بما ان المقاربة الحالية بين الأمريكان وقوى الإطار التنسيقي، تحكمها المواقف والمصالح السياسية والحزبية الفئوية الحرجة، وليس المصالح القومية العليا للبلد، ولاسيما تلك المصالح التي تقوم على اساس الرؤية الرسمية وتخطيط الدوائر المعنية، فأن السيد السوداني لا يمكن ان يلعب دورا أكبر في رسم تلك المقاربة بين الأمريكان والإطار التنسيقي على المدى المتوسط والبعيد
يرى اغلب المتخصصين والمهتمين بالشأن السياسي العراقي، بأن الحكومة الحالية التي تكفل بتشكيلها الإطار التنسيقي مع القوى السنية والكردية بمعزل عن التيار الصدري وقوى الاحتجاج الشعبي وبعض القوى السياسية الناشئة، ومواقف المرجعية الدينية المسبقة، قد تكون حكومة الفرصة الاخيرة لهذه القوى، ولاسيما في ظل مقاطعة الصدريين والتشرينيين لها؛ لهذا ربما نصف قرار الإطار التنسيقي وتكفله بتشكيل الحكومة الحالية وسط كل هذه التحديات، بانه قرار شجاع. نعم، قد يكون للتطورات السياسية الدولية والإقليمية، ولاسيما فيما يتعلق بالأزمة الروسية – الاوكرانية، وأزمة الطاقة التي ضربت أوروبا وارتفاع اسعار النفط العالية، فضلاً عن المتغيرات السياسية المحلية التي حصلت في البيئة السياسية العراقية بعد انتخابات العاشر من تشرين الاول عام 2021، دور كبير في تشكيل الحكومة الحالية والدعم الدولي والاقليمي الذي تلقته حكومة الإطار التنسيقي برئاسة السيد السوداني، ولاسيما فيما يتعلق بالموقف الأمريكي وطبيعة العلاقة بين الأمريكان وقوى الإطار التنسيقي. لربما هناك من يسأل عن سبب تسمية الحكومة الحالية بحكومة الإطار على الرغم من انها حكومة توافقية، ولعلنا نريد من ذلك ان نحاكمها بهذا الاسم بالنجاح او الفشل؛ لكون قوى الإطار التنسيقي هي التي تكفلت بتشكيلها بالضد من مشروع التيار الصدري او ما سمي بحكومة الاغلبية الوطنية، ودفعت بتشكيلة وزارية حزبية مجربة في اغلبها – على خلاف ما يريده الشارع والمرجعية الدينية – بهدف النجاح وكتحدي للجهات السياسية والشعبية المناهضة لها؛ لهذا لا نريدها – الحكومة الحالية – ان تكون فاقدة الهوية السياسية كالحكومات السابقة، وان تتحمل مسؤولية النجاح والفشل بشكل متساوي.
لا نريد ان نخوض في التحديات والملفات التي تقف بوجه الحكومة الحالية، بقدر ما نريد ان نستطلع الموقف الأمريكي منها، وامكانية تحقيق مقاربة بين الولايات المتحدة الأمريكية وقوى الإطار التنسيقي، ولاسيما تلك القوى التي تمتلك فصائل مسلحة وقريبة سياسياً وايديولوجياً من إيران.
