العتبات المقدسة تشكو مليشيا كتائب الامام علي

في سابقة خطيرة، ولا تخلو من دلالة كبيرة، رفعت العتبات المقدسة في مدينة كربلاء المقدسة ، وتحديدا الأمين العام للعتبة العباسية في الثاني والعشرين من شهر آب الماضي الى القائد العام للقوات المسلحة ، رئيس الوزراء حسب الدستور العراقي لسنة 2005، والى سكرتيره العسكري الخاص الفريق عبد الكريم السوداني، كتابا تشكو فيه من تصرفات عدد من افراد مليشيا كتائب الامام علي _أحد ألوية هيئة الحشد الشعبي_  التي جرت خلال زيارة الأربعين السنوية الى الامام الحسين عليه السلام في كربلاء، والتي تعد الحدث الأبرز والاهم بين الطقوس السنوية المقدسة لشيعة العراق والعالم. 

لقد أشار كتاب الشكوى الى تصرفات "وحشية وعنيفة" قام بها افراد من كتائب الامام علي ضد السائقين المنتسبين الى العتبة العباسية على الرغم من امتلاك الضحايا الى الباجات التعريفية للعتبة، وطالب الكتاب رئاسة الوزراء بردع هذه التصرفات كونها مخالفة للشرع والعرف والقانون، وتدخل الرعب في نفوس زوار مدينة كربلاء المقدسة، وترسم صورة غير حسنة عن الحشد الشعبي.

من هي كتائب الامام علي؟

تنتمي كتائب الامام علي الى الوية هيئة الحشد الشعبي القريبة من طهران، ولها ارتباطات وثيقة بأطراف معسكر المقاومة المتواجدة في سوريا ولبنان، وقد ظهرت كتنظيم قتالي مدعوم من فيلق القدس الإيراني بعد فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها السيد السيستاني الذي يمثل المرجع الشيعي الكبير في النجف عقب سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل سنة 2014 وتمدد خطره الى أجزاء أخرى من العراق، لاسيما المدن الشيعية المقدسة في بغداد وسامراء وكربلاء والنجف. وشارك هذا التنظيم سنة 2014 بفاعلية في معارك تحرير المدن من داعش، ثم ما لبث ان اوجد لنفسه نقطة ارتكاز في سوريا تحت شعار الدفاع عن مرقد السيدة زينب في دمشق، ويبلغ عدد مقاتلي التنظيم حسب رأي مايكل نايتس وعدد من زملائه المشاركين في كتابة مقال عن الكتائب في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بضعة الالاف، اذ يصلون في اعلى إحصائية لهم الى 8000 مقاتل في العراق، فضلا على 1000 مقاتل في سوريا. 

وبعد هزيمة تنظيم داعش في نهاية 2017 انشغلت الكتائب في الحصول على حصة مهمة من المشاريع الاقتصادية والاستثمارية داخل العراق، فضلا على لعبها دورا مهما في الحوارات السياسية بين قادة معسكر المقاومة العراقية، لا سيما هادي العامري زعيم منظمة بدر، وقيس الخزعلي زعيم عصائب اهل الحق، واكرم الكعبي الأمين العام لحركة حزب الله النجباء وغيرهم، ومن ابرز قادة هذا الكتائب شبل الزيدي، وايوب فالح حسن الربيعي المعروف بـ(أبو عزرائيل)، ومحمد عدنان الباوي، وتندرج الكتائب تحت تشكيل اللواء (40) في هيئة الحشد الشعبي، وسبق لها ان وقعت في مشاكل عدة في مناطق أخرى من العراق نتيجة المواقف المتشنجة من بعض افراده مع افراد من تنظيمات عسكرية مختلفة. 

خطورة شكوى العتبة العباسية

تعود خطورة كتاب الشكوى الذي رفعه الأمين العام للعتبة العباسية في كربلاء الى أسباب عدة منها:

1- انه صادر من أقدس الأماكن عند الشيعة وهي مدينة كربلاء المقدسة التي تضم في داخلها ضريح الامام الحسين بن علي بن ابي طالب وأخيه العباس عليهم السلام، وحصول الإساءة في مثل هذه المدينة يجعل الإساءة في غيرها من المدن والأماكن أكثر سهولة، لاسيما إذا كانت تلك الأماكن متهمة بالإرهاب او تنتمي الى مجتمعات متهمة بالتواطؤ يوما ما مع الإرهابيين.

2- انها حصلت في المكان الذي انطلقت منه فتوى الجهاد الكفائي للمرجع السيستاني، تلك الفتوى التي وفرت الغطاء الشرعي والقانوني لجميع الفصائل والتنظيمات العسكرية التي انخرطت في القتال ضد داعش أولا، ثم انخرطت في العمل السياسي والاقتصادي بعد ذلك، فكما معروف ان الفتوى تم إعلانها من داخل العتبة الحسينية المقدسة من قبل ممثل المرجع السيستاني يوم 13 حزيران سنة 2014 بعد ثلاثة أيام على سقوط الموصل بيد داعش، وإساءة تصرف افراد الكتائب في مثل هذا المكان خطيئة لا تغتفر، ولذلك عدها امين عام العتبة العباسية مخالفة للعرف والشرع والقانون، وهي ستؤثر بلا شك على الشرعية الدينية لوجود هذا التنظيم في حال تكرارها.

3- حصول الإساءة في طقوس دينية يعدها الشيعة العراقيون بشكل خاص رمزا لهويتهم التي تعكس مظلوميتهم، ويحرصون فيها على تقديم الخدمات لزوار مدينتهم المقدسة، ولا يتوقعون ابدا خلالها قيام بعض الافراد بتصرفات غير لائقة تشوه الزيارة، وتلحق الأذى بزوار المدينة من العراقيين والأجانب.

4- تعرض افراد العتبة العباسية لمعاملة "عنيفة ووحشية" كما وصفها كتاب الشكوى، على الرغم من حملهم لباجاتهم التعريفية التي تظهر جهة انتسابهم، مؤشر خطير على سلوكيات افراد الكتائب، واحتمال تكرار افعالهم (العنيفة والوحشية) ضد العراقيين في أماكن أخرى لا يتمتعون بنفس الامتيازات التي يتمتع بها الافراد المنتسبين للعتبة، فكما هو معروف في العراق بعد سنة 2003 تكتسب العتبات المقدسة والعاملين فيها، لا سيما العتبتين الحسينية والعباسية سلطة مادية ومعنوية كبيرة داخل أروقة السلطة العراقية، بل أحيانا يعدها البعض سلطة خاصة روحية فوق جميع السلطات. وعليه فان حصول ما حصل للعاملين فيها يعكس جرأة كبيرة من افراد كتائب الامام علي، ودليل على ان قياداتهم بحاجة الى مراجعة شاملة لأليات التعامل المتعارف عليها بينهم مع الاخرين، فضلا على مراجعة نوعية الافراد المنتسبين لها.

5- ان كتاب العتبة العباسية لم يعد التصرف الذي قام به المنتسبون الى كتائب الامام علي تصرفا خاصا بتنظيمهم المسلح، بل انه عده إساءة كاملة لكل هيئة الحشد الشعبي، وان ما حصل سوف يؤثر على سمعة الهيئة وتأثيرها في نفوس العراقيين، وربما مدى تأثيرها وقربها من مرجعية النجف الدينية، اذ لا يمكن ان يصدر مثل هكذا كتاب شديد اللهجة ضد فصيل من فصائل هيئة الحشد الشعبي بدون استشارة ومباركة مسبقة من مرجعية النجف، وهو يحمل في ثناياه استعدادا كامنا للتصعيد بين الطرفين ( المرجعية وهيئة الحشد الشعبي) في حال عدم مراجعة الأخيرة لسلوكها ومواقفها من المرجعية والمؤسسات والافراد الذين يمثلونها.

كلمة أخيرة

من الخطأ الجسيم ان تمر الفصائل المسلحة على كتاب شكوى العتبة العباسية مرور الكرام، كما فعلت لحد الان، فهو كتاب خطير الدلالات، ويعكس استعدادا ضمنيا لدى مرجعية النجف للتصعيد ضد هذه الفصائل، وربما نزع الشرعية عنها في لحظة ما، وقد يشي -أيضا- بوجود صراع داخلي (شيعي-شيعي) فيما يتعلق بالقيادة الدينية، قد تتكشف مظاهره المزعجة بعد غياب السيد السيستاني.

التعليقات