الاستفتاء غير ملزم لحكومة بغداد وهو مرفوض من دول الإقليم بشكل مطلق، ولا يتمتع بصفة شرعية في المجتمع الدولي والأمم المتحدة
صوت أكراد العراق يوم الاثنين الموافق 25ايلول/ سبتمبر 2017 على مشروع الاستفتاء الذي أقرته القيادة الكردية في أربيل، والمتضمن على قرار انفصال شمال العراق من سلطة الحكومة المركزية في بغداد. وعلى الرغم من سلبية المواقف الدولية والأممية، فضلاً عن المواقف الداخلية والإقليمية من الاستفتاء والحاح المجتمع الدولي بمختلف انظمته السياسية – باستثناء إسرائيل-ومنظماته الدولية على تأجيل أو إلغاء الاستفتاء، إلا أن القيادة الكردية أصرت على أجراءه في الموعد المحدد والمضي قدما دون الاكتراث إلى تداعياته الداخلية والخارجية. ولهذا ربما يتسائل البعض عن سبب اصرار رئيس الإقليم "المنتهية ولايته" السيد مسعود البارزاني على أجراء الاستفتاء وتجاهل كل الوساطات المحلية والإقليمية والدولية؟
ربما كان هناك اعتقاد لدى الكثيرون "من مختصين واصحاب شأن" بأن موضوع الاستفتاء سيتم تأجيله في نهاية المطاف، وأن أصرار مسعود البارزاني على أجراءه في الوقت المحدد هو للضغط على الحكومة الاتحادية والمحيط الإقليمي والمجتمع الدولي والأمم المتحدة؛ وذلك من أجل كسب مساحة تفاوضية أكبر والحصول على ضمانات دولية وأممية مقابل تأجيل الاستفتاء لسنتين أو ثلاثة وبشروط تحريرية يكون فيها المجتمع الدولي والأمم المتحدة الطرف الضامن له، وحينها سيكون موعد أجراء الاستفتاء يتم بموافقات رسمية داخلية وخارجية وبتأييد دولي وأممي، على الرغم من أدراك القيادة الكردية لصعوبة الموقف الإقليمي الرافض بشكل مطلق لمشروع انفصال أكراد العراق عن بغداد. وقد تكون البدايات "بداية قرار الاستفتاء" هي بالفعل كما توقعها المختصون والمراقبون كان القصد منها الحصول على ضمانات دولية لتأجيل الاستفتاء، وهي تبدو كذلك للوهلة الأولى، إلا أن هناك بعض الاسباب التي دفعت القيادة الكردية متمثلة برئيس الإقليم "مسعود البارزاني" في الاصرار على أجراء الاستفتاء في موعده المحدد، ومنها:
• الرفض المطلق من قبل الحكومة الاتحادية والتحالف الوطني الشيعي للاستفتاء، ورفض فكرة الدخول في أي مفاوضات من شأنها أن تطرح موضوع الاستفتاء أو الانفصال على طاولة المفاوضات؛ لأن تفاوض الحكومة المركزية مع الإقليم بشأن الاستفتاء سيعطي الأخير شرعية داخلية في المستقبل القريب أو البعيد. فعدم حصول اللجان التفاوضية الكردية (التي أرسلتها أربيل إلى بغداد) على أي نتيجة بشأن الاستفتاء، زاد من أصرار القيادة الكردية على أجراءه.
• فشل رهان القيادة الكردية على المواقف الدولية بشكل عام، والموقف الأمريكي بشكل خاص "حتى وأن كان الأخير موقفا خجولا نوعا ما"؛ لأن القيادة الكردية كانت تراهن على موقف دولي أوروبي -أمريكي داعم لمشروع الانفصال عن بغداد، فضلاً عن الموقف الأممي؛ ولذلك، فأن فشل القيادة الكردية في الحصول على أي ضمانات دولية واممية، زاد من حجم الاصرار على اجراء الاستفتاء، لاسيما وأن أربيل راهنت حتى اللحظات الأخيرة على تلك المواقف.
• السبب الثالث والرئيس في اصرار قيادة الإقليم على عملية أجراء الاستفتاء دون الالتفات إلى كل تداعياته السياسية والأمنية والاقتصادية، هو ما يسمى اليوم بعملية الهروب إلى الإمام؛ فالاعتقاد السائد في العقل السلطوي للسيد مسعود البارزاني، ما زال يصر على أنه بحاجة إلى إثبات جديد على أنه يحظى بدعم شعبي كردي، قبل خوض غمار التفاوض مع بغداد بشأن إقامة دولة كردية. فهذا الدعم لا غنى عنه في المفاوضات المقبلة، التي ستكون عسيرة حتماً، حول شروط الانفصال عن العراق. وبالتالي فأن خروج القيادة الكردية بدون أي ضمانات (داخلية ودولية وأممية)، فضلاً عن المعارضة الإقليمية، كانت سبباً مباشراً في أصرار البارزاني وعائلته السياسية على أجراء الاستفتاء في موعده المحدد. فمن غير الحكمة أن تصّر القيادة الكردية على أجراء استفتاء ثانٍ بعد استفتاء عام 2005.
وعلى الرغم من أن الاستفتاء الأول حصدت فيه موافقة ساحقة، إلا أن الاحزاب الكردية كانت موّحده في تلك الفترة، وأن رئيس الإقليم كان يتمتع بشرعية سياسية من قبل كل الاحزاب الكردية. أما اليوم فبالرغم من أن نتيجة الاستفتاء الثاني معروفة سلفاً، إلا أن الأحزاب الكردية منقسمة على نفسها وغير متماسكة، ورئيس الإقليم فاقد للشرعية السياسية الداخلية التي كان يتمتع بها في الاستفتاء الأول، فضلاً عن حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي يعاني منها الإقليم؛ ولذلك لم تكن هناك أي ضرورة سياسية وجدوى اقتصادية من الاصرار على مشروع الاستفتاء في هذا الوقت سوى بعض المكاسب الشخصية. وكان الاجدر بالقيادة الكردية أن تدخل في مفاوضات مباشرة مع الحكومة الاتحادية وفق الدستور العراقي، من أجل تنظيم العلاقة بين المركز والإقليم على اساس القانون والتفاهمات المشتركة، وبصورة تضمن للإقليم حياة سياسية كريمة وفق النظام الذي أقره الدستور العراقي المتمثل بالنظام الفيدرالي الاتحادي. فهذا التفاوض سيعزز من الموقف السياسي "الداخلي والخارجي" للقيادة الكردية، وستدعمه اغلب الاطراف السياسية العراقية الأخرى، إلا أن أصرار أربيل على الاستفتاء عزز من موقف الحكومة العراقية إقليمياً ودوليا، لاسيما مع السياسة الدبلوماسية التي اتبعتها بغداد للتعامل مع الأزمة الكردية.
وعليه فأن هناك جملة من النتائج السياسية والاقتصادية التي ستصب في صالح الحكومة المركزية، وعلى صانع القرار العراقي استثمار تلك الفرص لصالحه من أجل تقوية موقفه السياسي وترصين مكانة الحكومة العراقية بالنسبة للمجتمع الدولي والإقليمي. فالاستفتاء غير ملزم لحكومة بغداد وهو مرفوض من دول الإقليم بشكل مطلق، ولا يتمتع بصفة شرعية في المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
فالأمم المتحدة التي حاولت التوسّط من أجل التوصل الى حل مقابل تأجيل الاستفتاء، قد صرّحت بأنها تعارض استفتاء بارزاني، وقالت "إنها لن تقوم بأي شيء من شأنه دعمه" ما يعني بأن نتيجة الاستفتاء ستفتقر إلى أي الشرعية سياسية (داخلية وخارجية)، وبذلك فأن كل النتائج ستصب في صالح الحكومة المركزية لو أحسنت الاختيار والتصرف.
اضافةتعليق