لقد جاء قرار المحكمة الاتحادية الاثنين الماضي والقاضي بعدم دستورية الإجراءات التي اتخذها ريس الوزراء بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية لينهي الجدل القائم منذ أكثر من عام حول دستورية أو عدم دستورية هذه الإجراءات، كما أنه أعاد ملف الإصلاحات الحكومية إلى الواجهة من جديد. فمنذ أكثر من عام اتخذ رئيس الوزراء حيدر العبادي خطوات إصلاحية وصفت وقتها بالجريئة؛ استجابة للمظاهرات التي عمت معظم المدن العراقية التي كانت تنصب حول تقديم الخدمات وإنهاء الفساد والتي استجاب رئيس الوزراء لها بجملة من الاصلاحات أهمها إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والوزراء وقرارات أخرى تتعلق بإنهاء توزيع المناصب الحكومية على أسس طائفية وحزبية، وإعادة فتح التحقيقات في قضايا الفساد، وتقليص شامل وفوري في أعداد حمايات المسؤولين، وتحويلهم إلى وزارتي الدفاع والداخلية. إن إعلان رئيس الوزراء لحزم الإصلاحات تلك رافقتها مؤازرة المرجعيات الدينية له ووقوفها الى جانبه والتي دعت الى المزيد من الخطوات الإصلاحية، وقد أبدى العبادي جرأة وشجاعة رغم الضغوطات؛ لكن تلك الإصلاحات في حقيقتها لم تكن أكثر من زوبعة في فنجان وبقت تراوح مكانها ولم ترى طريقها نحو التطبيق، وقد يعود فشل تلك المحاولات الإصلاحية الى قوة مؤسسة الفساد وأتساع نفوذها بالإضافة الى غياب الإرادة الفعلية لدى القوى السياسية للإصلاح واختلافها حول طبيعة هذه الإصلاحات وماهيتها وحدودها!
لقد مارست الطبقة السياسية خطاباً ديماغوجياً وهي تدعو الى الاصلاح حاولت عبره خداع الشعب وتضليله، فقي الوقت الذي تعمل فيه على أفشال عجلة الإصلاح تتحرك وكأنها راعية له بطرق ملتوية مخادعة باتت مفضوحة ومعلومة لدى الجميع وفي مقدمتهم الشعب.
إن الإصلاح وخطواته بعزل نواب الرئيسين؛ صمتت عنه المحكمة الاتحادية لعام، واستجابت للطعن المقدم لها وأجابت:" أن وجود نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية أمر ألزمته المادة (69/ ثانياً) من الدستور" وأضاف المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى عبد الستار البير قدار؛ في إيضاح ثاني، إن" قرار المحكمة الاتحادية العليا جاء بناء على دعوى أقامها السيد أسامة النجيفي"، وأن القرار يصب بصالح عودة نواب رئيس الجمهورية وسيواجه اعتراض شعبي وسياسي. ذريعة المستفيدون من القرار أنه مخالفة دستورية، وقرارات آنية؛ فيما يجد معظم العراقيين لا ضرورة في وجود هذه المناصب.
- المستفيدون من قرار المحكمة:- النواب الثلاث وقوائمهم، فالقائمة العراقية استقبلت القرار بحفاوة؛ رغم أن علاوي في لندن لإجراء عملية جراحية، وربما يُمنح إجازة الى نهاية الدورة الانتخابية بمخصصات وراتب كاملين؛ أما نوري المالكي فقد اعتبره قرار محترم وقال: "تصحيح الأخطاء أمر ضروري"، ويرى الغاء المناصب خطأ كبير؛ بل رد على تصريحات الصدر، بالقول: "نرفض التهديدات التي تطلقها بعض العصابات والساعية الى تحريك القضاء والسلطة التنفيذية وفق عقلياتها المنحرفة"، والمستفيد الثالث أسامة النجيفي صاحب دعوى الطعن، ورد بعد قرار المحكمة الاتحادية على لسان احد نواب ائتلافه، انتصار الجبوري، التي تقول: "جميع القرارات الماضية التي أصدرها رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي كانت قرارات أنية ارتجالية، لا تعتمد على الدستور والقانون، النجيفي سيعود إلى منصبه بعد قرار المحكمة الاتحادية بالطعن في قرار الإقالة لمخالفاته الدستورية"، وسيعود النواب الثلاث الى مناصبهم برواتب ومخصصات بأثر رجعي؛ بينما يفرض على الشعب التقشف، وعجز الحكومة أحياناً لدفع رواتب موظفيها او شهداء الإرهاب وعوائلهم؟!
- الخاسرون من القرار:-القرار نص على نقض وإبطال قرار رئيس الوزراء القاضي سابقا بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية، الكثير من المتابعين عدوه مفتاح لعودة المشهد السياسي إلى مراحل كثيرة للوراء من التأزم، قرار من شأنه يعيد الحراك الشعبي من جديد وبتصعيد أكثر وبعواقب، يحتمل إن تؤدي إلى انفلات امني وسياسي، لتواجد قوة أو جهة سياسية أو دينية وحتى دولية في درء أخطاره، خصوصا بوجود مبررات تعزز تحركاته بقوة ،فبعد التهدئة التي تمت في السابق، خاصة الأسابيع الماضية، عودة التيار الصدر الى اجتماعات التحالف الوطني، تحرك رئيس الوزراء حيدر العبادي على طرح مرشحيه للوزارات الشاغرة، التي قرر ان يقدمهم للبرلمان بعد عطلة عاشوراء، عادت الأمور الان إلى ما قبل هذه المرحلة، وبيان السيد مقتدى الصدر الأخير، الذي أجل تفاوضه مع التحالف ودعا لتظاهرة "عارمة" وهدد الحكومة بعصيان مدني ثاني، كلها أبواب للاضطراب السياسي والأمني والاقتصادي، فتحها قرار المحكمة الاتحادية الأخير.
ثلاث شخصيات اتهمت بالفساد بملفات "كبرى" ولازالت متهمه كيف يمكن إن يصدق أو يتحقق قبول شعبي بقرار المحكمة الملزم لإعادتهم إلى مناصبهم أو إعداد مناصبهم ليشغلها غيرهم؟!! كيف يمكن قبول قرار المحكمة حتى في إشارته إلى المنصب وليس إلى الشخصية؟!!وهل بالإمكان طرح أسماء جديدة لنواب رئيس الجمهورية كبدلاء عن المقالين حال التزام القوى السياسية بقرار المحكمة الاتحادية؟ أيضا رئيس الوزراء كيف سيتعامل مع قرار المحكمة الاتحادية؟ ماذا سيكون موقفه من دعاوى قضية محتمل تحريكها عليه مستقبلا من نواب رئيس الجمهورية المقالين، باتهامه بمخالفة الدستور وفق قرار المحكمة الاتحادية؟ البرلمان العراقي مع من سيكون؟ المرجعيات الدينية ما هو موقفها من القرار كيف ستتعامل مع تداعياته؟ أسئلة كثيرة ومحيرة، وأيام قادمة حبلى بالمفاجئات على إثر قرار المحكمة الاتحادية الأخير بعدم دستورية إقالة نواب رئيس الجمهورية من قبل رئيس الوزراء والذي عدل سريعا وبعد ساعات إلى عدم دستورية إلغاء مناصب رئيس الجمهورية.