الخدمات في الاقتصاد العراقي ... واقع ورؤية

تشير الارقام ان الخدمات تحتل اهمية كبيرة في الاقتصاد العراقي لكنها مدفوعة بقطاع النفط فهل يُمكن أن تكون هي المحرك الرئيس للاقتصاد لتنويعه وتقويته؟

ان الاجابة على هذا التساؤل تحتاج اولاً تشخيص واقع قطاع الخدمات في الاقتصاد العراقي من خلال مجموعة مؤشرات أدنا، ثم تأتي الرؤية التي يمكن من خلالها جعل قطاع الخدمات رائدً ومحركاً للاقتصاد العراقي.

1- القيمة المضافة 

تطورت القيمة المضافة لقطاع الخدمات بشكل واضح من 470 مليون دولار عام 1968 الى ما يُقارب 7 مليار دولار عام 2021، بمعنى انها تطورت بنسبة 1389% أي أكثر من ثلاثة عشر ضعف. لكن كانت هناك انتكاسات كبيرة في مسيرتها بسبب الحروب عام 1991 و2003والارهاب 2015 وجائحة كورونا 2020.

بينما ارتفعت القيمة المضافة لقطاع التصنيع من ما يُقارب 265 مليون دولار عام 1968 الى أكثر من 4 مليارات دولار عام 2021، اي انها تطورت بنسبة 1409% اي تطورت بأكثر من 14 ضعف القيمة المضافة عام 1968، وحصلت نفس الانتكاسات التي حصلت لقطاع الخدمات.

وان القيمة المضافة لقطاع الزراعة ارتفعت من ما يُقارب 500 مليون دولار عام 1968 الى ما يُقارب 7 مليار دولار عام 2021، بمعنى انها تطورت بنسبة 1300%، اي ثلاثة عشر مرة ضعف القيمة المضافة التي كانت تنتج عام 1968.

2- مساهمة الخدمات في الناتج 

تشكل مساهمة الخدمات 37% من اجمالي الناتج المحلي 1968 واستمرت بالتذبذب الشديد حتى شكلت ما يقارب 43% عام 2021.

في حين شكلت مساهمة التصنيع 9% من اجمالي الناتج المحلي عام 1968 واستمرت مع التذبذب والانخفاض حتى شكلت 2% من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي عام 2021.

وأما الزراعة فقد انخفضت نسبة مساهمتها من 16% من اجمالي الناتج المحلي عام 1968 الى 3.30% عام 2021.

وتجب الاشارة إلى، ان البنك الدولي يفرد بيانات التصنيع بشكل مستقل عن الصناعة بما فيها الصناعة الاستخراجية، لذلك لم تظهر هيمنة النفط على اجمالي الناتج المحلي، علماً انها تتجاوز 50% من اجمالي الناتج المحلي حسب التقارير الوطنية.  

نلاحظ من النسب اعلاه ان الخدمات أكبر مساهمةً من التصنيع والزراعة في اجمالي الناتج المحلي الاجمالي ومع التذبذب انها تسير نحو الارتفاع بينما التصنيع والزراعة نحو الانخفاض.

3- الفرص التي يولدها قطاع الخدمات

ارتفعت نسبة العاملون في الخدمات من 48% عام 1991 الى 59% من اجمالي المشتغلين عام 2021.

بينما ارتفعت بشكل طفيف في الصناعة من 20% عام 1991 الى 21% من اجمالي المشتغلين عام 2021.

وانخفضت في الزراعة من 32% عام 1991 الى 20% من اجمالي المشتغلين عام 2021.

نلاحظ من النسب اعلاه، ان قطاع الخدمات أكبر توليداً لفرص العمل من قطاعيّ الصناعة والزراعة.

4- الاستقرار النسبي للنمو السنوي

شكلت نسبة النمو السنوي لقطاع الخدمات ما يُقارب 4% عام 1969 واستمرت بالتذبذب بين الارتفاع والانخفاض حتى شكلت أكثر من 9% عام 2021.

بينما شكلت نسبة النمو السنوي لقطاع التصنيع ما نسبته 14% عام 1969 واستمرت ايضاً بالارتفاع والانخفاض حتى شكلت أكثر من 19% عام 2021.

وأما النمو السنوي لقطاع الزراعة فشكلت 0.20% عام 1969 واستمرت ايضاً بالتذبذب حتى شكلت – 20.60% عام 2021.

من النسب أعلاه، نلاحظ ان النمو السنوي لقطاع التصنيع كان افضل من قطاعيّ الخدمات والزراعة، لأنه نوعاً ما مستقر ويسير باتجاه الارتفاع.

تفصح المؤشرات ونسبها اعلاه، ان قطاع الخدمات أكثر أهمية من الزراعة والصناعة في الاقتصاد العراقي وبالخصوص في الناتج وتوليد الفرص.

