اتفاقية الإطار الإستراتيجي بين العراق وأمريكا وراء الكواليس

لقد صادق البرلمان العراقي في جلسة صاخبة على الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية وقد سلطت الأضواء على هذه الاتفاقية من حيث بيان نصوصها والتواريخ المهمة فيها. إلا إن المتابع يجد إنه فضلاً عن تمرير البرلمان لهذه الاتفاقية فقد تم تمرير اتفاق الإطار الإستراتيجي لعلاقة الصداقة والتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية دون أن يتم بيان تفاصيل هذه الاتفاقية التي لا تقل أهمية عن الاتفاقية الأمنية. إن اتفاقية الإطار الإستراتيجي لعلاقة الصداقة والتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية تعد من قبيل الاتفاقيات التي تسمى في القانون الدولي بالاتفاقيات ذات الشكل المبسط بالنسبة للجانب الأمريكي والتي تكون ملزمة بمجرد التوقيع عليها ودون الحاجة للعرض على الكونغرس باعتبارها تدخل في اختصاص مكتب رئيس الجمهورية في حين إن نفس هذه الاتفاقية تعد من قبيل الاتفاقيات ذات المعنى الدقيق بالنسبة للجانب العراقي والتي لا تعد ملزمة إلا بالتصديق عليها من قبل البرلمان العراقي. إن هذه الاتفاقية تتألف من ديباجة وإحدى عشر قسماً وقد جاء في الديباجة إنها اتفاقية طويلة الأمد وتؤكد على ضرورة عودة العراق إلى مكانته القانونية والدولية بحلول 31/12/2008 كما إن الفقرة الرابعة من الديباجة تشير إلى دعم العملية السياسية وتعزيز المصالحة الوطنية في إطار العراق الموحد الفيدرالي. ويمكن التعليق على ما تقدم إن هذه الاتفاقية طويلة الأمد حققت ما فشلت الاتفاقية الأمنية في الحصول عليه بشأن هذا الزمن المفتوح والذي بموجبه تظل هذه الاتفاقية سارية المفعول ما لم يقدم أي من الطرفين إخطاراً خطياً للطرف الآخر وأكدت على ذلك الفقرتين ثانياً وثالثاً من القسم الحادي عشر من الاتفاقية. وقد أشارت الديباجة أيضاً إلى إن العراق سوف يعود إلى مكانته القانونية والدولية في 31/12/2008 أي بعد دخول الاتفاقية الأمنية حيز النفاذ وبالتالي إنهاء التمديد الدولي للقوات المتعددة الجنسيات ولعمري لا أعلم لماذا لم تنتظر الولايات المتحدة هذه العودة لإبرام هذه الاتفاقية الإستراتيجية طويلة الأمد ولعل السبب في ذلك غياب القانون الخاص بإبرام الاتفاقيات في العراق ذلك إن مشروع هذا القانون قد تم قراءته للمرة الثانية عند إبرام الاتفاقية الأمنية ولكن بعد إمرارها طوى عليه النسيان خاصة وإنه أكد في إحدى فقراته إن الاتفاقيات الإستراتيجية تحتاج أي موافقة ثلثي أعضاء البرلمان وقد بينت الديباجة أيضاً إلى إن هذه الاتفاقية هي لدعم العملية السياسية وتعزيز المصالحة الوطنية في إطار العراق الموحد الفيدرالي. ويمكننا القول هنا إنه إلى متى تبقى العملية السياسية في العراق تحتاج إلى الرعاية الأمريكية فمعنى هذه الاتفاقية إنه إذا كان الضغط العسكري قد نتخلص منه في وقت ما فإن الضغط السياسي الأمريكي في ظل أكبر سفارة أمريكية في العالم سوف يبقى موجوداً وفاعلاً لحل الاختناقات السياسية في العراق. أما القول بتعزيز المصالحة الوطنية فإن هذه المصطلح الأخير اليوم تتداوله كل الكتل السياسية والحاكمة بشكل خاص وبالتالي يمكن للولايات المتحدة الأمريكية هي الأخرى أن تتداوله للاستهلاك المحلي. وكل ما تقدم يحصل في ظل العراق الموحد الفيدرالي والحقيقة قد شدتني كلمة (الموحد) لأن الكلام لا يطابق الفعل في ظل سعي بعض الكتل السياسية للمطالبة بصلاحيات أكبر للأقاليم والمحافظات على حساب سلطات المركز وكل ذلك يتم في غياب الضغط الأمريكي على هذه الكتل من أجل إفهامها معنى الفيدرالية الحقيقي. إن الاتفاقية الإطارية مع الولايات المتحدة الأمريكية تركز في أقسامها الأحد عشر على مبادئ التعاون السياسي والأمني والثقافي والاقتصادي والصحي وتؤكد في الجانب السياسي على حرص الولايات المتحدة الأمريكية على بذل أقصى الجهود لدعم الديمقراطية وتعزيز مكانة العراق في المنظمات الإقليمية والدولية فضلاً عن دعم جهود حكومة العراق في إقامة علاقات إيجابية مع دول المنطقة وكل هذه في الحقيقة التزامات أخلاقية وأدبية أكثر منها التزامات قانونية خاصة بغياب الثقة من قبل دول المنطقة بحيادية الجانب الأمريكي من قضايا المنطقة بشكل عام. أما بالنسبة للتعاون الدفاعي والأمني فقد تم إحالته إلى الاتفاقية الأمنية في القسم الثالث من هذه الاتفاقية علماً إن الاتفاقية الأمنية عليها أكثر من مأخذ لاحتوائها على عبارات مرنة تقبل التأويل والتفسير بأكثر من وجه. أما بالنسبة للجوانب الاقتصادية في هذه الاتفاقية فإنه قد تم الدعوة إلى ضرورة استثمار موارد العراق من أجل التنمية الأمثل والسعي لدمج العراق في المؤسسات المالية الإقليمية والعالمية ولكن هذه الأقوال ما تزال بحاجة إلى أفعال ميدانية خاصة في ظل ضعف إمكانيات القطاع النفطي وبقائه على حاله وهو يشكل أكثر من 90% من ثروة البلد ودون تقديم مساهمات تذكر من الجانب الأمريكي لهذا القطاع أو غيره طوال الخمس سنوات السابقة. ولعل القراءة الدقيقة لهذه الاتفاقية أخيراً تعزز لنا بعض السلبيات فضلاً عن بعض الإيجابيات فمن الانتقادات الموجهة لهذه الاتفاقية: 1. إنها لم تعقد في ظل السيادة التامة للعراق. 2. إن البرلمان لم يقم بمناقشة تفاصيلها كما هو الحال مع الاتفاقية الأمنية. 3. إن الاتفاقية غير محددة الأجل. 4. إنها تسعى إلى دمج اقتصاد البلد المتواضع مع الأنظمة الدولية كمنظمة التجارة. أما الايجابيات المقررة لهذه الاتفاقية: 1. إنها تجعل علاقة الصداقة بين الدولتين قائمة على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. 2. عدم جواز استخدام الولايات المتحدة لأراضي العراق للاعتداء على الآخرين. 3. إنها تشجع التعاون الثقافي والاقتصادي والصحي بين الدولتين.
التعليقات