مآلات المواجهة بين إسرائيل وحزب الله بعد اغتيال نصر الله؟

تمكنت إسرائيل في اليوم السابع والعشرون من سبتمبر/أيلول الماضي، من توجيه ضربة موجعة لحزب الله اللبناني بعد اغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله في ضربة جوية استهدف مقر الحزب في الضاحية الجنوبية، رفقة عدد كبير من قيادات الحزب، ليكمل تحطيم سلسلة القيادة في الحزب بعد اغتيال فؤاد شكر القائد العسكري للحزب، وإبراهيم عقيل رئيس العمليات وقادة الجبهات والوحدات القتالية والقوة الجوية والوحدة الصاروخية، محدثًا حالة فراغ غير مسبوقة في البنية الهيكلية والتنظيمية للحزب؛ مما آثار الكثير من التساؤل والتحليل حول شكل المواجهة القادمة بين الطرفين؟ إذ وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد يوم من الضربة التي استهدفت السيد نصر الله وتأكيد اغتياله، بان مقتله خطوة ضرورية نحو "تغيير ميزان القوى في المنطقة لسنوات مقبلة". وهي خطورة يراها البعض بأنها فرصة لحكومة نتنياهو في تمدد قواته بريًا إلى الداخل اللبناني، وهو ما ذكرته بعض الصحف الإسرائيلية كصحيفة "يسرائيل هيوم" أو "إسرائيل اليوم" أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت، قد وافقا الأسبوع الماضي على قبول خطوات تشمل إدخال قوات إلى لبنان". وكذلك ما نقلته شبكة "سي إن إن" عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، ولف بليتزر، قوله إن "الجيش الإسرائيلي يستعد لعمليات برية محتملة في لبنان، لكنه لن ينفذها إلا إذا لزم الأمر". ويرى بعض المراقبون بأن إسرائيل قد تستغل الفرصة بعد نشوة النصر التي تعيشها باغتيال السيد نصر الله وبعض قادة الصف الاول المؤثرين في هيكلة الحزب وقراره الأمني والعسكري، وتندفع في عملية برية محدودة رغبة منها في خلق منطقة عازلة وواقع جديد على حدودها مع لبنان. بموازاة ذلك، هناك من يرى بأن إسرائيل لا يمكنها أن تغامر وتتخذ هكذا خيار في الوقت الحالي، ولاسيما مع النجاح الذي حققته في ضرباتها الجوية ضد قادة حزب الله المؤثرين، فنجاحها في هذا العمليات أو الاستهدافات لا يضمن نجاحها في عملية عسكرية برية، وأن دخولًا عسكريًا إسرائيليًا إلى جنوب لبنان، ربما يكون قرار محفوف بالمخاطر، وقد يمنح حزب الله طوق نجاة ويمكنه من تنفيذ عمليات ضد القوات الإسرائيلية المتقدمة، قد تُعيد له بعض توازنه المفقود، الذي تعرض لها في الاشهر الاخيرة وانتهت بمقتل أمينه العام.

إن مرحلة المواجهة ما بعد اغتيال السيد نصرالله، ربما لم يكشف عنها حزب الله بعد، فقد يكون الحزب مشغولًا بترتيب وضعه الداخلي وقيادته القادمة التي ستخلف السيد نصر الله، وربما أيضًا طبيعة المواجهة المقبلة ستبقى مرهونة، بوجود قيادة حازمة تتمتع بالقبول والشرعية الواسعين داخل صفوفه، مثل رئيس مجلسه التنفيذي، هاشم صفي الدين، خليفة نصرالله المسمَّى من قبل، أو غيره من الشخصيات والقيادات الموجودة داخل الحزب،  إلا أن من المحتمل او المتوقع بان حزب الله سيشن ضربات موسعة على إسرائيل؛ في محاولة لتنفيذ عملية انتقامية، وردع المزيد من المحاولات الإسرائيلية؛ لاستهداف ما تبقى من قادة الحزب، على الرغم من أن الحزب لا يزال يتعافى من الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قادة الحزب من الصف الاول والثاني، وتفجيرات اجهزة البيجر، فضلًا عن اغتيال زعيمه الاول. إلا أن بعض التقديرات الأمريكية غير رسمية، تشير إلى أن الحزب لا يزال قادرًا على إطلاق وابل كبير من الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى على المدن الإسرائيلية الكبرى والمواقع العسكرية. ومع تسريع وتيرة عملياته لاستهداف إسرائيل على نطاق أوسع، فمن المرجح أن يستخدم حزب الله أيضًا صواريخه الباليستية البعيدة المدى والأكثر تطورًا، فضلًا عن الصواريخ والقذائف التي تزن حمولات أثقل من المتفجرات؛ لاستهداف المدن الإسرائيلية الكبرى (حيفا وتل أبيب). بموازاة ذلك، قد تكثف إسرائيل من استهدافها العسكري ضد حزب الله واماكن تواجده واستهداف قادته؛ لأضعاف قدرته على القيادة والسيطرة، تحسبًا لتهيئة الظروف لعملية برية منسقة مع الولايات المتحدة لإنهاء الصراع في الشمال، منفصلة عن المفاوضات الجارية بشأن الرهائن الإسرائيليين في غزة، أو للضغط على حزب الله من اجل الانسحاب من حدود البلدين شمال نهر الليطاني، أو أن تستثمر إسرائيل الوقت الحالي لتدمير القدرات الاستراتيجية لحزب الله، قبل أن تتصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف العمليات، ولاسيما اذا ما اتسعت رقعة الدمار  في لبنان من قتل وتشريد للأبرياء والتدمير الذي يلحق بالبنية التحتية للدولة اللبنانية.

كذلك من الممكن لحزب الله أن يستهدف اهداف استراتيجية إسرائيلية، كاستهداف تل أبيب بشكل مباشر، وهو السيناريو الذي كان يدفع باتجاهه الرئيس التنفيذي للحزب السيد هاشم صفي الدين، والمرشح الاول لقيادة الموقع الأول للحزب وخلافة نصر الله؛ لذا فأن صعوده لهذا الموقع قد يرجح هذا السيناريو "في حال تأكد نجاته من القصف" الذي طال حارة حريك مقر الاجتماع الذي استهدفته إسرائيل وانتهت بمقتل السيد نصر الله. هذا السيناريو ربما يعطي حزب الله الفرصة لتوجيه ضربات انتقامية ضد إسرائيل، ولاسيما اذا ما استخدم الحزب قدراته العسكرية الاستراتيجية كالصواريخ الباليستية لضرب العمق الإسرائيلي، ومن ثم مفاقمة الحالة الأمنية داخل إسرائيل. وهذا التصعيد من الممكن أن يكون ضاغطًا على الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بأن يتدخل لوقف حرب إقليمية في المنطقة من خلال الضغط على إسرائيل وحزب الله لوقف الهجمات والحرب بين الطرفين، او أن يضع حل للحرب في غزة. 

بالمجمل يبدو بأن شكل المواجهة بين إسرائيل وحزب الله بعد اغتيال السيد نصر الله، لم يتم الكشف عنها بعد، ولاسيما من قبل حزب الله، إذ يمتلك الحزب من الخبرة والعناصر والاسلحة الكافية للتأثير على طبيعة الصراع ضد إسرائيل وتغير شكل المواجهة، ولاسيما اذا ما تبوأ السيد هاشم صفي الدين أو ممن يشاطرونه الرؤية في طبيعة الصراع ضد إسرائيل، مكان السيد نصر الله. فالحزب ما يزال لديه القدرة على توجيه الضربات إلى إسرائيل، وأنه مضطر للرد على العدوان الإسرائيلي، بموازاة ذلك، قد لا يكون بمقدور إسرائيل الاستمرار على وتيرة التصعيد الراهن، والاستمرار في حرب تخصم من رصيدها ومواردها وصورتها العالمية، كما أن الولايات المتحدة، قد تكون غير راغبة بتوسيع دائرة الصراع في المنطقة وهي على مقربة من الانتخابات الرئاسية.

التعليقات