ان أهمية الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن في هذه الظروف، وما قد يسفر عنه من نتائج ربما تنعكس على مصالح العراق لوقت طويل في المستقبل، يدفع جميع المؤسسات البحثية ومراكز صنع القرار في العالم، ومنها مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، الى الاهتمام به؛ لتحليله بكل أبعاده ووضع التوصيات المناسبة امام متخذ القرار، لاسيما العراقي للاستفادة منها في رسم مسار المحادثات بين الجانبين
تقرير تحليلي
أعده مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية بمشاركة نخبة من الخبراء والمهتمين بالشأن العراقي والعلاقات الدولية
توطئة
انطلقت في العاشر من يونيو -حزيران 2020 الجولة الأولى من جولات الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الامريكية برئاسة السيد عبد الكريم هاشم مصطفى الوكيل الاقدم لوزارة الخارجية العراقية وعضوية عدد من الخبراء والمسؤولين عن الجانب العراقي، ورئاسة السيد ديفيد هيل وكيل وزارة الخارجية الامريكية الخاص بالعلاقات السياسية وعضوية عدد من المسؤولين عن الجانب الامريكي وعبر دائرة تليفزيونية مغلقة، والتي من المتوقع أن يتم فيها اجراء مراجعة شاملة للعلاقات بين البلدين، لا سيما وضع القوات العسكرية الأمريكية داخل العراق، وتحديد الأسس المناسبة لمسار علاقاتهما المستقبلية. ويبدو من التصريحات الرسمية المعلنة من الجانبين أن هذه الجولات من الحوار ربما ستفضي الى توقيع اتفاقية شاملة منظمة للعلاقة بين واشنطن وبغداد.
وتأتي هذه الخطوة بعد أشهر من التوتر شهدتها منطقة الشرق الأوسط، كانت الأرض العراقية حلبتها الرئيسة؛ لتصفية الحسابات واستعراض بين الخصوم المحليين والاقليميين والدوليين، كانت ذروتها في شهري كانون الأول-ديسمبر من السنة الماضية، وكانون الثاني-يناير من هذه السنة، حيث شهدت محاولة اقتحام السفارة الامريكية من بعض القوى السياسية العراقية، ثم ردت واشنطن بعملية اغتيال جريئة لكل من القيادي العراقي أبي مهدي المهندس والجنرال الايراني الابرز قاسم سليمان، وما اعقب ذلك من قصف صاروخي ايراني لقاعدتين عسكريتين امريكيتين في محافظتي أربيل والأنبار العراقيتين.
ان أهمية الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن في هذه الظروف، وما قد يسفر عنه من نتائج ربما تنعكس على مصالح العراق لوقت طويل في المستقبل، يدفع جميع المؤسسات البحثية ومراكز صنع القرار في العالم، ومنها مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، الى الاهتمام به؛ لتحليله بكل أبعاده ووضع التوصيات المناسبة امام متخذ القرار، لاسيما العراقي للاستفادة منها في رسم مسار المحادثات بين الجانبين.
لذا كان الهدف الاساس من وراء اعداد هذا التقرير بيان وجهة نظر المحاور العراقي، وتحديد الارضية التي يقف عليها للوصول اما الى مفاوضات جادة تنتهي الى اتفاقية من نوع ما، أو تكون مفاوضاته مجرد جهد ووقت لا يفضي الى نتائج ايجابية محددة.
بناء على ما تقدم ونظرا لظروف جائحة كوفيد 19 تم اعداد هذا التقرير عبر منصات التواصل الاجتماعي بالتواصل مع نخبة رائدة من الخبراء والمختصين بالشأن العراقي والعلاقات الدولية، من الذين طُلب منهم ابداء رأيهم حول الموضوع، لاسيما في المحورين الأول والثاني من هذا التقرير، وكما يأتي:
المحور الأول-أهداف العراق من الحوار الاستراتيجي.
في هذا المحور تم طرح سؤال محدد على الخبراء والمختصين الا وهو (ما هي أهداف العراق من الدخول في حوار مع الولايات المتحدة الامريكية؟)، وكان الغرض من هذا السؤال معرفة مدى وضوح الأهداف بالنسبة لبغداد في هذه المرحلة وهي تحاول رسم مسار جديد لعلاقاتها مع واشنطن، فمن غير وضوح الأهداف يمكن الحكم ابتداء على هذا الحوار بالفشل، فجاءت الردود كما يلي:
- الدكتور ايلاف راجح: بات من الصعوبة على متخذ القرار العراقي تحديد الأهداف المتوخاة بدقة عالية من الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، ان الحكومة العراقية تدرك تماماً أهمية التعاون مع التحالف الدولي لمحاربة داعش الذي تقوده الولايات المتحدة والتي تشكل الجزء الأكبر من مصادر تمويله وعملياته العسكرية، لاسيما ما يتعلق بالطلعات الجوية، وفي الوقت ذاته فهي مضطرة ان تستمع لمطالب بعض القوى السياسية المحلية وتأخذ بالحسبان ضغوطات الجماعات المسلحة فيما يخص إخراج القوات الأمريكية والمتعددة الجنسيات من العراق. لذلك، فإن الحكومة قد تعمل على جدولة الانسحاب الكلي وفق متطلبات الحرب على الإرهاب وضروريات التسليح والتدريب.
من جانب آخر، تحيط بالعراق أزمة مالية واقتصادية خانقة، لمواجهتها، يحتاج الى الدعم الخارجي سواءً عبر المؤسسات الدولية أو بصورة ثنائية، ومجدداً، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل ركناً اساسياً في النظام الاقتصادي والمالي العالمي ودعمها يمثل حلقة رئيسة وضرورية للحصول على الدعم الدولي المطلوب على شكل قروض ومنح.
أما في ظل انتشار وباء فيروس كورونا والتحديات التي يمثلها للعراق، فإن العراق بحاجة الى الدعم الدولي الفني واللوجستي لمواجهة هذه الأزمة، وللمساعدة في هذا المجال، خصصت الولايات المتحدة ما يقارب من 30 مليون دولار لمساعدة العراق في مواجهة الجائحة وتنفيذ خطة طوارئ في قطاع الصحة العامة، وإعداد المختبرات الكبيرة اللازمة، وأكثر من ذلك. وهناك حاجة الى استثمار الولايات المتحدة طويل الأجل في العراق، والذي يصل إلى أكثر من 70 مليار دولار من إجمالي المساعدة الأمريكية في السنوات العشرين الماضية بما في ذلك ما يقرب من أربعة مليارات لقطاع الصحة.
وربما من أهم أهداف العراق هي تجنب لغة العقوبات التي قد تطال استيراد المشتقات النفطية والطاقة الكهربائية من إيران، لذلك يسعى الجانب العراقي الى الحصول على تمديد مهلة الاستثناء من العقوبات المفروضة على إيران على الأقل حتى نهاية العام الحالي، تحت وعود ان العراق سيسعى الى ايجاد بدائل والتي قد تتضمن استثمارات اجنبية في مجال الطاقة أو ربطه بشبكات اقليمية للطاقة. كما يسعى المفاوض العراقي الى تخفيف الضغوطات الأمريكية المسلطة على العراق بخصوص الإصلاح الأمني ومواجهة الجماعات المسلحة، حيث تسعى الحكومة الى توجيه رسائل تطمينية بخصوص قدرتها على حماية المصالح الأمريكية والغربية بصورة عامة –البعثات والسفارات والأشخاص-من خطر الاستهداف بالصواريخ أو من أي شكل من أشكال التهديد. لذلك فإن المفاوض العراقي يسعى الى تجنب اي ادراج لشخصيات أو كيانات عراقية ضمن قائمة العقوبات الأمريكية أو قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
ومن أهم الملفات التي ينبغي على المفاوض العراقي ان يسلط الضوء عليها هي بعثة الأمم المتحدة الخاصة لمساعدة العراق (اليونامي) لكون الولايات المتحدة حامل القلم لهذا الملف في مجلس الأمن، لذلك فإن الطرفين بحاجة الى مراجعة ولاية البعثة والعمل على رسم جدول زمني لإنهاء البعثة خلال مدة يحددها الجانب العراقي. اخيرا، يمكن أن نشير الى هدف مهم وهو أن يكون العراق طرفاً محايداً في لعبة الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، وأن ينأى بنفسه عن ساحة المواجهة وتداعياتها، وأن يحافظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف المعنية.
- الدكتور واثق السعدون: أن تحديد أهداف السياسة الخارجية لأي بلد تجاه أي قضية يعتمد على عدة عوامل، أهمها أن يكون لدى صانعي القرار في ذلك البلد رؤية موحدة لمصالح البلد في تلك القضية، وأن يتخذوا موقفاً وخطاباً موحداً تجاه تلك القضية. هذين العاملين لم يكونا موجودين في حقيبة المفاوض العراقي عند توجهه الى جلسة الحوار مع الولايات المتحدة، بسبب أن عملية صنع واتخاذ القرار في العراق حالياً لا تتبع الآليات التقليدية المتعارف عليها، حيث ان هنالك في الوقت الحاضر عدة مراكز لصنع القرار في العراق، وجميعها متكافئة بالقوة والتأثير، وقرار قسم منها مرتبط بقرار خارجي. هذه المراكز المتعددة كانت لها رؤى مختلفة حول واقع ومستقبل العلاقات العراقية-الأمريكية، فضلاً عن اختلاف رؤيتهم حول طبيعة الوجود العسكري الأمريكي في العراق وطبيعته، ومن المعروف أن قضية الوجود العسكري الأمريكي في العراق كانت مهماز هذا الحوار وحجر الزاوية فيه. هذه المعطيات شكلت تحدياً وضغطاً كبيراً على المفاوض العراقي، وبخاصة في مرحلة تحديد أهداف العراق في هذا الحوار، وربما كانت مهمة المفاوض العراقي في إرضاء الفرقاء العراقيين والتوصل إلى تسويات لمطالبهم من هذا الحوار، أصعب من مهمتهم في التوصل الى تسويات مع الجانب الأمريكي.
ومن المحتمل أن هذه الارهاصات التي سبقت جلسة الحوار، قد دفعت المفاوض العراقي الى وضع هدفين رئيسين نصب عينه (ونحن هنا نتحدث ضمن إطار التحليل والاستشراف وليست المعلومات الموثقة):
1-محأولة انهاء التوترات الأمنية والسياسية بخصوص الوجود العسكري الأمريكي في العراق، أو على الأقل تخفيف وتيرتها، من خلال طرح مسألة الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق بصيغة تكون مقبولة (ولو بالحد الأدنى) لرافضي الوجود الأمريكي من صناع القرار في العراق من جهة، ومن جهة أخرى تكون الصيغة مقبولة لدى الأمريكان ولا تستفزهم. كلنا نتذكر تصريح الرئيس الأمريكي ترامب في مطلع كانون الثاني 2020 بعد صدور قرار مجلس النواب العراقي بإلزام الحكومة العراقية بطلب انسحاب القوات الأمريكية من العراق، حيث قال ترامب وقتها "إذا أجبرونا العراقيون على الانسحاب سنصدر عقوبات اقتصادية ضدهم أقسى من العقوبات المفروضة على إيران". لذلك ورد في البيان الختامي المشترك لهذا الحوار مفردات "تقليص القوات الأمريكية في العراق" و "لا وجود لقواعد أمريكية دائمة في العراق" و"تلتزم الحكومة العراقية بحماية القوات العسكرية للتحالف".
2-بعد ما تم تمرير الهدف الأول بنجاح وبدون معرقلات، من المؤكد أن المفاوض العراقي كان تواقاً للانتقال الى الهدف الثاني وهو كيفية استثمار الفرصة التاريخية بوجود حوار استراتيجي يجمع العراق بدولة عظمى (سياسياً، أمنياً، اقتصادياً) مثل الولايات المتحدة، وكيفية تحقيق أكبر قدر ممكن من مصالح العراق الحقيقية "الخالصة" من هذا الحوار، فجاءت التفاهمات والتعهدات التي وردت في البيان الختامي حول الآفاق المستقبلية للتعاون بين البلدين في المجالات (الأمنية ومكافحة الارهاب، الاقتصادية، التعليمية، الصحية، الخ).
من المؤكد ان قدرة العراق على تحقيق أي تقدم في التعاون المشترك مع الولايات المتحدة ضمن مجالات الهدف الثاني من هذا الحوار، وتحويل الوعود الأمريكية ومخرجات الحوار الى خطوات عملية ومكاسب سياسية واقتصادية وأمنية، تعتمد بدرجة أساسية على مسار الأحداث والتفاعلات في قضية الهدف الأول من هذا الحوار، وهنا تبرز الضرورة لعقلنة الخطاب السياسي تجاه العلاقة مع الولايات المتحدة ضمن مقاربة منطقية واقعية تتمحور حول مصالح العراق وشعبه.
- الدكتور عادل بديوي: لا يزال العديد من القادة العراقيين ينظرون إلى الوجود الأمريكي كأمر حيوي لأمنه، فالتعاون معها مهم لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، وتقديم الغطاء الجوي، والدعم المخابراتي واللوجستي والاستشاري للقوات العراقية، فضلا عن التدريب ورفع مستوى جهوزية وكفاءة القوات الأمنية. كما ان العراق يتلقى مساعدات عسكرية لإعادة بناء جيشه وتدريب قوات الشرطة وتوفير الاستقرار الضروري لإعادة الإعمار بعد عقود من الحرب وسوء الإدارة الاقتصادية، فمنذ ظهور داعش في عام 2014، زودت وزارة الخارجية الاميركية العراق بمبلغ 1.2 مليار دولار في التمويل العسكري الأجنبي لتمويل قوات الأمن العراقية. وفي الوقت نفسه، زودت وزارة الخارجية الاميركية العراق بـ 4.2 مليون دولار للتعليم والتدريب العسكري الدولي. بالإضافة إلى ذلك، قدمت وزارة الدفاع الاميركية 4 مليار دولار لقوى الامن الداخلي للقتال ضد داعش من خلال صندوق تدريب وتجهيز العراق السابق، وصندوق تدريب وتجهيز مكافحة داعش الحالي. وأذن الكونجرس الأمريكي بتدريب وتجهيز برامج للعراق حتى ديسمبر 2020، ليخصص الكونغرس أكثر من 6.5 مليار دولار لبرامج التدريب والتجهيز العسكري الأمريكي للعراقيين. فهناك حاجة عسكرية حقيقية وضرورية تستدعي إقامة ذلك الحوار لإدامة التعاون.
فضلاً على ان العراق بحاجة ان يكون شريك موثوق به للولايات المتحدة لاسيما في الجانب الاقتصادي، فلا يمكن للعراق الحصول على تعاون دولي لاسيما من المنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي الا من خلال الولايات المتحدة، فضلا عن المساعدات والتعاون الاقتصادي الذي تستطيع ان تقدمه الولايات المتحدة الى العراق، لاسيما إذا ما ربط هذه العلاقات اطر تعاقدية تنظم ذلك التعاون وترفع من مستوى الشراكة. كما ان انحياز العراق في محاور الصراع قد يجبر الولايات المتحدة على اتخاذ عقوبات ضده قد تؤدي الى الانهيار الاقتصادي، بما في ذلك منع أو تقييد الوصول إلى حساب مقره الولايات المتحدة حيث تحتفظ بغداد بعائدات النفط التي تغذي 90 في المائة من الميزانية الوطنية. وتأسس حساب البنك المركزي العراقي في بنك الاحتياطي الفيدرالي في عام 2003، وبموجب القرار رقم 1483 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن جميع عائدات مبيعات النفط العراقي تذهب إلى هذا الحساب، حتى يومنا هذا، يتم دفع العائدات بالدولار في حساب الاحتياطي الفيدرالي يوميًا، وكل شهر أو نحو ذلك، يدفع العراق ما يتراوح بين دولار واحد وملياري دولار نقدًا من هذا الحساب للمعاملات الرسمية والتجارية. لذلك فان فرض العقوبات يعني أن الحكومة لن تستطيع القيام بوظائف يومية أو دفع رواتب وأن العملة العراقية ستهبط في قيمتها. و"هذا سيعني انهيار العراق". وإذا ترافق الخروج الامريكي مع العقوبات، يعني أن العراق سيصبح معرّضاً لخطر داهم بالانزلاق مجدداً إلى العزلة المدمّرة التي عاشها أيام النظام السابق. كذلك حاجة العراق الى جذب الاستثمارات الأميركية في مجال الطاقة، اذ يعد العراق من الأسواق الواعدة لسوق الطاقة.
كما ان نجاح الحوار الاستراتيجي، يعتبر منصة لأصدقاء الولايات المتحدة من مجموعة العشرين أو غيرها من دول التحالف ضد داعش (٨١) عضوا، لإقامة شراكات اقتصادية واستثمارات ووظائف في القطاع الخاص، فضلا عن الدعم السياسي والعسكري، والانسحاب سيفقد العراق هذه الفرصة.
- عدي أسعد خماس: أهداف بغداد من الحوار الاستراتيجي هي دعم الحكومة العراقية الجديدة التي تواجه تحديات داخلية وخارجية نظراً لأنها جاءت في ظروف استثنائية بمختلف المقاييس. وتعزيز الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبما يضمن تحقيق المصالح العراقية والحفاظ على السيادة الوطنية. والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب سواء في إطار التحالف الدولي أو من خلال العلاقات الثنائية بين البلدين خصوصاً بعد ازدياد الهجمات التي يقوم بها مسلحو داعش الإرهابي في عدد من المناطق لاستهداف القوات الأمنية والحشد الشعبي، إضافة إلى القيام بعمليات عسكرية مشتركة بعدة مجالات اخرى منها التدريب، والتزويد بالأسلحة، وتحسين قدرات الجيش العراقي الدفاعية والهجومية. فضلاً على فتح الباب أمام الشركات الأمريكية للاستثمار في البنية التحتية بالعراق خصوصاً في المناطق المحررة وباقي المُدن العراقية في مجالات التعليم والطاقة والنقل والصحة والإعمار وغيرها. وبحث إمكانية التعاون في المجالات الاقتصادية للفترة الحالية التي شهدت انخفاض أسعار النفط، وتأثر القطاعات الاقتصادية كافة بهذا الانخفاض ما دفع الحكومة العراقية لاتخاذ قرارات من الممكن أن تنعكس آثارها سلباً على قطاعات واسعة من الشعب العراقي. كذلك دعم جهود الحكومة العراقية في مجال محاربة فايروس كورونا خصوصاً، وإن العراق يشهد حالياً تزايداً لأعداد المصابين في مختلف المحافظات، عدا عن تزايد نسبة الوفيات المرتفعة. وإمكانية تقديم الدعم في المجال الصحي ومنها المساعدات الطبية، وتبادل الخبرات بين المختصين وإرسال كوادر متخصصة للعراق في الوقت الحالي، والاطلاع على تطورات البحوث والدراسات الخاصة بإيجاد لقاح أو علاج لوباء كورونا وغيرها من مجالات التعاون في هذا القطاع. ناهيك عن الاستفادة من العلاقة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التصدي للانتهاكات التركية داخل الأراضي العراقية كون تركيا عضو في حلف الناتو أو في حالة اي اعتداء من غيرها. وتشجيع المؤسسات التعليمية في الولايات المتحدة الأمريكية على تقديم منح دراسية وزمالات للطلبة العراقيين في الجامعات والمعاهد الرصينة في تخصصات عديدة، وكذلك تشجيع الشراكات البحثية مع مراكز الدراسات والبحوث الرصينة، والمشاركة في ورش العمل والدورات المتخصصة.
- الدكتور حسين أحمد السرحان: بداية لابد من إدراك ان الدعوة الى الحوار جاءت من طرف الولايات المتحدة الاميركية وعلى لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو في نيسان الماضي. وبذلك تكون أهداف الولايات المتحدة هي الاكثر وضوحا وتأتي بعد مستجدات سياسية وامنية تركت اثارها على الساحة العراقية وادوار الفاعلين الاقليميين والدوليين واهمهم طرفي الصراع الولايات المتحدة الاميركية وإيران. الفرصة في هذه المرحلة توفرت للعراق لبلورة أهدافه في المستقبل المنظور وعلى المدى الطويل. فعدم الوضوح من جانب العراق لطبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية جاءت بسبب عدم توافر رؤية وطنية منسجمة مع ما يريده العراق من هذه العلاقة وبما يخدم مصالح العراق، وذلك بسبب التبعية المتطرفة لإيران من قبل "بعض القوى الشيعية"، ومحدودية أفقها – والذي انحصر بالمديات الطائفية -والتي برزت بشكل جلي في المطالبة بانسحاب القوات الاجنبية من العراق بعد اغتيال قاسم سليماني في بغداد بداية كانون الثاني 2020. وعليه ارى ان الفرصة توافرت للعراق في ظل اصرار اميركي على ايجاد نمط ثابت للعلاقات الاميركية – العراقية لا يتأثر بتوجهات ايديولوجية لأطراف داخلية تفرض رؤيتها ومتبنياتها الايديولوجية على الحكومة وباقي السلطات. لذا فهناك ثلاثة اطر رئيسة ينبغي ان تكون بمثابة اطر عامة بالنسبة للعراق في علاقته مع الولايات المتحدة:
- الإطار السياسي، العلاقة الايجابية مع الولايات المتحدة وان يكون العراق حليف مهم للولايات المتحدة في المنطقة، امر مهم بالنسبة للعراق في هذه المرحلة. كما ان سيادة العراق وعدم التأثير على القرار السيادي العراقي امر مهم. ومع ان ذلك يمكن ضمانه من قبل الولايات المتحدة الا انه يبقى صعب التحقيق من قبل إيران المؤثرة نسبيا في الشأن السياسي والامني والاقتصادي في العراق. ومن دون ضمان ذلك، لا يمكن ضمان حماية التواجد الدبلوماسي الاميركي، والتواجد العسكري الذي سيتم الاتفاق عليه.
- الإطار الامني، في ظل تزايد التعرضات الامنية ضد القوات الامنية العراقية في المناطق التي حررت سابقا من تنظيم داعش، والقصف الذي شنته تركيا وإيران على شمال العراق، والصعوبات التي تواجه جهود مواجهة جائحة كوفيد-19، والازمة المالية الخانقة، نرى ان يكون إطار الامن التقليدي وغير التقليدي أحد اهم ابواب الحوار مع واشنطن بشكل خاص والعلاقات مع الولايات المتحدة بشكل عام وفقا لاتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008.
- الإطار الاقتصادي، ازمة الاقتصاد الهيكلي في العراق، والتي تنتج بين الفينة والاخرى ازمات مالية، لازالت عامل مهدد للأمن الوطني العراقي غير التقليدي. وبالرغم من ان السياسات الاقتصادية هي قرار محلي وطني، الا ان هناك اليات دعم دولية تتمثل بالخبرات والتواصل مع المؤسسات المالية الدولية والدعم المالي. لذا تظهر الحاجة وبشكل مُلِح الى وضع رؤية اقتصادية وطنية وترجمتها الى برامج وسياسيات اقتصادية على مستوى المالية العامة، والسياسات النقدية، والسياسات التجارية، وسياسات الاستثمار، وقطاع الطاقة والصناعة والزراعة، فضلا عن ضرورة توفر الدعم الدولي لتحديث النظام المصرفي وبناء قواعد بيانات تخدم في قطاعات الكمارك والضرائب وشبكة الحماية الاجتماعية.
الاطر اعلاه هي الاساسية، الا انها ليست الوحيدة، فقطاعات التعليم والتربية والصحة باتت ضرورة ملحة في المرحلة الراهنة ولاسيما قطاع الصحة في ظل مواجهة جائحة كورونا.
- الدكتور علي الجبوري: ان اثارة هذا الموضوع يقتضي التطرق الى ثلاثة عناوين مهمة: العنوان الأول، هو الظروف الموضوعية للحوار وتوقيته. العنوان الثاني، هو إدراك الدور الوظيفي للعراق في الاستراتيجية الامريكية في المنطقة. اما العنوان الثالث، فهو المخرجات والاستنتاجات.
فيما يتعلق بالعنوان الأول فان الظروف المحيطة بالحوار وتوقيته فيها جوانب ايجابية يجب استثمارها أو توظيفها من قبل المحاور العراقي، لاسيما ان هذا الحوار تكتنفه (امريكيا) ظروف اقل ما يقال عنها بانها غير ايجابية لأسباب أهمها:
أ-التوترات وحالة الفوضى التي شهدها الداخل الامريكي على خلفية التظاهرات واعمال العنف بعد حادثة مقتل المواطن الامريكي (جورج فلويد) وتوسعها ودخول الحزب الديمقراطي على خط الازمة؛ لتوظيفيها انتخابيا بعد الطريقة السيئة التي تعاملت بها ادارة الرئيس ترامب.
ب-الصعوبات والمفاجئات التي واجهتها ادارة الرئيس ترامب في ادارة ملفات مهمة وحاسمة وحيوية للمصالح الامريكية (الملف السوري/ الملف الايراني) في قبالة المكاسب المهمة التي بدأت روسيا الاتحادية تجني ثمارها في تلك الملفات.
اما بالنسبة لتوقيت الحوار، فهو الاخر غير جيد بالنسبة للولايات المتحدة خصوصا وهي تبحث عن نصر أو تقدم في ملف مهم يمكن ان يكون مادة ايجابية في حملة ادارة الرئيس ترامب الانتخابية. وعليه ستكون فرصة مؤاتيه للمفاوض العراقي لتحقيق مصالح العراق؛ لوقوع المفاوض الامريكي تحت الضغط وربما سيكون أكثر استعدادا لأبداء مرونة في جل الملفات المطروحة على جدول اعمال العراق لمصلحة المفاوض العراقي.
اخيرا، فيما يتعلق بادراك العراق لدوره الوظيفي في الاستراتيجية الامريكية في المنطقة، لابد من التأكيد على ان الولايات المتحدة تتعامل مع دول المنطقة على اساس ثلاثة توصيفات هي: دولة حليفة، شريك استراتيجي، دولة صديقة. وكل من هذه التوصيفات هي بالحقيقة ادوار وظيفية تضطلع بها هذه الدول لتوافر شروط ومتطلبات وميزات تؤهلها للقيام باي من تلك الادوار. ويمكن تحديد الدور الوظيفي للعراق في الاستراتيجية الامريكية بانه دور الدولة الصديقة؛ وذلك لأنه ليس كدور العربية السعودية أو تركيا أو حتى اسرائيل ولا كدور الاردن ومصر وسائر دول الخليج الاخرى.
هذا الادراك الواقعي يفترض من المفاوض العراقي ان يكون أكثر موضوعية وواقعية في رؤيته للمصالح العراقية في مقابل مصالح الولايات المتحدة والسير بالمفاوضات على اساس هذا الفهم، بمعنى ان لا يتوقع ان الامور ستكون سهله ويسيرة، بل عليه استحضار تجربة ما بعد 2014 وكيف تصرفت الولايات المتحدة مع العراق ابان اجتياح عصابات داعش الارهابية المحافظات العراقية عندما لم تقم واشنطن بدورها المتوقع التزاما باتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين البلدين.
وعليه، فان المخرجات أو الاستنتاجات التي نخرج بها هي: انه بالإمكان ترتيب أولويات المفاوض العراقي للوصول الى اتفاق أفضل أو تطوير اتفاقية الإطار الاستراتيجي المشار اليها اعلاه من خلال الاصعدة الاتية:
1-على الصعيد السياسي، لا بد من الحرص على استمرار دعم الولايات المتحدة للعراق بغية ترسيخ دعائم نظامه السياسي ومعالجة الاخطاء التي ساهمت في تعثر انطلاقه نحو التنمية والتطور الايجابي وصياغة علاقات طيبة لإدارة المصالح الحيوية المتبادلة مع التأكيد على استمرار تمسك العراق بأهمية الدور الأمريكي في انجاح التجربة العراقية في الحكم. كما وينبغي العمل من خلال المفاوضات على دفع الولايات المتحدة الى العمل على ايقاف الادوار السلبية التي تنتهجها بعض حليفاتها في المنطقة ضد العراق سياسيا وامنيا واقتصاديا. أما بخصوص التواجد العسكري الامريكي فنقترح ان يكون سلوك المفاوض العراقي باتجاه اقناع الولايات المتحدة بضرورة وضع جدول زمني متفق عليه لسحب القوات الامريكية أو تقليل عديدها تدريجيا وزيادة التواصل بين البلدين من خلال علاقات اقتصادية متصاعدة كدخول الشركات الامريكية بقوة في سوق الاستثمار العراقي وكذلك في تطوير قطاعات الاقتصاد العراقي الاخرى.
2-على الصعيد الاقتصادي، فان العراق ما زال يعتمد بشكل رئيسي على ايرادات البترول لتمويل الانفاق الحكومي بشقية التشغيلي والاستثماري، لذا لابد من دور للولايات المتحدة في صيانة هذا المورد المهم اما بالمساعدة على الحفاظ على اسعار منطقية للبترول أو باستثناء العراق من خطة تخفيض الانتاج.
3- اما في اطار تأثيرات العامل الاقليمي، فنجد ان من أهداف الولايات المتحدة الامريكية من لحوار الاستراتيجي هو ( تقويض ما يسمى بالنفوذ الايراني وتقطيع اذرع ايران في المنطقة) ، ويبدو من الافضل للمفاوض العراقي حث الولايات المتحدة على ضرورة انتهاج اسلوب جديد مع ايران ربما يحقق هدفها هذا أو يقترب من تحقيقه الا وهو التعامل الايجابي مع ايران من خلال حوار يتناول كل الملفات العالقة بين البلدين وابداء استعداد العراق للدخول كوسيط لتحقيق هذا الغرض بدلا عن سياسة التصعيد والعقوبات التي لم تؤدي الى نتائج ايجابية، بل على العكس، علما ان هذا المسار الجديد سوف يؤدي الى حل كثير من الاشكالات للولايات المتحدة وللعراق معا فتوصل الولايات المتحدة لمقاربة سياسية واستراتيجية مع ايران من خلال تلك المفاوضات ستؤدي عراقيا الى تقليل دور الفصائل المسلحة في العراق مما سينعكس على الساحة العراقية بصورة تحرر الحكومة العراقية من ضغوطات مهمة تعرقل عملها، كما بالإمكان طرح فكرة الامن الاقليمي الشامل باشراك كل دول المنطقة بما فيها ايران لتفكيك التوتر وتصحيح علاقات ايران مع حلفاء الولايات المتحدة وهذا الامر سينعكس على حالة الاستقرار التي تبحث عنها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
- الدكتور سليم كاطع علي: ان الحوار الاستراتيجي الامريكي ـــ العراقي يمثل فرصة لتأطير العلاقات بين الولايات المتحدة الامريكية والعراق وفقاً لرؤية جديدة، أو لغرض تفعيل اتفاقية الاطار الاستراتيجي بين البلدين التي تم الاتفاق عليها عام 2008، ولا سيما بعد حالة التراجع والتدهور التي شهدتها العلاقات الثنائية، ووصولها الى ادنى مستوياتها في عهد رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، إذ أخذت الولايات المتحدة الامريكية تفقد ثقتها بالعراق الجديد، وبأنه لا يمثل شريكاً فاعلاً، وانه جزء من المحور الايراني في مواجهة الولايات المتحدة.
وعليه، فان الحوار الاستراتيجي بين البلدين الذي انطلق منتصف حزيران 2020، إنما هو فرصة لتنظيم ووضع مبادئ واُسس جديدة للعلاقات الامريكية ـــ العراقية، تأخذ بنظر الاعتبار مصالح العراق كدولة ذات سيادة، وبعيداً عن سياسة المحاور والاصطفافات الاقليمية والدولية. وهنا يمكن تحديد أهداف المفاوض العراقي من الحوار مع الولايات المتحدة الامريكية بعدة أهداف وعلى أكثر من مستوى هي:
1-المستوى السياسي، حيث ان السياسة الخارجية بجميع قنواتها لا تختلف عن غيرها من السياسات، كونها تهدف الى تحقيق أهداف محددة، تتأثر بطبيعتها بالقدرات الموضوعية والذاتية المتاحة للدولة في وقت معين ونوعيتها، كما ان تنفيذها يتأثر بمدى الاستعداد الذاتي لاستثمار موارد الدولة، فضلاً عن مدى تقبلها للتضحية والمغامرة.
وعليه، فان أهداف العراق من الحوار مع الولايات المتحدة الامريكية يجب ان تنطلق من نقطة محورية، تتمثل في ضرورة احترام الولايات المتحدة للعراق كدولة ذات سيادة، وان سياسته الخارجية نابعة من الثوابت الوطنية العراقية، وهو ليس دولة تابعة أو مؤيدة لأي من المحاور الاقليمية والدولية، وان العراق بإمكاناته وقدراته الموضوعية والذاتية لا يمكن ان يكون جزءاً من أي خلاف أو نزاع في المنطقة، كالخلاف الامريكي ـــ الايراني، وان على الاطراف المتصارعة تفهم دور العراق الجديد، البعيد كل البعد عن سياسة المحاور والتحالفات مهما كانت طبيعتها، وان العراق حريص على تعدد علاقاته الخارجية وديمومة تلك العلاقات، وبما يسهم في الحفاظ على المصالح العليا للعراق على الصعيد الاقليمي والدولي. ولذا يتوجب على المفاوض العراقي التركيز على طرح القضايا ذات الأولوية بالنسبة للعراق، والدفاع عنها وعدم التنازل للطرف الامريكي، مع العمل على إبداء نوع من المرونة في القضايا الاخرى الاقل اهمية وصولاً الى تحقيق المكاسب من الحوار، الى جانب توظيف الخلاف بين النقائض الامريكية ـــ الايرانية، وإدارة دفة الحوار بما يتلاءم مع أهداف السياسة الخارجية العراقية.
2-المستوى الأمني، اذ تتحدد أهداف المفاوض العراقي من الحوار بضرورة العمل على إعادة تنظيم الوجود العسكري الاجنبي ولا سيما الامريكي في العراق، إذ ان بقاء القوات الامريكية في العراق هو السيناريو الاقرب، وفقاً لبعض المعطيات، إذ ان خروج تلك القوات سوف يترتب عليه تبعات وكلف سياسية واقتصادية وامنية عدة على الجانب العراقي من الصعب مواجهتها لا سيما في ظل التحديات السياسية والامنية والاقتصادية والصحية التي تواجه الدولة العراقية.
وعليه، فان القوات الامريكية ستبقى متمركزة في العراق وبقواعد عسكرية محددة، حتى مع استمرار الضغوط والتهديدات التي تواجه تلك القوات سواء من الفصائل المسلحة أو من ايران، ومن ثم فان أهداف المفاوض العراقي سوف تتمحور حول حدود عمل تلك القوات وأعدادها في إطار الجهود الدولية لمحارية تنظيم داعش الارهابي، وليس إخراجها من العراق، ولعل ما يؤيد ذلك قيام الولايات المتحدة الامريكية بنشر منظومة صواريخ باتريوت للدفاع الجوي في العراق في قاعدة عين الاسد الجوية، والقاعدة العسكرية في أربيل، وهو يؤشر سعي الولايات المتحدة الى ضمان وحماية قواتها من أي هجمات عسكرية في المستقبل.
فضلاً عن ذلك، فان تحديد الأولويات الامنية في العلاقة بين الطرفين سيكون هو الآخر أحد أهداف المفاوض العراقي، ومن خلاله يمكن بحث الموقف الامريكي من قوات الحشد الشعبي كونها قوات عراقية رسمية، الى جانب تعزيز وتطوير القوات العسكرية العراقية عبر تقديم المساعدات اللوجستية والدعم الامني والعسكري، وبما يضمن أمن وسيادة العراق كدولة مستقلة، وبعيداً عن التأثيرات والتقاطعات الاقليمية والدولية في المنطقة.
3-المستوى الاقتصادي، تشكل العوامل الاقتصادية أحد اهم مظاهر عدم الاستقرار السياسي في العراق، ولا سيما بعد تداعيات ازمة فيروس كورونا، وانخفاض أسعار النفط عالمياً، وهو ما يؤشر ان استمرار هشاشة وضعف الاقتصاد العراقي وغياب الاصلاحات الاقتصادية، سيؤدي الى الوصول الى مرحلة الانهيار الاقتصادي في القطاعات كافة. ومن ثم فان أهداف المفاوض العراقي على المستوى الاقتصادي تتحدد بضمان دعم ومساعدة الولايات المتحدة الامريكية للعراق اقتصادياً، وتمكينه من مواجهة الازمات الاقتصادية عبر توظيف عناصر القوة الاقتصادية للولايات المتحدة الامريكية، سواء داخلياً من خلال تقديم المساعدات الاقتصادية الامريكية للعراق، أو خارجياً من خلال توظيف دور وتأثير الولايات المتحدة في المنظمات المالية الدولية وبما يحقق المصلحة العراقية في اصلاح البيئة الاقتصادية للعراق، وتنويع مصادر الدخل، وتحسين بيئة الاستثمار ومحاربة الفساد، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي للعراق وعدم تبعيته للدول المجاورة. لا سيما وان الولايات المتحدة الامريكية ستحاول إتباع سياسة القوة الناعمة لاستقطاب العراق الى طرفها في المواجهة مع إيران، من خلال تقديم مجموعة من حزم المساعدات المالية والاقتصادية الى العراق.
-الدكتور دياري صالح: أرى أن الولايات المتحدة عالقة في قلب المعضلة العراقية، ولا يمكنها تحمل التكلفة الباهظة للبقاء في العراق، كما أنها ليست مستعدة للانسحاب الكامل؛ لأنها تعتقد أن هذا سيفسر على أنه انتصار كبير لإيران. بالنسبة للأمريكيين، فإن نقل القوات إلى القواعد العسكرية لإقليم كردستان دون ترتيبات حقيقية مع بغداد لن يكون خيارًا منطقيًا. الحقيقة التي لا يمكن لأحد أن يحجبها هي: إذا لجأت الولايات المتحدة إلى هذا القرار، فإنها ستورط حلفائها -الأكراد -في الكثير من المشاكل التي لا يمكن حلها بسهولة. لن يكون التوازن الجيوسياسي الهش في إقليم كوردستان العراق قادرًا على الصمود في وجه هذه التطورات.
من الناحية العسكرية، يؤكد العديد من المراقبين أن الولايات المتحدة خسرت العراق بالفعل. لذا يجب عليها الآن التركيز على كيفية الحفاظ على علاقاتها الأمنية والسياسية والاقتصادية مع هذا البلد. هذا ما يجب مناقشته بجدية في الحوار الاستراتيجي المقبل لإيجاد تفاهمات طويلة الأمد بين هذه الأطراف. كل هذا المشهد الحرج قد يتحول الى فرصة مهمة لكل من بغداد – اربيل – واشنطن للعمل على تصحيح الاخطاء التي ارتكبت في عراق ما بعد 2003. التحديات الامنية والاقتصادية التي تواجه بغداد واربيل ستجعل من الدور الامريكي والمساعدة التي يبديها المجتمع الدولي امرا لا مفر منه. مما يستوجب التفكير ببراغماتية أكبر حيال اليات تنظيم هذه العلاقة بعيدا عن اي مسبب من مسببات اضطراب العلاقة بين اللاعبين العراقيين. انجاز هذا الهدف – وفق الصياغات المقبولة – سيكون رهان مهم للمفاوض العراقي في الفترة القادمة من الزمن. سيكون ذلك أحد اهم أوراق اعتماد السيد الكاظمي في رحلته القادمة الى واشنطن.
النجاح في انجاز هذه المهمة عراقيا –وتحديدا فيما يتعلق بتكييف وتعديل رؤية الحشد وفقا لقواعد جديدة للعبة يكون للأمريكان حضور فيها-سيكون رسالة مهمة يمررها العراق الى الاخرين. لذلك على الجميع ومن منطلق الحفاظ على وحدة العراق وامنه ومستقبله.
- الدكتور منتصر العيداني: أجد انه ليس من السهل استقراء أهداف العراق في الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الامريكية ، ففي ظل نظام برلماني مختل وحكومة ائتلافية هشة لا ترتكز على كتلة برلمانية رئيسية أو تحالف متجانس يحدد التوجهات الاساسية للحكومة، ستكون الحكومة اشبه بمنظومة زئبقية أو شبحية ؛ لان فاعلية الحكومات البرلمانية تنبع من وجود قاعدة سياسية محددة ومتجانسة على الاقل ومورد اتفاق أو حتى توافق فضلا عن الاجماع الذي يعد متطلبا اساسيا في القضايا الاستراتيجية للدول لاسيما عندما تخوض حوارات أو مفاوضات مع دول كبرى كالولايات المتحدة الامريكية كما متعارف عليه في هكذا مواقف ، وبالتالي يصعب تصور موقف عراقي موحد في الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الامريكية على صعيد القوى المقررة في النظام السياسي العراقي، لذا فأن مهمة المحاور أو المفاوض العراقي عسيرة للغاية أو كما يعتبرها البعض شكلية مهما كانت مهارة الفريق العراقي. فالعناوين العامة التي حددها الوفد التفاوضي الحكومي، كالسيادة و المصلحة الوطنية ، هي قضايا تخضع لتصورات مختلفة الى حد بعيد من القوى السياسية العراقية عموما ، وبمستوى اخر من الاختلاف النسبي على صعيد القوى السياسية الشيعية خصوصا ، كما ان الأهداف الاخرى المعلنة للحوار و التي تمثل الجوانب الاخرى للعلاقة كالتعاون في مجالات الثقافة والتعليم والصحة والمال والاقتصاد، فضلا عن الأقسام الأمنية والعسكرية ستتعارض مع خطوط المصالح الاقليمية والدولية المتصارعة والمتقاطعة مع خطوط السياسة الداخلية العراقية ومواقف الاطراف الاساسية في النظام العراقي.
بكلمة اخرى فان تحديد أهداف العراق في المفاوضات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية لا تعني الرؤية العراقية المجردة حسب، هذا إذا ما توفرت رؤية موحدة، وانما الرؤية التي تنبع من قراءة موقع العراق في السياسة الدولية، وهو امر متعذر الى حد كبير، اذ لازال العراق في مواقفه وادواره وتوجهاته الخارجية بل وحتى الداخلية ذات الصلة يتأثر الى حد واضح وربما يخضع للتأثيرات الاقليمية والدولية، وبالتالي فلا بوصلة تحدد موقعه المؤقلم والمدول بامتياز. وأحد أبرز مؤشرات تفكك الموقف العراقي وضعف فاعلية الحكومة العراقية نتيجة لذلك هو استمرار الهجمات على السفارة الامريكية في العراق حتى قبيل بدء الحوار الاستراتيجي رغم تعهدات الحكومة المتكررة بحماية الدبلوماسيين والعسكريين الامريكان في العراق. وبالتالي فأن عراق لا يستطيع التوحد أو التصرف إلى الحد الذي يمكنه فيه مساعدة نفسه، لن يستطيع ان يكون طرفا قادرا على ادارة حوار منتج أو ذا مغزى مع الولايات المتحدة الامريكية.
- الدكتور قحطان حسين طاهر: أعتقد إن تطورات الأوضاع في العراق هي التي دفعت الحكومة العراقية الى قبول دعوة الولايات المتحدة لإعادة النظر بطبيعة العلاقة القائمة بين البلدين. ولعل أهم موضوع في هذا الحوار هو تواجد القوات الامريكية في العراق، واهمية التوصل بشأنها الى حل مرضي لكل الاطراف السياسية العراقية. لكن يبدو ان هذا الهدف لن يتحقق في ظل اختلاف مواقف الكتل السياسية ما بين رافض ومؤيد لاستمرار بقاء القوات الأمريكية في العراق. وفي ظل هذا الاختلاف فأننا لا نتوقع الوصول الى نتائج ايجابية تخدم المصلحة العراقية
- أحمد جويد: أرى أن يكون السؤال ما هي حاجة العراق الى الدخول في حوار مع الولايات المتحدة؟ وأيهما أكثر حاجة للآخر عند الدخول في هذا الحوار؟
لا شك إن من ينظر الى العلاقات الدولية بنظرة واقعية يجد إن العراق هو أحوج الى الولايات المتحدة بنسبة كبيرة جدا، كون الولايات المتحدة دولة كبيرة ومتطورة وقوية عسكريا واقتصاديا ولها نفوذ سياسي كبير وتكاد تكون الأولى في كل شيء بين دول العالم، وإن حاجتها للعراق لا تتعدى الهامش البسيط وقد لا تكاد تذكر.
ولذلك على السياسي العراقي أن يستثمر الحوار العراقي الامريكي بشكل جيد وان يعمل على اعادة الثقة المتبادلة بين الطرفين والعمل على استثمار امكانية حليف قوي مثل الولايات المتحدة للخروج من ازماته المالية والامنية والصحية في الوقت الراهن وفي المنظور الاستراتيجي أيضا.
فالهدف من الدخول في حوار مع الجانب الامريكي على اسس المصالح المتبادلة واحترام السيادة يجنب العراق الكثير من الاخطار الامنية التي تعصف بالمنطقة ومن تهديدات دول الجوار أيضا، كما من شأنه جلب فرص كبيرة من الاستثمارات الخارجية التي تقوي الاقتصاد وتفتح فرص كبيرة للعمل، ومن شأنه أيضا أن يعمل على تقوية أجهزة الدولة العسكرية والامنية ويساهم في حصر السلاح بيد الدولة.
لا أزعم أن تلك العلاقات تحقق للعراق كل ما يبتغيه وإنها سوف تكون علاقات مثالية، لكن لو أحسنت القيادة العراقية استثمار علاقات متوازنة سوف تستفيد منها بشكل كبير في الحاضر والمستقبل وهذا ما اثبتته تجارب الدول الاخرى.
المحور الثاني-دور الفاعل الإيراني وإمكانية العراق في التوصل الى اتفاقية شاملة مع واشنطن.
ادراكا لأهمية الفاعل الايراني في الداخل العراقي، وتأثيره الواضح على رسم ملامح السياسة الخارجية العراقية، لاسيما في العشر سنوات الاخيرة، وحضوره المحتمل في جدول اعمال المحاور العراقي، فقد جرى طرح سؤال محدد وواضح على الخبراء والمختصين حول الموضوع، فكان السؤال هو: (هل يمكن لبغداد تجاهل الفاعل الايراني والتوصل الى اتفاقية شاملة مع واشنطن تحقق مصالح الطرفين، وماذا يعني ذلك؟)، وقد كنا متفهمين لحرج السؤال في ظل الوضع العراقي الحاضر، ومع ذلك كانت الآراء المطروحة حول هذا السؤال من الخبراء مهمة للغاية، أوجزت المعضلة التي يتحرك فيها المحاور والمفاوض العراقي، وكما يلي:
- الدكتور ايلاف راجح: كيف يمكن للمفاوض العراقي ان يتجاهل العامل الإيراني في الحوار مع الولايات الأمريكية وإن الأخيرة تضع في مدركها الاستراتيجي أهمية العراق في احتواء إيران. بعبارة اخرى، على الرغم من ان الجانب السياسي والبروتوكولي يتيح للعراق ان يركز على المواضيع ذات الاهتمام المشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية دون الاكتراث للضغوطات الإيرانية، إلا أن الواقع يشير الى غير ذلك، ولعدة عوامل مهمة: أولاً، يضع العراق في مدركه الاستراتيجي أهمية كل من ايران والولايات المتحدة في حربه ضد الإرهاب ولتحقيق الاستقرار؛ ثانياً، ان جزء كبير من الاحزاب الممثلة في مجلس النواب تتمتع بعلاقات متينة مع الجهات السياسية الفاعلة في ايران؛ ثالثاً، التوجه العراقي نحو سد احتياجاته الغذائية وفي مجال الطاقة من ايران؛ رابعاً، إن الولايات المتحدة ستطرح موضوع ايران على طاولة النقاش مع العراق، وهنا، بات لزاماً على العراق وفي ظل احترامه لعلاقات حسن الجوار ان يتشاور مع ايران بهذا الخصوص في الحدود التي تلبي مصالح العراق وتصون سيادته وتحقق الاستقرار الإقليمي، لاسيما إن لمس العراق وجود طموحات امريكية غير حميدة بهذا الصدد ولتجنب وضع العراق موضع القاعدة للمواجهة.
مع هذا، إذا ما توافرت الإرادة السياسية في تجاهل الضغوطات السياسية الخارجية من أي طرف كان، وفي حال وجود تناغم بين الحكومة والسلطة التشريعية فإن العراق قادر على التوصل الى صيغة اتفاق تلبي طموحاته وتحقق مصالحه في ظل موجة الأزمات الراهنة سواء المتراكمة أو المستجدة التي يواجهها في الوقت الحاضر. حيث إن الولايات المتحدة يمكن أن تكون طرف داعم وميسر لاحتياجات العراق أو ان تكون في موضع المواجهة بما يعقد الأمور على المستويات المختلفة ويضع العراق في موقع متقدم من المواجهة وهو أمر في غاية الخطورة يحاول العراق ان يتجنبه وأن لا يواجه بالنيابة عن الآخرين.
- الدكتور واثق السعدون: ارى أن إيران مهمة في هذه المباحثات، بل أن مألآت المواجهة الأمريكية-الايرانية في الساحة العراقية هي مفتاح جميع القضايا التي تم طرحها في الحوار، وهي السبب الرئيس لعقد هذا الحوار بالأساس، فلولا التوتر الأمريكي-الإيراني في العراق والمنطقة لما كانت هنالك حاجة للحوار الاستراتيجي أصلاً، لذلك اهمال الفاعل الايراني أو تجاهله لن يحل المشكلة، إذا ما ظلت المعادلة السياسية والأمنية وخارطة القوى في الساحة العراقية على حالها، وتجاهل الدور والنفوذ الايراني في العراق لن يلغيه. مثلما ان التخبط السياسي الأمريكي في العراق طوال السنين الماضية هو الذي خلق الفراغ السياسي والأمني الذي ملئته ايران بجدارة، يجب ان لا يطلب الأمريكان من العراقيين ببساطة ان يضعوا حداً لهذا التغلغل الايراني، يجب ان يجلس الأمريكان والعراقيين و(الحكماء) من ايران، ويضعوا حلاً حقيقياً لهذه المعضلة لأن العراق والمنطقة لن تتحمل مزيداً من التوترات، والأوضاع الاقتصادية والأمنية في المنطقة هشة جداً، على كل الأطراف المتصارعة في العراق ان يتخلوا عن المعادلة الصفرية التي تهدف الى جعل الخصم يخسر كل شيء، العراق بحاجة الى ايران والولايات المتحدة، وايران بحاجة للعراق، والولايات المتحدة بحاجة للعراق.
لكن اذا قررت الولايات المتحدة أنها تريد المضي ببناء علاقة استراتيجية مع العراق بعيداً عن الفاعل الايراني، واذا ما قامت الولايات المتحدة بتشجيع العراق على اتخاذ مثل هذه الخطوة، وان تكون محددات هذه العلاقة الاستراتيجية فقط المصالح المشتركة بين البلدين، ولا أهمية أو اعتبار لمصالح ايران في العراق، في هذه الحالة على الولايات المتحدة أن تدرك محدودية قدرة وامكانات الحكومة الحالية وجسامة التحديات التي ستواجهها نتيجة هذا الخيار، وان تعمل الولايات المتحدة على حماية الأوضاع السياسية والأمنية في العراق من الاضطراب أو الانهيار، فالجميع يدرك امكانية الفاعل الايراني على التأثير في استقرار العراق سياسياً وأمنياً، لذلك على الأمريكان أن يساعدوا الحكومة الحالية بأن لا يضعوها أمام خيارات فوق طاقتها، وأن يساعدوها بمحاولة حلحلة جزء من الصراع الامريكي-الايراني ضمن آليات إقليمية ليخففوا ضغط هذا الصراع على الساحة العراقية، بمعنى توزيع ضغوط هذا الصراع على مساحة أوسع أو تنفيسها من مواقع أخرى وأن لا يركزوه في العراق فقط، فهنالك عدة جبهات للمواجهة الأمريكية-الايرانية في المنطقة، ومن جهة أخرى على الأمريكان أن يساعدوا الحكومة العراقية بتقوية أدواتها السياسية والأمنية والاقتصادية لتكون قادرة على أداء الأدوار المنتظرة منها، ما عدا ذلك سيكون الأمريكان كمن يقول للحكومة العراقية "أذهب انت وربك فقاتلا".
-الدكتور سليم كاطع علي: أعتقد بالنسبة الى الدور الايراني، وحدود تأثيره في الحوار الاستراتيجي الامريكي ــــ العراقي، أجد أن البعض أخذ يروج الى ان الحوار بين الولايات المتحدة الامريكية والعراق، هو حوار امريكي ـــ ايراني بوساطة عراقية، متجاوزاً بذلك على حق العراق ومكانته كدولة ذات سيادة، مع الاقرار بحجم التأثيرات الايرانية في الشأن الداخلي العراقي.
ان العراق وكما يؤشر لنا الواقع يقع وسط صراع وتناقض في المصالح والأهداف بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران، وكل طرف يسعى الى تحقيق مصالحه دون الأخذ بنظر الاعتبار المصلحة الوطنية للعراق بالدرجة الاساس، ومما عزز من التأثير الايراني هو طبيعة الادوار التي مارستها أغلب الجهات والاحزاب السياسية التي حكمت العراق بعد عام 2003، إذ انها وبحكم التجربة العملية كانت تنفذ الارادة الايرانية بشكل مباشر أو غير مباشر، دون النظر الى مصالح العراق وأولوياته الاستراتيجية.
ان إمكانية الحد من التأثير الايراني في التفاعلات العراقية أمراً ليس باليسير بسبب تنوع ادوات التأثير وتعدد الفواعل، لكنه ليس مستحيلاً. إذ ان عمليات الضغط والتأثير عبر التهديد والوعيد والاستخدام الفعلي للسلاح، إنما يبعث برسالة مفادها ان العراق دولة ضعيفة، وان هناك جهات خارج إطار الدولة العراقية تمارس إخلالاً بأمن واستقرار البلد، وهو ما يضعف دور العراق إقليمياً ودولياً، ويجعل العراق وكأنه أداة من ادوات السياسة الايرانية في المنطقة.
وهنا، يمكن القول ان المفاوض العراقي امام فرصة كبيرة، لكي يعكس الرؤية العراقية الحقيقية للكيفية التي يتم بها إدارة الحوار مع الولايات المتحدة بعيداً عن التأثيرات الايرانية من جهة، ومن جهة ثانية إرسال رسالة الى الجانب الايراني مفادها ان استمرار التدخل الايراني المتزايد في الشأن الداخلي العراقي سوف يكون عاملاً للنفور والابتعاد عن ايران كدولة مجاورة للعراق، والتوجه نحو الولايات المتحدة كشريك للعراق، وان على صانع القرار الايراني ان يدرك هذه الحقيقة، وعليه مراجعة السياسة الايرانية تجاه العراق، والحال ينطبق كذلك على دور الولايات المتحدة الامريكية.
ولعل ما يؤثر في طبيعة الدور الايراني في العراق، ان الجهات التي شاركت في إدارة الدولة العراقية وأوصلت البلد الى حافة الفشل والانهيار ستكون امام خيارين: أما الاستمرار بسياساتها البعيدة عن المصلحة الوطنية للعراق، وهو ما سينتج عنه المزيد من الفشل والانهيار، أو التوصل الى حلول سياسية توافقية يمكن لها ان تنقذ البلد وتفتح له باباً للخروج من ازماته، ولعل في مقدمة ذلك التوافق حول إمكانية الحد من التأثير والدور الايراني في الشأن العراقي، والاتجاه نحو بلورة سياسة خارجية قائمة على اساس المصلحة والواقعية السياسية في التعامل مع الازمات والقضايا الاقليمية والدولية. الامر الذي يفرض على المفاوض العراقي ان يكون على درجة عالية من الذكاء الدبلوماسي وكيفية الالمام بأدوات التفاوض وحيثياته وإمكانية توظيف أوراقه التفاوضية لتحقيق أهداف الحوار عراقياً.
- عدي أسعد خماس: أجد من الصواب عدم تجاهل الفاعل الإيراني عند التفكير برسم شراكات عراقية سواء مع الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها، وفي الوقت نفسه، هناك ضرورة لتحقيق توازن استراتيجي في علاقات العراق سواء مع الدول الجارة أو دول المحيط الإقليمي خصوصاً في الظروف الحالية التي يمر بها العراق اليوم والمنطقة والعالم.
كذلك من المهم ان يتفهم المحاور والمفاوض العراقي المخاوف الأمريكية من تنامي دور إيراني في المنطقة أو في العراق، والتي وصلت في مرحلة ما إلى الضغط على الحكومة العراقية وفي أكثر من مناسبة للالتزام باستراتيجية الضغوط القصوى الأمريكية ضد إيران. واتُّبِاع سياسة خارجية مبنية على أساس المرونة في رسم العلاقات الخارجية، وإجادة فن التوازنات لتحقيق المصالح الوطنية العراقية سواء في المنطقة أو الإقليم والمساهمة في صنع القرارات الدولية. وعليه من المفيد التركيز على تبني سياسة خارجية تعزز احترام هذه الدول لاستقلالية القرار العراقي وعدم خضوعه لسيطرة طرف ما هنا أو هناك.
- الدكتور منتصر العيداني: في ظل استقراء أوضع العراقي ليس من مصلحة العراق تجاهل المعطيات الاقليمية والدولية القائمة ، لاسيما الصراع المتصاعد بين ايران والولايات المتحدة الامريكية على اكثر من صعيد و ساحة في المنطقة ، ومن ابرزها الساحة العراقية ، كما ان على العراق ان يضع في اعتباره امكانية عرقلة ايران للحوار أو المفاوضات في حال تعارضها مع متطلبات امنها القومي و مصالحها العليا، وهذا سلوك طبيعي لأي دولة وتحديدا في جوارها المباشر، لاسيما ان الفاعل الايراني يعد الاكثر تأثيرا و استحكاما في السياسة العراقية.
الا ان ذلك لا يعني من جانب اخر ان يبني العراق موقفه التفاوضي على اساس رؤية احادية أو محورية أيا كانت ، لان ذلك سيفضي الى عرقلة الحوار من الطرف الاخر ، أو توجيه مسارات الحوار خارج دائرة المصالح الوطنية، وربما خارج دائرة المفاوض العراقي وان استمر في اطاره الثنائي الرسمي، وهنا تطرح مسألة مساحة الحوار أو محدداته، فهل هو حوار توافق الفاعلين الدوليين المؤثرين في الوضع العراقي - وان ضمنيا - على تحديد مساحته في اطار صفقة جزئية / عراقية في جوهرها لكنها لا تخرج عن أو تأخذ في الاعتبار المعادلات الاكبر اقليميا و دوليا ، بحسبان قدرات الحكومة العراقية المحدودة في التعامل مع تلك المعادلات بل وحتى على الصعيد الداخلي الهش و المنقسم بشدة، و التحديات الملحة في الملف الاقتصادي و الصحي و السيطرة الامنية ؟. ام لا يوجد اتفاق أو توافق بين تلك الاطراف على مساحة الحوار؟، مع اهمال افتراض ربط الحوار أو التفاوض بالملفات الاقليمية والدولية نظرا للمعطيات الموضوعية التي تدركها تلك الاطراف والتي يتعذر معها اجراء حوار على الصعيد العراقي من هذا النوع. بكلمة اخرى فأن مثل هذا الافتراض إذا ما كان قائما فلا معنى للحوار الثنائي، وهو الحال كذلك مع الافتراض الثاني بعدم الاتفاق أو التوافق على مساحة للحوار. لذا فأن الافتراض الأول يبقى الأكثر ترجيحاً اي وجود توافق على صفقة جزئية مع الأخذ في الاعتبار المعادلات الأكبر.
عليه فأن على العراق وفقا لما تقدم ان يأخذ في الاعتبار عند تحديد أولوياته مخاوف ومصالح الفاعل الايراني لكن ضمن منظومة المصالح الاخرى للأطراف المؤثرة وان بنسب متفاوتة حسب مستوى التأثير، وحسب طبيعة وحجم المخاطر التي قد تنجم عن مسارات الحوار ومخرجاته على أمن ومصالح تلك الاطراف. ناهيك عن الفوائد المتحققة، وان تكون الدالة العراقية هي البوصلة في كل تلك المعادلات بقدر أو باخر بالقدر المتاح والممكن.
ولتفعيل دور الوفد العراقي المفاوض يمكن اسناد موقفه في المفاوضات من خلال الحصول على تفويض برلماني موسع بالحدود الدنيا والعليا لسقف التفاوض، وليس مواقف سياسية من الاطراف المختلفة كما أوضح السيد رئيس الوفد العراقي د عبد الكريم هاشم الذي قام بجولة حوارات مع عدد من القوى السياسية العراقية للاتفاق على التصورات الاساسية للمسار التفاوضي العراقي.
- الدكتور حسين أحمد السرحان: ان الفاعل الايراني هو الاشكالية الرئيسة في العلاقات العراقية-الاميركية منذ عام 2003، سواء بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر عبر وكلائها في العراق، وهذا امر جلي. ولذلك فأن التجاهل لا يحل هذه الاشكالية وسيزيد من تعقيد العلاقات الاميركية-العراقية. ومع كل هذا التأثير في القرار السياسي والامني والاقتصادي، الا ان امكانية اندثاره تبقى قائمة إذا ما توافرت ارادة وطنية واضحة هدفها بناء الدولة والحفاظ على استقلاليتها وسيادتها ووحدتها.
هذا يستلزم ان تصل رسالة جدية الى صانعي القرار في إيران بشقيها إيران الدولة (رئاسة الجمهورية والحكومة)، وإيران الثورة (المرشد والحرس الثوري والماكينة الدعائية) تتمحور حول الآتي:
- ان العراق خرج من كونه ورقة لدى إيران في صراعاتها وتوتراتها الاقليمية والدولية كما هو الحال مع اليمن ولبنان وسوريا. والعراق يسعى ليكون طرفا كفء لإيران في المنطقة لا ان يكون تابعا لها.
- لا معيار لعلاقات العراق الاقليمية والدولية الا المصلحة الوطنية العراقية، وهو حر في توجهاته السياسية والاقتصادية ولن يكون تابع لهذا الطرف أو ذاك.
- العراق الدولة يريد ان تكون علاقاته مع إيران الدولة وليس إيران الثورة، وان تكون علاقاته مع إيران عبر القنوات الدبلوماسية المعروفة وبما يتفق مع اتفاقيات جنيف للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية 1963، لا عبر المجاميع والمليشيات المسلحة. وهذا يستلزم في البدء الاعتراض على السفير الحالي مسجدي وهو جنرال في الحرس الثوري كما كان سابقيه، والمطالبة بتغييره وتكليف سفير من وزارة الخارجية الايرانية، ليتولى مهمة تيسير علاقات بلاده مع العراق.
- متابعة كل النشاطات الاقتصادية المرتبطة بالأحزاب والجماعات المسلحة التابعة لإيران واخضاعها للقوانين واللوائح التنظيمية العراقية النافذة، لإخراج العراق من كونه سوق لشركات الحرس الثوري الايراني.
إيران من جانبها استشعرت خطر ازاحة تأثيرها من الساحة العراقية قبيل انطلاق الحوار بين بغداد وواشنطن ودفعت بعدد من وكلائها الى توجيه ضربات صاروخية على مقرات ومواقع مهمة كقاعدة التاجي وأكثر من هجومين على المنطقة الخضراء وهجوم على مطار بغداد الدولي. وهذه الضربات جزء منها حصل بعد الجولة الأولى من الحوار. ولهذا فأن التصدي بقوة لهذه المجاميع المسلحة سيكون امرا صادما لإيران ويجعلها تراجع حساباتها ولاسيما بعد الضربة الكبيرة التي تعرض لها التأثير الايراني في العراق عقب مقتل قاسم سليماني وابو مهدي المهندس.
-الدكتور قحطان حسين طاهر: أعتقد ان الفاعل الايراني يشكل عقدة يصعب حلها؛ نظرا لحجم النفوذ الايراني في العراق ووجود درجة كبيرة من التعاون ما بين الحكومتين العراقية والايرانية في الاصعدة كافة. وعليه فأن الحكومة العراقية في حرج كبير: فهي من جهة مطالبة بإقناع الامريكان بأنها لا تتمكن من إدارة ظهرها لطهران بالكامل. ومن جهة أخرى يتوجب عليها إقناع طهران بأنها ما زالت بحاجة الى الدعم الامريكي سياسيا وأمنيا واقتصاديا. وطالما كان الامر كذلك فأن احتمالية التوصل الى اتفاقية شاملة ما بين العراق والولايات المتحدة تبدو ضعيفة. وحتى لو تم التوقيع عليها فأنها ستكون غير قابلة للتطبيق كسابقتها التي وقعت في ٢٠٠٨ أي ما سميت باتفاقية الإطار الاستراتيجي.
- أحمد جويد: تكمن صعوبة المفاوضات والحوار لدى الجانب العراقي في كيفية إرضاء الطرف الايراني، ولولا وجود الفاعل الايراني لم تكن هناك أي مشكلة للمفاوض العراقي في حواره مع الامريكان، وبالتالي سوف يعمل المفاوض العراقي جاهدا للوصول الى اتفاق يضمن عدم اثارة غضب طهران منه أولا ومن ثم يخوض في حوار يبحث فيه عن المصالح العراقية، وهذا يعني إن تأثير النفوذ الايراني على صانع القرار العراقي لا يزال كبيرا، رغم التنديد الشعبي بالتدخل الخارجي سواء كان ايراني أو تركي أو سعودي.
وإذا أراد المفاوض العراقي استثمار الفرصة فعليه أن ينظر بجدية الى رغبات الشعب أولا وأن يستند الى الشارع العراقي للخلاص من التبعية السياسية ليقوي مركزه التفاوضي سواء مع الولايات المتحدة أو مع إيران، وهذا الامر يتطلب جرأة وشجاعة في المواقف.
المحور الثالث-عناصر الضعف لدى المفاوض العراقي.
بعد عرض اراء الخبراء والمختصين أعلاه، يبدو ان الحوار الاستراتيجي مع واشنطن لا يجري في أفضل الظروف بالنسبة للمفاوض العراقي، لا من حيث التوقيت، ولا من حيث البيئة المحلية والإقليمية الحاكمة لمتخذ القرار. اذ توجد عناصر ضعف عديدة ستفرض نفسها على المفاوض العراقي – شاء أم أبى-وهو مطالب بإيجاد حلول مناسبة لتحييدها ومنعها من افشال الحوار مع واشنطن أو ربما ينتهي الحوار الى صفقة (اتفاقية ما) غير متكافئة على حساب المصالح العليا للدولة.
ولعل من أبرز هذه العناصر هو مدى حاجة الطرفين لبعضهما، فالعراق هو الطرف الأكثر حاجة للولايات المتحدة قياسا بحاجة الأخيرة اليه، وفي جميع الميادين (الأمنية، والعسكرية، والاقتصادية، والسياسية، والصحية...) ولن تكون هذه الحقيقة غائبة عن إدراك مفاوض محترف كالمفاوض الأمريكي، كما ليس غريبا ان يستعملها كورقة ضغط مهمة لابتزاز الطرف العراقي أو دفعه الى نتيجة لا تحقق مصالحه كما يرغب.
مع ذلك يمكن للطرف العراقي تحييد الجزء الأكبر من هذا العنصر إذا وظف بشكل محترف ظروف واشنطن الداخلية، أي توافق المفاوضات مع سنة انتخابية أمريكية، تحتاج فيها الإدارة الى انجاز رمزي في علاقاتها الدولية، فضلا على رغبتها في إيجاد وضع مرضي وآمن لقواتها داخل العراق، ومصالحها في الشرق الأوسط، والتزاماتها اتجاه بغداد وفقا لاتفاقية الاطار الاستراتيجي لسنة 2008، وغيرها من الأمور الأخرى، ولكن قدرة المفاوض العراقي على القيام بهذه المناورة بنجاح مشروطة بوضوح أهداف العراق من الحوار، ووحدة وتماسك قراره السياسي الداخلي.
والشرط اعلاه بحد ذاته يحيلنا الى عنصر جديد من عناصر ضعف الطرف العراقي، اذ يظهر من سياق الاحداث، والحقائق على الأرض، ومسيرة العلاقة بين بغداد وواشنطن، ان أهداف بغداد من الحوار ليست واضحة تماما، وقد تكون أهدافا عامة؛ لأسباب عديدة ربما ترتبط بعدم استعداد بغداد للحوار في الوقت الحاضر، أو انها دُفعت اليه بسبب ضغوط خارجة عن ارادتها. وهكذا حال لا يساعد في الوصول الى النتائج المتوخاة، فجدول الاعمال يجب ان يكون واضحا تماما للطرف العراقي، ومتوافقا مع قدرة دولته على الوفاء بالتزاماتها التي ستقطعها في النهاية لواشنطن. لكن لا يمكن امتلاك هذه القدرة مع وجود التعدد في مراكز صنع القرار العراقي، ووجود قوى خارج الحكومة أو داخلها تمتلك من الإمكانيات ما يجعلها تنسف تعهدات الحكومة في أي لحظة، وتحول دون تطبيقها.
ان تعدد مراكز القرار الحكومي وغير الحكومي في العراق يمثل نقطة ضعف جوهرية تضعف أي مفاوض رسمي، وتحيل الكثير من التعهدات الى مجرد حبر على ورق في حال ظهور اطراف رافضة لها أو راغبة بإفشالها، ولا يمكن لحكومة العراق المضي الى النهاية في هذا الحوار وما يعقبه من مفاوضات مع هذا الوضع السياسي غير المستقر، بل قد يكون من مصلحتها في حال استمراره، إطالة أمد المفاوضات وعدم قطع أي تعهدات نهائية الى حين اجراء الانتخابات العراقية المبكرة- في حال حصولها- واجراء الانتخابات الرئاسية الامريكية، وانتظار ما تسفران عنه من نتائج قد تقلب موازين القوى بشكل ام آخر في البلدين، فتمسك السلطة في بغداد حكومة ربما تتمتع بتأييد شعبي أكبر، وتكون لديها قدرة اكبر على اتخاذ قرارات موحدة ومتماسكة، وعندها سيكون التوصل الى اتفاق نهائي مع واشنطن مفيد للجانبين، لاسيما اذا كان قابلا للتنفيذ على الأرض من الطرفين.
توصيات من الخطأ تجاهلها
في ظل الظروف الحاضرة التي يمر بها العراق، فان التوصيات والنصائح الموجه للمحاور والمفاوض العراق هي:
استمع، استمع، استمع جيدا، ثم تحدث قليلا، بمعنى اخر، لا تقدم وعود وتأنى في الطرح، وتجنب الحديث عن مواضيع حساسة، ولا تدخل في العمق في النقاش؛ حتى لا تقع ضحية الظروف الراهنة. اظهر الحد الأدنى من التفهم للموقف الأمريكي، واحرص على تعزيز لغة التعاون والتفاهم بصورة تدريجية لتحصل على أكبر المكاسب. استخدم اوراق غير متوقعة وثانوية لتشتيت تركيز الطرف الآخر. المفاوض الأمريكي قوي وصعب ويستخدم في كثير من الأحيان لغة الفرض، لذلك لا تكترث لمظاهر القوة وحافظ على مطالب واضحة. سيكون من الصعب تجنب مسائل حساسة مثل استهداف السفارة الأمريكية او النفوذ الايراني، وهنا، حاول الابتعاد عن التفاصيل واطل من أمد الحوار للحصول على مكاسب أكبر تساعدك على الخروج من الأزمات الحالية.
اعلم انه من الأفضل للعراق إطالة أمد الحوار وعدم الوصول الى صفقة نهائية مع واشنطن في ظل وضعه الحاضر، فمثل هذه الصفقة غير القابلة للتنفيذ من قبله ستنعكس سلبا على سمعته الدولية، كطرف دولي موثوق به، وهذا سيضر كثيرا علاقاته الدولية. كما أن أي صفقة محتملة بين الجانبين ينبغي ان تشير صراحة الى تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بالعمل على احترام سيادة العراق، وضمان أمنه واستقراره من جميع الاعتداءات الخارجية من قبل الدول المجاورة أو غيرها مهما كانت طبيعتها. فضلا على تعهدها بأن بقاء قواتها العسكرية في العراق هو إجراء مؤقت لغرض محدد، اضطرته ظروف المرحلة الراهنة لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، ولا يسمح باستخدام او توظيف تلك القوات خارج إطار المهمة المحددة لها سلفا. وإقرارها بأن العراق يمثل ساحة لالتقاء المصالح بين الأطراف المختلفة والمتقاطعة، وليس ساحة لتصفية الحسابات بينها، وان اي محاولة للمساس بالأراضي العراقية ستؤدي إلى مراجعة شاملة لمبادئ وأسس الحوار والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
عليك الاقرار أن الفاعل الإيراني هو شوكة في خاصرة المفاوض العراقي، لا يمكن قلعها والتخلص منها، ولا يمكن تجاهلها وتحمل نتائجها السلبية، لذا ترى أن الكثير من المحللين، يذهبون الى الاعتقاد ان هذا الحوار ليس مجرد حوار عراقي-امريكي، بل هو حوار عراقي –امريكي بحضور إيراني فوق العادة. وهذا الدور الخطير لإيران وطرحها لمصالحها في العراق والشرق الأوسط على جدول اعمال حوار بغداد واشنطن ليس جيدا بالنسبة لبغداد، فهو سيجعل متردداً كثيرا في الوصول الى أي اتفاق نهائي مع واشنطن لا يراعي مصالح طهران بشكل ام آخر. وفي هذه الحالة قد يكون من العبث الاستمرار في حوار محكوم عليه بالفشل، ما لم تتضح خريطة المصالح للعواصم الثلاث، وحدود ما يمكن التوافق عليه أو التقاطع بشأنه.
من مصلحة العراق ومقتضيات سيادته الحقيقية عدم القبول بمفاوضات عراقية-أمريكية تحقق مصالح طهران وواشنطن على حساب بغداد. ولا يمكن المضي بمفاوضات تتجاهل مصالح طهران، مع إدراك ان الاخيرة لديها ما يكفي من الامكانيات لتهديد الأوضاع في العراق بطريقة تجعل أي اتفاق بين العراق والولايات المتحدة غير قابل للتنفيذ على الأرض.
إزاء هذا الوضع الشائك، يحتاج الطرفان (العراقي والامريكي) الى استيعاب أو تحييد الدور الإيراني قبل البدء باي مفاوضات فعلية، فإيران بدورها الحالي تشكل تهديداً جدياً خطيراً لأي اتفاق لا يراعي مصالحها أو يأخذها وجودها وما يمكن ان تفعله بنظر الاعتبار.
اخيراً، يبقى الامر الذي لا يمكن تجاهله من صانع السياسة الخارجية العراقي هو تلك القاعدة المعروفة في العلاقات الدولية التي تقول: ان قوة السياسة الخارجية لأي دولة تمثل امتدادا لقوتها الداخلية، وان العراق اليوم يعاني ضعفا واضحا في وضعه الداخلي ينعكس بشكل سلبي دائم على سياسته الخارجية عموما، وعلى قوة وفده التفاوضي، وهذا العيب يقتضي وضع حد له؛ لأنه سيجعله الطرف الأضعف في أي مفاوضات إقليمية أو دولية، وسيهدد مصالحه العليا في جميع المجالات.
المشاركون في اعداد التقرير:
-الأستاذ الدكتور خالد عليوي العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، والمدير السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء.
- الأستاذ الدكتور واثق السعدون أكاديمي عراقي وكبير الباحثين في مركز دراسات الشرق الأوسط التركي.
- الأستاذ الدكتور دياري صالح أكاديمي عراقي متخصص بالجغرافية السياسية.
- الأستاذ الدكتور منتصر العيداني أكاديمي عراقي ومدير مركز حوكمة للدراسات.
- الأستاذ الدكتور علي الجبوري أكاديمي عراقي أستاذ العلوم السياسية في كلية العلوم السياسية-جامعة بغداد.
- الدكتور ايلاف راجح دبلوماسي وأكاديمي عراقي.
-الأستاذ عدي أسعد خماس أكاديمي ودبلوماسي عراقي.
- الدكتور عادل بديوي أكاديمي عراقي أستاذ مادة الاستراتيجية في كلية العلوم السياسية-جامعة بغداد.
-الدكتور سليم كاطع علي رئيس قسم العلاقات الدولية في مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة بغداد.
- الدكتور قحطان حسين طاهر أكاديمي أستاذ النظم السياسية-جامعة بابل.
- الدكتور حسين أحمد السرحان رئيس قسم الدراسات السياسية في مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية.
- الأستاذ احمد جويد حقوقي عراقي ودير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات.
اضافةتعليق