وتجب الاشارة إلى نقطتين مهمتين:

الاولى، على الرغم من اهمية قطاع الخدمات في الاقتصاد العراقي إلا إنه احتل هذه المكانة بسبب ضعف قطاعيّ الزراعة والصناعة.

الثانية، ان قطاع الخدمات قطاع مرتبط بقطاع النفط، بشكل وآخر؛ بمعنى ان النفط قطاع قائد وقطاع الخدمات مدفوع بقطاع النفط.

بمعنى ان قطاع الخدمات قطاع غير قائد ومتأثر أكثر مما هو يؤثر فهل يُمكن أن يكون قطاع قائد ومؤثر اكثر مما هو متأثر ليسحب بقية الاقتصاد نحو النشاط والنمو؟

الرؤية

في ظل ارتفاع اهمية قطاع الخدمات في العالم وأصبح قاطرة الاقتصاد العالمي، اصبحت هناك امكانية ان يكون قطاع الخدمات قاطرة الاقتصاد العراقي لكن بشرط ان يتم العمل عليه ليكون قطاعاً رائداً محلياً واقليمياً ودولياً.

هذا لا يعني إنهاء الزراعة والتصنيع والنفط وغيرها من القطاعات بقدر ما يكون محرك الاقتصاد هو قطاع الخدمات لا أكثر كما هو حال الاقتصاد العالمي كما اتضح في المقال السابق.

كيف ذلك؟

وذلك من خلال العمل على ايلاء قطاع الخدمات بمختلف اشكالها وانواعها مزيد من الاولوية حتى يتم توفيرها بشكل كافٍ وبأسعار معقولة وبنوعية جيدة، وهذه المواصفات ستسهم في اتجاهين:

الاول، تغطية الطلب المحلي وهذا ما يقلل من تسرب العملة الصعبة للخارج.

الثاني، زيادة الطلب الخارجي عليها وهذا ما يزيد من دخول العملة الصعبة.

مثال على ذلك

يعاني العراق اليوم من ضعف الخدمات الطبية على سبيل المثال لا الحصر، ولأجل اشباعها لجأ طالبوا هذا الخدمات الى الخارج، مما تسبب في تسرب العملة الصعبة الى الخارج وهذا له تبعات اقتصادية عديدة انخفاض الاحتياطي الاجنبي وتدهور قيمة العملة...

 وان العمل على ايلاء هذا القطاع الاولوية لجعله قطاعاً رائداً من حيث توفيرها بمختلف انواعها واشكالها وبأسعار معقولة وبنوعية جيدة، هذا سيسهم في تغطية الطلب المحلي والاحتفاظ بالاحتياطي الاجنبي بل وزيادته نظراً لزيادة الطلب من الخارج على خدمات هذا القطاع بحكم معقولية اسعاره وجودته المرتفعة.

وهكذا بالنسبة للخدمات التعليمية والمصرفية السياحية والفندقية والنقل والاتصالات وغيرها.

وما يزيد من أهمية ان يكون قطاع الخدمات قطاعاً رائداً في العراق مجموعة نقاط منها:

1- ان الخدمات تحتل مكانة مهمة في الاقتصاد العالمي، أي هناك طلب عليها بشكل كبيرة كما اتضح في المقال السابق " الخدمات قاطرة الاقتصاد العالمي". 

2- موقعه الاستراتيجي الذي يربط الشرق بالغرب، فوجود قطاع خدمات رائد يلبي الطلب عليه، يجعل من هذا الموقع نقطة التقاء عالمية لها اثارها على الاقتصاد العراقي.

3- فضلاً عن تنوعه الثقافي والجغرافي، هذا التنوع وفي حال وجود قطاع خدمات رائد سيسهم في جذب الاتباع والموالون والسواح وهذا له انعكاساته الاقتصادية.

4- وتوسطه الاقليمي بين الايرانيين والاتراك والعرب، وان وجود قطاع خدمات رائد سيجعل العراق نقطة التقاء ومرور اقليمية لها انعكاساتها الاقتصادية ايضاً.

ولأجل البدء في قطاع الخدمات لابُد ان يسبقه الاهتمام بالبنية التحتية كونها تمثل حجر الاساس لنشوء قطاع الخدمات، إذ كيف يُمكن انشاء مستشفيات حديثة وجامعات متطورة وغيرها في ظل عدم وجود طرق معبدة ومجاري وكهرباء وماء وغيرها؟!

إذن لابُد ان يتم الاهتمام أولاً من قبل الدولة او القطاع الخاص او كلاهما معاً بالبنية التحتية لإنشاء قطاع الخدمات لتحقيق الاثار الاقتصادية المبتغاة منه.

خلاصة القول، ان قطاع الخدمات اذا ما تم العمل عليه بشكل حقيقي ليكون رائداً في العراق والمنطقة والعالم، سيكون قاطرة الاقتصاد العراقي كما هو قاطرة الاقتصاد العالمي وسيكون اقتصاداً متنوعاً وقوياً.

التعليقات