لابد من وجود أمل لأجيال ولدت في ظل الجحيم ، الذي لم يُميز بين الشعب ، فكان الخيار ، انهم يريدون العيش ، ولكن بدون تقسيم
في خضم الصراعات العنيفة التي ضربت المنطقة ، وبالخصوص العراق في اعقاب حرب الخليج الثالثة والتي افضت الى دمار ممنهج في بنية الدولة العراقية عام 2003، وما تبعها من عمليات اقتتال داخلي طائفي ، تصاعدت وتيرته بعد احداث تفجير سامراء عام 2006، وذلك بتفجير ضريح الامامين العسكريين (ع) ، لتكون بداية الشرارة التي استعرت ، لتحرق العراق بأكمله ، لتكون الارض العراقية على موعداً مع الارهاب العالمي ، الذي بدأ ضيفاً ثقيلاً على العراقيين جميعهم ولسنوات طوال ومازال، فكانت العمليات الإرهابية تستهدف كل تجمع بشري ، حاصدة المزيد من ارواح الابرياء ، بدون تمييز بين العراقيين ، لتكون معضلة الارهاب ، من المعضلات التي اضافت هموماً لا تنجلي لهم ، وليس في الافق ، بصيصاً من ضوء ، ليكون العراق ، ارضاً وسكاناً وقوميات وطوائف ، اهدافاً سهلة للمجاميع الارهابية ، والتي استغلت كل الفرض المتاحة لها من اجل تدمير ما يمكن تدميره في هذا البلد ، لتزيد النعرات الطائفية ، والتي ارتفع صراخها ، لتكون دافعاً للانتقام ورد الفعل المعاكس ، والذي كان صادماً حقيقة بين مكونات الدولة الواحدة ، فكل فئة من الفئات التي اتخذت من الطائفة والمذهب شعاراً لها ، ارادت الوصول الى تحقيق اهدافها بشتى الوسائل والطرق ، حتى وان استلزم ذلك الامر ، الدماء الزاكيات ، ومن اجل ذلك ، نزف العراق الكثير من قرابينه للوصول لحالة الحرية والتي وُعد بها في بداية حرب اسقاط النظام ، ولكن لا حرية بدون ثمن ، بل كان ثمنها داخل العراق ، بلون الدماء احمراً قانياُ ، ومن اجل ذلك بدأ الفصل التقسيمي ، يطرق ابواب البلد الواحد ، منذ ان طرحها عرابو السياسة ، فكانت بدايات الحل ، هو تقسيم البلد ، عبر كانتونات طائفية ، مسيجة حدودها للقاطنين داخل اسوارها ، فكانت المشاريع تتوالى ، من خارج العراق ، وكأنها اللحظة المنتظرة ، فانطلقت الشعارات ، التي تؤيد هذا المشروع ، في مقابل تحشيد لأخر في اماكن تواجد المواطنين ، بدافع الخلاص من ذلك الشر الجديد ، وكأن حرب الحرية ، قد نضجت فكرتها ، وزاد المطبلون لذلك من وقع الشعارات التحريضية ضد ابناء المكونات الأخرى ، فكانت الدعوات الانفصالية ، تأتي من هنا وهناك ، بغية ايجاد الوقت المناسب لإعلان تقسيم الوطن الواحد ، وفي ضوء ذلك الطرح المأساوي المتشائم ، نجد انه لابد من وجود أمل لأجيال ولدت في ظل الجحيم ، الذي لم يُميز بين الشعب ، فكان الخيار ، انهم يريدون العيش ، ولكن بدون تقسيم ، وبدون شعارات تستفاد منها الطبقات المؤججة لخطر الانفصال ، فما من دعوة تُطلق من هنا أو هناك ، الا وكان ثمنها يُدفع بفواتير من خارج الحدود ، ويٌقبض ارواح العراقيين ، بالجملة ، بحوادث مًخطط لها بدقة وعناية ، لمزيداً من التناحر والاقتتال بين ابناء القوميات والطوائف والمذاهب ، وبعد تلك الطروحات الفكرية والتي اججتها مسألة تمكن داعش من احتلال ثلثي مساحة العراق ، لتًعلن الخلافة المزعومة ، وسط اجواء التناحر والذي كاد ان يؤدي بما تبقى من العراق ، ككيان ، انطلقت الدعوات للدفاع عن بقية الوطن ، بدعوة كفائية ، اساسها ان العراق للجميع ، وليس لفئة دون اخرى ، فكان الفوز العظيم ، بأيمان ابناء العراق ببلدهم ووحدته ، والتي فوتت على المتآمرين ، اكمال المشروع التقسيمي ، ولأجل ذلك ، لابد من تكملة لذلك المُنجز المُتحقق ، فتتجلى تلك الوقائع ، في دفع عجلة السلام نحو الامام ، في انطلاقة حقيقية لبناء وطناً مزقته ، مزايدات الاعداء ، ولبناء شعباً ، ارهقته الصراعات المقيتة والتي كلفته غالياً من دماء ، سالت ، لأجل مخططات قادمة من وراء الحدود ، وقبض اثمانها ، الجبناء.
ومن اجل اعادة ما كان لابد لنا من وقفة، لعلها تسهم في انضاج تجربة جديدة قائمة على اساس الوطن للكل، ومن اجل مشروع الوحدة بين ابناء الشعب، ورفض فكرة التقسيم، وذلك من خلال:
1-ان يعمل الجميع على اعلان البراءة من الافكار الهدامة والتي تغلغلت بغفلة ومن دون رادع داخل تلك المجتمعات والتي اراد منها الفكر الدخيل ، على اشاعة كل ما ليس له علاقة بالدين الاسلامي الحنيف ، من معتقدات باطلة ، وذلك من خلال المصالحة مع الذات اولاً ، ثم مع بقية الطوائف والقوميات .
2-تقديم مشاريع المصالحة المجتمعية ، وذلك بأطلاق برامج التوعية بمخاطر تلك الدعوات التي لا تريد للبلد سوى الدمار والخراب ، من خلال ان تلك التجربة القاسية ، لم تؤدي الا لتشريد السكان ، وقتل المواطنين بالجملة ، بحجج واهية ، وهي مخالفتهم للمعتقدات التي يعتنقها الارهابيون.
3-الشروع فوراً بحملة جمع الدعم المالي والمعنوي من المنظمات الدولية والدول والتي من الممكن ان تؤدي دعماً لجهود اعمار المناطق المتضررة، واعادة السكان الى مناطقهم بعد اعادة تأهيل البُنى التحتية والتي من اهمها خطوط نقل الطاقة الكهربائية والمياه الصالحة للشرب والمدارس وغيرها من مستلزمات الحياة.
4-اقامة مشاريع لدعم السكان المحليين واعادة ادماجهم في المجتمع من جديد ، وفقاً لخطط ودراسات تستند الى حقائق وتصورات ، لتعيد من فكرة ان السكان المحليين في تلك المناطق ، هم ضحايا لعمليات غسل الادمغة والتي اتبعتها المجاميع الارهابية ، وتصوير الاخرين على انهم أعداء لهم ، وبالتالي ، القضاء عليهم .
5-ارجاع ابناء تلك المناطق وخصوصاً الاطفال منهم ، الى مقاعد الدراسة والشروع فوراً بتهيئة كل المستلزمات المطلوبة لإتمام تلك العملية التربوية ، من خلال العمل على توعيتهم بأهداف التوعية لوطنية وترك ترسبات الفترة المظلمة والتي عاشوها في ظل تواجد تلك التنظيمات الارهابية ، لتكون حافزاً لتنمية الشعور الوطني والحماسة داخل نفوس تلك الشريحة والتي تعد من اساسيات العملية التصالحية وبالتالي تخريج جيلاً يحمل قيم الوطنية .
6-منع كل مظاهر الانتقام والتي من الممكن ان تحدث في تلك المناطق، في ظل انعدام القوى المسؤولة عن حفظ الأمن داخل تلك المدن ، والسماح بأخذ القانون مجراه ، للتعامل مع تلك الحالات والتي تسببت في قتل ارواح مواطنين ، ولذلك لابد من اعلاء كلمة القانون ، وهذا يتم ، عن طريق: اعادة فتح مراكز الشرطة والمباشرة بالقيام بالواجب المُلقى على عاتقها من حماية لأمن المواطنين الداخلي.
7-البدء بعمليات تقصًي واسعة عن العناصر الاجرامية والمطلوبة للقضاء ، وبالتالي تفعيل دور القضاء في الفصل بين المنازعات والتي قد تحدث نتيجة لما ورد في النقطة السابقة اعلاه.
8-التأكيد على اهمية عقد الحوارات المباشرة بين ابناء المكونات التي تضمها تلك المناطق ، في محاولة لإزالة حاجز انعدام الثقة بينها ، وبالتالي الاتفاق على ترتيبات للتعايش السلمي بينها .
9-التركيز على دور الزعامات العشائرية والشخصيات الاجتماعية المقبولة والنخب المجتمعية في تلك المناطق في حل المشاكل التي تعترض المواطنين ، باعتبار تلك الزعامات ، من دعائم المجتمع وتحضى بقبول فيها ، ولذلك من الممكن ان تساهم تلك الشخصيات في اعادة سلطة القانون بالاستناد الى الكاريزما التي يتحلون بها .
وهناك العديد من المنطلقات والتي من الممكن الاستفادة منها في سبيل تفعيل المصالحة المجتمعية لأبناء تلك المناطق المحررة، لتكون أنموذجا للتعايش السلمي بين المكونات .
اضافةتعليق