الدعاية والوعي الانتخابي في الانتخابات الزبائنية

سمحت المفوضية العليا للانتخابات قانونيا بإطلاق الحملات الانتخابية للمرشحين المصادق عليهم منذ الثامن من شهر تموز الماضي، على ان تتوقف هذه الحملات في السابع من تشرين الاول. والحملة أو الدعاية الانتخابية هي المرحلة التي تسبق التصويت وخلالها يتم الترويج للمرشح والبيان الانتخابي لحشد أكبر عدد من الأصوات، وتصدر الدول عادة تعليمات تضبط عملية الترويج للمرشحين لتكافئ الفرص بين المرشحين. والدعاية الانتخابية كما يعرفها د. صفوت محمد العالم هي كافة أنشطة الاتصال التي تهدف إلى تدعيم الثقة في الحزب أو المرشحين السياسيين بشأن حاله انتخابية معينة وإمداد جمهور الناخبين بالمعلومات محاولة منها التأثير بكل الوسائل والإمكانات والأساليب المتاحة وجميع قنوات الاتصال والإقناع بهدف الفوز في الانتخابات أو زيادة مؤيدي الحزب ومرشحيه وإبراز صورته أمام الناخبين. كما عرفها د. محمد كمال القاضي بأنها مجموعة الأنساق الاتصالية المباشرة وغير المباشرة التي يمارسها مرشح أو حزب ما بصدد حالة انتخابية معينة بهدف تحقيق الفوز عن طريق الحصول على أكبر عدد ممكن من أصوات الهيئة الانتخابية. ومهمة الدعاية الانتخابية كما يقول عالم النفس قاسم حسين صالح: هي كسب الناخب لصالح المرشح وهذه تقوم على الية سيكولوجيه تعتمد تغيير اتجاه الناخب المحايد او السلبي من المرشح وصولا الى الاقناع، وهناك نماذج عالمية متبعة أشهرها نموذج جامعة ييل الأمريكية. واذا ما قارنا الدعاية الانتخابية التي سلكتها القوى السياسية العراقية في كل الانتخابات السابقة والدعاية الانتخابية الحالية، نرى بأنها تركزت على ملامسة عواطف ومشاعر الناس، ولاسيما الدينية والمذهبية والقومية، ففي انتخابات عام (2005 و2010) استخدمت الدعاية سيكولوجياً التخويف من الآخر، وعزفت الاحزاب وقادتها على وتر الطائفية والهويات الفرعية، كذلك الحال بالنسبة الانتخابات عام 2014، أما في انتخابات ايار 2018، فقد استثمرت بعض القوى السياسية فرصة الانتصار على داعش في دعايتها الانتخابية، وبعضها استثمر شعار الإصلاح او مشروع الإصلاح السياسي، في حين استخدمت بعض القوى السياسية معاناة النازحين وتحرير المناطق من قبضة داعش كدعاية انتخابية لها. الا أن الوعي الانتخابي للناخب العراقي، ربما نستطيع ان نقول قد تغير بعد انتفاضة تشرين 2019، ولاسيما ان الاخيرة قد احيت الشعور الوطني واستعادت الهوية الوطنية بشعارتها الوطنية أو الشعبوية التي ترافقت مع انطلاق حركة الاحتجاجات، وما تزال تؤثر على السلوك السياسي للحكومة والقوى السياسية والدعاية الانتخابية للأحزاب السياسية. وهذا ما جعل القوى السياسية تركز في دعايتها الانتخابية الحالية على مساحتها الجماهيرية وقواعدها الشعبية فقط، وليس للشعب العراقي بشكل عام. ويبدو أن وضوح التوقعات بشأن نتائج الانتخابات المقبلة نتيجة حملة المقاطعة الواسعة، أسهم بشكل كبير في عدم توجيه الدعاية الانتخابية إلى الرأي العام العراقي، لأن الاشتراك سيكون محصوراً بجمهور وزبائن الأحزاب الرئيسة. ونتيجة لذلك، ولطبيعة القانون الانتخابي الجديد، فإن حالة الاستثمار الانتخابي في الانتخابات المقبلة، ستتمحور في القواعد الحزبية الثابتة للكتل المتنافسة، كما حصل مع التيار الصدري من خلال طرح فكرة رئاسة وزراء صدرية أو ما جرى من انسحاب ثم عودة مرة أخرى إلى السباق الانتخابي، فضلاً عن المناوشات الإعلامية بين التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر ودولة القانون بزعامة السيد المالكي، التي من شأنها أن تحفز جمهور الطرفين، أو من خلال تحفيز التيار الصدري لجماهيره باشتراطه الحصول على 100 مقعد نيابي. فضلاً عن ذلك، يعتقد الكثيرون أن الدعاية الانتخابية للقوائم المتنافسة في هذه الانتخابات باتت محصورة بالقواعد المؤدلجة التابعة للأحزاب، بل أن بعض الاحزاب وصلت إلى حدود التخوف من عدم القدرة على إقناع القواعد الحزبية التابعة لها، وبعض الاحزاب داعمة وتقف بشكل خفي خلف بعض المرشحين تحت عناوين مستقلة (كالمرشح المستقل) خشية الافصاح عن انتمائهم الحزبي، واستمالة الجماهير الناقمة على الاحزاب التقليدية، ولاسيما أن كل البرامج الانتخابية التي طرحت بعد عام 2003 وحتى الآن استهلكت تماماً، ولم يعد الشعب العراقي يثق بالأحزاب السياسية التقليدية، التي باتت متخوفة من حملات لعرقلة دعايتها الانتخابية من قبل القواعد الشعبية المؤيدة للاحتجاجات العراقية، ولاسيما في المحافظات الجنوبية. وهذا ما اكده النائب عن تحالف الفتح (أبو ميثاق المساري) في حوار متلفز في أغسطس/آب الماضي، بأن تحالفه لا يستطيع تعليق صورة واحدة لزعيم تحالف الفتح السيد الهادي العامري أو للشيخ قيس الخزعلي في محافظات الوسط والجنوب، مشيراً إلى أن احتجاجات أكتوبر أحرقت الشارع تحت أقدامنا. فضلاً عن ذلك، فان الحملات الانتخابية الحالية، ربما تعكس طبيعة هذه الانتخابات ونتائجها، فأصحابها يركزون على المناطقية وكسب ود المواطنين للتعويض عن فشل اداء الدولة بتوفير الخدمات الاساسية للعراقيين؛ لذلك نشاهد بعض الدعايات الانتخابية ركزت على خدمات مناطقية حسب الدائرة الانتخابية التي يمثلها المرشح، كدعاية تعبيد الطرق وتنصيب محولات الكهرباء... وغيرها من الدعايات التي تستغفل المواطن العراقي. لهذا فأن مشكلة الانتخابات الرئيسة كما يقول الدكتور اياد العنبر: تتعلق بمدى التنافس الذي لا يرتبط بالجمهور، بل إن أغلب القوى السياسية وتحديداً التقليدية تعتبر الانتخابات منافسة بين قطاعاتها وجمهورها وجمهور بقية القوى، وعلى هذا الأساس لا ترتبط الدعاية الانتخابية بوعود ومشاريع، بل المراهنة على المصالح الشخصية للجمهور المؤيد.

