الانتهاك الالكتروني لخصوصية الأفراد ووسائل مواجهتهُ

إن تدفق المعلومات وانسيابها عن طريق أجهزة الاتصال الحديثة وخاصةً الكومبيوتر والانترنيت له أثر إيجابي في مجال المعاملات القانونية المدنية والتجارية. ويقابل الأثر الإيجابي لوسائل الاتصال الحديثة أثر سلبي وعلى مختلف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية سواء على المستوى الداخلي للدول أم على المستوى الدولي. ولا يتوقف الأثر السلبي إلى هذا الحد، بل يمتد ليشمل حقوق الإنسان وحرياتهُ الأساسية، ومن أهم هذه الحقوق التي تعرضت للانتهاك الالكتروني في مجال تكنولوجيا المعلومات هو الحق في الخصوصية أو الحق في الحياة الخاصة. ولبحث هذا الموضوع سنقسمهُ إلى عدة محاور نتناول في المحور الأول تعريف الحق في الخصوصية أو الحق في الحياة الخاصة وأنواعها. بينما سنبحث في المحور الثاني صور الانتهاك الالكتروني لخصوصية الأفراد أو بعبارة أخرى – أثر تقنية المعلومات على الحق في الحياة الخاصة في الوقت الذي سنخصص المحور الثالث لبيان وسائل مواجهة الانتهاك الالكتروني لحقوقية الأفراد. المحور الأول تعريف الخصوصية وأنواعها من الصعب وضع تعريف جامع مانع للحق في الحياة الخاصة أو الحق في الخصوصية، لأن تعريف هذا الحق يرتبط بالتقاليد والثقافة والقيم الدينية السائدة والنظام السياسي في كل مجتمع. فضلاً عن ذلك... فإن أغلب التشريعات اتجهت إلى عدم إيراد تعريف للحق في الخصوصية، واكتفت بوضع نصوص تكفل حماية الحق وتعدد صور الاعتداء عليهِ. ولكن يلاحظ بأن هذا الأمر لم يمنع من نشوء العديد من التعريفات من قبل الفقه القانوني القضائي ومن هذه التعريفات ما ذهب إليه قاضي المحكمة الأمريكية العليا، بأن الخصوصية هو أن يترك الشخص ليكون وحيداً. كما عرف الحق في الحقوقية من قبل فقهاء آخرين بأنه رغبة الأفراد في الاختيار الحر للآلية التي يعبرون فيها عن أنفسهم ورغباتهم وتصرفاتهم للآخرين. ومن خلال ما تقدم:- يمكن أن نعرف الحق في الخصوصية –بأنه حق الأفراد في الحماية من التدخل في شؤونهم وشؤون عائلاتهم بوسائل مادية مباشرة أو عن طريق نشر المعلومات عنهم. هذا ما يتعلق بتعريف الحق في الخصوصية، أما أنواعها فهي:- أولاً:- الخصوصية الجسدية والتي تتعلق بالحماية الجسدية للأفراد ضد أية إجراءات ماسة بالنواحي المادية لأجسامهم كفحص الجينات. ثانياً:- حماية الاتصالات وتتمثل بحق الأفراد في سرية وخصوصية المراسلات الهاتفية والبريدية والبريد الالكتروني. ثالثاً:- الخصوصية المكانية والتي تتعلق بحرمة المسكن، أو وضع القواعد المنظمة للتفتيش والرقابة الالكترونية والتأكد من بطاقات الهوية سواء كان الفرد في محل العمل أو في الأماكن العامة. رابعاً:- خصوصية المعلومات والتي تتمثل بحق الأفراد بعدم اطلاع الغير على المعلومات الخاصة بهم والمثبتة في أجهزة الكمبيوتر والانترنيت. المحور الثاني صور الانتهاك الالكتروني لخصوصية الأفراد إن صور الانتهاك الالكتروني لخصوصية الأفراد كثيرة ومتنوعة تبعاً لتنوع صور الحق في الحياة الخاصة، ومن هذه الانتهاكات على سبيل المثال. أولاً:- نشر وإعلان مفردات الحق في الحياة الخاصة للفرد في وسائل الإعلام والاتصال المختلفة دون موافقتهُ الصريحة أو الضمنية وكذلك التلاعب في البيانات الشخصية أو محوها عن طريق أشخاص غير مرخص لهم بذلك. ثانياً:- انتهاك خصوصية الأفراد بوسائل التنصت والتسجيل الحديثة والمراقبة الالكترونية بالأقمار الصناعية والكاميرات الرقمية المحولة عن طريق الهواتف المحمولة. ثالثاً:- إن الكثير من المؤسسات والشركات الحكومية الخاصة تجمع عن الأفراد بيانات عديدة تتعلق بالوضع المادي والصحي والعائلي والعادات الاجتماعية، وتستخدم الحاسبات وشبكات الاتصال في خزنها ومعالجتها ونقلها، وهو ما يجعل فرص الوصول إلى هذه البيانات بسهولة كبيرة مما يشكل انتهاكاً لخصوصية الأفراد ورغبتهم بعدم معرفتها من قبل الغير. المحور الثالث وسائل مواجهة الاتصال الالكتروني لخصوصية الأفراد نظراً للمخاطر والأضرار التي تسببها وسائل الاتصال الالكترونية وخاصة الكمبيوتر والانترنيت على خصوصية الافراد، ومن أجل الحد من الأثر السلبي لهذه الوسائل، أقتضى الأمر إيجاد وسائل مناسبة لموجهة أو للحد من الانتهاك الالكتروني لخصوصية الأفراد، وهذه الوسائل تتمثل بالدور الذي تقوم به المنظمات الدولية والإقليمية لحماية الحق في الخصوصية، فضلاً عن الدور الذي تقوم به الدول لحماية الحق في الخصوصية. ولذلك سنقسم هذا الموضوع إلى فرعين:- الفرع الأول: يتمثل بالجهود الدولية والإقليمية لحماية الخصوصية المعلوماتية فنلاحظ بأن العديد من المنظمات الدولية عملت على تنظيم وحماية المعلومات الخاصة وتنظيم تدفق المعلومات وانتقالها، ومن هذه المنظمات "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" والتي بدأت منذ عام 1978 بوضع أدلة وقواعد إرشادية بشأن حماية الخصوصية ونقل البيانات. وكذلك مجلس أوربا، الذي كان له دور كبير في عقد الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والحريات العامة لعام 1950، حيث أوجبت المادة "8" من هذه الاتفاقية على حماية الحياة الخاصة بالنص على حماية الأفراد من التدخل والاعتداء على حياتهم الخاصة وحياة اُسرهم. كما قررت المادة "10" من هذه الاتفاقية على وجوب حماية حق الوصول ونقل المعلومات. بالإضافة إلى ذلك فقد كان للاتحاد الأوربي دور كبير في حماية الحق في الخصوصية، إذ صدر عن الاتحاد عدة تعليمات بهذا الشأن منها:- التعليمات المتعلقة بحماية الأفراد من أنشطة خزن ونقل البيانات والتعليمات المتعلقة بحماية الأفراد من أثر التطور التقني لمعالجة البيانات والتوجيه الأوربي رقم 85 الصادر من البرلمان الأوربي في سنة 2002 والمتعلق بالمعالجة الآلية للبيانات وحماية الحياة الخاصة. - هذا بالإضافة إلى الدور الكبير الذي تقوم به الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية بهذا الخصوص.. الفرع الثاني:- الحماية الداخلية للحق في الخصوصية بالإضافة إلى الدور الذي تقوم به المنظمات الدولية والإقليمية في حماية الحق في الخصوصية، يوجد هناك حماية داخلية تتمثل بالتشريعات التي تصدر من بعض الدول التي تبين فيها تعريف الخصوصية وبيان أنواعها ووسائل حمايتها، وسنبين في هذا الفرع موقف كل من القانون الأمريكي والفرنسي والعراقي بهذا الخصوص * بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقد سنت الكثير من القوانين لحماية الأفراد من اقتحام الخصوصية، ومن هذه القوانين قانون الخصوصية الفيدرالي الذي صدر سنة 1974 وقانون حرية المعلومات لعام 1970 وكذلك صدر قانون المقاضاة للكمبيوتر وحماية الخصوصية الصادرة سنة 1988. أما فرنسا فقد أصدرت قانون في 17يوليو 1970 الخاص بحماية الحياة الخاصة، إذ نصت المادة "22" من هذا القانون على إن لكل شخص الحق في احترام حياتهِ الخاصة، ثم صدر بعد ذلك القانون رقم 17 لسنة 1978 والذي نظم حماية الحياة الخاصة للأفراد في مواجهة النظام الآلي للمعلومات. * أما بالنسبة إلى موقف المشرع العراقي – فلم يعالج بشكل قانوني منظم موقع الخصوصية وحمايتها في مواجهة التطور الحاصل في أجهزة الاتصال الحديثة، واكتفى بالإشارة إليها في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 والذي أشار إلى ضرورة احترام حرمة المساكن وعدم الاعتداء على حرمة الجسم. لكن يلاحظ بأن القانون المدني العراقي وإن كانت لا توجد فيه نصوص مباشرة تشير إلى الخصوصية ووسائل حمايتها، ولكنه وقع في نطاق المسؤولية التقصيرية أحكاماً تتعلق بتعويض الشخص المعتدى عليه وضرورة احترام إنسانية وكرامة الفرد وعدم الاعتداء عليهِ، مع ذلك يحتاج المشرع العراقي لمواكبة التطورات الحاصلة في تقنيات المعلومات والاتصالات أن يشرع نصوص تفصيلية واضحة لحماية خصوصية الأفراد، وليكون على الأقل - في هذا الجانب – بالمستوى المطلوب والذي وصل إليه التشريع في بلدان أخرى.
التعليقات