حجم السكان في مسار التاريخ ودلالاته: مصر ودول أخرى

 في الزمن القديم ترسم موارد العيش، وخاصة الغذاء، الحدود القصوى لحجم السكان ضمن النطاق الجغرافي. اما نمو السكان ضمن تلك الحدود فيعتمد على جملة عوامل اخرى منها النمو الطبيعي والأمراض والأوبئة وحركات السكان المتخطية للنطاق الجغرافي المعني، جذبا ودفعا، بما فيها الغزوات والاحتلال الاستيطاني وسواها. وحتى نهاية القرن السابع عشر كانت مجموع قدرات الانسان للتحكم في الطبيعة ضئيلة مقارنة بما وصلت اليه الآن، وتطورت ببطء شديد في ادوات الانتاج وتنظيمه منذ بداية الحضارات الزراعية في العراق ومصر والصين ... الى بواكير النهضة الحديثة التي اثمرت في اختراع المحرك البخاري.

 ولا نبتعد عن الحقيقة عندما نفترض ان السكان كان محكوما بقيد الموارد ولا باس من وصف العلاقة بين الموارد والسكان بالفخ المالثوسي. ولأثارة انتباه الباحثين مجددا نحو هذه العلاقة الجوهرية في الوجود البشري راجعنا التقديرات المنشورة عن السكان في التاريخ. وفي السنوات الاخيرة يقوم مركز ابحاث النمو والتنمية في جامعة غروننغن  Groningen GGDC بتعديل وتحديث بيانات مشروع  Ingus Madison   في التاريخ الاقتصادي الكمي، واعتمدنا المنشور في كانون الثاني ، يناير2018 من الجامعة. وايضا استكملنا بعض البيانات من موقع عالمنا في بيانات Our World in Data . وتوجد تقديرات عدة لمجموع سكان العالم في التاريخ لكنها تتقارب بعد الميلاد. 

   ولألقاء بعض الضوء على العلاقة بين حركة السكان في التاريخ وتفاوت النمو الاقتصادي ما بعد الثورة الصناعية نقارن بين دول متقدمة: بريطانيا وفرنسا والمانيا واليابان؛ ودول نامية: مصر وإيران وتركيا من السنة الأولى للميلاد الى عام 1913. ولتسهيل المتابعة نسمي الدول النامية الثلاث المشرق، والدول الثلاث في اوربا نسميها الغرب. ودائما السكان بالملايين والنسب بالألف من سكان العالم، لأقرب وحدة بالألف، والتواريخ ميلادية.

 السنة الأولى:

 السكان: الغرب 8.8؛ المشرق 16.5؛ اليابان 3.0؛ العالم 188.0.    

النسبة: الغرب 47؛ المشرق 88؛ اليابان 16.              

  السنة 1000:

 السكان: الغرب 12.0؛ المشرق 16.5؛ اليابان 7.5؛ العالم 295.0.  

النسبة: الغرب 41؛ المشرق 56 ؛ اليابان 25 .

السنة 1500:

 السكان: الغرب 30.9؛ المشرق 14.3؛ اليابان 15.4؛ العالم 461.           

النسبة: الغرب 67 ؛ المشرق 31 ؛ اليابان 33  .

السنة 1600:

السكان: الغرب 40.7؛ المشرق 17.9؛ اليابان 18.5؛ العالم 554.           

النسبة: الغرب 73؛ المشرق 32 ؛ اليابان 33 .

السنة 1700:

السكان: الغرب 45.0؛ المشرق 17.9؛ اليابان 27.0 ؛ العالم 603.0  .

النسبة: الغرب  75 ؛ المشرق  30  ؛ اليابان  45  .

السنة 1820:

السكان: الغرب 77.4؛ المشرق 20.8؛ اليابان 31.0؛ العالم 1042.0.

النسبة: الغرب 74 ؛ المشرق 20 ؛ اليابان 30  .

السنة 1870:

السكان: الغرب 109.1؛ المشرق 27.3 ؛ اليابان 34.4 ؛ العالم 1276.0  .

النسبة: الغرب 85 ؛ المشرق 21 ؛ اليابان 27 .

 السنة 1913:

السكان: الغرب 152.2؛ المشرق 38.1؛ اليابان51.7؛ العالم 1793.0.

النسبة: الغرب 85 ؛ المشرق 21 ؛ اليابان 29   .

سكان مصر للسنوات آنفا على التوالي: 

4.5 ؛ 5.0؛ 4.0 ؛ 5.0 ؛ 4.5 ؛ 4.2 ؛ 7.0 ؛  12.1

نسبة سكان مصر الى سكان العالم بالألف للسنوات آنفا على التوالي:

24 ؛ 17 ؛ 9 ؛ 9 ؛ 7 ؛ 4 ؛ 6 ؛ 7   .

 

بما ان الموارد او الإمكانية الاقتصادية الكلية كانت تقيد حجم السكان نفهم ان دول المشرق لم تتمكن آنذاك من تطوير قدراتها في الانتاج الغذائي او توفير وسائل العيش لإعالة اعداد متزايدة من البشر. وهذا ما عبرت عنه البيانات المعروضة، وبكلمة اخرى بقيت في الفخ المالثوسي حتى بداية العصر الحديث. بينما نلاحظ نموا مضطردا في سكان اوربا الغربية، لكن نسبة سكان المانيا وفرنسا وبريطانيا من مجموع سكان العالم لم ترتفع حتى عام 1000 ميلادية بمعنى انها كانت بالكاد تواكب تطورا اقتصاديا في اماكن اخرى من العالم. وهذا ما تبينه حركة السكان في اليابان حيث ازداد سكانه من 3.0 مليون نسمة في السنة الاولى للميلاد الى 7.5 مليون نسمة في السنة 1000 للميلاد. وفي الالف الثاني للميلاد وصولا الى النهضة الحديثة صارت اوربا الغربية ممثلة لطلائع التطور في العالم. وفي كل الاحوال بقي المشرق يراوح حول وضعه الابتدائي في حجم السكان ويتراجع بالمقاييس النسبية. في السنة الأولى للميلاد كان سكان الغرب يعادل 53 بالمائة من سكان المشرق وفي عام 1600 صار سكان الغرب يعادل 227 بالمائة من سكان المشرق. ونعيد قراءة نسب سكان دول المشرق الثلاث الى سكان العالم بالأف وهي: 88 ؛ 56؛ 32؛ 30 ؛ 20 ؛ 21؛ 21  . وتفيد هذه المؤشرات ان دولنا لم تكن على احسن ما يرام وسبقها الغرب بعد الثورة الصناعية، فهذا التصور لا تؤيده وقائع التاريخ.

ويعبر المسار المصري عن صعوبة تجاوز قيد الموارد ليبقى سكانها، مصر، حتى عام 1820 دون حجمه في السنة الأولى للميلاد.

    ولا يتعدى الهدف من عرض هذه المؤشرات التعبير عن قناعة بأهمية البحث عن جذور التفاوت في التطور على امل عدم المبادرة لاختزال هذه المسألة المعقدة بإرجاعها الى ما تعود الناس عليه من التحقيب والتنميط القسري والتفسير بأطروحات لا تقبل الفحص والاختبار.

التعليقات