عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية ملتقاه الشهري، تحت عنوان (انتشار المخدرات في العراق: المخاطر والحلول)، وذلك في ملتقى النبأ الاسبوعي وبمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية، والذي يعقد كل سبت في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
أكد الدكتور حسين احمد السرحان رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية / جامعة كربلاء والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية في ورقته " على أن الكثير من الفعاليات الثقافية والدينية والسياسية، لا تمتلك الجرأة القوية في تناول موضوع ات في غاية الخطورة ومنها المخدرات لاسباب اجتماعية وثقافية وغيرها، علما أن المخدرات هي من المواد المضرة بصحة الانسان والمحرمة والتي يجرمها القانون العراقي. وهي ظاهرة شهدت تطورا كبيرا في العراق لاسيما ما بعد(2003)".
قبل عام 2003 ولوجود الدولة البوليسية، كان العراق لا يتعدى كونه ممر مع تعاطي قليل جدا بسبب العقوبات الصارمة التي بلغت حد الاعدام. بعد 2003 ونتيجة لحالة الفوضى وضعف مؤسسات انفاذ القانون، تسعى بعض المجموعات الى استغلال الوضع الامني الهش لاجل تحصيل الكثير من المكاسب المختلفة. كما ان الاشكاليات والمشاكل السياسية والدستورية، استغلتها بعض القوى السياسية المتنفذة لتعزيز مواردها المالية. وبسبب انخفاض اسعار النفط اواخر عام 2014، لم تعد تلك القوى السياسية تستفيد ماليا من تخصيصات المشاريع بسبب انعدامها تقريبا على عكس ماكان قبل انخفاض اسعار النفط حيث استغلال المال العام والفساد لتمويل نشاطاتها عبر لجانها الاقتصادية في ظل توسع كبير في نشاطها السياسي والاعلامي والذي يتطلب تمويل كبير. الامر الذي دفع بعض القوى السياسية الحاكمة والمسيطرة على صناعة القرار في البلاد الى الامعان في السلوكيات غير القانونية والدخول ليس في نشاط اقتصادي موازي فحسب، بل استغلت قوتها وقدراتها في موضوعات الاتجار بالسلاح والمخدرات والتهريب وغيرها للحصول على الاموال.
"لذلك نلاحظ وللأسف الشديد، انه لا في القنوات الاعلامية التابعة للحكومة ولا القنوات الاعلامية التابعة للقوى السياسية اي ذكر او تكوين راي عام لتشخيص اسباب ظاهرة المخدرات والعل على مواجهتها اعلاميا على اقل تقدير لتداعياتها الخطيرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وكأنه الظاهرة ليس لها حضور واسع في جنوب ووسط العراق. قبل 2003 كان العراق يشكل ممر للمواد المخدرة التي تورد من جنوب ايران وتقوم عصابات ايرانية وافغانية وباكستانية الى دول الخليج العربي. وبعد 2003 تطورت احالة اكثر فاكثر اكثر وحسب ما يؤكد مكتب الامم المتحدة لمكافحة تجارة المخدرات، فالعراق لم يعد ممر لدول الخليج بل هو ممر لدول اوروبا الشرقية، ولم تقتصر العصابات والجهات الموردة لمادة المخدرات من العصابات الايرانية والافغانية والباكستانية، وانما تعدتها إلى بعض مافيات المخدرات من جنوب شرق اسيا وغيرها مستفيدة من من العراق لتوصيل بضاعتها الى تركيا واوروبا الشرقية. وهذا تطور خطير افضى إلى وجود حالة التعاطي والاتجار بالمخدرات داخل البلاد اصبحت اكثر من المراحل السابقة.
"لذلك استفادت القوى المسيطرة في البلاد من هذه الحالة، وهي تسعى دائما إلى استمرار ضعف مؤسسات انفاذ القانون، وذلك من اجل استغلال الوضع العام لتحصيل الكثير من المكاسب، لذلك لا يمكن طرح موضوع المخدرات على المستوى العام المحلي والعالمي في العراق، لكن هناك مؤسسات ومنظمات دولية متابعة لموضوع المخدرات. وطبيعة الظاهرة في العراق شهدت توسع، كما اصدرت وزارة الصحة تقرير يتضمن حصول وفيات بسبب تعاطي المخدرات، وسجلت محافظة كربلاء الرقم الاكبر وتليها بغداد وذي قار".
" وهذه المؤشرات خطيرة جدا وهي تحتاج منا الى التفكير بها بجدية، وتحتاج ايضا من صانع القرار وقفة جادة تجاهها. ولكن الموضوع لا يتعلق بوضع السياسات الامنية فقط بل أن الظاهرة تحتاج الى معالجة متكاملة لانه ولاتقتصر على قطاع واحد مع انه بالامكان اتخاذ اجراءات رادعة في الوققت الحاضر، وهذا يتم من خلال تماسك منظومة الدولة ككل.لان الظاهرة لها اسباب وابعاد سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية.
سبب سياسي
لازال البلد يمر بحالة من تخلخل الاستقرار السياسي بسبب الاشكاليات السياسية التي اعتلت بناء النظام السياسي ولازالت الى الوقت الحاضر ولم تستطع حكومات مابعد 2003 تصحيح تلك الاشكاليات. وهذه الاشكاليات ساهمت في تهيئة الارضية المناسبة لبعض القوى السياسية في تحصيل الكثير من المكاسب، لذلك هي تعمل على كل ما هو مشروع أو غير مشروع في تحصيل هذه المكاسب عبر وسائل عدة ومنها سيطرتها على المنافذ الحدودية وممارستها الاستيراد والتصدير.
سبب اقتصادي
يعيش الاقتصاد العراقي تخبط واضح منذ عقود نجم عنه انعدام الانشطة الانشطة الاقتصادية التي توفر فرص عمل كثيرة ، فضلا عن محدودية النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص الامر الذي نتج عنه اقتصار فرص العمل على العمل ضمن مؤسسات القطاع العام التي وصلت حد التخمة في عدد العاملين، وبالتالي تزايد معدلات البطالة مما يدفع بالافراد الى العمل في الانشطة الغير مشروعة ومنها الاتجار بالمخدرات.
سبب ثقافي- اجتماعي
الامر هنا يعود لغياب الرؤية الواضحة والتوعية من قبل الجهات الثقافية والدينيةحول الاثار السلبية لظاهرة المخدرات واثارها على الفرد والمجتمع.
كذلك لظاهرة المخدرات وتوسعها ابعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك على اعتبار أن هذه المخدرات هي لا تنتج في داخل العراق، الامر الذي يتسبب بخروج موارد مالية كبيرة جدا من الدولار إلى خارج العراق لتوريد هذه المواد المخدرة، ايضا لها ابعاد ثقافية على المجتمع وذلك من خلال حالتها التدميرية والخطرة على الفرد والمجتمع، وبالتالي كل المجتمعات لاتسمح بهذه الظاهرة الا بالحدود المسموح بها، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الطبية والعلاجية".
ولأجل إثراء الموضوع بمزيد من الأفكار طرح الدكتور حسين احمد السرحان على الحاضرين سؤالين أساسيين:
السؤال الاول: ما هي الاسباب الكامنة التي تمنع الفعاليات السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية طرح هذا الموضوع على الرأي العام؟
- الأستاذ حمد جاسم الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية "يرى أن معظم الدول تعاني من هذه المشكلة وليس العراق وحده، وبالتالي أن المشكلة عالمية خاصة وأن أحد اسباب بناء السور مع المكسيك هو ملف المخدرات. يضيف جاسم "فضلا عن ذلك أن الشخص الذي يستطيع تفجير الناس وقتلهم لا يستصعب عملية الاتجار بالمخدرات، ايضا التفكك الاجتماعي الموجود هو الذي سهل من تنامي تلك الظاهرة، لذا الامر يتركز على التوعية الاجتماعية والثقافية، ناهيك عن ذلك أن الفوضى العارمة التي تحيط بالمنطقة هي سبب مضاف، إلى جانب ذلك هناك العصابات المنظمة مثل داعش وطالبان تعتاش على المخدرات وهي ترعى عملية نقل المخدرات من بلد إلى اخر، الشيء الاخر والمهم القوانين الرادعة لتلك الظاهرة ففي العهد البائد كانت العقوبة هي الاعدام".
- علاء محمد ناجي باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية "يعتقد أن عملية الاتجار بالمخدرات اصبحت جريمة منظمة، وهي ذات ابعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية تعمل عليها العصابات المنظمة، ناهيك عن ذلك فأن المخدرات تؤثر على مستويين الاول فردي والاخر مجتمعي، اما ما يتعلق بالجانب الفردي فهناك حالة الاكتئاب النفسي واليأس، اما بالنسبة على المستوى المجتمعي فيطال الجانب الاقتصادي وتفكك الاسرة".
- الدكتور حيدر حسين ال طعمة باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية "يجد أن المشكلة الاولى تتمحور حول ضعف القانون، وهذا بطبيعة الحال جزء من ضعف المنظومة القانونية ككل، فلذلك فأن استفحال هذه الظاهرة يتعلق بضعف القانون فيما يخص الاتجار بالمخدرات أو تعاطيها. بالتالي ليس هناك ثمة انفراج قريب في هذا الموضوع فيما لو ظلت الامور على حالها".
- سماحة الشيخ مرتضى معاش المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام "يتصور أن قضية المخدرات هي قضية عالمية الان وكبيرة جدا، وهي من اكبر التجارات في العالم اليوم، وتمثل احدى افرازات العولمة الجديدة وتطورها وظهور التكنولوجيا، ناهيك عن صعود الامراض النفسية والروحية والاخلاقية في العالم، وهذا نتيجة تطور التكنولوجيا وخفوت القوة العضلية لدى الانسان، وهذا واقعا ما يتبناه الكثير من علماء الاقتصاد اليوم وهم يعزون الامر لحالة الاستغناء عن الانسان كقوة قادرة على العمل والاستعانة بدلا عنه بالتكنولوجيا". يضيف الشيخ معاش "بالتالي تعد هذه الظاهرة مشكلة في العراق فيما لو تحولت إلى حالة سرطانية، وهي ظاهرة بسيطة وليس كما هو الحال في بعض الدول كأفغانستان وايران. ففي العراق تعد ظاهرة غير سرطانية ولكن يمكن أن تصبح سرطانية، خاصة وأن هناك عوامل موجودة نفسية واجتماعية وسياسية قد تؤدي إلى زيادة استهلاك المخدرات في العراق، وبالتالي تحولها إلى ظاهرة سرطانية وحينها يصبح من الصعب جدا مواجهتها. الادمان بطبيعة الحال يعد مشكلة نفسية عند الانسان، والامر هنا لا يقتصر على المخدرات فهناك ادمان على
الانترنيت / العاب الفيديو/ تدخين السكاير وغيرها". "ولكن من اخطر حالات الادمان هو الادمان على المخدرات، الشيء الاخر المخدرات نفسها يمكن تصنيفها بأشكال وانواع مختلفة، لاسيما وهي تتفاوت في نسبة تأثيرها وما تسببه من اثار ومخاطر على الصحة النفسية والجسدية، لذا فان عملية استهلاك المخدرات يعود سببها الابرز إلى وجود حالة الاكتئاب النفسي أو العنف الاسري. الامر الاخر أن التقشف قد لا يؤدي إلى الادمان بل على العكس أن التطور الاقتصادي هو من يؤدي إلى الادمان اكثر، ناهيك عن ذلك أن تعاطي المخدرات يؤدي إلى مشاكل اخرى منها السرقة وغيرها". يضيف ايضا "بالتالي هناك اسباب اجتماعية كالتربية والعنف الاسري والتعامل السيئ سواء في الاسرة او المدرسة. فضلا عن ذلك، غياب حالة نشر ثقافة الابتعاد عن اصحاب السوء. ايضا هناك قضية مهمة وهي كون بعض الانظمة السياسية والاحزاب تشجع على الادمان حتى الشعب ينشغل بمشاكله الذاتية، وحتى لا يكون لديه وعي لمواجهة هذا النظام او ينتقده. بالتالي لابد من اثارة هذا الموضوع وعلى مختلف المستويات حتى لا يتحول إلى ظاهرة سرطانية. لذا نحن نحتاج إلى توعية وذلك من خلال البعد العشائري، الذي يعتبر هو صمام امان ويستطيع أن يواجه تلك الظاهرة".
- المحامي زهير حبيب الميالي يعتقد " أن انتشار المخدرات في العراق هو بسبب الفقر والبطالة التي يعاني منها المجتمع، كما انها تشكل وسيلة ربحية لبعض ضعفاء النفوس من التجار، علما أن من اكثر المناطق التي تروج بها المخدرات هي المقاهي التي يرتادها الشباب، بالإضافة إلى ذلك لابد ان نؤكد على فكرة غياب التوعية من قبل الجهات المختصة كوزارة الصحة. كذلك انعدام انعدام الوسائل الترفيهية، وهذا عامل مهم وحيوي لكسر حاجز الملل والاكتئاب الذي يصيب الشباب، ايضا البعض يشكل على ضعف القانون وهذا وصف غير دقيق بل هناك ضعف في تطبيق القانون".
- الدكتور ايهاب علي، اكاديمي وباحث في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام "يرى أن عدم اثارة هذه الموضوع يرجع في المقام الاول الى بعض الساسة المتعاونة مع تجار المخدرات. ومن الناحية الاعلامية فاغلب القنوات الاعلامية والمواقع الالكترونية هي تابعة لتلك الجهات الحزبية، والغريب أن القنوات الاعلامية الخاصة في خارج العراق تحاول أن تتناول كل الموضوعات بشفافية عالية. اما بالنسبة للجانب الديني فهناك فجوة بين المجتمع ورجل الدين، خاصة في هذه المواضيع التي يصعب على المتلقي أن يتحفز لها. أن الواقع العملي يشير إلى ان تلك العملية تستهدف كافة القطاعات الاجتماعية الغنية والفقيرة، ولكن بمقتضى ذلك فأن المجتمعات الفقيرة تتجه بنسبه اعلى صوب تلك الظاهرة، وذلك بسبب البطالة وقسوة الحياة. فضلا عن ذلك، فأن تجارة المخدرات اصبحت اشبه ما يكون بتجارة السلع اليوم فهناك نوعيات وكميات مختلفة باختلاف المجتمع الحاضنة لتلك الظاهرة. كما أن الموضوع يطرح للنقاش فقط ولكن في الوقت ذاته تغيب المعالجات والحلول، علما أن تلك الظاهرة تنتشر في المناطق المحافظة وهذا بحد ذاته عنوان عنيد يحتاج للكثير من التحليلات للوقوف عنده، بالتالي علينا اليوم ان ننمي الحس الثقافي وأن نبتعد عن ثقافة التجريم والعقوبات المشددة، ناهيك عن ذلك لابد أن تتوفر المراكز الصحية التي تعنى بمكافحة هذه الافة الخطيرة".
- خالد الثرواني، مدير تحرير وكالة النبأ "يجد أن المخدرات افة عالمية تعاني منها الدول الكبرى وهي لا تستطيع مواجهتها بسبب وجود بارونات كبيرة متغلغلة في جميع القطاعات السياسية والاقتصادية، وبالتالي لا تستطيع مؤسسات انفاذ القانون من معاقبتهم. لذا فالظاهرة اخذت اكبر من حجمها فالعراق بالنسبة للمخدرات المصنعة والمنتجة اصبح ممر، وذلك بفعل موقعه الجغرافي بين افغانستان وباكستان وايران ومن ثمة إلى دول الخليج وإلى تركيا وإلى اوروبا، المشكلة في العراق كون ذلك الممر اصبح بيد بعض الجهات المتنفذة قانونيا وسياسيا". يضيف الثرواني "وبالتالي هو اصبح ممول لعصابات في المنطقة، فضلا عن ذلك تجارة المخدرة اصبحت تمول تجار الدم وتجار السلاح وتمول الجهات المسلحة، اما بالنسبة لطرح هذا الموضوع فالأمر يتعلق في كون المجتمع العراقي مجتمع عشائري، وهو جدا متحفظ خصوصا وأن هذا الجانب يمس كيان الاسرة والعشيرة اجتماعيا، وهذا مما يمنع المؤسسة الصحية من اخذ دورها، اما بالنسبة للمؤسسة الدينية وحتى العشائرية تكاد أن تعاني الامرين في تقبل المجتمع لهذا الطرح، لذا لابد أن تكون هناك ثقافة عامة خصوصا وأن بعض المؤسسات التعليمية تكاد أن تنتشر فيها ظاهرة بيع وشراء المخدرات، وهذا بفعل الوضع الامني والفوضى التي تعم البلد ناهيك عن وجود المجموعات المسلحة وضعف تطبيق القانون، هذا مما اعطى فسحة اكبر لتفشي تلك الظاهرة".
السؤال الثاني: ما هي المعالجات على الامدين القريب والبعيد التي من الممكن أن تسهم في الحد من تلك الظاهرة بعد أن يتم تشخيصها؟
- الدكتور حيدر حسين ال طعمة يؤكد على " أن الكثير من تجارب البلدان التي استفحلت فيها هذه الظاهرة، لها اسبابها الاقتصادية. وحتى الدراسات الاجتماعية التي تناولت هذا الموضوع اشارت إلى وجود السبب الاقتصادي، خصوصا وأن الاسباب الكثيرة ولكن من ابرزها هي قلة الانشطة الاقتصادية المربحة، والتي قد تؤدي إلى الاتجار بأنشطة غير مشروعة لغرض تحقيق مكاسب مالية مرتفعة، وهذا ما لمسناه في العراق خاصة وأن البعض من التجار في مناطق وسط وجنوب العراق، عملوا على الاتجار بالمخدرات بغية تكوين ثروات، الاتجاه الثاني هو الشخص الذي يبحث عن عمل فالكثير من متعاطي المخدرات هم من الذين لا يجدون فرصة عمل مناسبة، وبالتالي وقت الفراغ قد يولد هذه الامور". اضاف ال طعمة " الحل ليس بالضرورة أن ينحصر في تغليظ القوانين، انما هناك حزمة من الاجراءات لابد من اعتمادها، فمثلا توفير فرص عمل ومحاولة فسح المجال امام القطاع الخاص ، ونشر الوعي داخل الاسرة والمدرسة، لذلك فان معالجة هذا الامر لا يتم عن طريق المنع بل ربما هو يوفر قنوات سرية وعندها لا يتم حل المشكلة، لذا فالحلول لابد أن تعالج الاسباب التي ادت الى تشكل هذه الظاهرة".
- الشيخ مرتضى معاش "يعتبر أن الادمان على المخدرات هو مرض، فعلى هذا الاساس لابد أن تتوفر مناخات صحية لمعالجة هذا المرض من جذورها، خاصة وأن اهم اسباب هذا المرض هو الفشل التعليمي الذي لو استطعنا احتواء هذا المضمون من خلال تطوير العملية التعليمية، نستطيع من خلال ذلك أن نقفز على الحاجز العمري وردم فجوة الادمان في سن المراهقة. الشيء الاخر التوجيه الاجتماعي والارشاد الاجتماعي لمواجهة بطانة السوء، فاليوم في المدارس المتوسطة والاعدادية ظاهرة التدخين تعتبر جدا طبيعية، وأحد اسباب الذهاب نحو الادمان هو التدخين نفسه، بالتالي أن اصدقاء السوء هم الذين يؤدون إلى دخول الانسان في الادمان ولو بشكل بسيط في بداية الامر ومن ثمة يتطور". يضيف معاش "لذلك لابد أن يكون هناك توجيه اسري واجتماعي ومدرسي بغية مراقبة الشباب وما يحيط بهم. ايضا من الاسباب المهمة لانحدار الشباب نحو المخدرات هو غياب الحاضنات الترفيهية والملاعب الرياضية والنوادي الثقافية والاجتماعي التي تملئ وقت الفراغ، أضف إلى ذلك فأن النموذج التربوي الذي تعتمده الاسرة هو ايضا عامل مهم في ترويض الشاب وصقل مواهبه، وفي خلاف ذلك يتحول الشاب نحو الطاقة السلبية".
- زهير حبيب الميالي "يجد أن الحلول المناسبة لمكافحة المخدرات هي ايجاد وسائل بديلة ومحاولة استغلال الطاقة الشبابية استغلال امثل، بالإضافة إلى ذلك لابد أن نحذو حذو البلدان التي تعتمد نظام الاعدام على مروجي المخدرات. اما بالنسبة لمتعاطي المخدرات فلابد أن تكون هناك مؤسسات صحية فاعلة من اجل تبيان مخاطر الادمان والاثار السلبية المترتبة عليها".
- الدكتور ايهاب علي " لا توجد قناعة بكل المعالجات التي يطرحها الواقع العراقي خصوصا وانها ذات ابعاد ترقيعية ولا تصيب الجوهر، نحن نحتاج إلى تفاعل مؤسساتي خصوصا وأن الشباب العراقي اليوم يمر بمرحلة ضياع، اضف إلى ذلك فأن مشاكل العراق متداخلة وبالتالي نحن نحتاج إلى ثورة اجتماعية على مختلف الاطر، وذلك من اجل أن نجد الحلول المناسبة".
- خالد الثرواني، من جهته "يصف الشاب العراقي بانه يعيش حالة ضياع ثقافي، خاصة وأن المدرسة اصبحت مكان للتلقين فقط من دون اعطاء اي ثقافة، كما ان المكتبة المدرسية والمسرح المدرسي كلاهما غائب ناهيك عن التنمر والتطرف الاجتماعي، بالتالي لابد من معالجة تلك الاسباب ومنها الفساد الاداري الذي يعطى مساحة اكبر لتهريب العقاقير الطبية المخدرة من المؤسسات الصحية ". يضيف الثرواني "لذا لابد من وضع منظومة ثقافية للشاب العراقي، حتى نستطيع أن نحصنه من تلك الآفات على اختلافها. فالتدخين مثلا يعتبر كارثة كبيرة قياسا ومستوى اعمار هؤلاء الشباب الذين يمارسون عادة التدخين ومعدل اعمارهم لا تتجاوز (15)عام، بالإضافة إلى حالة الفساد المجتمعي فالعائلة اليوم وللأسف الشديد لا تمارس دورها الرقابي على الابن. على سبيل المثال لا الحصر منذ ايام قليلة شهدت الاوساط الكربلائية جريمة كبيرة جدا يندى لها جبين الانسانية جمعاء، فهناك شاب في مقتبل العمر ومن جراء تناوله المخدرات قام بقتل اسرته المؤلفة من(7) اشخاص بأجمعها من الاب إلى الاخ الاصغر، لذلك وحتى نوقف كل تلك السلوكيات، لابد أن ندعم الواقع الثقافي والاجتماعي".
- الدكتور علاء الحسيني "يرى أن ظاهرة المخدرات ظاهرة اجرامية ولها بعدين: الاول، بعد المتاجرة، والبعد الاخر هو التعاطي. بالتالي يصبح لدينا طرفين الاول التاجر الذي ارتكب جريمة بحق المجتمع وبحق الانسانية، والاخر ضحية ربما دفعته الظروف أو ربما دفعه الغرور أو دفعه ضعف ملكته العقلية إلى تعاطي مثل هذه الآفات الخطيرة. ففي علم الاجرام أي ظاهرة خطيرة عندما نريد أن نحدد اسبابها ونحدد المعالجات، يقول فقهاء الاجتماع انه لابد من دراسة تلك الظاهرة من حيث العوامل المؤدية اليها بشكل متكامل". يضيف الحسيني "اما دراسة عامل واحد فلن نصل إلى كل الحلول، عندها فأن التركيز على العامل الاقتصادي وحده هو امر غير كافي، وايضا عندما نركز على العامل الاجتماعي لوحده فغير كافي، وأن نركز على العامل السياسي فهذا ايضا غير كافي، فلابد من تظافر كل العوامل دفعة واحدة كي تدعم هؤلاء الاشخاص ممن يتعاطون المخدرات أو يتاجرون بها، وهذا الحل لا يأتي الا من خلال المشرع أو القناة الرسمية، وهذا هو من صميم تخصص مجلس الوزراء ومجلس النواب العراقي". ويكمل الحسيني "لذا يجب دراسة هذه الظاهرة والعوامل المؤدية لها وهذه العوامل بعضها تكويني وبعضها اقتصادي وبعضها نفسي ومختلف العوامل الاخرى، لذلك يجب ان تكون تلك العوامل بسلة واحدة وأن تخرج بتشريع واحد وسياسة واضحة من قبل مجلس الوزراء العراقي. ولكن ما شهدناه في العراق ومنذ انطلاق قانون العقوبات البغدادي عام (1927) ولغاية اقرار قانون العقوبات العراقي(111) لسنة (1969) ولغاية(2017)، لا يوجد قانون متخصص بالمخدرات بحيث انه قبل عام(2017)، كان القاضي عندما يساق اليه تاجر مخدرات يحكمه وفق المادة(206) عقوبات ومدتها حبس ستة اشهر ولا يملك غيرها، لذلك المشرع العراقي استشعر الحرج واصدر لنا قانون المخدرات(50) لسنة (2017) والذي تضمن عقوبات شديدة مغلظة في المادة(27) ووصلت إلى حد الاعدام للتاجر، ولكن هل كانت هذه القراءة صحيحة من قبل المشرع العراقي، الجواب لا، فكانت قراءة مجتزأة وغير صحيحة وغير واقعية وخاطئة بالجملة، بل انها قد تكون عاملا مؤثرا ودافعا نحو الولوج اكثر في هذه الظاهرة الخطيرة. لذلك في الفقة الجنائي هناك شيء يسمى (السياسة الجنائية)، فهل كانت السياسة الجنائية قراءة تشريعية متكاملة لوضع حلول جذرية؟ لذلك نحن نتفق مع جميع الآراء التي طرحت ولكن يبقى دورها هامشي، نسبة لمسؤولية الدولة ازاء المجتمع وازاء وضع دراسة متكاملة، وحلول تشريعية ورسمية تقتلع هذه الظاهرة من الجذور وتخلص العراق من شرها".