النواحي الاقتصادية تعارض استقلال كردستان

بقلم: اليكس جزيادوز

مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية نقلا عن موقع (ذا أتلانتيك) 

ترجمة: وحدة الترجمة في مركز الفرات 

 

على الطريق السريع خارج مدينة اربيل، عاصمة كردستان العراق، كانت علوة الخضروات والفواكه مليئة بالأعلام واللافتات التي تحث الاكراد على التصويت بـ نعم في استفتاء الاستقلال. وفي الاسفل من الطريق، كانت الشاحنات تنقل حمولات الطماطم والتفاح والفلفل التي تبين حجم المقامرة التي قد تحصل من جراء الاستفتاء: كانت معظم الحمولات تحمل دلالات على عناوين في تركيا، التي ادانت الاستفتاء. وهناك بضاعة اخرى قادمة من إيران، التي هي، ايضاً، عارضت بقوة الاستفتاء. وعندما سألت أحد التجار الصغار عما سيحدث لو ان هذين البلدين اغلقتا حدودهما للضغط على حكومة اقليم كردستان – كما سبق ان هددتا بذلك – هز رأسه وقال: سيموت السوق.

  كان الاستقلال حلماً قديماً راود الاكراد في العراق، الذين عانوا بشكل مفزع تحت حكم صدام حسين، وبالتالي كان يوم الاثنين يوم احتفال كبير في اربيل، المعقل الاساس للرئيس مسعود البارزاني وحزبه الحاكم – الحزب الديمقراطي الكردستاني – الذي أصبح القوة التي تساند التصويت. وبينت النتائج الاولية ان 90 بالمائة من المصوتين يؤيدون الانفصال عن العراق. وتصاعدت حدة التصريحات منذ ذلك الحين في الوقت الذي طلبت فيه بغداد من الدول المجاورة الغاء رحلاتها الجوية الى الاقليم الذي ايدته إيران، كما طلبت العاصمة تسليم سلطات المطار والمنافذ الحدودية اليها في موعد اقصاه يوم الجمعة (29 سبتمبر 2017) او مواجهة الحصار.

كما هددت تركيا – التي تخشى الحركات الانفصالية لديها ان تقوم بمثل الامر الكردي-ووصفت التصويت بـ الخيانة، كما وصف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان الاقليم لن يحصل على الماء والكساء إذا تم تنفيذ العقوبات.

في الوقت الذي كانت فيه حسابات البرزاني ان الوقت كان مناسباً في الضغط للحصول على الانفصال من العراق، اضافة الى التوقيت الذي تم فيه طرد مقاتلي الدولة الاسلامية من اخر معاقلهم في شمال العراق، كانت الادارة الاقتصادية الكردية توحي بالعكس من الامور. فالاعتماد الكلي على الواردات من السلع الاساسية وعلى النفط الذي يتم ضخه عبر تركيا من اجل الحصول على العائدات الحكومية، يجعل التساؤل كيف سيكون الامر عليه بالنسبة لمفاوضات الحكومة التركية وكذلك الامر بالنسبة لاقتصاديات كردستان المستقلة’؟

تعتمد المسألة الاقتصادية في التعارض مع الاستقلال على موضوع النفط. فمنذ الحصول على الحكم الذاتي الواقعي في التسعينات من القرن الماضي بموجب الحظر الجوي الذي فرضته الولايات المتحدة الامريكية، بنى كرد العراق تدريجياً مؤسساتهم، بضمنها الوزارات والخدمات المدنية والجيش بحيث ساعدتهم على التصرف كدولة. الا انهم لم يحققوا التطوير الاقتصادي في الاعتماد على النفس بسبب تدفق اموال النفط المستمرة التي عرقلت الاهتمام في تنويع القطاعات الاخرى، مثل الزراعة والتصنيع والمصارف، اضافة الى تطوير قدراتهم في جمع الضرائب. وبدلاً من ذلك، اعتمدت حكومة اقليم كردستان على مبيعات النفط التي وفرت المداخيل حتى بنسبة 90% التي صرفت بشكل كبير على رواتب موظفي الحكومة الذين يعتبرون من أكبر القوى العاملة في الاقليم. اما بالنسبة للاقتصادات الريعية الاخرى، اعتمدت نشاطات القطاع الخاص في مجال الانشاءات على الصرف الحكومي.

وفي ضوء الصادرات الكردية من النفط المقدرة بـ 600000 برميل يومياً التي تمر عبر تركيا الى ميناء جيهان، كان لتركيا تأثير بارز على اقتصادات الاقليم، الا ان المشكلة هي مسألة توزيع الموارد من اجل الاستقرار الاجتماعي مثل القدرة على دفع الرواتب. وقد ذكر بلال وهب المحلل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى ان النفط هو المصدر الرئيس للموارد في الاقليم الذي يصب في خزائن الحكومة. اذن هذا هو الوضع القائم – فالاقتصاد في اقليم كردستان يعتمد على انبوب نفطي واحد يبيع المنتوج في الاسواق العالمية ويمر عبر تركيا. فإذا اغلقت هذا الانبوب، فإنك تخنق الاقتصاد الكردي .

أما المعضلة الرئيسة الأخرى هي اعتماد الاقليم على الواردات حيث تصل من 80 الى 90% من البضائع، حسب تقديرات المحللين.  ان الاقليم ينتج كميات مهمة من السمنت والحديد والحنطة، لكن القليل من المنتجات الاخرى. فإذا تجولت في اسواق مدينة اربيل ستجد ان الرمان مستورد من مصر، والتفاح من إيران، والخوخ والبيض من تركيا – إذا لم نذكر الملابس والادوات المنزلية من الصين والسجائر من كوريا الجنوبية.  وبما ان كردستان موقع مغلق جغرافياً، فإن إغلاق الحدود مع إيران وتركيا والمجال الجوي العراقي سيؤدي بسرعة الى زيادة كبيرة في الاسعار او النقص في المواد الاساسية مثل الطعام والوقود. وبعبارة اخرى، ان حصاراً منظماً من الدول المجاورة للإقليم سيكون مدمراً.

يبدو ان الدعوة للتصويت رغم اعتراضات انقره وطهران وبغداد مجرد رهان من البارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني على موقف الدول المجاورة في عدم رغبتها او عدم قدرتها في الاستمرار بالعقوبات او الحصار ضد الاقليم. ويرى المؤيدون ان الدول المجاورة، وخصوصاً تركيا، قد استفادت كثيرا من التجارة مع الاقليم وأنها ستخسر الكثير في مثل خطوة المقاطعة. وذكر السيد فتحي المدرس، الخبير في وزارة التجارة بالإقليم هناك الالاف من الشاحنات تمر يومياً ولا يجب ان ننسى الشعب التركي والشركات التركية والحكومة التركية تستفاد الكثير من هذه النشاطات. وحتى لو ارادت الحكومة التركية اغلاق الحدود فإنها لن تستطيع القيام بذلك لفترة طويلة.

إضافة الى ذلك، فإن الاتفاقية الاخيرة بين حكومة اقليم كردستان والشركة النفطية الروسية (روزنفت) بتصدير مليار دولار من الغاز الكردي عبر تركيا، اضافة الى تطوير خمسة حقول نفطية وغازية في الاقليم، قد تكون عائقاً امام تركيا في اغلاق الطريق امام صادرات الطاقة الكردية إذا اخذت بنظر الاعتبار مصالحها مع روسيا.

قد تؤدي مقامرة برزاني الى نتائج في النهاية، الا انها تظل مجرد مقامرة.  وذكر أحد الاقتصاديين الاكراد الذي رفض الافصاح عن اسمه بسبب الحساسية في انتقاد الاستفتاء ان لتركيا ثمانية أطراف حدودية مع جيرانها وامكانات اقتصادية متنوعة. ومما لا شك فيه انها ستتأثر بمثل هذا الحصار لكردستان العراق، الا انها ستستفيد من كبح جماح الحركات الانفصالية من الشعب الكردي في تركيا. وقال ان تركيا قد تضحي في بعض الاوقات بمصالحها الاقتصادية من اجل الحصول على ضغوط سياسية.  ويبدو ان الرئيس التركي اردوغان قد اثار هذا الموضوع عند البدء في الاستفتاء قائلاً: لدينا مفتاح الانبوب، وعندما نغلقه ينتهي كل شيْ.

إلا ان كردستان يجب ان لا تعتمد كلياً على النفط. فأراضيها الخصبة قد تجعلها المصدر للتجارة الاقليمية، وبالتالي فإن التركيز عليها سيخفف من ضربة الحصار من الدول المجاورة في المستقبل. وعندما سؤل أحد المحللين عن اسباب عدم الاهتمام بهذا القطاع، اجاب انه الفساد: فبناء الولاء للحزب استنفد معظم امور التنمية في الاقليم، وخصوصاً في قطاعات لا يمكن ربطها بمثل هذه الولاءات مثل الزراعة، اضافة الى الاهمال، مما ادى الى تطور قطاعات اخرى مثل الانشاءات.

ويقول الباحث وهب في معهد واشنطن انه هناك مشكلة اخرى تتعلق بسياسات العراق المضطربة التي تعني دخول السياسيين من ازمة الى اخرى من اجل البقاء طيلة العقود والتي تعرقل امكانات تحقيق التخطيط بعيد المدى.  وأدى هذا الى نقص في التصور بالنسبة لكردستان المستقل ... فهل ستكون رأسمالية او اشتراكية او بين بين؟ اضافة الى التركيز على مسائل الخلافات الشائكة مع بغداد. واضاف: إذا أردت سؤالي عن المشاكل، فإنها ليست النفط والمناطق السياحية، وانما في الادارة الحكومية. 

يقترح مؤيدو الاستفتاء انه بإمكان الاقليم معالجة هذه الامور خلال فترة قصيرة بعد التخلص من قيود بغداد. فسيطرة كردستان على صادراتها النفطية – التي تقوم بشحنها في الوقت الحاضر بأسعار قليلة حسب ادعاءات بغداد – اضافة الى امكانها الحصول على قروض سيادية والتفاوض مباشرة مع المنظمات الدولية ستعتبر من النعم التي ستحظى بها كردستان. ومنذ انهيار اسعار النفط في عام 2014، بدأت الاصلاحات بقيادة نائب رئيس الوزراء قوباد الطالباني مثل استخدام الاختبارات البايومترية لموظفي الدولة من اجل التخلص من الرواتب الشبحية وازدواجية الموظفين، التي لقيت، جميعها، استحسان الاخرين عموماً.           

ويظل الامر معلقاً، اذ انه بدون تحقيق الاكتفاء الذاتي، سيظل الاستقلال الكردي متأرجحاً على ارض رخوة. 

وفي موقع اخر من علوة الخضروات والفواكه، قام تاجر اخر يدعى جاهال بعرض بضاعته المؤلفة من الثوم القادم من الصين والخوخ من تركيا والكيوي من إيران، حيث قال قبل الاستفتاء: لم تتغير الاسعار صعوداً او نزولاً، الا انه لا يعرف أحد ماذا سيحدث غداً.

رابط المقال الاصلي:

https://www.theatlantic.com/international/archive/2017/09/kurdistan-barzani-iraq-turkey-blockade-oil/541149/

التعليقات