من المؤَّمل أن تجري الانتخابات الإيرانية في الثامن عشر من الشهر الجاري، إذ يتجه الناخبون الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيسهم الثامن منذ انتصار الثورة في إيران عام 1979، وتأتي هذه الانتخابات في وقت محوري وحساس للنظام الإيراني أو الدولة الإيرانية على المستويين (الداخلي والخارجي). سواء ما يتعلق منها بالوضع الاقتصادي وارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي إمام التومان الإيراني وما سببه من تدهور في قوة الاقتصاد وانعكاسه على حياة المواطن الإيراني بشكل مباشر، فضلاً عن العقوبات الأمريكية وتداعياتها، والاحتقان السياسي والانتخابي بين التيار الإصلاحي والمحافظ، أو ما يتعلق بالتحديات الخارجية على مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم، ولاسيما تلك المتعلقة بالمفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران حول مستقبل الاتفاق النووي، او الصراع الأمريكي – الإيراني في المنطقة، فضلاً عن النفوذ الإيراني في بعض العواصم العربية، والتحديات الأمنية السيبرانية التي تتعرض لها طهران بين فترة وأخرى من إسرائيل.
إن طبيعة الترَّشح للانتخابات الإيرانية سهلة جداً، ومن الممكن أن يتَّقدم أي شخص أو مواطن إيراني بالغ يحمل الجنسية الإيرانية، أن يأخذ هُويته وبعض الصور والوثائق اللازمة إلى وزارة الداخلية والترشح للانتخابات الرئاسية الإيرانية، إلا أن العملية في باطنها لا تبدو بهذه السهولة. (نعم) قد تبدو العملية ديمقراطية للوهلة الأولى، إلا أنها عملية معقدة تمزج بين الديمقراطية والثيوقراطية، وأن الأولى خاضعة للثانية بشكل كبير حسب ما تفرضه الطبيعة البيروقراطية والمؤسساتية للنظام الإيراني، فالترَّشح بشكل نهائي مرهون بموافقة مجلس صيانة الدستور، وهو مجلس مؤلف من (12) عضواً، يتم تعيين نصفهم بشكل مباشر عن طريق مرشد الجمهورية الإيرانية، وهم من فقهاء المذهب الاثني عشري الجعفري، ونصفهم الآخر، يتم ترشيحهم من قبل رئيس السلطة القضائية، ويتم التصويت عليهم من قبل اعضاء مجلس الشورى الإسلامي، وهم بالمجمل يشكلون مجلس صيانة الدستور، الذي يقوم بفحص أهلية كل المتقدمين أو المترشحين للرئاسة الإيرانية، وإعلان الأسماء النهائية التي يحق لها خوض غمار المنافسة في الانتخابات العامة. بشرط أن تتوفر في كل مرشح خمسة شروط ممن حددها الدستور الإيراني في المادة (115) التي تؤكد على ضرورة معدل عمر المتقدم من (40-75) عاماً، وأن يكون حاصل على شهادة الماجستير أو ما يعادلها على الاقل، وأمضى مالا يقل عن (4) سنوات من الخدمة في المناصب الإدارية والحكومية، فضلاً عن بعض الشروط المتعارف عليها في اغلب دول العالم. إلا ان الغريب في الأمر بأن حتى من تتوفر فيهم الشروط أو من الذين يستوفون الشروط دون أي مشاكل، قد يستبعدهم المجلس، ولا يستطيعوا ان يكملوا مشوار ترَّشحهم للانتخابات الرئاسية؛ وذلك لعدة أسباب تتعلق بفلسفة ورؤية الدولة الإيرانية وطبيعتها الثيوقراطية القابضة على السلطة في البلاد، وعلو سلطة المرشد في المجلس. فهذا العام على سبيل المثال، استوفى (40) مرشحا الشروط المنصوص عليها في الدستور الإيراني من أصل (592)، إلا أن سبعة فقط من تمت الموافقة عليهم من قبل مجلس صيانة الدستور. وعلى ما يبدو بأن النظام الإيراني يعمل على إزالة العقبات التي من شأنها أن تعيق طريق رئيس السلطة القضائية والمرشح الحالي إبراهيم رئيسي للفوز برئاسة الجمهورية الإيرانية، وربما دفعه إلى خلافة المرشد الحالي "فيما بعد"؛ لذلك نرى بأن القائمة النهائية للمرشحين لا تتضمن اسماء او شخصيات بارزة وكبيرة، كرئيس المجلس السابق علي لاريجاني، أو نائب الرئيس إسحاق جهانغيري، أو الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. فالمرشحين السبعة اغلبهم يميلون بشدة إلى التيار المحافظ المناهض لسياسة الرئيس الحالي حسن روحاني، إذا ما استثنينا منهم رئيس البنك المركزي عبد الناصر همتي المتحالف مع حزب الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني، والإصلاحي محسن مهرعليزاده، الذي شغل منصب نائب الرئيس الإيراني أثناء فترة رئاسة محمد خاتمي. أما الاربعة المحافظون وهم: (سعد جليلي)، أمين السر السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، وأحد نائبي المرشد الإيراني علي خامنئي في المجلس، وعضو كامل العضوية في مجمع تشخيص مصلحة النظام. والأمين الحالي لمجمع تشخيص مصلحة النظام (محسن رضائي)، و (علي رضا زاكاني) الذي تم استبعاده من سباقين رئاسيين سابقين، فضلاً عن (أمير حسين قاضي زاده هاشمي) أصغر مرشحي الرئاسة سناً والنائب الأول لرئيس البرلمان الإيراني، قد ينسحبوا من السباق الرئاسي ويتحدوا خلف رئيسي، المدعوم بقوة من قبل المرشد الإيراني السيد علي خامنئي. وعليه قد يصبح الطريق سالكاً أمام رئيسي في السباق الرئاسي، ولاسيما أن عبد الناصر همتي والإصلاحي محسن مهرعليزاده، ليس لهما قاعدة شعبية او حضور انتخابي كبير في الساحة الإيرانية، إذا ما قورنوا بالمرشحين المستبعدين أو حتى بالمرشحين الذين استَّفوا الشروط. فضلاً عن ذلك، فأن استبعاد لاريجاني الاسم الأبرز من بين المتقدمين، الذي خدم إيران في كثير من المواقع، دون سبب واضح، يزيد من تلك الفرضية الهادفة إلى فسح الطرق أمام رئيسي، ودفع لاريجاني من سباق الرئاسة، ولاسيما أن الاخير من الممكن أن يطرح كمرشح تسوية بين المحافظين والإصلاحيين.
بالمجمل، هناك الكثير من علامات الاستفهام حول آلية الترشيح وطريقة الاستبعاد وتعاطي مجلس صيانة الدستور مع المتقدمين للترَّشح للرئاسة الإيرانية، ربما تكون الطريقة دستورية وقانونية، لكنها غير شفافة في التعامل مع المترَّشحين، ومن شأنها أن تؤدي إلى تآكل شرعية النظام السياسي الإيراني وتزيد من تصَّدع العلاقة بين النظام والمجتمع، ولاسيما في ظل تصاعد أزمات النظام السياسي الإيراني (داخليا وخارجياً) وتداعياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية على حياة الناس، وما تتركه من تأثير سلبي في نفوس المجتمع اتجاه النظام وتطلعاته (الداخلية والخارجية).