عاصفة محتملة في السياسة الخارجية الامريكية

شارك الموضوع :

يدل تعهد البيت الابيض الامريكي بجعل " امريكا اولاً " في قراراته السياسية على ان الرئيس الامريكي عليه مسؤولية وضع اسبقيات مشاكل بلاده على بقية مشاكل العالم، لكن تنفيذ هذا الوعد ليس بالأمر السهل كما يبدو

بقلم : ريفا غوجون Reva Goujon 

 Stratforالناشر: 

ترجمة : وحدة الترجمة في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

 

يدل تعهد البيت الابيض الامريكي بجعل امريكا اولاً في قراراته السياسية على ان الرئيس الامريكي عليه مسؤولية وضع اسبقيات مشاكل بلاده على بقية مشاكل العالم. لكن تنفيذ هذا الوعد ليس بالأمر السهل كما يبدو. وعلى كل حال، فأن السياسات الخارجية للقوى الكبرى تُصنع ولا تُفرض. ولو افترضنا ان كل أمة تتبع مصالحها الخاصة، فأننا نتوقع من منفذ سياستها الخارجية ان يقوم بوضع الصورة السياسية الخارجية المعقدة امامه ويركز على الضرورات والمحددات التي تفرض شكل تصرفه وسلوك أقرانه.

فمن ناحية ، يعني ذلك تحديد النقاط المحتملة للتنافس والتعاون، واعطاء الاسبقية للقضايا التي تشكل تهديداً استراتيجياً للدولة. ومن ناحية اخرى تعني ايضاً إغاظة الاخرين واختبار الدلالات، وتحديد اي من نقاط الضغط الحساسة التي تحتاج الى المزيد من الانتباه.

كما ان الطموحات المتطرفة التي تدفعها الانانية الشخصية او الرومانسية لا بد ان تتسرب في عالم السياسة الخارجية، الا انه يمكن السيطرة عليها وترويضها. وكلما زادت القوة زادت معها الوسائل المتوفرة لتكوين السياسة  التي تهدف الى قيادة الاعداء والحلفاء باتجاه الطريق المرغوب به بدون ان يفقد أي طرف ماء وحهه. بالطبع، ان هذا الاسلوب لا يستبعد حدوث الصراع.  

وعلى كل حال، فالسياسة الخارجية الناجحة تتوقع مسبقا ، وتدير او حتى السيطرة على الصدامات من اجل تأمين توازن القوى الذي يهدف ، في النهاية ، الى حماية قوة الدولة. فالتحديات الفريدة التي تواجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية اليوم تستدعي ، على وجه الخصوص، اليد الماهرة والمخلصة  التي تكشف ما تريده واشنطن في تحليل المشكلات التي لا يمكن تجنبها من التي يمكن تجنبها، وتحضير الامريكيين لمواجهتها. الا انه يبدو ان الصراع الدائر بين الايديولوجيات والمهنيين في فريق السياسة داخل البيت الابيض قد اصبح متصاعداً بحيث لم يترك الا القليل من المجال للتخطيط الاستراتيجي والكثير لفرص الخطأ في بعض الصراعات المهمة في العالم.

إذا لم تنكسر القضية، فلا تصلحها:

لنأخذ فنزويلا مثلاً،  حيث نجد حكومة تقودها من مجموعة من سياسيي المخدرات والمسؤولة عن التدمير الاقتصادي تحاول استخدام تجمعها الدستوري لخلق حالة وضع الدولة ذات الحزب الواحد. وبالطبع، لا ترغب الولايات المتحدة الامريكية ان تقوم الدولة الفنزويلية باثارة عدم الاستقرار في موقع نفوذها في منطقة الكاريبي. فدول المخدرات المنفلتة تعيش على الاستهلاك الامريكي للمخدرات وخلق سوق قوي لتهريب السلاح الذي يؤدي الى توليد الجريمة وموجات الهجرة المتزايدة. 

وحتى في زمن سيطرة المهيمن على تجارة المخدرات الكولومبية بابلو اسكوبار، استطاعت الولايات المتحدة الامريكية الحصول على شركاء في المؤسسات في بوغوتا تمكنوا من توحيد صفوفهم  في التعامل مع الخطر متعدد الاطراف الذي شكلته دولة المخدرات.

لنتصور كم سيكون الامر صعباً بالنسبة لكاراكاس عندما يقوم سياسيو المخدرات بتنظيم قواهم في السلطة، في وقت تتزايد فيه الصدامات بين القوى الامنية  والمحتجين في ضوء تزايد الصيحات الانسانية للتدخل بهذا الأمر.

رغم شعور صناع السياسة في واشنطن انهم مجبرون  على الرد على هذه السيطرة القوية الصارخة، فأن ردود فعلهم ستكون من الأهمية بمكان. وحسب الظاهر، تقوم الادارة الامريكية بالتحضير لعقوبات قاسية ستؤثر على جميع قطاع الطاقة الفنزويلي، اضافة الى عقوبات ضد بعض الافراد. إذ يمكن ان توجه العقوبات على شركة النفط الفنزويلية، ومنع تصدير النفط الخفيف الامريكي الى فنزويلا وقطع الاستيرادات النفطية منها. كما ان مثل هذه الاجراءات ستزيد من تصاعد سقوط البلاد. 

وبالاعتماد على مديات العقوبات، فإن حصول فنزويلا على الدولارات من تجارة النفط سيتضاءل لدرجة الجفاف، كما ان النقص في السلع الاساسية سيصبح حاداً وبشكل لا يطاق، وبالتالي ستتزايد حالات القلق الداخلي والانشقاقات داخل الحزب الحاكم أو الجيش او كلاهما بحيث يهدد بسقوط الحكومة، وخلق حالة من الفوضى بحيث لا يمكن للاعب واحد معالجته او تنظيفه.

وهكذا، يجب على الولايات المتحدة الامريكية النظر في ميزان اختياراتها. فهل يجب على الولايات المتحدة زيادة الازمة الفنزويلية، مع الاخذ بنظر الاهتمام وجود امور اخرى في السياسة الخارجية تحتاج الى تركيز واهتمام واشنطن؟ أو هل تتجنب صداماً سابق لأوانه من خلال الزيادة التدريجية للعقوبات، وتقويض سلطة العناصر العنيدة في كاراكاس، والتعامل مع اليائسين في تحقيق صفقة اقل قوة في هذه الدولة الكاريبية؟

ويمكن النظر الى ايران بذات المنظار. ففي الاسبوع الماضي سلط الضوء على نقاش حاد داخل البيت الابيض فيما اذا كانت ايران متجاوبة مع خطة العمل المشتركة الشاملة في الاتفاق النووي ام لا؟.  فالصفقة تعتمد على الموقعين الخمسة، وكالة الطاقة الذرية والمختصين في السياسة الخارجية داخل الادارة الامريكية – وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ومستشار الامن القومي هـ. ر. ماكماستر، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، في تسمية بعض النقاط التي تلتزم ايران بها بموجب الاتفاقية، الا ان الرئيس الامريكي دونالد ترامب وبعض الموظفين الذين يحملون افكاره مصممون على اثارة قضية ان ايران لم تلتزم بالاتفاقية وشروطها ، والتنويه عن نية الولايات المتحدة الامريكية  الانسحاب من الصفقة عند مراجعتها فيما يتعلق  بإلتزام ايران بها خلال 90 يوماً.

وبدلاً من الاستناد على تقييمات شروط الصفقة الحقيقية، فإن الرئيس الامريكي ومؤيديه قد اسسوا موقفهم على المواقف السيئة الاخرى مع ايران ، بضمنها اختبارات الاسلحة واسناد المجاميع الجهادية، فضلا عن الاعتقاد العام بضرورة معاملة ايران على انها احد محاور الشر.

لكن هل من العقلية الاستراتيجية الانسحاب من الاتفاقية؟ وبالتالي ، اذا تم الامر كذلك، فأن موضوع المواجهة العسكرية في الخليج سيكون حاضراً، وخصوصاً عندما لا تستطيع الولايات المتحدة الحصول على الاسناد الاوروبي من اجل ابقاء العقوبات ضد ايران فعالة؟

أو، هل ستأخذ واشنطن بعين الاعتبار ان الحكومة الايرانية لن تكون سهلة وانها ستحافظ على صفقتها النووية في موقعها مع استمرار امكانية التنافس الاقليمي؟

إذا كان هدف الولايات المتحدة الامريكية تجنب المزيد من التوترات في منطقة الشرق الاوسط، في ضوء وجود العديد من الالغاز والموضوعات التي يجب السيطرة عليها، فمن الضروري الاعتماد على عدد من الوسائل الخاصة بالمخابرات السرية لمراقبة البرنامج النووي الايراني وفي نفس الوقت التلاعب بالتوترات الموجودة بين ايران وبقية القوى السنية الكبيرة في الشرق الاوسط باعتبار ذلك الوسيلة الفعالة للحد من طموحات ايران بدلا من اثارة قضية واحدة تتعلق بالازمة النووية التي من الممكن ان تستهلك القدرات العسكرية الامريكية.

تصرف بحذر عندما يتعلق الامر بروسيا:

في هذه الاثناء، وفي ضوء الدراما التي تحيط العلاقات الامريكية – الروسية، اصبحت سياسة واشنطن تجاه موسكو اكثر صراحة. ويدرك الكرملين المشاكل التي سيواجهها في السنوات القادمة، وبالتالي فإنه سيحاول الوصول الى تفاهم مع الولايات المتحدة الامريكية والغرب عموماً من اجل الاعتراف بمديات النفوذ الروسي في الاتحاد السوفياتي السابق.

فمثلاً، تكون المحاولة لوضع خط لتوسع منظمة الناتو واقناع الغرب برفع العقوبات، هي رغبة موسكو وامالها في عزل نفسها عن الولايات المتحدة وحلفائها، في وقت تظل محتفظة بقواها. ولإنهاء هذا الأمر، كرست روسيا الكثير من الجهود ان تضع نفسها داخل الصراعات التي اهتمت بها الولايات المتحدة الامريكية. وهنا نجد ان موسكو تؤمن انها تستطيع خلق عدد من الجزرات والعصي التي يمكن استخدامها لإجبار واشنطن الى المزيد من المفاوضات المثمرة. 

فالولايات المتحدة الامريكية ليست في موقف الدخول في صراع ايديولوجي ، كما حدث خلال الحرب الباردة، وبالتالي فمن المؤكد وجود مجال للتعاون بين الجانبين في بعض المناطق ذات الاهتمام المشترك. الا ان التنازلات الروسية – حتى في الامور التكتيكية – تكون بتكاليف بسيطة، كما ان بيع الحلفاء الاوربيين امام عتبة موسكو كلفة كبيرة تدفعها واشنطن.

وحتى لو استثنينا التعقيدات الروسية الكبيرة التي قامت بها الاداة الاعلامية الروسية ضد الادارة الامريكية وتزايد ضغوط الكونغرس الامريكي على الرئيس الامريكي وتأثيره على سياسة واشنطن تجاه روسيا، ستظل موسكو وواشنطن في مواقع الخلافات في العديد من الجبهات الاخرى. على كل حال، يجب ان تكون الولايات المتحدة الامريكية متيقظة تجاه المناطق محتملة الصراع حيث ستحاول روسيا وضع موقع قدم في خطط واشنطن – واحداها هي كوريا الشمالية.

القتال الحقيقي في آسيا: 

عندما يتعلق الامر بفنزويلا وايران وروسيا، ما زال امام الولايات المتحدة الامريكية عدد من الخيارات التي تستطيع العمل بها. فإعتماداً على طريقة وزن احتمالات مواقفها بحذر ، فأنها تستطيع اما زيادة العنف او تهدئة التهديدات الناجمة عن اي من هذه البلاد، هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى، لا تمنح كوريا الشمالية  الولايات المتحدة المجال الكبير للمناورة. فكل من بيونغ يانغ وواشنطن تجاوزتا نقطة التفاوض الحقيقي، فكوريا الشمالية تقوم بتطوير رادعها النووي ووصلت الى نقطة الحصول على اسلحة نووية ونظام حمل القنابل النووية القادر على ضرب شواطيء الولايات المتحدة، وبالتالي ستجبر واشنطن على التفكير بتحرك عسكري ضد كوريا الشمالية. وسيكون القرار بيد ادارة الرئيس ترامب، وربما خلال 18 شهراً القادمة.

وفي حالة التخلي عن العمل العسكري، ستجبر الولايات المتحدة على الاعتماد على التعاون الصيني والروسي في مجال العقوبات او النشاطات السرية التي تهدف الى زعزعة حكومة كوريا الشمالية والحد من طموحاتها النووية.

وحتى لو اتبعت واشنطن هذه السياسة بسبب حاجتها الدبلوماسية، فأنها تعلم ان هذا الامر لن ينتج النتائج المرجوة، بسبب ادراكهم عدم الرغبة في الوجود الكوري على عتبة الابواب الامريكية. والصين وروسيا لا ترغبان في مواجهة نتائج عدم الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية او فتح الباب على مصراعيه لوجود عسكري امريكي اكبر في المنطقة. وهكذا، ستحاول الدولتان الحصول على اكثر ما تستطيعان من المفاوضات مع الولايات المتحدة الامريكية في محاولتهما وقف التصرفات الامريكية. 

ونظراً لعدم امكانية الاعتماد على الصين وروسيا في تحقيق الاعتدال في السلوك الكوري الشمالي، ستقاوم الولايات المتحدة الامريكية المطالب الموجهة لها للحد من الوجود العسكري في اسيا والمحيط الهادي في ظل تصاعد التهديد النووي الكوري الشمالي. وستؤدي رغبة واشنطن في مقاومة التهديد الكوري الشمالي الى التصادم مع رغبات بكين في تعزيز قواها ومجالها البحري، وبالتالي زيادة العصي في دواليب منطقة متصارعة معقدة.

ان ضربات طبول الحرب في منطقة شمال شرق اسيا متصاعدة مقارنة مع ما سيستجد بالنسبة لفنزويلا وايران وروسيا، الا ان الامر يعني الوصول الى ملتقى هذه الازمات – حيث يمكن تجنب الواحدة بدل الاخرى -  التي تهدد بخلق سياسة خارجية متنافرة بحيث لن تستطيع الخلافات السياسية في واشنطن حلها في الاشهر القادمة.

رابط المقال :

https://goo.gl/TCjHw1 

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية