يتصف الانفاق بشكل عام والانفاق الاستثماري بشكل خاص بالتذبذب، نظراً لضعف المالية العامة في جانبيها الايرادات العامة والنفقات العامة.
الايرادات العامة
ففي جانب الايرادات العامة تعتمد المالية العامة على أكثر من 90% على الايرادات النفطية التي تتصف بحد ذاتها بالتذبذب بحكم ارتباط اسعار النفط بأسواق النفط الدولية هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى يتصف النظام الضريبي بالضعف حيث لم يكُن قادراً على زيادة الحصيلة الضريبة وزيادة مساهمتها في الايرادات العامة، كذلك ضعف أرباح القطاع العام في تغذية الموازنة، إضافة إلى ضعف الايرادات الأخرى.
النفقات العامة
أما من جانب النفقات العامة، حيث تتصف النفقات العامة بالاختلال بحكم زيادة النفقات الاستهلاكية على حساب النفقات الاستثمارية، وإذا ما انخفضت الايرادات النفطية سيتم تخفيض النفقات الاستهلاكية ولكن بشكل أقل من تخفيض النفقات الاستثمارية.
بمعنى إن التضحية تكون في العادة بالنفقات الاستثمارية ، ومن هنا تصبح النفقات الاستثمارية تسير بشكل أسير خلف الإيرادات النفطية وكما موضح في الشكل أعلاه.
بمعنى إن النفقات الاستثمارية ترتفع حينما ترتفع الايرادات النفطية والعكس صحيح أي حينما تنخفض الايرادات النفطية تنخفض النفقات الاستثمارية، في حين لن تنخفض النفقات الاستهلاكية كما مُعتاد إلا بشكل قليل بحكم الضغوط الاجتماعية التي ترفض تخفيضها.
تحليل 2006-2020
حيث نلاحظ من خلال الشكل أعلاه، إن النفقات الاستثمارية أخذت بالارتفاع من 2006 حتى عام 2013 تزامناً مع ارتفاع الايرادات النفطية كنتيجة لتحسن اسعار النفط في الأسواق الدولية.
ثم انخفضت من عام 2013 إلى 2016 نتيجة لانخفاض اسعار النفط وايراداته من جانب والارهاب الذي تسبب بسقوط ثلث مساحة العراق عام 2014، مما دفع الحكومة إلى تخفيض الاموال الموجهة نحو الاستثمار وتوجيهها نحو الاولويات المستجدة لتحقيق الأمن والاستقرار من جانب آخر.
ثم ارتفعت بشكل طفيف عام 2017 بسبب التحسن الطفيف في اسعار النفط وإعلان النصر على تنظيم داعش الارهابي، مما يعني تخفيف الانفاق على الجانب الأمني وتوجيهه نحو الجانب الاستثماري فارتفع بشكل طفيف كما واضح في الشكل أعلاه.
وانخفضت النفقات الاستثمارية مقابل زيادة النفقات الاستهلاكية من النفقات العامة عام 2018، بمعنى إن سبب انخفاض النفقات الاستثمارية يعود لزيادة النفقات الاستهلاكية، بمعنى إن النفقات الاستثمارية هي تتحدد بالنفقات الاستهلاكية ايضاً.
واستمرت مسيرة النفقات الاستثمارية بالارتفاع من عام 2018 إلى عام 2019 بشكل متزامن مع ارتفاع الايرادات النفطية نظراً لارتفاع اسعار النفط أو كميات انتاج وتصديره أو كلاهما معاً.
ولكنها(النفقات الاستثمارية) سرعان ما انخفضت بشكل حاد عام 2020-حسب البيانات الفعلية الصادرة عن البنك المركزي العراقي- لتبلغ 3208 مليار دينار مقابل ايرادات نفطية بلغت 63تريليون دينار، وذلك بسبب جائحة كورونا التي عطّلت عجلة الاقتصاد وانخفاض الطلب ثم انخفاض أسعار النفط إلى أقل من 40 دولار للبرميل، انعكس هذا الانخفاض على الايرادات والنفقات بشكل عام والنفقات الاستثمارية بشكل خاص.
أتضح من خلال الشكل أعلاه، إن النفقات الاستثمارية تسير بشكل موازي لمسيرة الايرادات النفطية، ونظراً لتذبذب الايرادات النفطية، ستصبح الخطط والمشاريع الاستثمارية تحت رحمة اسعار النفط وايراداته.
هذه المسايرة بين النفقات الاستثمارية والايرادات النفطية وتذبذب الأول نتيجة لارتباطه بالثاني يجعل المشاريع الاستراتيجية، التي تتطلب استمراراً وتراكماً لإنجازها وفقاً لما هو مطلوب؛ في موقف حرج.
الهيمنة والفساد
ونظراً، لهيمنة الدولة على المالية العامة إيراداً وإنفاقاً بحكم هيمنها على كثير من عناصر الانتاج وبالخصوص النفط والأرض، إضافة إلى ضعف المؤسسات التي تتعامل مع القطاع الخاص، وإحباط الأخير من المشاركة بشكل فاعل، أصبحت الدولة تهيمن على الاقتصاد بشكل عام.
ليس هذا فحسب بل إن استشراء الفساد وغياب الرؤيا الاقتصادية لدور الدولة في الاقتصاد من قبل أصحاب القرار في ظل المرحلة الحالية، اصبح عقبة حتى أمام القطاع العام وتلكؤ الكثير من الشركات العامة.
والأدلة على ضعف مؤسسات الدولة كثيرة يمكن الإشارة لأبرزها، وهي شيوع الفساد حيث يحتل العراق المرتبة 160 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد العالمي، وصعوبة بيئة الأعمال حيث يحتل العراق المرتبة 172 من أصل 190 اقتصاد في مؤشر سهولة أداء الاعمال عام 2020.
تنويع الايرادات والاقصاد
ومن أجل فك أَسر النفقات الاستثمارية من الايرادات النفطية، يتطلب الأمر تنويع الايرادات العامة وقبلها تنويع الاقتصاد العراقي وهذا يتطلب العمل على محاربة الفساد وتهيئة بيئة أعمال جاذبة للاستثمار لا طارده له.
إذ إن توفير بيئة اعمال مناسبة ومؤسسات خفيفة وسريعة الاستجابة لمتطلبات القطاع الخاص ستعني مزيد من الاستثمارات الخاصة وهذا ما يقلل من دور الدور الدولة في الاقتصاد.
كما إن زيادة فاعلية القطاع الخاص سيسهم في زيادة الأوعية الضريبية والحصيلة الضريبة، وهذا ما يدعم تنويع الايرادات العامة.
كذلك، إن محاربة الفساد يعني تنشيط القطاع العام وهذا سيؤدي لرفد الموازنة بأرباح القطاع العام، وهكذا حتى يحصل تنويع في الايرادات من شأنها فك اربط النفقات الاستثمارية بالإيرادات النفطية ويصبح بالإمكان تحقيق المشاريع الاستراتيجية التي يتطلبها الاقتصاد.