراد هو التهيئة لإجراء انتخابات وفق مرتكزات: مبكرة، وفي وضع أمنى مناسب، ووضع اقتصادي مناسب، وفي إطار ادارة انتخابية مستقلة كفوءة ونزيهة، وبعيدا عن التأثير الخارجي، وبعيدا عن تأثير المال السياسي والسلاح المنفلت.
يبقى الوضع الذي يمر به العراق حاليا بحاجة ماسة للتأييد والدعم الدولي، وهو امر ضروري للحكومة الجديدة لاختصار الجهود والعمل على تحقيق الهدف الذي تشكلت من أجله الا وهو اجراء الانتخابات المبكرة. واستثمار هذا التأييد والدعم بحاجة الى ضمان ولن يتحقق ذلك من دون ايصال رسائل ايجابية للداخل والخارج.
البداية، وفق ما تقتضيه الضرورة والاولويات، هو مواجهة العسر المالي، وهنا لابد العمل مبكرا على اتخاذ اجراءات حاسمة وسريعة وفق رؤية ترتبط بترشيد الانفاق وتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، اي العدالة في توزيع الموارد ولاسيما بين المركز واقليم كردستان. فمع العوز والفقر لا يمكن الطلب من الافراد (الناخبين) الذهاب لصناديق الانتخابات، ومن دون الاموال لا يمكن للإدارة الانتخابية ان تلبي احتياجات العملية الانتخابية.
الحكومة الجديدة بحاجة الى التمويل والاقتراض لسد العجز المالي خلال السنة المالية الجارية، لذا تبرز احاجة الى العودة الى اتفاق الاستعداد الائتماني مع صندوق النقد الدولي الذي عقد عام 2015. وهو الاتفاق الذي أسهم في التخفيف من الازمة المالية الناتجة عن انخفاض اسعار النفط وارتفاع الانفاق العسكري الدفاعي ضد تنيم داعش الارهابي. وبلغ المراجعة الثالثة ولم تلتزم الحكومة العراقية آنذاك بعد عودة اسعار النفط للارتفاع. وهذا الاتفاق حصل بدفع اميركي، لذا تبرز الحاجة الى التواصل مع صانع الجانب الاميركي للتوصل الى صيغة لعودة العمل في الاتفاق. ومؤكدان هذا الامر يتطلب بعض الاشتراطات السياسية والتي تتمحور حول عدم الانصياع الكامل لايران والحد من تأثيرها في العراق.
أمنيا، يبقى التحدي الابرز امام الحكومة الجديدة، والذي له صلة وثيقة بالاستحقاقات الامنية والسياسية وحتى الاقتصادية، هو ضبط حركة وسلوكيات الفواعل غير الحكوميين (من فصائل وجماعات مسلحة) والذين باتوا يشتملون على قوة عسكرية وتأثير سياسي وأمني، تمنحهم حرية الحركة والفعل. ومن دون ذلك، فأن اختلال التوزان بين "القوى السياسية" بفعل الامكانيات العسكرية والقدرات التسليحية، والارتباط بطرف اقليمي معين، سيقود الى بروز التأثير السياسي وتأثير السلاح على العملية الانتخابية، وبالتالي لن تتوفر الظروف الامنية والسياسية المناسبة لأجراء الانتخابات.
وتظهر التعرضات والهجمات الاخيرة لخلايا تنظيم داعش الارهابي، والحاجة الى الدعم اللوجستي والتدريب والمعلومات الاستخبارية، وتجفيف مويل التنظيم الارهابي، كلها تظهر الحاجة الى عودة العمل والتعاون مع القوات الاجنبية في إطار التحالف الدولي. والابتعاد عما كانت الحكومة السابقة تدفع باتجاهه بضغط من إيران ووكلائها في العراق.
فيما يتعلق بحقوق الانسان والتي اوغلت بها سلبا الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي، وحماية المتظاهرين ومساءلة ومحاسبة من تسبب بهدر الدماء. حصل التوافق على الحكومة الجديدة وسط معارضة فصائل مسلحة وكتل سياسية حتى في وسط تحالف الفتح ككتلة دولة القانون. بعبارة اخرى ان خارطة "القوى السياسية" التي توافقت على حكومة السيد الكاظمي، هي ليست ذات الخارطة التي جاءت بحكومة السيد عادل عبد المهدي، فبغض النظر عن معارضة "قوى" عدة مثل كتلة الوطنية وكُتل سنية، نلاحظ معارضة كتلة "دولة القانون"، جماعات "شيعية" مسلحة ضمن تحالف الفتح لحكومة السيد الكاظمي، وهذه الجماعات ىسبق وان اتهمت الكاظمي بمساعدة الأمريكان على اغتيال قاسم سليماني والمهندس. علما ان تحالف الفتح برئاسة النائب هادي العامري أسهم بشكل بارز في ترشيح ومن ثم تكليف الكاظمي لتشكل الحكومة وذلك لرد الاعتبار "للبيت الشيعي" بعد تجاهل رئيس الجمهورية "للقوى الشيعية" وتكليفه للسيد عدنان الزرفي لتشكيل الحكومة.
اليوم هذه القوى المعترضة تحاول ان تنفذ الى ساحات الاحتجاج والدفع بها الى التظاهر برفض الكاظمي بما ينسجم مع موقفها، وما حصل في البصرة خلال اليومين الماضيين يدلل على لذلك. عليه كان التعامل بحزم وسرعة مع المتهمين بإطلاق النار على المتظاهرين في محافظة البصرة من حركة قبل #ثار الله وبأوامر مباشرة من قبل القائد العام السيد مصطفى الكاظمي، تبعث برسالة جيدة للخارج، ولتكون الحكومة بمستوى التأييد التي حظيت به ولاسيما من قبل الامم المتحدة والولايات المتحدة الاميركية. كما ان اعتقال المتهمين وغلق مقارهم يبعث برسالة ايجابية للداخل ولساحات الاحتجاج كعربون مناصرة لهم، اذ شكل هذا الاجراء ضربة لإجهاض ما تخطط له بعض الفصائل المعترضة على تكليف الكاظمي، عبر التحشيد الالكتروني، في دفع ساحات الاحتجاج للتظاهر برفضه.
كما ان هذا الاجراء إذا ما استمر التعامل به مع المستجدات الامنية سيحد من قدرة كثير من الجماعات المسلحة و"القوى السياسية" والمسلحة التي ساهمت بإيقاع الضرر بالمحتجين عبر ميلشياتها. الامر الذي يبعث برسالة ايجابية حول حالة حقوق الانسان في العراق. ومن ثم يهيئ الارضية المناسبة للاستجابة لمطالب المحتجين والتي هي مطالب الجماهير العراقية.
اضافةتعليق