ولهذا يمكننا أن نصف الدعاية الانتخابية الحالية بالدعاية الزبائنية؛ لكونها دعاية مركزة على قطاع وجمهور وزبائن كل حزب ولا يمكنها أن تتعدى حدودها الزبائنية؛ وهذا ربما يعود إلى التطور في الوعي الانتخابي العراقي بعد انتفاضة تشرين من جهة، وانعدام فرص الاستثمار الانتخابي التي توافرت في الانتخابات السابقة كـ (الحرب الطائفية، وتوظيف المذهبية، والانسحاب الأمريكي، والانتصار على داعش) من جهة أخرى، فضلاً عن طبيعة القانون الانتخابي، الذي حصر المنافسة بالدوائر الانتخابية. مع ذلك لا يمكن للوعي الانتخابي أن يغير من شيء في ظل مقاطعة قوى واحزاب سياسية تقليدية كـ (الحزب الشيوعي أو تلك التي انبثقت من حراك تشرين) للانتخابات؛ لكون كل الاحزاب التقليدية هي في الاصل فاقدة للثقة بالشارع العراقي، وتعول على قواعدها الجماهيرية ومساحتها الانتخابية فقط؛ لذلك فأن مقاطعة الانتخابات، يعد بمثابة طوق نجاة لأغلب القوى السياسية العراقية، التي بدأت في تحفيز زبائنها وقواعدها الشعبية المحدودة.

التعليقات