ألقى رئيس الوزراء الدكتور (حيدر ألعبادي) في 5 أيار 2016، خطابا عاما حول الأحداث الأخيرة في العراق، وخاصة دخول المتظاهرين للمنطقة الخضراء واعتصامهم داخل البرلمان، إذ أكد على أهمية الحفاظ على السلم الأهلي في العراق، والحفاظ على هيبة مؤسسات الدولة العراقية، وان مجلس النواب هو القاعدة الأساسية للعملية السياسية في العراق، واستنكر الاعتداء على بعض أعضاء مجلس النواب من قبل المتظاهرين، وأكد إن الحكومة سوف تحاسب كل من يحاول المساس بأمن البلاد أو الاعتداء على مؤسسات الدولة، كما أكد إن النظام البرلماني في العراق لا يمكن إن يدار بدون الشرطة الوطنية، والتشاور بين كل العراقيين في الأمور المهمة للبلاد، وفي الختام حيا القوات المسلحة على جهودها المبذولة في الدفاع عن العراق ضد عصابات داعش الإرهابية.
فلو عدنا إلى بداية الإصلاح في العراق، نرى إنها بدأت منذ أب عام 2015، وهي مستمرة إلى ألان، ولو إن بعض المتابعين للأحداث يرى إن حركة الإصلاح تمتد إلى عام 2011، عندما ثار الشعب في ساحة التحرير والمحافظات الأخرى ضد سوء الخدمات والفساد المستشري، وقد أعطى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وقتها وعدا بالإصلاح خلال مدة مئة يوم، إلا إن أي من المواعيد لم ينفذ وبقي الأمر على حاله بل زاد الطين بله دخول عصابات الإرهاب والمتمثلة بتنظيم داعش إلى العراق واستيلائها على مساحات واسعة منه عام 2014، لهذا بدأت الحركة الإصلاحية بشكلها المنظم في أب 2015، وهي مدعومة من المرجعية الدينية وكافة فئات الشعب العراقي، وكانت مطالبها واضحة وهي حكومة مستقلين (تكنوقراط)، ومحاسبة الفاسدين وإعادة الأموال المنهوبة من العراق، وتوفير الخدمات، وإنهاء المحاصصة الطائفية والقومية، وتعديل الدستور، ومنذ ذلك التاريخ إلى ألان وهذه المطالب تراوح مكانها دون أي تقدم أو تنفيذ واضح.
في هذه الفترة وبعد هذه المقدمة تطرح عدد من الأسئلة عما يجري في العراق، هل هي ثورة حقيقية للإصلاح قام بها الشعب ضد الفساد وسوء الخدمات؟ أم إن هناك أطراف أخرى تقف ورائها؟ وما هي مستقبل هذه الحركة الإصلاحية؟
هذه الأسئلة مطروحة الآن علی الساحة العراقية بقوة، والمواطن العراقي لا يعرف المصير الذي ينتظره، فمرة يكون مع هذا، ومرة يكون مع ذاك، وثالثة مع المرجعية، ورابعة مع الحكومة وخامسة ضدها وهكذا، أمر مربك ليس للمواطنين العراقيين الذين لا حول لهم ولا قوة، وإنما لجهات عديدة لا تری غير المجهول الذي ينتظر الشعب العراقي.
لقد شهد العراق حراكاً شعبيا واسعا في بداية الأمر من اجل إصلاح الوضع في البلاد وخاصة الخدمات وتحسين الإدارة وإنهاء المحاصصة الحزبية في الحكم، وإعادة الموال المنهوبة، وتحسين الواقع ألمعاشي للبلاد وتحقيق الأمن وتحرير المدن من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، وقد انظم للحراك الشعبي حراكا أخر من داخل البرلمان، وقد بدأت الاعتصامات الشعبية على أبواب الخضراء، والبرلمانية داخل البرلمان، ثم اقتحام البرلمان من قبل المتظاهرين الذين انسحبوا منه، حتى وصل الأمر إلى المطالبة بحل البرلمان العراقي والإطاحة بالرئاسات الثلاث فيما يقف طرف أخر على حدود الدستور والآليات الديمقراطية، من خلال تشكيل لجنة من الخبراء و الحكماء المستقلين بموافقة مجلس النواب، إن حركة المطالبة بالإصلاح من قبل الشعب لم تأتي من فراغ بل جاءت من معانات المواطن الفقير المسلوب الإرادة، فقد وصل الشعب العراقي إلى طريق مسدود مع الأحزاب المتنفذة والتي كانت ولازالت تعارض أي حركة إصلاحية من خارج أحزابها وكتلها.
من هذه المطالب انطلقت الحكومة العراقية بتقديم مشاريعها الإصلاحية، التي تم رفضها من اغلب اللجان البرلمانية المختصة وكتل سياسية مهمة، فقد قدم رئيس الوزراء مرشحي الظرف المغلق الذي قدمه إلى رئيس مجلس النواب في (31 مارس 2016) تشكيلة حكومته الجديدة متضمنة 16 وزيرا مع الإبقاء على وزيري الدفاع والداخلية للضرورة الأمنية ، وتعالت الأصوات المطالبة برفض كابنته التي لا تمثل التكنوقراط الحقيقي بحسب الكتل السياسية، ثم قدم لائحة جديدة من 22 وزير ليتم التصويت عليها، هي الأخرى لازالت تراوح مكانها بسبب انقسام مجلس النواب بين معارض ومؤيد لرئيس البرلمان الذي تم إقالته هو الأخر في جلسة للبرلمان لازال الجدال حول دستوريتها قائما، فتم التصويت على خمس وزراء جدد فقط، مع ان اغلب المراقبين يرون انب عظهم لم يكن من التكنوقراط، بل أشخاص تابعين لأحزاب سياسية.
إن حركة الإصلاح التي انطلقت بإرادة شعبية مطالبة بالإصلاح الحقيقي انتهت إلى حركة تقودها بعض الأحزاب السياسية، فقد دخلت اغلب الأحزاب السياسية على خط الإصلاح، وحركت أنصارها إلى الشارع، وقد وصل الأمر بها إلى الاعتصام داخل البرلمان، ثم التصادم فيما بينها، وتحولت الحركة الإصلاحية من حركة شعبية مطالبة بالإصلاح إلى حركة حزبية متصارعة فيما بينها، لهذا لم تعد هذه الحركة ذات طابع شعبي بل أصبحت تقاد من قبل أحزاب سياسية لها أجندتها الخاصة، وبهذا فان الإصلاح المنشود أصبح تحت رحمت هذه الأحزاب.
كما إن دول الإقليم هي الأخرى دخلت على خط الأزمة من خلال تحريك قواعدها وأنصارها في العراق، من اجل إجهاض عملية الإصلاح، لان الإصلاح يعني إخراج أنصارهم من الحكم، وهو ليس في صالح نفوذ هذه الدول التي تحاول جاهدة استمرار نفوذها في العراق بأي وسيلة كانت، كما إننا لا ننسى الدور الأمريكي المعرقل لأي إصلاح حقيقي في العراق، فهو الذي جاء بالمحاصصة الطائفية والقومية للعراق بعد عام 2003، وهو لازال يدعم جهة على حساب جهة أخرى لاستمرار الانقسام في العراق.
قد يرى المتابع للأحداث إن الحكومة العراقية برئاسة (حيدر ألعبادي) قد رضخت سريعاً لمطالب المتظاهرين عندما طرحت حزمة الإصلاحات في مراحلها المتعددة واعده بطرح المزيد منها، إلا إن حقيقة الأمر إن هذه الإصلاحات بعيدة عن مطالب المتظاهرين الذين طالبوا بها ومنها سوء الإدارة وإعادة الأموال المنهوبة، وسوء الخدمات وخصوصاً الكهرباء التي صرف عليها منذ العام 2003 ولحد الآن ما يقارب 40 بليون دولار، إذ اتجهت الحكومة إلى إلغاء مناصب حكومية اختيرت بعناية من قبل المحاصصة السياسية والطائفية التي تحكم البلد، ففي الوقت الذي يطالب المتظاهرون بمعالجة الفساد المالي والإداري المستشري، تبادر الحكومة إلى إلغاء مناصب وإزالة حراس بهدف التقشف الاقتصادي وليس إزالة بذور الفساد، وتحولت مطالب المتظاهرين لإلغاء المحاصصة السياسية والطائفية، إلى تقليص والوزارات من خلال دمجها، وتحول مطلب التكنوقراط الحكومي إلى عملية جديدة وهي تكنوقراط الأحزاب السياسية.
وفي ما يخص مستقبل إصلاح المنظومة الحكومية وإنهاء الطائفية والمذهبية فإن الحكومة العراقية الحالية عاجزة عن تغيّر هذه المعادلة التي تحكم العراق حالياً لأنها لاقت المعارضة الشديدة ليس من قبل الإطراف الأخرى مثل الكتل السنية والكردية، وإنما لاقت معارضة من أعضاء الائتلاف الوطني الممثل العام للشيعة الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء، وقد أثبت المشهد العراقي إن لا أحد من الفرقاء السياسيين مستعد للتنازل عن امتيازاته التي أوجدتها المحاصصة بما تحتويه من امتيازات مالية وشرفية، ويرى العديد من الخبراء في الشأن العراقيان القوى السياسية هي طرف و جزء من المشكلة أكثر من كونها جزء مساهم في الحل، كما إن خطاب رئيس الوزراء الأخير وتأكيده على مبدأ الشراكة الوطنية ما هو إلا دليل على التزام الحكومة بالمحاصصة في الحكم، وعدم تجاوزه في هذه المرحلة، كما إن تأكيد رئيس الوزراء على محاربة الإرهاب هو الأخر يكشف إن هم الحكومة العراقية حاليا هو الوضع الأمني ومعالجته بكل السبل، وانه له الأولوية على كل الإصلاحات.
والخلل واضح ومشخص يتحمله بعض الأشخاص في الحكم وخارجه والقوانين التي سنت لتمكين هؤلاء الأشخاص من الاستمرار في السيطرة على مفاصل الدولة، فإيكال مناصب الدولة لشخصيات على أساس الولاء الحزبي والمناطقي، وتعمد البيروقراطية الإدارية وتعميق المركزية، ومع اختلاف المفهوم بين الإصلاح والتغيير، فإن غاية الشعب بناء دولة تمنع التسلط والاستئثار، وتكرم المُحسن كعقاب للمسيء، ولا يمكن إصلاح دولة مفاصلها رخوة وخطابها مشتت، ولا بناء دون قواعد قوية، ولو غيرنا في السنة الواحدة ألف وزير، فلن يستطيع العمل وللفساد منظومة ودعامات، وهيئات تفقد استقلاليتها بحزبيتها وفئويتها، وإدارات بالوكالة، والفساد واضح للعيان.
اضافةتعليق