قد تستطيع الاطراف الاسلامية الكردية من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية، الا انه يجب عليها اتخاذ موقف واضح حول المسائل الدينية والحريات الاجتماعية
خلال الاسبوع الماضي من شهر تموز 2017، اجتمعت الاحزاب السياسية الاسلامية الكردية – بضمنهم الاتحاد الاسلامي الكردستاني، والمجموعة الاسلامية الكردستانية، والحركة الاسلامية الكردستانية – في منزل السيد صلاح الدين بهاء الدين السكرتير العام للإتحاد الاسلامي الكردستاني.
حاول الاجتماع تأسيس القواعد الصحيحة لخلق جبهة اسلامية مشتركة بين هذه الاحزاب الثلاثة، التي تمتلك جميعها 17 عضو من أصل 111 عضو برلمان اقليم كردستان.
جاءت هذه الخطوات لتحقيق التوافق بين المجاميع الاسلامية الكردية في وقت بدأت فيه جغرافيا الحركات الاسلامية بتحولات اساسية، ليس فقط في كردستان، وانما على صعيد العالم الاسلامي ككل.
وقد تحققت عملية اعادة التنظيم عندما فشل ، على وجه الخصوص، النموذج الاسلامي المعتدل الذي طرحته كل من مصر وتونس. وفي الوقت نفسه تحول النموذج الاسلامي التركي الى شبه شمولي، كما تحولت الاحزاب السورية الى مأساة سياسية وانسانية. ونظراً لتحول التحالف بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير الى اتفاقية سياسية، وسقوط التحالف الاستراتيجي بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، بدأت التحالفات السياسية الجديدة بالظهور على الصعيد المحلي.
وخلال مرحلة الربيع العربي، حافظت الاحزاب الاسلامية الكردية، وبأصرار على تسمية الانتفاضة بإسم الربيع الاسلامي أي من خلال مناقشات سياسية مبهمة ملطخة بالمواربة. لم يستخدم اي من الاحزاب الاسلامية هذا المصطلح، الا انه هناك اشارات وافعال بينهم بينت الاسناد لهذا الرأي.
في الواقع، ونتيجة لـتأثير الانتفاضة المصرية ضد الرئيس حسني مبارك، حام في الافق الكردستاني تظاهرات السليمانية التي اطلق عليها الاسم التاريخي ساحة السراي او ساحة الحرية. ورغم تجمع العلمانيين والاسلاميين في الاعتصام، كان هذا الامر مشابهاً لما قام به الاخوان المسلمون وخصوصاً في مدينة مليئة بالناشطين العلمانيين، الا المثقفين والناشطين الاكراد انسحبوا من التظاهرات.
وخلال اجتماع مع الاعضاء الشباب لحزبه، اعلن بهاء الدين في نهاية شهر كانون الثاني 2012 ان ما يجري في العالم العربي هو الربيع الاسلامي بكل معنى الكلمة. وتوافق هذا الادعاء مع الموقف الضمني للمجموعة الاسلامية الكردستانية، الذي كان انعكاساً لموقف الاخوان المسلمين في المراحل الاولى من الربيع العربي. وفي تلك الاثناء، كانت سياسة الحركة الاسلامية الكردستانية تتراوح بين اسناد الحكومة من جهة، والمعارضة من جهة اخرى.
وفرت حركة التغيير الخلفية المناسبة لمشاركة الاسلاميين في احتجاجات ربيع 2011 ضد حكومة اقليم كردستان. وعلى كل حال، لم يتحول تحالف المعارضة الذي جمع الاسلاميين خلال الفترة 2009-2013 من حركة سياسية الى استراتيجية سياسية متكاملة تهدف الى اصلاح النظام السياسي، وانما استمر التحالف يتنقل بلا هدف بين الاهداف السياسية والعقائدية. ونتيجة لذلك، عاد كل طرف الى جذوره العقائدية، وعاد الاسلاميون الى اهدافهم السياسية الاسلامية ، وعادت حركة التغيير الى اجندتها العلمانية التي يتشاركون بها مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
كانت احدى المشاكل هي وضع التحالف الاسلامي مع حركة التغيير، ولاحقا مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في جهودهم لتأسيس دستور برلماني وتغيير قانون انتخاب رئيس الاقليم، والايمان ان الحرية السياسية والتحول الديمقراطي للسلطة يضمنا موقعهم في المجال الشعبي وتمثيلهم السياسي للمعارضة. وخلال تلك المرحلة، نسي التحالف نهائيا مسائل الحرية الشعبية، مثل حرية التعبير وحقوق المرأة.
أدى هذا الى حصول التوتر بين الاسلاميين بسبب الاسناد المتزايد للحريات من ناحية، ونقاشاتهم الحادة مع المثقفين ، من ناحية اخرى. فمثلاً ، ظهر الاسلاميون في ساحة السراي باعتبارهم قوة معارضة تطالب بالحرية، الا ان هذا لم يقلل من عدائهم للحريات الاجتماعية وحرية التعبير. وللتأكد من ذلك، اتخذوا موقفا ضد الكتاب والصحفيين والمثقفين مما دفع السلطات المحلية لمنع الكتب الادبية بحجة انها تهدد الاخلاق العامة وتهين الوجود الإلهي، مما أدى الى ابتعاد عدد من الكتاب والناشطين عما اطلق عليه الربيع الكردي.
أدت هذه الاحتجاجات الى العديد من النقاشات حول شخصية الاحزاب الدينية في كردستان، التي كانت في معظمها من الاحزاب الاسلامية السنية التي تأسست بشكل منفصل وتختلف عن بعضها في المسائل التكتيكية التي تتراوح بين الجهاد والمشاركة الحكومية.
وقد تأثرت الحركة الاسلامية الكردستانية التي أسسها الملا عبد العزيز في عام 1987 وتمكنت من الحصول على مقعد واحد في البرلمان الكردي بنموذج الاسلاميين الأفغان وتبنوا مبدأ التكفير في كل سلوكهم المدني.
في عام 1998، تكونت جبهة مؤقتة بين الحركة الاسلامية الكردستانية وحركة النهضة، وكلاهما برزا من تكوينات المدرسة الفكرية الخاصة بالاخوان المسلمين، وجرى تسمية الجبهة الجديدة بأسم حركة الوحدة، الا انها تفككت في كانون الاول 2001 بتأسيس حركة انصار الاسلام التي كانت من احدى المجاميع المتطرفة التي انشقت من الحركة الاسلامية الكردستانية واصبحت هدفاً للجيش الامريكي خلال عام 2003 اثناء احتلال العراق. وقد ارتكبت هذه المجموعة جرائم مشابهة لجرائم دولة الخلافة الاسلامية في العراق وبلاد الشام، بضمنها مجزرة ضد مؤيدي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في قرية خليل حمه قي ايلول 2001.
في شهر تموز 2001، جرى اعلان منظمة جند الاسلام، وفي اليوم الاول من ذلك الشهر، قامت المنظمة باصدار بيان اتهمت فيه الاحزاب العلمانية الكردية انها من الكفار وعملاء للاجانب.
خدمت كل هذه التحولات، بالاضافة الى الاختلافات بين الاحزاب القومية الكردية، لتكون ضربات صادمة للحركة الاسلامية الكردستانية، الا انها تلقت الضربة الكبرى عندما قرر احد زعمائها المدعو علي باقر الانشقاق من المجموعة عام 2001 واعلان تأسيس المجموعة الاسلامية الكردستانية. وبشكل عام، إنضم 80% من المسؤولين السياسيين والعسكريين في الحركة الاسلامية الى الزعيم الشاب، وبالتالي اضعفوا الحركة واصبحت من اضعف الحركات الاسلامية في كردستان.
وتعد المجموعة الاسلامية الكردستانية، بزعامة باقر، امتداداً للحركة الاسلامية الكردستانية، الا انها لا تمتلك الصفات الكردية المحلية ولكنها حصلت على خمسة مقاعد في البرلمان. واستندت التركيبة العقائدية والسياسية للمجموعة على الشخصية الكردية المتجذرة في الاسلام والتي لا تتردد في التعبير عن عدائها ضد المعالم العلمانية للنظام السياسي.
ومن المهم ذكره، ان مختلف الحركات الاسلامية الكردستانية توافقت حول نمط النظام السياسي، الا ان اهتمامهم الخاص كان في تطبق الشريعة الاسلامية، اضافة الى المشاركة مع المؤسسات السياسية والتشريعية، منعهم من اجتذاب الشباب. وعندما ننظر الى اهمية نسبة الشباب في الشعب الكردي الذين انضموا الى دولة الخلافة الاسلامية في العراق والشام سنكتشف ان الاحزاب الاسلامية والقومية الكردية فشلت في مواجهة دولة الخلافة الاسلامية عقائدياً.
ويختلف الاتحاد الاسلامي الكردستاني، بصفته فرعاً من حركة الاخوان المسلمين الكردية والذي تأسس في عام 1994، قليلاً عن بقية الاحزاب السياسية الاسلامية فيما يخص رؤيته حول الحكم بالشريعة الاسلامية.
وبالعكس من الحركة الاسلامية الكردستانية التي نشأت في ايران، تأسس الاتحاد الاسلامي الكردستاني في كردستان العراق ولكنه لا يمتلك جناحاً عسكرياً. وعلى كل حال، لا يميل الاتحاد الاسلامي الكردستاني الى الوضوح السياسي وانما الى السياسات السرية. كان الحزب، قبل تأسيسه، على شكل تنظيم اطلق عليه اسم الإغاثة الاسلامية ونجح في تحقيق حاضنة اجتماعية وثقافية ونفسية قبل ان يعلن عن نفسه كحزب سياسي. وقد تمكن من تحقيق ذلك من خلال الاعمال الخيرية وتوزيع الاحتياجات اليومية، مثل الطعام والملابس والرعاية الصحية والتعليم والاموال للمحتاجين. ومن خلال هذه السياسات الناعمة تمكن الاتحاد الاسلامي الكردستاني من بناء جيل جديد لبرامجه العقائدية والفكرية في نهايات التسعينات من القرن الماضي والعقد الاول من القرن الواحد والعشرين.
فضلا عن ذلك، نجحت المجموعة في استقطاب اعضائها – بضمنهم النساء – في المجالات الطبية والتربوية والهندسية والاعلام والعلوم الحديثة والمؤسسات الرئيسية في اقليم كردستان. وبهذه الطريقة لم تكن حركة الاخوان المسلمين الكردية مشابهة لمثيلاتها الاقليميين والدوليين وخصوصاً في مرونة الشخصية المدنية.
ومن خلال التعاون المناسب، من المحتمل ان القادة الاسلاميين تمكنوا من توحيد الاتحاد الاسلامي الكردستاني، والمجموعة الاسلامية الكردستانية والحركة الاسلامية الكردستانية. وبقي المبدأ الواضح في التفسيرات الدينية التي تبنتها دولة الخلافة الاسلامية ، وخصوصاً فيما يتعلق بسجن واستعباد الايزيديين، اضافة الى فرض الضرائب على المسيحيين في سوريا والعراق. ويعد هذا مطلباً ضاغطاً يجب التحدث عنه الان وفي المستقبل. ومن المهم ذكره ان بعض الاحزاب الاسلامية في اقليم كردستان تصورت ان دولة الخلافة الاسلامية ليست بإسلامية، بينما عد اخرون المجموعة انها اسلامية ولكن ليس بالشكل الصحيح. وفي هذا السياق، لا يجب ان ننسى سياسات واشنطن والاتحاد الاوربي انه لا يمكن تصور منطقة الشرق الاوسط بدون وجودهم.
ان كلا القطبين السياسين يعتقدون ان حماية الاقليات الدينية والعرقية، اضافة الى دمجهم في الانظمة الحكومية والحياة السياسية، يجب ان تكون من عوامل الحوكمة الجيدة ونجاج تنفيذ القيم العالمية. فضلا عن ذلك، ستمنع هذه السياسات حصول المزيد من الاعتداءات، كالتي اصابت الايزديين والمسيحيين في عام 2014.
ومن اجل مشاركة الاحزاب السياسة المذكورة آنفاً في الحياة السياسية وفي المؤسسات المنتخبة مثل البرلمان والحكومة، يجب ان تتخذ موقفاً واضحاً حول حرية التعبير والنشاطات الفكرية والادبية والفنية الخلاقة، ودور المرأة وحريات وحقوق الاقليات الدينية.
اضافةتعليق