حكومة الاغلبية الوطنية بين المقاطعة والتجميد: كيف نفهم مناورة الصدر الاخيرة؟

أعلن التيار الصدري السبت الماضي على لسان المتحدث باسم الكتلة الصدرية النائب حسن العذاري، عن تجميد مفاوضات تشكيل الحكومة مع الكتل السياسية ومقاطعة جلسة البرلمان العراقي المخصصة لاختيار رئيس للجمهورية المقرر يوم الاثنين المقبل في السابع من الشهر الجاري، بتوجيه وأمر مباشر من قبل السيد مقتدى الصدر، وتأتي هذه الخطوة وسط أزمة سياسية خانقة يشهدها العراق جراء خلافات عميقة بين القوى السياسية الشيعية بشأن تشكيل الحكومة المقبلة، ولاسيما بين التيار الصدري الفائز في الانتخابات التشريعية وصاحب فكرة الاغلبية الوطنية، والإطار التنسيقي الذي يصر على مشاركة جميع قواه بحكومة توافقية تتقاسمها جميع القوى السياسية.

إن مقاطعة التيار الصدري لجلسة الاثنين المقبل من شأنها أن تخل في نصاب الجلسة؛ الأمر الذي يؤدي إلى ادخال البلد في فراغ دستوري، لكون مهلة انتخاب رئيس الجمهورية قد تنتهي يوم الثلاثاء الموافق 8 شباط، كما فسرها البعض، على الرغم من ان هناك من يرى بأن مدة انتخاب رئيس الجمهورية هي مدة تنظيمية حسب قرار المحكمة الاتحادية ذي العدد 51 في 2010. وعلى الرغم من التشديد الإعلامي لنواب الكتلة الصدرية من التحدث إلى وسائل الإعلام حول خطوة السيد الصدر بتجميد الحوار مع القوى السياسية وما المراد منها ومقاطعة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، إلا أن هناك من قرأها بأنها خطوة للمناورة السياسية وكسر إرادة خصومه، الذين ما زالوا يصرون على حكومة توافقية، خطوة قد تجبر الجميع على طرق باب الصدر مجدداً والقبول باشتراطاته السياسية حول حكومة الاغلبية السياسية أو الوطنية، على غرار تلك المناورة التي قام بها السيد الصدر قبل الانتخابات بعد أن أعلن مقاطعته لها.

ربما ليس هناك من يمتلك الاجابة عن مناورة السيد الصدر الاخيرة بتجميد المفاوضات والوقوف على السبب الرئيس الكامن خلفها غير السيد الصدر، إلا أن الكثير من المهتمين والمتخصصين ربطوا تلك المناورة ببعض الأمور التي طرأت على الساحة السياسة، كمسألة تفسير المحكمة الاتحادية لجلسة انتخاب الرئيس وظهور فرضية الثلث المعطل في البرلمان، ربما دفعت الصدر لتعطيل اللعبة السياسية بوقف نواب كتلته عن المفاوضات وجلسة الانتخاب لرئيس الجمهورية، ما سيجعل جميع الأطراف الأخرى تعود للتوجه نحوه وإجبارهم على شروطه للعودة للعملية السياسية والدخول للجلسة والتفاهم حول تشكيل الحكومة، وربما قد تكون حجم الضغوطات السياسية (الداخلية والخارجية) التي يتعرض لها الصدر ، هي من دفعته لذلك، فهناك عراقيل واسعة وكبيرة وهائلة مع الشركاء بالتحالف الثلاثي، وهناك ضغوطات واضحة على شركاء الصدر من قبل إيران وتركيا والخليج لتشكيل شكل الحكومة المقبلة، فالسيد الصدر لا يمتلك الاغلبية السياسية التي تمكنه من تحقيق مشروعه السياسي وتشكيل الحكومة بدون حلفاءه من السنة والكرد؛ مما قد يضطر بالقبول بالإملاءات واشتراطات خصومه وحلفائه، كموقفه من القبول بمرشح الحزب الوطني الكردستاني السيد هوشيار زيباري لمنصب رئيس الجمهورية، الذي لم يعد مستوفياً لشروط مشروع الصدر في مساعيه لتشكيل الحكومة المقبلة؛ لذلك قد تكون خطوة الصدر بتجميد مساعي تشكيل الحكومة مع حلفاءه ومقاطعة جلسة اختيار رئيس الجمهورية، هي رسالة موجهة بشكل خاص إلى حلفائه في الحزب الوطني الديمقراطي ومرشحهم لرئيس الجمهورية السيد هوشيار زيباري واعطاء فرصة للحزبين الكرديين  في الاتفاق على مرشح واحد وكسب ثقة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في مسألة تشكيل الحكومة المقبلة والتغلب على فرضية الثلث المعطل، التي تسعى قوة الإطار التنسيقي الاستفادة منها في تعطيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية،  ولربما يسعى الصدر من خلال ذلك إلى عزل الإطار أو رميه إلى جانب المعارضة في حال اصرار قواه السياسية على تماسكهم ككتلة واحدة وعدم القبول بشرط الصدر بعزل السيد المالكي من الإطار وعملية تشكيل الحكومة المقبلة.

بالمجمل أن خطوة السيد الصدر بتجميد المفاوضات مع القوى السياسية الأخرى، يمكن ان تفسر باتجاهين: الاول، ان الكتلة الصدرية أدركت بأن المفاوضات بشأن تشكيل الحكومة المقبلة مع القوى السياسية الاخرى، باتت صعبة، وربما لا تفضي إلى نتيجة حقيقية تؤدي إلى أنهاء أزمة اختيار رئيس الجمهورية، ولاسيما بعد تفسير المحكمة الاتحادية الاخير. الاتجاه الثاني يرى بان خطوة السيد مقتدى الصدر موجهة إلى حلفاءه من الكرد والسنة لحسم مواقفهم السياسية بشأن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، ولاسيما بعد زيارة (زيباري والحلبوسي والخنجر) إلى الحنانة يوم الاربعاء الماضي واخبارهم للصدر بعدم رغبتهم في استبعاد طرف شيعي كبير كالإطار التنسيقي من عملية تشكيل الحكومة المقبلة. وربما تكون خطوة الصدر هي احراج لقوى الإطار التنسيقي ايضاً بعد تهديدها بتعطيل جلسة الاثنين المقبل بفرضية الثلث المعطل لانتخاب رئيس الجمهورية. 

بشكل عام تبدو بأن كل خطوات السيد الصدر منذ الانتخابات وحتى الآن، هي مناورات تكتيكية، الهدف منها المضي بمشروع سياسي استراتيجي يضع العراق وعمليته السياسية على السكة الصحيحة، بتشكيل حكومة اغلبية سياسية او وطنية كما يسميها الصدر، مسؤولة عنها جهة سياسية محددة، ومغادرة عرف (التوافقية والمحاصصة) التي أنهكت الدولة والمجتمع العراقيين وتمادت في استنزاف مقدرات الشعب العراقي. فهل ينجح السيد الصدر في مسعاه أم سيعود إلى مربع المحاصصة والتوافق مرة أخرى؟

التعليقات