التأثير المناخي على الاقتصاد العالمي - قناة بنما مثالاً

التغير المناخي يحتل أهمية كبرى من قبل الدول والمنظمات والمجتمعات والافراد خصوصاً في العقود الاخيرة، وذلك لتنامي عواقبه على الاقتصاد العالمي.

يشير التغير المناخي الى التحولات طويلة الامد في درجة الحرارة واحوال الطقس، التي يمكن أن تكون نتيجة لأسباب طبيعية مثل الانفجارات البركانية او بشرية نتيجة تزايد الانبعاثات الملوثة الناجمة عن النشاط الاقتصادي خصوصاً بعد الثورة الصناعية  . 

حيث يتسبب التغير المناخي في احداث عواقب عديدة، مثل الجفاف الشديد وندرة المياه والحرائق وارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات وذوبان الجليد القطبي والعواصف الكارثية وتدهور التنوع البيولوجي، تؤثر، هذه العواقب؛ بشكل وآخر على الاقتصاد العالمي.

تمثل قناة بنما وتأثرها بالتغير المناخي وتأثيرها على الاقتصاد العالمي مثلاً واضحاً يُمكن من خلالها توضيح كيفية التأثر والتأثير.

قناة بنما

تمثل قناة بنما همزة الوصل بين المحيط الهادي والمحيط الاطلسي من ناحية وامريكا الشمالية وامريكا الجنوبية من ناحية أخرى.

قبل ايجاد قناة بنما كانت السفن التي تحمل السلع والتي يُراد لها الوصول من شرق(نيويورك) امريكا الشمالية الى غربها (سان فرانسيسكو)، ان تسير حول قارة امريكا الجنوبية وهذا يتطلب أكثر من 21 ألف كيلو متر حسب القياس على خارطة كوكل.

ان العمل على انجاز قناة بنما يعني اختصار المسافة بما لا يتجاوز 10 الاف كيلو متر والتي ستنعكس بشكل تلقائي على الوقت والوقود والتأمين والتكاليف والاسعار. 

ونظراً لأهميتها من النواحي التاريخية والفنية، إلا إنها كانت نقلة نوعية من الناحية الاقتصادية لكن تغير المناخ ألقى بضلاله على اداء قناة بنما كما سيتضح أدناه.

تأثر قناة بنما بالتغير المناخي

اصبحت قناة بنما في الوقت الحاضر تعاني من تهديدات تغير المناخ، إذ انها تعتمد على توفر المياه في سبيل عبور السفن، وفي حال انخفاض المياه بفعل التغير المناخي عن الحد المطلوب يصبح عبور السفن صعب جداً.

إذ ان قناة بنما تعتمد على امدادات المياه العذبة التي تحتفظ بها في الغالب بحيرة ألاخويلا وبحيرة جاتون، اللاتي يعتمدن على هطول الامطار الاقليمي الذي أصبح أمر اساسي لتخطيط عملها، إذ إن هناك حاجة الى حوالي 200 مليون لتر من المياه لتزويد القناة بما يكفي لعبور كل سفينة.

وبسبب الجفاف الشديد في عام 2019، انخفضت امدادات المياه العذبة الى 3 مليارات متر مكعب فقط، بينما هناك حاجة الى 5.25 مليار متر مكعب لتشغيل القناة. وكانت عام 2023 أكثر فترة جفاف على الاطلاق منذ عام 1950، مما يؤثر بشدّة على عمل القناة، من حيث حمولة السفن وعددها.

تخفيض الحمولة

هذا ما دفع بهيئة القناة الى تخفيض الغاطس المسموح به من 50 قدماً الى 44 قدماً، هذا التخفيض له تأثير مباشر على حمولة السفن، فمثلاً سفينة الحاويات العادية يمكن أن تحمل حمولة تبلغ حوالي 12500 حاوية مكافئة لعشرين قدماً عند غاطس 50 قدماً، فإن تقليل هذا الغاطس الى 44 قدماً يؤدي الى انخفاض السعة الى 40% عند حوالي 7500 حاوية مكافئة، وهذا ما يقوض بشكل خطير الجدوى التجارية لنقل السفن. 

تخفيض العدد

كما قامت الهيئة ايضاً بتقييد عدد السفن عبر القناة من حوالي 36 سفينة الى 24 سفينة يومياً وهو الحد الذي سيتم تخفيضه مرةً أخرى الى 18 سفينة في شباط الجاري 2023 . واذا ما تحقق الانخفاض الاخير، فان الانخفاض سيكون بنسبة 50% من عدد السفن التي كانت تعبر يومياً قبل تغير المناخ وفرض القيود.

وإذا كانت كل سفينة تحمل 12500 حاوية فإن عدد الحاويات سيكون 450 ألف حاوية يومياً، وإذا ما انخفض عدد السفن إلى 50% فإن عدد الحاويات التي سينخفض ويبلغ 225 ألف حاوية يومياً.

طول الانتظار

قبل الجفاف كان بإمكان السفن حجز المرور عبر القناة قبل ثلاثة اسابيع او الانتظار في الطابور دون حجز، ولكن الآن تضاعفت اوقات الانتظار خمس مرات في بعض الحالات، ويتم حجز المواعيد احياناً قبل أشهر.

تأثير قناة بنما على الاقتصاد العالمي

كما ذكرنا أعلاه، ان ايجاد قناة بنما التي تمثل ممراً مائياً عالمياً أسهم في اختصار المسافة بين الامريكيتين والشرق والغرب، وهذا كان له أثر كبير على اداء الاقتصاد العالمي.

إذ ان اختصار المسافة يعني اختصار الوقت وانخفاض الوقود المستهلك وانخفاض اسعار الشحن المرتبطة بالمسافة وان اختصار المسافة بقناة بنما يعني تخفيض تكاليف النقل وتصريف السلع من الدول المصدرة وتوفيرها لدول المستوردة والحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي اخيراً.

لكن الذي أصبح خطرا حقيقيا يهدد عمل القناة هو التغير المناخي في الوقت الحاضر وهذا ما يهدد استقرار الاقتصاد العالمي بحكم ان عملها يعتمد على الامدادات المائية الناجمة عن هطول الامطار كما اتضح أعلاه.

وبما ان تغير المناخ تسبب في انخفاض هطول الامطار وانخفاض الامدادات المائية اللازمة لعمل قناة بنما أصبح الاقتصاد العالمي متأثراً بقناة بنما، لان تغير المناخ تسببت في تخفيض حمولة السفن وعددها وطول مدة انتظار السفن لأجل عبور القناة كما أتضح أعلاه ايضاً.

وتجب الاشارة إلى ان قناة بنما ما هي إلا مثالاً لتأثرها بالتغير المناخي وانسحاب تأثرها ليصبح تأثيراً على الاقتصاد العالمي، ولا يختلف الأمر لعديد من الممرات والبحيرات والقنوات المائية وكثير من الانشطة الاقتصادية كالزراعة وغيرها.

وهذا التهديد الحقيقي يتطلب تظافر جهود الجميع لأجل مكافحة الاسباب البشرية التي تمت الاشارة اليها في المقدمة والاسترشاد بخطط الامم المتحدة المتعلقة بتصفير الانبعاثات وأهمها الاسراع بتحول الطاقة والتكيف مع تغير المناخ في مختلف الانشطة الاقتصادية.

خلاصة القول، ان التغير المناخي يمثل تهديدا حقيقيا للاقتصاد العالمي وأبرز مثال على ذلك هو قناة بنما التي تأثرات بانخفاض هطول الامطار على عملها والذي سينعكس على الاقتصاد العالمي نظراً لاعتبارها ممراً مائياً عالمياً. 

 

المصادر التي تم الاعتماد عليها

1  - الامم المتحدة، تغير المناخ، متاح على الرابط 

2  - موقع اقتصاديات الموانئ وادارتها وسياستها، متاح على الرابط  https://porteconomicsmanagement.org

3  - مي هوجريس دال، قناة بنما تجف " الظواهر المناخية المتطرفة تعيث فساداً في الشحن العالمي، مقال منشور في مجلة فورين بوليسي الدنماركية، متاح على الرابط 

 https://foreignpolicy.com/2024/01/15/panama-suez-canal-global-shipping-crisis-climate-change-drought

التعليقات