استقالة الحريري تهديد لأمن المنطقة بعد أنهاء داعش

أعلن رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري استقالته من العاصمة السعودية الرياض يوم السبت 4/ تشرين الثاني 2017، وجاءت هذه الاستقالة كأحد أكبر أسرار الزيارتين المتتاليتين التين قام بهما رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري للمملكة العربية السعودية. فالزيارة الثانية تأتي استكمالاً للزيارة الأولى، وعلى ما يبدو بأن مدخلات الزيارة الأولى لم تأتي بنتائجها السياسية وفقا لما يريده صانع القرار السعودي، لاسيما وأن ما توسط هاتين الزيارتين هو لقاء رئيس الحكومة اللبنانية مع مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية "علي أكبر ولايتي"، والذي أبدى رأيه بحرص إيران على أمن لبنان وتأكيده الحفاظ على التسوية في لبنان، إلا أن هذه التسوية أصبحت من الماضي بعد إعلان الحريري عن استقالته، وعلى ما يبدو بأن المسألة أبعد من الاستقالة بكثير، وقد يتعلق الأمر بأمن المنطقة وعملية الصراع الإقليمي بين إيران والسعودية، لاسيما وأن بيان إعلان الاستقالة بث من الأراضي السعودية وعن طريق الإعلام السعودي، وربما قد يكون الرئيس الحريري أجبر على إعلان الاستقالة، فضلا عن ذلك، فأن مؤشرات خطاب الرئيس المستقيل سعد الحريري تجاوزت حدود الدولة اللبنانية، وأبرز هذه المؤشرات والدلالات هي:

1. الاستقالة أتت من المملكة العربية السعودية، وهذا يدل على أن موضوع الاستقالة هو أكبر من كونه موضوع لبناني داخلي، وربما يكون حتى أكبر من حزب الله الذي أتهمه الحريري بأنه أساس العقبات التي تقف بوجه لبنان وعملية الاستقرار السياسي ‘‘حتى وأن كان المطلوب الإطاحة بحزب الله في هذه الاستقالة‘‘، وقد تكون الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب أحد أطراف هذه اللعبة. 

2. الحديث عن محاولة اغتيال رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، ينذر بتداعيات كبيرة واتهام لحزب الله ومن يقف وراءه، بأن التسوية اللبنانية التي رعتها إيران لا يمكن المضي بمشروعها السياسي، وهو بنفس الوقت قد يكون مبرر لرئيس الحكومة أن يعلن استقالته من السعودية، لاسيما وأن الحريري يحمل الجنسية السعودية، التي حصل عليها عام 1978. وهذا ربما ينذر بمواجهة إقليمية بين السعودية وإيران. وقد تعيد هذه الاستقالة الأوضاع السياسية اللبنانية إلى الوراء كتلك الاوضاع التي تزامنت قبل وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005.  

3. الرسائل التي حملها خطاب الحريري عن المواجهة المحتملة بين إيران والسعودية، من خلال تأكيده على أن أذرع إيران في المنطقة ستقطع، وفي هذا أشارة واضحة لذراع إيران الرئيس في المنطقة وهو حزب الله. 

وعليه، فأن المنطقة أمام مشكلة كبيرة ومرحلة صراع جديدة بعد انهاء تنظيم "داعش"، وأن هناك خلل كبير في التوازن الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في لبنان بعد أن سيطر حزب الله على نصف القرار السياسي اللبناني؛ ولهذا قد يكون قرار الاستقالة، قرار أمريكي – سعودي من أجل نسف التسوية اللبنانية وإعادة تصحيح الخلل، الذي سمح لحزب الله أن يعتلي صدارة المشهد السياسي اللبناني، وإعادة التوازن الاستراتيجي أن كان في لبنان أو في المنطقة بشكل عام. ولهذا لا يمكن فصل قرار الاسقالة عن التطورات العالمية، لاسيما الأمريكية منها سواء ما تمثل بإعلان الرئيس الأمريكي عن استراتيجيته لمواجهة إيران والاتفاق النووي والعقوبات التي فرضتها إدارته على إيران وحزب الله، أو التحذيرات التي أطلقها الوزير السعودي السبهان واجتماع واشنطن لرؤساء التحالف الدولي، فضلا عن الرغبة الأمريكية والخليجية في كبح جماح إيران وتقليص تمددها الإقليمي سواء في لبنان أو في سوريا واليمن والعراق.

فالفشل السياسي اللبناني هو فشل للمشروع السعودي في مواجهة المشروع الإيراني، لاسيما بعد التسوية الأخيرة في الاتفاق على شكل الرئاسة اللبنانية، ولهذا فأن استمرار رئيس الحكومة في منصبه هو بمثابة أعطاء الشرعية السياسية لحزب الله وتحركاته السياسية وفقاً للرؤية السعودية، ولهذا يُعد قرار الاستقالة الخطوة الأولى لعملية المواجهة السياسية وربما العسكرية التي أعلنتها المملكة العربية بالاتفاق مع الإدارة الأمريكية على خوض صراع جديد في المنطقة للحد من نفوذ إيران في المنطقة. ولعل من أهم الاسباب التي دفعت السعودية إلى اختيار الحكومة اللبنانية كعنصر للمواجهة ضد إيران، هو عدم قدرتها على هزم إيران وحلفائها في سوريا، وكذلك نجاح الحكومة العراقية في الانفتاح على المحيط العربي المتوافق مع نجاحاتها العسكرية ضد تنظيم "داعش" والنجاح السياسي النسبي في التغلب على بعض المعوقات السياسية الداخلية، فضلاً عن عدم قدرة الرياض على حسم المعركة في اليمن ضد الحوثيين، وسيطرة حزب الله على المشهد السياسي اللبناني. ولهذا فإن السعودية مصممة على المضي في المواجهة مع إيران وحزب الله، للوصول إلى مرحلة لا يكون فيها الحزب قادراً على التأثير في دول الجوار والقرار السياسي اللبناني.   

وعليه، ربما تكون المرحلة المقبلة مرحلة مواجهة، وستكون لها تداعيات كبيرة لا يمكن التنبؤ بنتائجها بشكل قاطع، إلا أن ما يمكن التأكيد عليه، بأن ساحة الصراع والمواجهة حتماً ستكون بالوكالة، وستكون البلدان التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي ساحة لتلك المواجهة المرتقبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية من جهة، وإيران وحلفائها في المنطقة من جهة أخرى، وقد يكون العراق احد ساحات المناورة أو المواجهة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة الأمريكية وإيران، لاسيما وأن طهران تتمتع بنفوذ سياسي وعسكري في العراق، وستحاول من خلالهما أن تعيق المشروع الأمريكي في العراق، وان تقف حجر عثرة إمام انفتاح العراق على محيطه العربي. ولهذا يتحتم على صانع القرار العراقي أن يوازن بين علاقاته الإقليمية والدولية وأن ينأى بنفسه بعيدا عن مساندة طرف على حساب طرف آخر، وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة تحييد قيادات الحشد الشعبي بعيداً عن الصراع الإقليمي والالتزام بمواقف الحكومة العراقية الرسمية.  

التعليقات