عجيب امر هذا الرجل، لم يبقى انسان في العالم لم يتحدث عن انجازاته، الا هو يقول: لا يوجد لدي الوقت الكافي للحديث عن نفسي !!
لا توجد فروقات كبيرة ما بين التحليل النفسي العام والتحليل النفسي السياسي، فبينما يركز علماء النفس على فهم ذات الانسان الذي لا يعمل في السياسة، يركز علماء النفس السياسي جل اهتمامهم على رجال السياسة.
قد تكون مهمة فهم الذات السياسية أصعب من فهم الانسان العادي، كونها تتعلق بأشخاص من ضمن وظائفهم وواجباتهم الخداع والتمويه، لكن هذا الامر قد لا يستمر طويلا، ولابد ان تظهر انياب الذئب يوما من تحت قناع الحمل، او العكس.
ولكيلا نعطي الجوانب النظرية وقتا اطول، فأننا سنضع شخصية السيد رئيس الوزراء العراقي الحالي (حيدر العبادي) تحت المجهر التحليلي: النفسي: السياسي، وكما يأتي:
اولا – الصفات الذاتية: الجانب النفسي للعبادي:
لا يمكن ان يوصف العبادي بغير انه طيب القلب، ذو روح تميل للخير وتكره الشر وتبتعد عنه الى اقصى حد. وهذا الاستنتاج واضح من خلال جملة من العلامات الظاهرية، مثل: طريقة كلامه غير المبتذلة والبسيطة، فضلا عن ابتسامته شبه الدائمة. بالإضافة الى نوع الالفاظ التي ينطق بها والتي تخلو من العنف او التهديد او الاساءة لأحد، حتى خصومه السياسيين.
اما من اين امتلك العبادي هذه الصفات، فهي طبيعية (وراثية) ومكتسبة، حصل عليها من جانبين، هما:
1 – الانتماء الى حزب ديني – سياسي: هو حزب الدعوة، الامر الذي وفر له الفرصة الكافية للاطلاع على الطروحات الاخلاقية الاسلامية، وسير الاولياء الصالحون ورجال الدين المهمين في العراق والعالم الاسلامي. الامر الذي اضفى عليه المسحة الدينية المتسامحة.
2 – الجو العلمي والأكاديمي للعائلة: فأبوه طبيب معروف هو جواد العبادي الذي شغل مناصب مهمة في سبعينيات القرن الماضي، منها ادارة مستشفى الجملة العصبية. فضلا عن التوجه العلمي لأخوته. هذه الاجواء العائلية زرعت فيه روح التفكير المنطقي الذي يقفز على الانتماءات الاولية والاحقاد.
3 – المواظبة على الدراسة والتفوق العلمي: فهو حاصل على شهادة البكالوريوس من الجامعة التكنلوجية المعروفة برصانتها في تلك الفترة، مضافا اليها اكمال الدراسات العليا في الجامعات البريطانية والتفوق فيها. هذه المسيرة العلمية قد فتحت الافاق المعرفية والثقافية امامه. فلم يعد ينظر الى الامور من زاوية واحدة او مسبقة او مغلقة.
4 – العيش بالكرادة: المعروف عن منطقة الكرادة انها قلب بغداد، وأنها ذات تنوع ديني ومذهبي وقومي، فهي نموذج للتعايش المشترك بين مكونات الشعب العراقي، وقد فعلت فعلها في نفس العبادي مثلما فعلت محلة المهدية بــ عبد الكريم قاسم من قبل. فلم ينشأ العبادي على روح العزلة او الانغلاق المذهبي او القومي الذي توفره بيئات اخرى. الامر الذي جعله قابلا بالأخر ومتفهما له ولخصوصياته التاريخية والعقائدية.
5 – العيش في بريطانيا: الانسان يتأثر بالبيئة التي يوجد فيها، وتنعكس فيما بعد على سلوكياته وطريقة عيشه، العبادي عاش فترة طويلة في بريطانيا، تلك البلاد المعروف عنها النموذج الاول من حيث العمل الديمقراطي والحرية، وقبول الاختلاف وتعددية الرؤى والمزاجيات وكثرتها. هذه البيئة قد انطبعت في شخص العبادي واثرت ايجابيا عليه.
ثانيا – العبادي رئيسا للوزراء: الاداء السياسي:
تسلم العبادي رئاسة الوزراء عام 2014، بعد ان اضطر سلفه نوري المالكي الى التنحي بسبب ضغوطات داخلية وخارجية.
ان هيئة رئيس الوزراء الجديد، التي هي استمرار لطبيعته وصفاته الذاتية الخاصة اعلاه، لم تكن تثير انتباه أحد، الا اولئك المشككين بقدرته على ادارة بلاد نصفها بيد الارهاب وهي المناطق الغربية: نينوى وتكريت والانبار. ونصفها الاخر بيد قوى سياسية ترى في العراق غنيمة يجب الاستفادة منه لبناء دولتهم المستقبلية، وهي القوى السياسية الكردية. وما بحوزة الحكومة الاتحادية فهي مناطق تدفع ثمن ضياع الاجزاء الاخرى من العراق وهي منطقة الفرات الاوسط والجنوب.
ويضاف الى ذلك ان الخزينة المالية للبلاد على وشك الافلاس، بسبب سوء التدبير وبسبب السياسات الخاطئة والفساد المالي والاداري.
وفوق كل هذه المشاكل الداخلية، يوجد تدخل خارجي: اقليمي ودولي في شؤون البلاد واحوالها: في السياسة والمجتمع والاقتصاد والثقافة.
ويمكننا ان نلخص اهم السمات النفسية للعبادي وهو يؤدي دوره السياسي وسط البيئة المعقدة اعلاه، من خلال النقاط الاتية:
اولا – السمات النفسية اثناء الحرب على الارهاب:
1 -العبادي لم يغير من طبيعته الشخصية بعد المنصب المهم والحساس الذي تقلده، ولم يحاول تقليد احدا من الشخصيات السياسية العراقية والعالمية.
2 – العبادي لم تؤثر عليه الانتصارات التي تحققت على الارهاب في عهده، فقد بقيت نبرة صوته نفسها ولم يتبجح بقوة الجيش او يهدد بها، وبقي حذرا من ان تحدث اشياء غير متوقعة. ولم يختر له مظهرا يميزه عن غيره مثل: زي معين او طريقة كلام معينة او ان يسير بشكل مختلف عن بقية السياسيين.
3 – لم يثقف العبادي لنفسه، او يتحدث عن انجازات شخصية، ولم يكن له رؤية تخصه او تخص الانتخابات القادمة. بمعنى لم يوظف الانجاز لخدمة مستقبله السياسي. وكان جل همه ان تتكلل المعارك بالتحرير والاستقرار.
4 – العبادي لم يحاول الانتقام من غيره من الساسة، او ان يستغل موقعه لأزاحت خصومه عن مستقبله السياسي، حتى عندما ينتقد غيره، فهو يستخدم العبارات العامة ويبتعد عن التشخيص.
ثانيا – السمات النفسية للعبادي بعد فرض السلطة الاتحادية في المناطق المتنازع عليها:
1 – اختلفت شخصية العبادي في هذه المرحلة، حيث بدا أكثر ثقة بالنفس من ذي قبل، ومن علامات ذلك ما يأتي:
أ -بدأ عليه تغيير في نبرة الصوت، واستعمال كلمات مختصرة ذات معاني كبيرة، وبدأ يلوح بيده عند الكلام، ويميل الى الشعارات والعبارات التي تدل على ايمانه بأنه قد وصل الى مرحلة الزعامة.
ب -حتى مشيته وهو يزور المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران اختلفت عن التي سبقتها، فقد كانت خطواته موزونة ومدروسة وكانت حركة يده فيها شيء من التبختر والخيلاء، ولم يكتف بالابتسامة المعتادة بل أطلق العنان لنفسه كي تضحك كثيرا خاصة في القصر الملكي السعودي. على اعتبار انه يمثل العراق صاحب الجيش الذي دحر الارهاب وفرض سلطة الدولة في كل شبر من العراق.
2- بدأ العبادي يتحدث عن نفسه وعن مستقبله الانتخابي، وان الوقت قد حان للانتباه الى الانتخابات القادمة التي لم تكن من أولوياته في المراحل السابقة.
3- بدأ العبادي يتحدث عن فتح ابواب التحقيق في بعض الملفات، مثل سقوط الموصل، وهذا التغيير يعني من جهة اخرى بأنه قد يدخل في صراعات مع بعض المنافسين في الحزب والدولة مثل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
4- لم يعد نفوذ العبادي محصورا في داخل العراق فحسب، بل ان نجاحاته الامنية في الداخل قد عززت من ثقة دول الاقليم به، وهو قد فهم ذلك ونجح في استغلاله ايضا، لما طوع الموقف الاقليمي لإجهاض نوايا القوى السياسية الكردية وقلبها ضدهم.
اذن، لم يطرأ تغيير كبير على شخصية العبادي في المرحلتين الاولى والثانية من عمله السياسي. لكنه بعد فرض السلطة الاتحادية في المناطق المتنازع عليها. أصبح أكثر ثقة بالنفس، وبدأ يفكر بمستقبله السياسي حتى لو اضطر للتضحية ببعض زملاء العمل الحزبي.
لكن هذا ليس كل شيء، فمن الممكن ان تؤثر التقلبات السياسية والامنية على شخصية العبادي، خاصة موضوعة ارساء الاستقرار في المناطق التي عادت الى سلطة الدولة.
اضافةتعليق