التعارض بين عضوية البرلمان و الوظائف الحكومية والأنشطة الخاصة

ما لفت الانتباه عند أداء أعضاء مجلس النواب الجديد في دورته الثانية لليمين الدستورية،عدم أداء الجميع لهذا اليمين والتي تعد شرطاً أساساً للبدءً بممارسة مهام العضوية(المادة50) من دستور جمهورية العراق لعام 2005،والمادة (6) من النظام الداخلي لمجلس النواب السابق، ((والذي نراه ساري المفعول لحد هذه اللحظة، حتى يتم إصدار نظام آخر بدلاً عنه،أو تعديل أحكامه وفق ما يراه المجلس الجديد(المادة51) من الدستور ،والمواد(150-152) من النظام الداخلي للمجلس السابق))،والتي لا يمكنه ممارستها طالما لم يؤدي العضو اليمين الدستورية المطلوبة،أمام مجلس النواب،وتحت أشراف رئيس المجلس مباشرة. فالأعضاء الذين يشغلون مناصب حكومية لم يؤدوها ( اليمين الدستورية)،للتعارض بين مهام العضوية البرلمانية،والتي من الواجب عليهم القيام بها،إذا ما عززوا وأكدوا صفة العضوية بأداء اليمين، وبين المهام الحكومية في المناصب التي يشغلونها،فالأولى مهام تدخل من اختصاص السلطة التشريعية،كاقتراح مشروعات القوانين(المادة60)، والموافقة على القوانين والتصويت عليها(61/أولاً)، والرقابة والأشراف على عمل الأجهزة الحكومية(61/ثانياً)،بينما الثانية أعمال حكومية مرتبطة بالسلطة التنفيذية(المواد73،78، 80)،فما هو التبرير لهذا الوضع القانوني،الذي نحاول الإجابة عليه في هذه الأسطر؟ يعد مبدأ استقلالية السلطة التشريعية من تأثيرات السلطة التنفيذية(الحكومة) ضرورة لابد منها في النظم الديمقراطية،والتي من أهم ركائزها مبدأ الفصل بين السلطات،واستقلال أحداهما عن الأخرى،استقلالاً يؤمن التعاون والانسجام فيما بينها من أجل إدارة وتمشية شؤون البلاد،وهذا ما أكدته المادة(47) من دستور جمهورية العراق لعام(2005) بقولها((تتكون السلطة الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية،تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات))،وهو ما أكدته المادة(1) من النظام الداخلي لمجلس النواب(السابق)، فوظيفة أعضاء البرلمان تتطلب التحرر من أي تأثيرات تحول بينهم وبين متطلبات مباشرة دورهم الرقابي على أعمال الحكومة وتصرفاتها، وممارسة دورهم الأساس في التشريع والرقابة عن طريق ما يمتلكه من صلاحيات الاقتراح لمشاريع القوانين والموافقة عليها وإصدارها، والمحاسبة والمساءلة والاستجواب وسحب الثقة من الحكومة،وهذا ما حرص عليه المشرع الدستوري في الفقرة(سادساً) من المادة(49) من الدستور عندما نص وبشكل صريح لا يقبل الشك والتأويل (( لا يجوز الجمع بين العضوية في مجلس النواب،وأي عمل،أو منصب رسمي آخر)). فهناك العديد من الوظائف التي تتعارض في ممارستها مع ممارسة مهام العضوية النيابية أو البرلمانية،على الرغم من أن العمل بهذه الوظائف لا تمنع الشخص من المشاركة في العملية الانتخابية كمرشح أم ناخب،ولكن بمجرد نجاحه في الانتخابات وفوزه بالمقعد النيابي وقبل أن يباشر مهام عمله كعضو في مجلس النواب،والتي تتطلب حلف اليمين الدستورية،عليه أن يختار بين وظيفته الحكومية،وبين عضوية البرلمان، من أجل تأكيد استقلالية ممثلي الشعب،كون الجمع بين الوظيفة الحكومية وعضوية البرلمان يعني الخضوع للتأثيرات والضغوط الوظيفية،فليس من الملائم والمناسب أطلاقاً خضوع نائب في البرلمان لسلطة رئاسية بحكم الوظيفة التي يتولاها ويمارسها في دوائر الدولة الحكومية،فهو يعد موظفاً عاماً يخضع للسلطة الأعلى منه مباشرة في السلم الوظيفي،فعلاقته بمديره علاقة المرؤوس بالرئيس،فكيف يعقل ذلك لنائب في البرلمان من المفترض أن يمارس دوره النيابي بكل حرية وبعيداً عن الخوف والخشية من السلطة التنفيذية،بل هو الرقيب على أعمال تلك السلطة. هذا الحظر يمتد ليشمل جميع الوظائف مهما كانت الدرجة الوظيفية التي يشغلها النائب في دوائر الدولة ،وبالتالي فهي تشمل منصب رئاسة الجمهورية،ونائب رئيس الجمهورية،ورئيس مجلس الوزراء،ونواب رئيس مجلس الوزراء،والوزراء ووكلاء الوزراء،والدرجات الخاصة،والمدراء العامون،حتى ادنى درجة وظيفية في سلم الدرجات الوظيفية،كما يشمل الحظر العمل في أي وظيفة في السلطة القضائية،مهما كانت كرئيس مجلس القضاء الأعلى, رئيس المحكمة الاتحادية العليا, رئيس محكمة التمييز الاتحادية, رئيس جهاز الادعاء العام،رئيس المحكمة الجنائية العراقية العليا،قاضي في أي محكمة،أو موظف في السلطة القضائية مهما كانت درجته الوظيفية. كذلك يحظر على النائب ممارسة بعض الأعمال والأنشطة كالعمل في التجارة والصناعة والشركات،والأسواق المالية،والهدف من وراء ذلك تفرغ النائب للعمل النيابي،وعدم تأثير تلك الأنشطة على عمله كنائب للشعب،وتجنب ما يترتب على تلك الممارسة من علاقات ووشائج تؤثر سلباً على مكانة النائب واعتباره وعمله البرلماني. ولكن السؤال الذي يطرح هنا هل يمكن للنائب(عضو مجلس النواب) أن يمارس أنشطة خاصة بحكم تخصصه أما لحمله شهادة علمية كالطبيب والمهندس والمحامي والمدرس والأستاذ الجامعي،أم يحظر عليه ذلك أيضاً؟ إن المشرع الدستوري قد حسم هذا الأمر وبنص صريح،عندما حظر الجمع بين عضوية البرلمان وبين أي عمل أو وظيفة ثانية،سواء كان بأجر أو بدونه،من أجل تفرغ النائب للعمل النيابي،وتمثيل الشعب خير تمثيل من خلال التفرغ للمهام النيابية،كما أن السماح للنائب بممارسة هذه الأنشطة يتعارض مع مبدأ المساواة بين الأفراد بصورة عامة ،وبين النواب ذاتهم ثانياً،كون هذه الأنشطة تدر مردوداً مادياً لمن يمارسها،بل نرى حظر الممارسة حتى وأن كان العمل بدون مقابل،للنص الصريح على الحظر،ولان مهام النيابة البرلمانية تحتاج تفرغ كامل من النائب ليوفي متطلبات تلك النيابة حقها،وهو مالم يتحقق إذا ما مارس النائب عمل أو نشاط آخر إلى جانب أعباء النيابة. كما أن ما يتقاضاه النائب من مخصصات العضوية(المخصصات والامتيازات المالية وغيرها)، نراها كافية لمنعه من ممارسة أي عمل آخر،فهي تلبي جميع المتطلبات الضرورية واللازمة لعضو مجلس النواب ومكانته في المجتمع.
التعليقات