يُعد مؤشر المشاركة الالكترونية من المؤشرات المهمة في عصر السرعة، عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات، كونه يعكس مدى انسجام البلدان، بحكوماتها ومجتمعاتها وأفرادها، مع هذا العصر أو تخلفها عن مواكبته.
وبما أن تكنولوجيا المعلومات تسهل نشر المعلومات وإتاحة الفرصة للتواصل، فإنها تشكل ممراً مثاليا للشراكة بين المواطن و الحكومة لتعزيز القيم العامة. ان المشاركة من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، هي أداة رئيسية لدى الحكومة الشاملة اجتماعياً، بل وتتعدى الحكومة الإلكترونية. وهذا ما يعني توظيف التقنيات الحديثة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمعالجة قضايا الوصول وتعزيز فرص التمكين الاقتصادي والاجتماعي لجميع المواطنين .
يدلل مؤشر المشاركة الالكترونية على مدى تطبيق الحكومة الالكترونية، إذ لا يمكن أن تتحقق المشاركة الالكترونية من دون وجود حكومة الكترونية، فكلما ارتفع مؤشر المشاركة الالكترونية كلما دلل على تقدم تطبيق الحكومة الالكترونية والعكس صحيح كلما انخفض هذا المؤشر كلما دلل على تعثر تطبيق الحكومة الالكترونية التي تُعد من سمات هذه الألفية.
المشاركة الالكترونية والاستبداد
يعطي مؤشر المشاركة الالكترونية انطباعاً عاماً عن عقلية السلطة الحاكمة ومدى اقترابها من الشعب وابتعادها عنه، فارتفاع المشاركة الالكترونية، ابتداء من إتاحة المعلومات للمواطنين ومروراً بمشاورتهم بشأن خياراتهم وانتهاء بصنع القرار الكترونياً، يعطي انطباعاً عن انخفاض استبدادية السلطة الحاكمة بل وارتفاع ديمقراطيتها كونها عملت على تطبيق الحكومة الالكترونية لتكون أكثر اقتراباً من الشعب وانعكاساً لخيارته.
وبما إن المشاركة الالكترونية تعني إتاحة المعلومات أمام المواطنين ومشاورتهم ومساهمتهم في صنع القرار الكترونياً من جانب، وان السلطة الحاكمة ذات العقلية الاستبدادية ترفض إتاحة المعلومات للمواطنين وتنفرد بآرائها وأفكارها ومن باب أولى انفرادها بصنع القرار واتخاذه من جانب آخر، فإن المشاركة الالكترونية تسير بشكل عكسي مع السلطة الحاكمة ذات العقلية الاستبدادية، وبشكل طردي مع السلطة الحاكمة ذات العقلية الديمقراطية.
تعريف المشاركة الالكترونية
تعرف على أنها "عملية إشراك الموطنين من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في السياسة وصنع القرار وتصميم الخدمات وتقديمها لجعلها أكثر تشاركية وشاملة ومتداولة"
تعد المشاركة الالكترونية مؤشر تكميلي لدراسة الأمم المتحدة حول الحكومة الالكترونية، وهو يوسع من نطاق الدراسة من خلال التركيز على استخدام الخدمات الالكترونية لتيسير تقديم المعلومات من قبل الحكومات إلى المواطنين "مشاركة المعلومات الالكترونية" والتفاعل من الجهات المستفيدة "المشاورة الالكترونية" والتعاون في عمليات صنع القرار "صنع القرارات الالكترونية".
عناصر المشاركة الالكترونية
الأول: مشاركة المعلومات الالكترونية، أي تزوّد الحكومات الناس بالمعلومات من خلال قنوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمساعدتهم على اتخاذ خيارات أكثر استنارة في المرحلة التالية من التشاور. حيث تعتبر المعلومات الالكترونية أمراً بالغ الأهمية لانه بدون الوصول إلى المعلومات العامة لا يمكن أن تكون المشاركة قائمة على الأدلة أو ملائمة تماماً أو مهمة. وأغلب المعلومات التي تزودها الحكومات لمواطنيها تشمل قطاعات التعليم والصحة وقطاعات أخرى.
الثاني: المشاورة الالكترونية، تعني مشاورة الناس كجزء من عملية صياغة سياسات جديدة، وتصميم خدمات أو مشاريع جديدة، غير إن المشاورة لا تعني بالضرورة أن الحكومة ملزمة باستخدام المدخلات المستلمة، إذ بدلاً من ذلك لديها القدرة على الاستفادة من المعلومات التي تم الحصول عليها من أجل الاستجابة بشكل أفضل للمشاعر العامة حول موضوع معين.
الثالث: صنع القرار إلكترونياً، يشير إلى عملية يقدم فيها الأشخاص مدخلاتهم الخاصة في عملية صنع القرار, ومثالان على ذلك هما التصويت الالكتروني المباشر عبر أنظمة آمنة وتحديد الخيارات والمقترحات من خلال تصنيفها عبر وظائف "الإعجاب/عدم الإعجاب" أو "زائد/ناقص" في قنوات الإعلام الاجتماعي. في حين ان صنع السياسة هو النتيجة المنطقية لهذا النوع من أنشطة المشاركة العامة، فإن جميع المعلومات والمشاورات تمثل أشكال مشاركة قيّمة بنفس القدر في حد ذاتها.
تصنيفات المشاركة الالكترونية
يتم تصنيف الدول حسب مؤشر المشاركة الالكترونية إلى عدّة مستويات وهي عالي جداً (أكثر من 0.75) ، وعالي (بين 075 إلى 0.50) ، ومتوسط (بين 0.50إلى 0.25) ومنخفض ( أقل من 0.25).
الدنمارك أبرز نموذج
تحتل الدنمارك المرتبة الأولى في مؤشر تنمية الحكومة الالكترونية في عام 2018 والذي انعكس على احتلالها المرتبة الأولى في حجم المشاركة الالكترونية مما جعل الأمم المتحدة تصفها مع بلدان أخرى وهي فنلندا وجمهورية كوريا "كقائدين عالميين" بشأن المشاركة الالكترونية حسب ما ذكرته في "دراسة الحكومة الالكترونية 2018"، بفعل قيام الدنمارك بوضع المشاركة الالكترونية كجزء من الإستراتيجية الرقمية للبلد للمدة 2016-2020 ، حسب دراسة الأمم المتحدة لعام 2018.
فتمكنت الدنمارك من تحقيق المزيد من التطور في الإدارة العامة الرقمية والاتصالات والخدمات الالكترونية، كونها عملت على جعل التفاعلات الرقمية بين المواطن والحكومة الرقمية إلزامية دون استبعاد غير القادرين على استخدام الخدمات الرقمية، وإلى جانب القطاع الخاص، تستفيد المؤسسات العامة على المستويات المحلية والإقليمية والحكومة المركزية من الفرص التي توفرها الرقمنة .
العراق والمشاركة الالكترونية
أما بالنسبة للعراق فإن استمرار الاستبداد لمدة طويلة من الزمن أدى إلى تربية وإنتاج أجيال تُجيد الطاعة للحاكم وانفراد الأخير بقراراته، هذا الأمر تجذّر في المجتمع العراقي ابتداء من رب الأسرة وانتهاء برئيس الدولة، ولا يعرف معنى الديمقراطية فلم يؤمن بأنه مصدر السلطات، وعليه فحتى وإن تبنى العراق النظام الديمقراطي بعد عام 2003 فإنه لا يزال استبدادي بما يكفي ما لم تكُن الديمقراطية نظام حياة وليس نظام حكم فحسب.
إن ما يدلل على استمرار ممارسة الاستبداد في العراق هو عدم قيام الحكومات المتعاقبة بتحقيق تقدم ملموس بل العكس حصل تراجع واضح، وما الفساد وسوء مناخ الأعمال إلا أبرز الأدلة عليه، هذا من جانب. واستمرار أكثرية المجتمع بأداء فرض الطاعة للحاكم ولم يأخذ دوره المطلوب كونه مصدر السلطات في رفض الإفرازات السلبية للحكومات المتعاقبة من جانب ثانٍ، ومن جانب ثالث نلاحظ استمرار هيمنة الدولة على الاقتصاد حيث تهيمن على أكثر من 80% من الأراضي وتهيمن على الريع النفطي كذلك لا تزال تسيطر على الجزء الأعظم من القطاع المصرفي وغيرها من المؤشرات التي تدلل على الاستبداد.
وبما إن العراق لا يزال يعاني من مسألة الاستبداد فلن تتحقق المشاركة الكترونية بشكل حقيقي لأنه، وكما ذكرنا آنفاً، هناك علاقة عكسية بين المشاركة الالكترونية والاستبداد، هذا الأخير دفع إلى شيوع الفساد الذي يحتل العراق بموجبة المرتبة 169 من أصل 180 دولة، مما أسهم في تعثر تطبيق الحكومة الالكترونية وتعثر المشاركة الالكترونية من باب أولى، فكان ترتيب العراق بموجب مؤشر تنمية الحكومة الالكترونية 155من أصل 193 دولة عام 2018 ضمتها الدراسة، ثم انعكست على ترتيب المشاركة الالكترونية التي يحتل العراق فيها المرتبة 140 من أصل 189 دولة، فلم يتجاوز المتوسط في تصنيفاتها، بمعنى لم تتجاوز تصنيف ال 0.50 الذي تمت الإشارة إليه سابقاً.
ختاماً، فمتى ما استطاع العراق من إزالة الاستبداد وزرع الديمقراطية بشكل حقيقي عندها نستطيع القول إننا سنرى هناك تطوراً واضحاً في المشاركة الالكترونية وتقديم الخدمات عبر الانترنيت.