قضية خاشقجي والبراغماتية العالمية

شارك الموضوع :

السعودية ومن خلفها الامارات لا تملك سوى ان ترضى وتدفع ما يطلب منها حتى يصار الى تسوية الامر بما يمكن حتى وان تواردت بعض الاخبار عن نية الرياض تقليل او قطع النفط فالأمر لا يتعدى كونه دفع معنوي لا يمكن للسعودية ان تقدم على هكذا خطوة في ظل الاوضاع الملتهبة اصلا في مقدمتها الازمة الايرانية والسورية وحرب اليمن

منذ اكثر من اسبوعين والعالم يصدح بموضوع اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي المولود في السعودية من عائلة ذات اصول تركية ، والذي شغل مناصب رفيعة في الصحافة السعودية وعرف عنه دفاعه الشديد عن سياسات بلاده وعن العائلة الحاكمة هناك ، الا ان الموضوع كان قد تغير في اعقاب تولي محمد بن سلمان لولاية العهد ، اذ سارع خاشقجي لتوجيه موجة من الانتقادات منها ما يتعلق بحرب اليمن و سياسات المملكة الخارجية اضافة الى انتقاده احتجاز او انتقاد بعض رجال الدين هذه المواقف كانت قد بَرزت من شخصية خاشقجي في الاوساط الاعلامية العالمية واصبح يتمتع بشهرة كبيرة لا سيما كتاباته في صحيفة الواشنطن بوست . وفي يوم 2/ 10 توارى عن الأنظار على اثر دخوله للقنصلية السعودية في اسطنبول والتي اثارت قضية اختفائه موجة كبيرة لا سيما بعد اعلان تركيا بأنها تملك ادلة تثبت تورط القنصلية السعودية باختفائه فيما اعربت الولايات المتحدة عن قلقها ازاء الحادث وبأنها تنتظر التحقيقات لا سيما وان خاشقجي يمتلك جنسية امريكية ، وبعد موجة من التسريبات التركية قد سمحت الرياض بتفتيش قنصليتها في اسطنبول الا ان الرياض سرعان ما استبقت اكمال نتائج التحقيق فسارعت للاعتراف بمقتل خاشقجي على اثر نزاع وتشابك بالأيدي ما بين عاملون بالقنصلية وجمال خاشقجي اسفرت عن وفاته ونقل جثته من قبل متعهد محلي ، فيما اورد بعض المختصون جملة من التفسيرات على بيان السعودية ومنها التالي :

1- في حالة حدوث الشجار داخل القنصلية كان ينبغي من السفير اول من يعلم وهو على دراية به فكيف ادار ظهره عن الشجار وماهي ابعاد استدعاء السعودية له على اثر بدء الازمة .

2- في حالة صحة المقولة السعودية فما هي اسباب اقالة نائب رئيس الاستخبارات احمد العسيري وهو الذي ذاع صيته كثيراً ابان بداية حرب اليمن ويعهد اليه بالخطط والاستشارات العسكرية كثيراً اضافة الى اقالة المستشار في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني  ؟ 

3- بمجرد تفتيش القنصلية ومنزل القنصل تعد بمثابة رسالة من تركيا للمملكة.

4- توقيت الاعتراف السعودي بالتزامن مع بدء التحقيق والتوجه صوب اعلان خيوط الازمة .

و على اثر قضية خاشقجي والتباطؤ في اعلان النتائج يصاحبها تباين في الآراء الدولية  يضعنا امام جملة من المعطيات : فالموقف التركي قد ادار الازمة بحرفية عالية في حين تكتم على اي اعلان رسمي بشأن الادلة كان قد عمل على وضع تسريبات محددة بهدف الضغط والمساومة دون ان يدلي بشيء رسمي ، هذه الضغوط تهدف اما لفك الحصار عن قطر او ربما لتغيير موقف المملكة اتجاه الاخوان المسلمون المدعومين  من تركيا او موضوع الازمة السورية وهنا المساومة تشمل الجانب الامريكي ايضاً للحصول على حضور اقوى لتركيا في سوريا او رفع العقوبات الاخيرة ، اما قطر فقد عملت على تأجيج الموقف العالمي لا سيما عبر قناة الجزيرة فقد غطت الموضوع من جوانبه المختلفة في محاولة للخروج من الحصار والضغط العالمي على الرياض ، فيما كان الموقف الامريكي الاكثر غرابة وتباين فقد اعلن الرئيس ترامب بأن الولايات المتحدة حتى وان فرضت عقوبات فهي لا تشمل توريد صفقات السلاح التي تتجاوز قيمتها المئة مليار دولار وبالتالي لا يمكنه التفريط بها مع قرابة ست مئة  الف وظيفة ، حتى وان تزايدت الضغوط من قبل الرأي العام قد تلجأ الولايات المتحدة لعقوبات شكلية لكونها تتزامن مع انتخابات الكونغرس النصفية ، اما روسيا فقد اعلنت وبشكل خافت بثقتها بالمملكة العربية السعودية وهو موقف مجامل جداَ فروسيا تنظر للأمر من زاوية الربح والخسارة فان اية تدهور لعلاقة الرياض بواشنطن معناها خسارة لحليف قديم للولايات المتحدة وبالتالي فموسكو على اتم الاستعداد لمليء الفراغ وتوريد الاسلحة وربما هو ثمن لعدم تدخلها في ازمة خاشقجي ، اما ايران فاتخذت جانب الانزواء منذ بداية الازمة ربما تأمل بتغيير واشنطن موقفها او قد تشغلها القضية عن فرض المرحلة الثانية من حزمة العقوبات او قد تلتف مع تركيا  لتخفيف حدة العقوبات ، و اخيراً فأن السعودية ومن خلفها الامارات لا تملك سوى ان ترضى وتدفع ما يطلب منها حتى يصار الى تسوية الامر بما يمكن حتى وان تواردت بعض الاخبار عن نية الرياض تقليل او قطع النفط فالأمر لا يتعدى كونه دفع معنوي لا يمكن للسعودية ان تقدم على هكذا خطوة في ظل الاوضاع الملتهبة اصلا في مقدمتها الازمة الايرانية والسورية وحرب اليمن ، في نهاية المطاف فأن قضية خاشقجي قد اصبحت مزاداً للمساومة وسلعة للبيع والشراء ما بين الاقطاب الدولية المتنافسة .

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية