تلعب الاسواق المالية في الوقت الحاضر دورا مهما وبارزاً على المستوى المحلي والاقليمي والدولي، وفي اغلب المجالات الاقتصادية الحقيقية والمالية والتجارية وغيرها، وذلك بالتناغم مع شيوع العولمة والثورة المعلوماتية منذ نهايات القرن العشرين، كونها تعمل على سد فجوة التمويل في الاقتصاد وذلك من خلال حشد الموارد من قنوات الفائض الى قنوات العجز، من قنوات الادخار الى قنوات الاستثمار، اي انها تعمل على توفير السيولة المالية والنقدية للمشاريع الاستثمارية لإنجازها، فضلا عن استخدامها لتوفير مكاسب راسمالية من خلال بيع وشراء الاوراق المالية في هذه الاسواق.
يختلف الدور الذي تلعبه الاسواق المالية من بلد لآخر وذلك حسب البيئة التي تتوفر في البلد، فقد يكون دورها كبير جداً في البلدان التي تكون اقتصاداتها متطورة وقوية، والعكس صحيح حيث يكون دورها ضعيف في البلدان التي تكون اقتصاداتها نامية وغير قوية، لان الاقتصادات لا يمكن أن تكون متطورة في ظل غياب البيئة المناسبة التي تشجعها على تطوير اقتصاداتها. ان توفر البيئة المناسبة سيشجع المستثمرين على الاستثمار حتى في ظل عدم امتلاكهم للأموال الاستثمارية، إذ في هذه الحالة سيذهب المستثمرون للاسواق المالية للحصول على الاموال مقابل الارباح او الفوائد التي يحصل عليها المدخرين كنتيجة لتقديم اموالهم للمستثمرين عن طريق الاسواق المالية، ولذا فالأسواق المالية يكون دورها محدود في البلدان النامية –ومنها العراق- عكس دورها في البلدان المتقدمة.
اولاً: مؤشرات الاسواق المالية في العراق
وبما ان العراق من البلدان النامية فهو ايضاً يعاني من ضعف دور الاسواق المالية في اقتصاده، إذ كان ولا زال يعاني من عدم الاستقرارا إلا في فترات محدودة، حيث عانى من الاستعمار والحروب والانقلابات والانظمة السيئة الفاقدة لرؤية بناء الدولة الفاعلة، واستمر عدم الاستقرار حتى بعد 2003 حيث انتشار الصراعات الداخلية وشيوع الفساد وانهيار البنى التحتية واحادية مصدر اقتصاده ومعاناته من المرض الهولندي وتعطيل المصانع والشركات وزيادة حجم البطالة وغيرها، هذه العوامل وغيرها سببت عدم تحقق الاستقرار في اغلب المجالات وكانت النتيجة ضعف بيئة العراق الاستثمارية اي اصبحت بيئة غير جاذبة للاستثمارات الاجنبية بل طاردة للاستثمارات الوطنية، ولهذا كان دور الاسواق المالية ضعيف في الاقتصاد العراقي، إذ لا يمكن ان تؤدي دورها المطلوب في ظل غياب البيئة الاستثمارية وفقدان الثقة بها. ويمكن توضيح دورها من خلال مؤشرات الاسواق المالية، المتمثلة بعدد الاسهم والقيمة السوقية وحجم التداول وعدد العقود المنفذة، وكما يلي
1- عدد الاسهم، اي عدد الاسهم التي تم تداولها في السوق خلال المدة .
بلغ عدد الاسهم التي تم تداولها في سوق العراق للاوراق المالية 255659.5 مليون سهم في عام 2010 وارتفع هذا العدد إلى 871182.0 مليون سهم في عام 2013 ، وسرعان ما انخفض هذا العدد الى 743852.3 مليون سهم والى 579640.4 مليون سهم عام 2014 و 2015 على التوالي، لكن انتعش عدد الاسهم في عام 2016 حين بلغ 917542.4 مليون سهم، كنتيجة لزيادة فرض القوات الامنية سيطرتها على الكثير من المناطق التي استولى عليها داعش وهذا ادى إلى زيادة الامل لدى المستثمرين في السوق المالية.
2- القيمة السوقية، عدد الاسهم المكتتب بها مضروباً بسعر اغلاق سهم الشركة في نهاية المدة.
بلغت القيمة السوقية للاسهم 3462275.0 مليون دينار في عام 2010 وارتفعت إلى 11451369.0 مليون دينار عام 2013 لكنها انخفضت إلى 9،520،626.0 مليون دينار عام 2014، ثم ارتفعت الى 12364785.0 مليون دينار عام 2015 ثم انخفضت بشكل طفيف عام 2016 حين بلغت 12130403.0 مليون دينار. ويمكن أن يعزى هذا الانخفاض المفاجئ للصدمة المزدوجة التي تعرض لها الاقتصاد العراقي وهي صدمة دعش الارهابي وصدمة انخفاض اسعار النفط.
3- حجم التداول، اي قيمة الاسهم التي تم تداولها في السوق بمختلف الاسعار خلال المدة.
نلاحظ وفقاً لهذا المؤشر ان حجم التداول في سوق العراق للاوراق المالية قد ارتفع من 400360.1 مليون دينار عام 2010 الى 2840220.3 مليون دينار عام 2013 لكن سرعان ما اتخفض حجم التداول في عام 2014 حين بلغ 898315.9 مليون دينار واستمر بالانخفاض في عامي 2015 و 2016 حين كانت قيمته 456179.7 و 426788.2 على التوالي، ويمكن أن يعزى هذا الانخفاض لنفس السبب الذي تمت الاشارة اليه انفا.
4- عدد العقود المنفذة، أي عدد العقود المبرمة(بيعاً وشراءَ) داخل السوق خلال المدة.
كان عدد العقود التي ابرمت في سوق العراق للاوراق عام 2010 هو 71722 عقد وارتفع الى 136039 عقد في عام 2012 ثم انخفض الى 126570 والى 104566 عقد في عام 2013 و 2014 على التوالي، لكنها ارتفعت إلى 120698 والى 111242 عقد في عام 2015 و 2016 على التوالي.
وكنتيجة لما تقدم نلحظ ان حدث ما كالاختلال الامني الذي تعرض له العراق عام 2014 او الصدمة النفطية المتمثلة بانخفاض اسعار النفط لنفس العام، قد اثر بشكل كبير على اداء الاسواق المالية، وهذا ما تؤكده المؤشرات السابق حيث نلاحظ ان كل المؤشرات قد انخفضت في عام 2014، وهذا ما يؤكد على اهمية وفقدان البيئة الاستثمارية بنفس الوقت في العراق.
ثانياً: المساهمة القطاعية في مؤشرات سوق العراق للاوراق المالية
1- المساهمة القطاعية في عدد الاسهم
نلحظ من خلال التقارير الاقتصادية التي يصدرها البنك المركزي العراقي، ان القطاع المصرفي يحتل النسبة الاكبر في هذا المؤشر، أي ان القطاع المصرفي يسهم بشكل كبير في سوق الاوراق المالية وبالخصوص في مؤشر عدد الاسهم اذ بلغت نسبته 74.6% من مجموع عدد الاسهم في السوق المالية في عام 2010، وارتفعت إلى 85% و95.0% و 93.0% و 94.2% من مجموع عدد الاسهم في عام 2013 و2014 و2015 و2016 على التوالي، في حين لم تسهم القطاعات الاخرى إلا بنسب منخفضة ومن بين هذه القطاعات القطاع الزراعي الذي لم تتجاوز نسبته 1%.
2- المساهمة القطاعية في القيمة السوقية
ضمن هذا المؤشر كانت مساهمة القطاع المصرفي عام 2010 ما نسبته 69.5% من القيمة السوقية، وفي عام 2013 اخذ قطاع الاتصالات يتنافس مع القطاع المصرفي، ففي الوقت الذي شكل فيه القطاع المصرفي 43.7% من القيمة السوقية، شكل قطاع الاتصالات 43.6% من في القيمة السوقية في سوق العراق للأوراق المالية، ثم شكل القطاع المصرفي 38.8% من القيمة السوقية في عام 2014، ثم ارتفعت مساهمة قطاع الاتصالات 64.0% و 65.4% من القيمة السوقية في عام 2015 و 2016 على التوالي، ويرجع ارتفاع مساهمة قطاع الاتصالات في القيمة السوقية الى ارتفاع الطلب على قطاع الاتصالات من قبل الجميع افرادا وحكومات، وباقي النسبة تشمل القطاعات الاخيرة وهي منخفضة جدا.
3- المساهمة القطاعية في حجم التداول
لا يزال القطاع المصرفي يحتل مرتبة الصدارة في عام 2010 حين بلغت مساهمته 37.3% من حجم التداول، لكن في عام 2013 احتل قطاع الاتصالات مرتبة الصادرة حين شكل 61.7% من حجم التداول. ثم عاد القطاع المصرفي ليسترجع مكانته حين شكل 85.0% و 78.0% من حجم التداول في عام 2014 و 2015 على التوالي، وعلى الرغم من انخفاض مساهمة القطاع المصرفي الى 73.3% عام 2016 إلا انه لايزال يحتل مرتبة كبيرة في حجم التداول في نفس هذا العام.
4- المساهمة القطاعية في عدد العقود المنفذة
ساهم القطاع المصرفي بنسبة 37.3% من عدد العقود المبرمة في سوق العراق للأوراق المالية عام 2010، واستمر في احتلال موقع الصدارة حين شكل 55% و 56.7% من عدد العقود المبرمة في عام 2013 و2014 على التوالي ولكن انخفضت إلى 46.2% و45.9%من عدد العقود المبرمة في عام 2015 و 2016 على التوالي، ومع هذا الانخفاض فهي لا تزال نسبة مرتفعة.
يمكن ان نلحظ ان دور سوق العراق للاوراق المالية في الاقتصاد العراقي كانت ضعيفة جدا من حيث نسبة قيمتها السوقية الى الناتج المحلي الاجمالي من جانب والتركيز القطاعي من جانب اخر، فبالنسبة للجانب الاول شكلت القيمة السوقية2.1% و 4.2% و 3.6% و 5.9% و 6.1% من الناتج المحلي الاجمالي في عام 2010 و 2013 و 2014 و 2015 و 2016 على التوالي، حيث لم تتجاوز نسبتها 10% من الناتج المحلي الاجمالي حتى نستطيع ان نقول لها دور كبير في تكوين الناتج والاقتصاد العراقي.
أما من حيث الجانب الاخر فقد تبين هناك تركز كبير في قطاعات محدودة وهي القطاع المصرفي وقطاع الاتصالات تستحوذ على القسم الاكبر من السوق المالية وهذا ما تم ايضاحه من خلال امتلاك هذين القطاعين الحصة الاكبر في اغلب المؤشرات اعلاه وفي اغلب الاعوام، هذا ما يعني ان الاسواق المالية كان دورها هامشياً في الاقتصاد العراقي اي لم تسهم في توجيه وتحفيز وتعميق دورها في الانشطة الاقتصادية المختلفة حتى تستطيع تنشيط الاقتصاد العراقي وابعاد خطر الاحادية الريعية عنه وتقليص البطالة وغيرها.
وما يؤدي الى زيادة دور الاسواق المالية وتنشيطها في العراق عدة نقاط منها:
اولاً: الاهتمام بتوفير البيئة المناسبة التي تشجع على اقامة الشركات وادراجها في سوق الاوراق المالية وذلك من خلال تحقيق الاستقرار السياسي والامني والاستثماري والاقتصادي وغيرها.
ثانياً: دخول الدولة الى سوق الاوراق المالية لتشجيع المستثمرين على ولوج الاسواق والتعامل بها ولو بصيغة المشاركة معهم والانسحاب بشكل تدريجي لاحقاً عندما ترى المستثمرين اصبحوا ذا كفاءة وقدرة جيدة.
ثالثاً: زيادة الوعي الشعبي بمدى اهمية هذه السوق وكيفية عملها وتبسيط الاجراءات امام الراغبين بالعمل فيها، من خلال الاعلام والاعلان وغيرها، كون زيادة الوعي يعمل على جذب الاكتناز وزيادة الادخار والاستثمار وانتعاش الاقتصاد عن طريق الاسواق المالية.
المصادر المعتمدة
- صندوق النقد العربي, اداء اسواق الاوراق المالية العربية, النشرة الفصلية, الربع الثاني, العدد السابع والسبعون, 2014, ص3
- البنك المركزي العراقي,التقرير الاقتصادي السنوي, للسنوات المذكورة. اما النسب احتسبت من قبل الكاتب.