الانتخابات المحلية المقبلة: تشظي الإطار وغياب التيار وتبعثر القوى الناشئة؟

شارك الموضوع :

أن هذه الانتخابات ستشهد حالة من العزوف الانتخابي وتدني مستوى المشاركة السياسية، ولاسيما إذا ما استمر غياب التيار الصدري، بموازاة حالة السخط والتحفظ المجتمعي على دور وطبيعة عمل مجالس المحافظات في التجارب السابقة، فالسواد الاعظم من المجتمع كان يمَّني النفس بأن تلغى مجالس المحافظات بتعديل دستوري

ستكون الانتخابات المحلية العراقية المزمع اجراءها في 18 ديسمبر/ كانون الاول المقبل، أول انتخابات محلية تُجرى في العراق منذ إبريل/ نيسان 2013. إذ تتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولهم صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقًا للدستور العراقي النافذ لعام 2005. إلا أن الانتخابات هذه المرة تواجه بعض الإشكاليات، ولاسيما فيما يتعلق بانسحاب التيار الصدري، الذي انسحب من العملية السياسية في البلاد في 29 أغسطس/ آب عام 2022، بعدما قرّر الصدر سحب نواب كتلته الصدرية من البرلمان واعتزال العمل السياسي، بعد سلسلة أحداث بدأت بتظاهرات لأنصاره وانتهت بالاشتباكات داخل المنطقة الخضراء في بغداد مع فصائل مسلحة منضوية ضمن هيئة "الحشد الشعبي". فضلًا عن الموقف الشعبي الساخط على مجالس المحافظات وعملها في السنوات السابقة؛ الأمر الذي تسبب في تعليق عملها واغلاق مقراتها بعد احتجاجات تشرين عام 2019؛ وهذا من شأنه أن ينعكس سلبًا على طبيعة هذه الانتخابات ونسب المشاركة الانتخابية فيها. 

تشظي الإطار التنسيقي

الإطار التنسيقي الذي تشَّكل في11 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعد إعلان نتائج الانتخابات، من قوى شيعية قريبة أيديولوجيًا من إيران، بهدف تشكيل حكومة محاصصة توافقية، وتنسيق مواقفها الرافض للنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية المبكرة، وعارضه زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر مطالبًا بحكومة أغلبية سياسية، كان موقفه واضحًا من حيث عودة مجالس المحافظات، لكنه اختلف فيما يخص موعد اجراؤها وطبيعة مشاركة التيار الصدري فيها من عدمه. ولعل الكثير من المصادر تؤكد بأن دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الاسبق السيد نوري المالكي وعصائب أهل الحق بزعامة الشيخ قيس الخزعلي، كانت مصرة على عودتها ووقت اجراءها الحالي، في حين كانت بعض اطراف الإطار تدفع إلى وقت أبعد من ذلك؛ من أجل الاستعداد الجيد لها واعطاء وقت أكبر لمفوضية الانتخابات من اجل الاستعداد الفني واللوجستي، واقناع السيد الصدر وتياره بالعدول عن مقاطعة الانتخابات. ويبدو أن موقف الإطار التنسيقي من الانتخابات المحلية يعكس مدى الانقسام السياسي بين القوى السياسية الشيعية، الذي بانت ملامحه في عهد ولاية السيد المالكي الثانية وما بعدها، ولاسيما في مرحلة اجتياح تنظيم داعش للعراق، على الرغم من تلائمه ضد مشروع التيار الصدري بعد الانتخابات التشريعية الاخيرة، ولعل مواقفه السياسية سواء ما يتعلق بالانتخابات المحلية أو عودة التيار الصدري للعملية السياسية، أو فيما يخص مواقفه من الموازنة العامة للدولة والعلاقة بين المركز والإقليم، فضلًا عن مواقفه المتباينة من الولايات المتحدة الأمريكية ودور السفيرة الامريكية في العراق، تعكس ذلك الانقسام؛ الامر الذي انعكس على طبيعة مشاركته في الانتخابات المقبلة، إذ أعلن الإطار التنسيقي، أنه سيشارك بقوائم متعددة في الانتخابات المحلية المقبلة، وهو ما يؤكد عمق الخلاف داخل التحالف، وعدم قدرته على خوض أول تجربة انتخابية منذ تشكيله بشكل موحد. فقد حاولت اطراف الإطار التنسيقي، استغلال التمديد في تسجيل التحالفات السياسية لدى المفوضية بتقريب وجهات النظر بين قواه الرئيسة والحفاظ على وحدته، إلا أن جهودها فشلت، وقررت أن تخوض الانتخابات بشكل منفصل، وكان ائتلاف دولة القانون، أول من أكد أنه سيشارك بقائمة منفصلة، لعدم توافقه مع أي من قوى الإطار، ولعل تمسك كل قوى الإطار بشروطها، قاد لتفكك التحالف بقوائم متعددة؛ الأمر الذي أثر وسيؤثر بشكل أكبر على وحدة الإطار وتماسكه السياسي، ولاسيما اذا ما بقي التيار الصدري غائبًا عن المشهد السياسي، وربما ستدخل قواه السياسية بثلاث قوائم أو أكثر، وسيكون دولة القانون بمفردة، وسيجمع تحالف الفتح كل الفصائل المسلحة المتفرقة تحت لواءه، بينما من الممكن أن يتحالف تيار الحكمة برئاسة السيد عمار الحكيم والنصر برئاسة السيد العبادي بقائمة واحدة. 

غياب التيار الصدري

تبقى عودة التيار الصدري إلى المشهد السياسي من جديد عبر الانتخابات المحلية، محط تساؤلات عديد من الساسة والمتخصصين والرأي العام؛ لما له من تأثير سياسي وشعبي كبير على العملية السياسية، وقدرته على ارباك الوضع السياسي، إذ يعتقد بعض المحللين بأن التيار الصدري أفصح في الأيام الاخيرة عن عودته إلى العملية السياسية من بوابة مجالس المحافظات، وأن لديه كتلتين للمشاركة في الانتخابات. بموازاة ذلك، لم يصدر من قبل التيار الصدري أو زعيمه السيد الصدر أي بيان او موقف بخصوص المشاركة في الانتخابات من عدمها، ولعل هذا الصمت أكثر ما يخيف القوى السياسية الأخرى، ولاسيما قوى الإطار التنسيقي، التي تعتقد بأن الصراع أو التنافس السياسي يبدأ من مجالس المحافظات ثم ينتقل إلى مجلس النواب، وان غياب التيار الصدري يجعل الوضع أكثر هشاشة، فضلًا عن ذلك، فأن غيابه يمثل ضربة كبيرة للديمقراطية والعملية السياسية، وسيخلق حالة من الشحن المجتمعي في البيئة الشيعية، وربما هذا سيؤثر على سير العملية الانتخابية وحالة التنافس السياسي. كذلك هناك من يعتقد بإن مجالس المحافظات هي مجالس خدمية، وهي البوابة التي تمنح التيار الصدري العودة والمشاركة في الانتخابات المقبلة، لكونها تعزز الفاعلية في الدور الاجتماعي والسياسي، إلا أن هذا الاعتقاد تلازمه التجربة السابقة لمجالس المحافظات وطبيعة عملها الذي اصابه العقم والفشل في تقديم الخدمات وتمثيل قواعدها الشعبية، حتى اصبح الغاءها مطلب شعبي وجماهيري، واصبحت مقراتها ساحة لكل الاحتجاجات، حتى أُغلقت وعُلق العمل بها بعد احتجاجات تشرين 2019. وعلى الرغم من صعوبة التكهن بقرار التيار الصدري للعودة الى الحياة السياسية من عدمه، وذلك لصعوبة معرفة ما يدور في رأس وعقل زعيمه السيد مقتدى الصدر، إلا أن من المرجح أن يستمر غياب التيار الصدري عن المشهد السياسي في ظل تلك الملاحظات التي سجلت على عمل مجالس المحافظات في السنوات السابقة وطبيعة إدارتها والرفض المجتمعي لها، ولاسيما في ظل سيناريوهات تأجيل الانتخابات التي تخرج من هنا وهناك بين الحين والآخر, وأن استمرار هذا الغياب، ربما سيرتب خطأ سياسي اخر على التيار الصدري، وهذه المرة ربما يكون الخطأ مركب، فهو سيترك الساحة السياسية إلى منافسه التقليدي المتمثل بالإطار التنسيقي، الذي يخطط للسيطرة على عشرة حكومات محلية وسيحاول استمالة واقناع بعض جماهير التيار الصدري بشتى الطرق، كذلك سيخذل التيار الصدري جماهيره مرة أخرى ويتركهم بدون تمثيل سياسي، في الوقت الذي تحتاج جماهيره إلى حلقة الوصل بينها وبين السلطة التنفيذية والتشريعية في تحقيق مطالبهم واحتياجاتهم، التي من الممكن أن تتحقق من خلال ممثليهم في المجالس المحلية والتشريعية.   

تبعثر القوى الناشئة

تُكثف غالبية القوى المدنية العراقية الناشئة حديثًا، ولاسيما تلك القوى التي تشكلت بعد احتجاجات تشرين 2019، بالإضافة إلى تيارات وأحزاب مدنية وليبرالية تقليدية، أبرزها "الحزب الشيوعي العراقي"، جهودها السياسية والانتخابية للمشاركة بالانتخابات المحلية المقبلة، من خلال تقديم مرشحين من هذه القوى وآخرين مستقلين، فيما تُجرى اجتماعات مستمرة لرسم الشكل النهائي للتحالف فيما بينها. وقد اثمرت تلك الاجتماعات عن ولادة تحالف "قيم" الذي جمع اغلب القوى المدنية والقوى الناشئة، من بينها "حراك البيت العراقي" و"حركة نازل آخذ حقي" و"البيت الوطني" و"حركة وعد"، فضلًا عن "التيار الاجتماعي والديمقراطي" و"الحركة المدنية" و"الحزب الشيوعي العراقي"، وكذلك نواب من "حركة وطن"، وأبرزهم النائب سجاد سالم. إلا أن التحالف شهد غياب حركة امتداد، التي تعد من أبرز القوى الناشئة التي انبثقت من حراك تشرين، وحصلت على ما يقارب الـ 13 مقعدًا في الانتخابات التشريعية السابقة، إذ لم تتخذ الحركة قرار المشاركة بعد من عدمه، وكذلك الحال بالنسبة لحركة "وعي"، وغيرها من الحركات الناشئة الأخرى. ويعتقد بعض قادة تحالف "قيم" بإنّ تحالف قوى التغيير والنشطاء والشباب المدنيين في القوى المدنية الجديدة، والحزب الشيوعي، جميعهم سيشاركون في الانتخابات المحلية المقبلة، وأن المشاركة ضرورية حاليًا، بعد المقاطعة للانتخابات البرلمانية الأخيرة؛ وذلك من أجل تثبيت جهود القوى المدنية والوطنية، وأن مشاركتهم تهدف إلى منع استمرار نهج المحاصصة المقيتة، وتأسيس مرحلة سياسية جديدة تهدف إلى خدمة الناس، وليس الاستيلاء والاستحواذ على السلطة. بموازاة ذلك، هناك من يرى، بإن هذه القوى لم تصل بعد إلى مرحلة النضوج السياسي والقدرة على المنافسة وآليات اقناع جمهورها أو قواعدها الشعبية، ولاسيما القوى التي انبثقت من تشرين، فما يزال جمهورها يتصرف بطريقة شعبوية – راديكالية، وربما يكون اغلبه ناقم على كل صور المشاركة السياسية، ولاسيما تلك المتعلقة بعودة مجالس المحافظات؛ لهذا ربما تكون هذه القوة أمام إشكالية مركبة، سواء ما يتعلق بمنافستها للأحزاب السياسية التقليدية، التي تمتلك (المال، السلاح، السلطة والإعلام)، أو ما يتعلق بطبيعة اقناع جماهيرها وقواعدها الشعبية بالمشاركة الانتخابية في ظل المقاطعة السياسية وتنامي ظاهرة العزوف الانتخابي في العراق، وهي تفتقد لكل مقومات الاقناع والمنافسة السياسية والزبائنية الانتخابية، فضلًا عن مخاوفها من الاستهداف السياسي، أو تعرض مرشحيها للاستهداف المسلح، أو استخدام القوى التقليدية المال السياسي والإعلام وتوظيف موارد الدولة والسلاح المنفلت لضمان استحواذها على الأصوات؛ وطبيعة انعكاسه على نزاهة العملية الانتخابية. كذلك هناك من يرى بأن هذه الانتخابات ستبعثر القوى الناشئة أكثر من ذي قبل، ولاسيما أن الكثير من جماهيرها تعد المشاركة في الانتخابات ومشاركتهم لأحزاب السلطة في العملية السياسية، هو خيانة لمبادئهم وجمهورهم وتضحياتهم؛ مما سيتسبب في انكشاف سياسي وجماهيري لهذه القوى ويزيد من تبعثرها في ظل افتقادها للخبرة السياسية والقيادة المركزية المؤثرة على السلوك الجماهيري. 

بالمجمل يبدو بأن هذه الانتخابات ستشهد حالة من العزوف الانتخابي وتدني مستوى المشاركة السياسية، ولاسيما إذا ما استمر غياب التيار الصدري، بموازاة حالة السخط والتحفظ المجتمعي على دور وطبيعة عمل مجالس المحافظات في التجارب السابقة، فالسواد الاعظم من المجتمع كان يمَّني النفس بأن تلغى مجالس المحافظات بتعديل دستوري. وهذا من شأنه أن يؤثر على حظوظ كل القوى والاحزاب السياسية المشاركة بالانتخابات، ولاسيما تلك القوى التي تفتقد إلى الزبائنية السياسية والمال السياسي. فضلًا عن ذلك، ستزيد الدعاية الانتخابية والتنافس السياسي بين الأحزاب والقوى السياسية من حالة الانقسام السياسي والمجتمعي وستلقي بتداعياتها على الاندماج المجتمعي، ولاسيما في البيئة الشيعية في ظل حالة التصدع والانقسام والصراع بين جماهير الإطار التنسيقي والتيار الصدري والقوى الناشئة أو المنبثقة من حراك تشرين.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية