نددت منظمة حقوق الإنسان الدولية بانتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، وانه يجب على السعودية إلغاء المحكمة الجنائية المختصة التي أنشأت في 2008 للنظر في قضايا الإرهاب، والتي تم استعمالها لمحاكمة معارضين سلميين ونشطاء حقوقيين بتهم مسيسة دون احترام الإجراءات التي تضمن الحق في محاكمة عادلة، وفي نيسان عام 2016 قضت هذه المحكمة بسجن شخصين بسبب نشاطهما السلمي وما زالت تنظر في أربع قضايا أخرى من نفس النوع في انتهاك واضح لحق هؤلاء الأشخاص في حرية التعبير، وقال (كريستوف ويلكي) باحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في حقوق الإنسان الدولية (هيومن رايتس ووتش): إن محاكمة النشطاء السعوديين على أنهم إرهابيون فقط لأنهم تحدثوا عن سوء استخدام السلطات الحكومية، هو أمر يبرز استعداد السلطات السعودية لاتخاذ أية إجراءات لإخماد صوت المعارضة، إن محاكمة إصلاحيين سلميين في محكمة خاصة بالإرهاب يعكس الطبيعة السياسية لهذه المحكمة، ولا تشير التهم الموجهة إلى النشطاء الحقوقيين أو المعارضين إلى أنهم استعملوا العنف أو حرضوا عليه.
ودعت المفوضة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، السعودية ، إلى إطلاق سراح نشطاء تقول إنهم اعتقلوا بسبب مطالبة سلمية بالحريات وإلى الكف عن استخدام الجلد والتحقيق في مزاعم عن سوء معاملتهم. وفي بيان نادر ينتقد السعودية وهي حاليا عضو منتخب في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة عبرت المفوضة السامية نافي بيلاي عن هلعها بسبب إدانة وليد أبو الخير و” العقوبة القاسية” بحقه.
تاريخ انتهاك حقوق الإنسان في السعودية
لقد كانت حكم بني سعودي منذ تأسيس مملكته وتوطيد حكمه التي أرسا قواعدها بإراقة دماء المسلمين ومحاولة كسبهم بالمال تارة وبالإرهاب تارة أخرى، وكان الجيش الوهابي الملقب بجيش الإخوان صفة مشهورة عنه ذكر المؤرخون أنها قسوتهم ودمويتهم في التعامل مع من يقاومهم بزعم إن من يقاوم جيش الإخوان فإنما يقاوم جيش الله ورسول الله لان هؤلاء مثل إتباع الحركات التكفيرية في زمننا الحاضر كانوا يحلون دماء كل من لا يواليهم بزعم انه مشرك بالله أو كافر به ويستوجب القتل.
يركز معارضو الوهابية على إن جيشهم المسمى الإخوان انطلق في احتلاله للحجاز من رؤية عقيدية تكفيرية للمجتمع الحجازي حيث كانوا ينظرون إلى مكة والمدينة بوصفهما مدينتين مشركتين وأهلهما مشركين، هكذا تكشف الرسائل والوفود التي بعث بها المدعو محمد بن عبد الوهاب إلى علماء الحجاز حيث تبدو اللغة التكفيرية بارزة بصورة لافتة، واعتبر الوهابيون إن دخولهم إلى مكة والمدينة هو فتح يستوجب النهب والسلب والتدمير والقتل بحق من عارضهم، ويضيف الباحثون إن الوهابيين لم ينقلوا السلطة السياسية إلى الرياض فحسب بل نقلوا السلطة الدينية من مكة إلى بريده، وتعرضت المدارس والمذاهب الإسلامية الأربعة في الحجاز للقمع، وعلماؤها للفصل والطرد حتى لم يبق منهم اليوم سوى أعداد قليلة محاصرة بالقمع الفكري الطائفي الوهابي.
إن سياسة الإقصاء تجاه الآخر وتراكمات الماضي التي خلفت هذا الموروث من الحقد والكراهية تغذيها دوائر ذات نفوذ وتمتلك رصيداً ذهنياً بإمكانها أن تستخدمه في حرف الحقائق وقلبها، إنّ مبدأ تبادل المنافع والمصالح هو مبدأ غرائزي يقوم على أساس التعايش السلمي وبناء المجتمع ولكنه يستخدم في بعض الأحيان بطريقة انتهازية، كما هو الحال في سلطة بني سعود، فنلاحظ في التاريخ إن معظم الآيدولوجيات الفكرية والحركات الدينية قد اندثرت ولم يقدر لها أن تستمر بسبب عدم وجود دعم سياسي لها أي أنها لم تعتمد على مبدأ تبادل المنافع، لذا تقوم السلطات المستبدة باستخدام الدين لتثبيت السلطان وتعزيزه، لقد مرت دولة بني سعود بعدة حقب زمنية لتستقر أخيراً على دولة تحكم كامل شبه الجزيرة العربية بفضل التحالف ما بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود أمير مشيخة الدرعية في الحجاز على أن يكون هناك تقاسم ثنائي للسلطة حيث كانت ذات جناحين. جناح سياسي(بني سعود" أحفاد محمد بن سعود") وجناح ديني (آل الشيخ" أحفاد محمد بن عبد الوهاب").
لقد زادت نسبة الإعدامات في السعودية في عهد (سلمان بن عبد الملك) الذي تولى الحكم في 29 نيسان 2015 بعد وفاة (عبد الله بن عبد العزيز) في 23 كانون الثاني 2015 بعد أن حكم لمدة 9 سنوات ونصف، وعيّن الملك سلمان ابن أخيه محمد بن نايف وزيرا للداخلية ووليا للعهد، ونجله محمد بن سلمان وزيرا للدفاع وولي ولي العهد. هذه التغييرات في القيادة لم تؤد إلى تغيرات تُذكر في حقوق الإنسان، بل زادت الإعدامات على أساس سياسي وضد إبداء الرأي، وعلى مدار 2015 استمرت السلطات السعودية في الاعتقالات والإعدامات التعسفية والمحاكمات والإدانات للمعارضين السلميين ومنها إعدام الشيخ (نمر باقر النمر)، استمر قضاء عشرات المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء لفترات طويلة في السجن جراء انتقاد السلطات والمطالبة بإصلاحات سياسية وحقوقية، ومنهم الناشط السعودي في مجال حقوق الإنسان (رالف بدوي)، استمرت السلطات في التمييز ضد النساء والأقليات الدينية، وفي 26 آذار 2015، بدأ تحالف بقيادة السعودية في حملة من الغارات الجوية ضد القوات اليمنية والحوثيين في اليمن، اشتملت على استخدام الذخائر العنقودية المحظورة وضربات جوية غير قانونية قتلت الآلاف المدنيين.
فقد ارتفع عدد أحكام الإعدام المنفذة في السعودية منذ مطلع سنة 2016 إلى 48، اثر إعلان السعودية السبت إعدام 47 شخصا مدانين، أبرزهم عالم الدين الشيعي (نمر باقر النمر)، وأشارت منظمة هيومان رايتس ووتش إلى إن الإحكام التي نفذت كانت اكبر عملية "إعدام جماعي" في المملكة منذ 1980. ونفذت السعودية في 2015، 153 حكما بالإعدام على الأقل، بحسب إحصائية أعدتها وكالة فرانس برس استنادا لبيانات رسمية، وهذا العدد يزيد بشكل ملحوظ عن عام 2014، حيث سجل إعدام 87 شخصا.
من المؤكد إن العهد السعودي الجديد الذي بدأ بتولي ( سلمان بن عبد العزيز ) السلطة قبل عام تقريبا، يريد إن يعزز الانطباع الذي يقول بأنه "عهد الحزم" وممارسة سياسة القبضة الحديدية، والتخلي عن سياسة المهادنة التي اتبعها الملوك السابقون، وأول تطبيق لهذا التحول جاء من خلال إعلان الحرب في اليمن تحت ذريعة مواجهة النفوذ الإيراني، وها هو يستمر بهذا العدد الضخم من الإعدامات التي لم يحدث لها مثيل منذ عام 1980، حيث جرى إعدام 63 شخصا اقتحموا الحرم الملكي الشريف بقيادة الداعية (جهيمان العتيبي).
هذا غيض من فيض أفعال بني سعود في الماضي.. واليوم في زمن "الثورات العربية"، لا يزال النظام السعودي يفرض على شعبه جحيم القمع وقيوداً حولت السعودية إلى مكان أشبه بسجن كبير فتدهور هامش الحريات في المملكة وبات علامة فارقة ونموذجاً يدرس في إرهاب النظم التسلطية.
أسباب الإعدامات في السعودية:
1- الأسباب السياسية: من يعارض حكم العائلة الحاكمة من بني سعود أو المذهب الوهابي، لقد اعتمد بن عبد الوهاب على منهج ابن تيمية في تعضيد وتقوية السلطان الجائر، لقد ساهم تبني ذلك المنهج في تغيير الطبوغرافيا السياسية لشبه الجزيرة العربية، وكان للمصالح السياسية أثر في نجاح التحالف الذي تم ما بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود حيث كان بن عبد الوهاب يبحث جاهداً عن أرض مستوية لتكون قاعدة لنشر أفكاره بعد ن طرد أو واجه مواقف سياسية من المناطق التي مر بها وفي المقابل فإن بن سعود قد وجد ضالته المنشودة بابن عبد الوهاب من أجل إقناع القبائل العربية بحكمه عن طريق إضفاء الشرعية الدينية عليه والتي يتبناها بن عبد الوهاب، الحلف تم عام 1747 والذي اعتبر نواة الدولة السعودية، وكانت أول الدعوات والتي تعتبر البدايات الأولى للفتاوى التكفيرية والتي لعبت دوراً كبيراً في تثبيت السلطان هي فتاوى بن عبد الوهاب التي كانت تنص على تكفير المسلمين الذين يخالفون آراءه ولا يعتنقونها ، كما أن هذه الفتاوى كانت مصحوبة بدعم سياسي تشوبه القوة والاستبداد من الحاكم السياسي، وفي إحدى فتاواه يقول: (من ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة، وجبت طاعته وحرم الخروج عليه)، لقد اعتمدت مملكة آل سعود على الغطاء الديني الذي توفره لهم الحركة الوهابية لتثبيت سلطتهم ورفع شعار الدين وتصحيح المفاهيم الخاطئة حسب زعمهم للعقائد والمفاهيم الإسلامية، إنّ هذا الأسلوب له جذور تاريخية كما هو في الحكم الأموي والعباسي عندما كان يستخدم علماء السوء والبلاط لإصدار فتاوى تحض على طاعة الخلفاء بغض النظر عن عدالتهم وظلمهم وجورهم، فقد تم إعدام مئات من المعارضين للحكم السعودي بدعوى خروجهم على طاعة ولاة الأمر، وأخرهم الشيخ (باقر النمر) رحمه الله.
2- الأسباب الدينية: فقد جرت العادة في السعودية على إعدام كل من يخالفهم الرأي، وبدأو بسلسلة من المعارك وبتحالف مع الأخوان في أنحاء شبه الجزيرة العربية ظاهرها تطهير الجزيرة العربية وبالخصوص مكة والمدينة المنورة حسب زعمهم الباطل من البدع والآثار التكفيرية المتمثلة بالمراقد الإسلامية ذات القدسية لدى كافة المسلمين مثل قبور الأئمة عليهم السلام في البقيع والمساجد القديمة، بل تعدى الأمر إلى محاولتهم تدمير قبر الرسول(ص). فمن شعاراتهم(من عادى آل سعود يعادي الله، فخذ عدو الله لعهد الله واغدر به)، أما باطنها هو تثبيت حكمهم بالقهر والاستبداد، فعندما دخل سعود مكة المكرمة في اليوم الثامن من محرم 1218هـ وطلب من الناس الاجتماع بالمسجد الحرام، خطب فيهم قائلا:" احمدوا الله الذي هداكم للإسلام وأنقذكم من الشرك، أطلب منكم أن تبايعوني على دين الله ورسوله وتوالوا من والاه وتعادوا من عاده في السراء والضراء والسمع والطاعة"، وهذا دليل على تكفيرهم كل المذاهب الإسلامية، وهي الفكرة التي لازالت مستمرة لحد ألان في عقول المتطرفين والإرهابيين في سوريا والعراق وغيرها من بلدان العالم الإسلامي، ويستخدمون ذات الأساليب في القتل والتدمير.
3- أسباب إبداء الرأي: المطالبة بالديمقراطية وحرية الرأي في السعودية تعد من المحرمات والتي يعاقب عليها القانون، وهي من العقوبات التي لم يجد لها سند لا في الشريعة الإسلامية أو القانون الوضعي، فقد أكدت الشريعة الإسلامية على حق الإنسان في إبداء الرأي، كذلك المطالبة بحقوقه السياسية والاقتصادية والوقوف بوجه الحاكم الظالم، فقد تم اعتقال مبارك بن زعير في 20 آذار 2011، وتضمنت لائحة طويلة من التهم المتعلقة بمواقف دينية وسياسية عبر عنها بشكل علني، وتعطيل شؤون الحاكم، وعدم الامتثال للقوانين والمشاركة في تجمع غير مرخص له وبث الفتنة وعدم طاعة علماء الدين،وقضت المحكمة الجنائية المختصة في محاكمة (خالد الجهني) الذي تحدث إلى صحفيين دوليين في ما عرف بيوم الغضب السعودي في 11 آذار 2011 وطالب الجهني بالديمقراطية وحرية التعبير في لقائه مع بي بي سي، ولكن تم اعتقاله في نفس المكان، وفي نسيان من عام 2012، أصدر القضاء السعودي حكماً بسجن (محمد البجادي) لمدة أربع سنوات ومنعه من السفر إلى الخارج لمدة خمس سنوات أخرى بتهمة إنشاء منظمة حقوقية وتشويه سمعة الدولة في الإعلام وحيازة كتب محظورة، والكثير من الاعتقالات التي طالت العديد من المفكرين والمثقفين السعوديين لأسباب واهية بهدف كم الأفواه، الأمر الذي أدى إلى انتفاضة في المنطقة الشرقية في شباط 2011، داعية إلى الكف عن التمييز الديني والمساواة في الحقوق والأغلبية السنية، إلا أن قوات الأمن أقدمت على استعمال السلاح وإطلاق النار أثناء مسيرات سلمية في المنطقة الشرقية.
4- الأسباب الجنائية: هي جرائم الاغتصاب والقتل والردة والسطو المسلح وتجارة المخدرات وممارسة السحر، وهي قليلة جدا قياسا بالأسباب الدينية والسياسية إذ قدرت منظمة حقوق الإنسان الدولية إن نسبة الإعدامات لأسباب جنائية بلغ عام 2016، 47% من مجموع الإعدامات وهذا يشير إلى إن ما تبقى منها هو لأسباب سياسية ودينية ولأسباب إبداء الرأي، إذ يتم في بعض الأحيان تغليف الإعدامات لأسباب دينية وسياسية بأسباب جنائية مثل حيازة المخدرات أو الاغتصاب أو السرقة، وغيرها، علما إن هناك من يقوم بتجارة المخدرات والممنوعات وبكميات كبيرة جدا، وبعضهم من العائلة المالكة دون إن تطاله العقوبة بالإعدام، ومنها قيام الأمير السعودي بتهريب كميات كبيرة من المخدرات تم ضبطها في لبنان،،
5- أن الرسالة الأقوى من هذه الإعدامات تتمثل في إقناع السعوديين بعدم جدوى الاحتجاجات ضد النظام السعودي وزرع اليأس في نفوس المواطنين، وان عليهم القبول والخنوع لنظام الحكم.
وإذا كان الهدف من تنفيذ أحكام الإعدام بالرصاص، أو بحد السيف، في حق المتهمين في السعودية هو إرهاب الآخرين، ومنعهم من الإقدام على إي أعمال احتجاج، أو هجمات، وعنف وإبداء رأي معارض ضد النظام ومؤسساته ومصالحه، فأن تنفيذ أحكام الإعدام هذه ستترتب عليها أعمال انتقامية، وردود فعل خطيرة، مما قد ينعكس سلبا على امن المملكة واستقرارها، ويصب المزيد من الزيت على نار مشاكلها الأمنية المتفاقمة، ويزيد من ضخامة حجم ملفها المتعلق بغياب الحريات والقضاء العادل، ناهيك عن استقلاليته، وانتهاك حقوق الإنسان، وما قد يترتب عليها من ردود فعل، ونتائج قد تكون عكسية تماما، وسوف تتوسع الاحتجاجات والإدانات الدولية للنظام، وسيجد النظام في نهاية المطاف نفسه في موقف المدافع بدلا من الهجوم.