على الرغم من الجدلية التي تميزت بها العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية بعد عام 2003، وعلاقتها بالقوى السياسية العراقية بشكل عام، فالعلاقة على الصعيد الرسمي قد تكون ثابتة بالنسبة للأمريكان، فالعراق مهم جداً في الإدراك الاستراتيجي الامريكي، وهو قيمة ثابتة في حسابات المصالح الأمريكية، أما على مستوى القوى السياسية، فان الولايات المتحدة دولة براغماتية، تتغير تحالفاتها بتغير مصالحها، وهذا طبيعي جداً يميز كل العلاقات الدولية وربما البشرية ايضاً. فعلاقة الأمريكان بالقوى السياسية العراقية لا يخضع للقياس، فمثلاً نجد علاقاتها بأغلب القوى السياسية الكردية علاقة قوية لم تتبدل او تتغير على الرغم من تبدلها اتجاه القوى السياسية العراقية الاخرى، كالقوى السنية والشيعية. وهذا التغير لا يخضع إلى المبادئ والقيم السياسية التي تتمتع بها تلك القوى بقدر ما يخضع للمصالح السياسية والاقتصادية التي تؤّمن لها ديمومتها السياسية وتطيل من امدها في السلطة. فعلاقة الأمريكان تصدعت كثيراً بالقوى السياسية الشيعية واثرت كثيراً على إدارة الحكم والتجربة الديمقراطية في العراق، ولاسيما بعد الانسحاب الأمريكي عام 2011. وعلى الرغم من هذا التصدع، الا ان القوى السياسية الشيعية انقسمت على نفسها من الموقف الأمريكي وطبيعة وجوده في العراق وآليات التعامل معه (محلياً وإقليمياً) ولاسيما في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. فعندما تولت إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن مقاليد السُلطة، كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق على وشك الانقطاع أو شبه معدومة، وكانت نظرة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البلاد يتخللها العامل الإيراني والفصائل الموالية له بشكل أساسي؛ مما دفع واشنطن في كثير من الأحيان إلى المحاربة من أجل إنهاء خلافاتها مع طهران على الأراضي العراقية، إلا أن إدارة بايدن نجحت في تخفيف من حدة التوترات ووعد بالتعامل مع بغداد على حدة، وبعيداً عن موقف واشنطن من طهران، لكن بقي الملف العراقي ودور إيران فيه طرفاً في مفاوضات الملف النووي، وقد تبدل الموقف الأمريكي بعد الانتخابات التشريعية العراقية التي جرت نهاية العام الماضي، فقد اوقف واشطن انخراطها في الشأن العراقي، وبقيت متفرجة إلى ما تؤول عليه انقسامات القوى السياسية العراقية، ولاسيما بين القوى الشيعية (الإطار والتيار)، إلا ان التطورات الإقليمية والدولية، سواء فيما يتعلق بالموقف السعودي وتخفيض صادراته النفطية او بالأزمة الروسية – الاوكرانية وتداعياتها الدولية، أو ما يتعلق بأصولية التيار الصدري السياسية وتصديه لتشكيل الحكومة العراقية؛ لهذا استثمرت الولايات المتحدة مخاوف قوى الإطار التنسيقي من توجهات منافسيه على تشكيل الحكومة والتطورات الدولية والاقليمية لصالحها بدعم قوى الإطار التنسيقي المفاجئ في عملية تشكيل الحكومة، ورحبت بحكومة السوداني بشكل غير مسبوق عن كل الحكومات السابقة، بشكل ينم عن طبيعة المنفعة المتبادلة التي من الممكن ان يتحّصل عليها الطرفين من تشكيل الحكومة الحالية، ولاسيما ان الأمريكان قد استثمروا مخاوف الإطار التنسيقي وارادتهم السياسية بتشكيل الحكومة بالالتزام الكامل باتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين بغداد وواشنطن وتعهده الكامل بعدم تكرار صواريخ الكاتيوشا على السفارات والبعثات الدبلوماسية او التعرض للمصالح الأمريكية في العراق على الاقل في الفترة الحالية، وهذه الفترة ربما تطول او تقصر بمدى التزامها حكومة الإطار التنسيقي بتلك التعهدات. فما دامت هناك مصالح محفوظة للطرفين، وهناك تحديات ومخاطر قد تكون قاسية على طرف دون أخر، فمن المؤكد أن نشاهد حالة الهدوء النسبي التي تسود الوضع العراقي أو فيما يتعلق بخطاب فصائل المقاومة اتجاه الأمريكان ودور الولايات المتحدة الأمريكية في العراق.
وبما ان المقاربة الحالية بين الأمريكان وقوى الإطار التنسيقي، تحكمها المواقف والمصالح السياسية والحزبية الفئوية الحرجة، وليس المصالح القومية العليا للبلد، ولاسيما تلك المصالح التي تقوم على اساس الرؤية الرسمية وتخطيط الدوائر المعنية، فأن السيد السوداني لا يمكن ان يلعب دورا أكبر في رسم تلك المقاربة بين الأمريكان والإطار التنسيقي على المدى المتوسط والبعيد، وبما يصب في صالح الدولة العراقية، او قد تتعرض تلك المقاربة في اي لحظة إلى الانهيار نتيجة لتغير المعطيات الإقليمية او الدولية او تبدل الإدارة الأمريكية او تحول في مصالح واولويات الأطراف المحلية. لهذا نعتقد بان السيد السوداني محكوم بعدة معطيات في رسم المقاربة الحالية بين الأمريكان والاطار ، ومتى ما تعرضت تلك المعطيات إلى التصدع او التجاوز او اي شيء اخر، فان ذلك سيكون كفيلاً بانهيار تلك المقاربة التي رسمتها المخاوف والمصالح الضيقة بعد أزمة تشكيل الحكومة العراقية وتوجهات السيد الصدر السياسية.
اضافةتعليق