العقوبات الاقتصادية وفرص تقليص النفوذ القطري

شارك الموضوع :

اختارت دول الخليج الطوق الاقتصادي لخنق طموحات قطر في الهيمنة وتحريك بوصلة الاحداث في الخليج والوطن العربي

تؤكد الازمة الخليجية الراهنة ان اقتصاد الدول العربية لا يمكن استيعابه بدون الرؤية السياسية له. مؤخراً اعلنت ثلاث دول خليجية، السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى اليمن ومصر وليبيا والاردن وموريتانيا وجزر القمر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، العضو بمجلس التعاون الخليجي، بسبب دعم وتمويل حركات ارهابية متعددة في المنطقة. وقد اختارت دول الخليج الطوق الاقتصادي لخنق طموحات قطر في الهيمنة وتحريك بوصلة الاحداث في الخليج والوطن العربي، عبر اعتماد عدد من العقوبات الاقتصادية لتطويق وحصار الاقتصاد القطري وارغام الحكومة القطرية على الانصياع والخضوع لعدد من القواعد والسياسات التي تضمن انهاء الدور السياسي لقطر كلاعب رئيس في الاحداث الجارية التي شهدها الوطن العربي منذ مطلع القرن الحالي.

وقد اقرت دول الخليج المجاورة لقطر حزمة من العقوبات الاقتصادية المفاجئة والمؤلمة كان في مقدمتها إغلاق المسارات الجوية في وجه شركات الطيران القطرية وإغلاق المنفذ البري الوحيد لقطر والذي يربطها بالسعودية لأجل قطع الامدادات الغذائية والسلعية الاخرى عن الدوحة، بالإضافة الى قطع كافة العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية مع الاقتصاد القطري لأجل اضعاف الدور القطري في المنطقة. وقد بانت بعض نتائج العقوبات الاقتصادية الخليجية على الفور نظرا لانكشاف الاقتصاد القطري على السعودية والامارات بشكل كبير، ومن أبرز التداعيات الاقتصادية كان:

1- تهديد الامن الغذائي لقطر نتيجة انحسار التجارة البينية مع دول الخليج وغلق الطريق البري الوحيد مع السعودية (معبر أبو سمرة الحدودي الذي يشهد عبور 600 إلى 800 شاحنة يوميا)، ويؤمن قرابة 40% من احتياجات قطر الغذائية والسلعية المتنوعة. مما ينذر بشحة المعروض السلعي وارتفاع معدلات التضخم في قطر. 

2- تخفيض التصنيف الائتماني لديون قطر مع استمرار تدهور العلاقات الخليجية القطرية، وسط ارهاصات نزوح الاستثمارات المحلية والاجنبية خارج قطر. وقد خفضت وكالة ستاندرد آند بورز مؤخرا تصنيفها الائتماني للديون القطرية من ‭‭‭(AA)‬‬‬ إلى (‭AA-‬).‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

3- تعرض الريال القطري لضغوط كبيرة ادت الى انزلاقه لأدنى مستوياته في 11 عام نتيجة تعليق المعاملات البنكية الخليجية مع قطر، فقد أرجأت العديد من البنوك في السعودية والإمارات والبحرين تعاملاتها مع البنوك القطرية (مثل خطابات الاعتماد). وقد وجهت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي السعودي) البنوك في المملكة بعدم التعامل مع البنوك القطرية بالريال القطري. 

4- انهيار مؤشرات بورصة قطر للأوراق المالية يوم الاثنين الماضي بسبب الازمة الدبلوماسية مع السعودية والامارات والبحرين وعدد من الدول العربية، فقد هبط مؤشر بورصة قطر 7.3 % ليفقد أكثر من ثمانية مليارات دولار من قيمته، مسجلا أكبر هبوط منذ أواخر العام 2009 خلال الأزمة المالية العالمية وفقا لتقارير وكالة رويترز. 

5- تواجه الخطوط الوطنية القطرية خسائر كبرى نتيجة تعليق رحلاتها اليومية الى معظم دول الخليج والوطن العربي من جهة وتغيير مسارات الرحلات الدولية بعيدا عن المسارات المعتادة من جهة اخرى مما يطيل من امد الرحلات وكلفتها الاقتصادية ويقلص من جاذبية الدوحة كرابط دولي بين مختلف بلدان العالم.

6- تضمن قرار قطع العلاقات حظر سفر مواطني السعودية والإمارات والبحرين إلى قطر، أو العيش فيها، أو المرور عبرها، حسبما أفادت الحكومة السعودية، التي وضعت مهلة 14 يوما لمواطنيها لمغادرتها. والكثير من هؤلاء يعملون في قطاعات الهندسة والطب والقانون وكذلك الإنشاءات. ومن شأن فقدان هذه الأيدي العاملة بشكل مفاجئ التسبب في عرقلة عمل الشركات المحلية والدولية العاملة في قطر.

7- تجميد واردات المواد الاساسية المتدفقة عبر السعودية قد يسهم في تعطيل العديد من مشاريع البنية التحتية منها ميناء قطر الجديد والمنطقة الطبية ومشروع مترو الأنفاق وثمانية ملاعب استعدادا لبطولة كأس العالم 2022، وهذا جزء فقط من مشاريع إنشائية ضخمة تشهدها قطر منذ سنوات. 

وتشير المؤشرات الاقتصادية الجارية الى تعرض الاقتصاد القطري لصدمة حادة نتيجة قطع معظم العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية مع كبرى بلدان الخليج، واتجاه التوقعات حول تأزم الوضع الاقتصادي والمالي في البلد مع استمرار السعودية والامارات والبحرين عزل الامارة الصغيرة وتقزيم نفوذها السياسي في المنطقة والعالم. مع ذلك فان الاقتصاد القطري بما يمتلكه من موارد طبيعية (ثالث أكبر احتياطي غاز في العالم) مع أصول مالية ضخمة تصل لقرابة 335 مليار دولار وفائض تجاري صافي يقارب 2.7 مليار دولار في شهر ابريل فقط، وموانئ بحرية كبرى، سيكون قادر على تفادي العقوبات الخليجية والتكيف معها قريبا عبر تأمين منافذ جديدة للاستيراد والتصدير. خصوصاً مع تعهد تركيا وإيران ودول اخرى تأمين إمدادات الأغذية وغيرها من السلع الى قطر. 

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية