أن رئاسة الوزراء القادمة تمثل معركة سياسية بين القوى السياسية الشيعية، التي ستؤثر كالعادة في طبيعة استحقاقهم الانتخابي وستؤثر على طبيعة توازناتهم وتحالفاتهم داخل السلطة التشريعية، وستكون القوى الشيعية رهينة البراغماتية الكردية وستكون أربيل قبلتهم السياسية، التي ستملي شروطها عليهم بتحالفها الانتخابي، وبموازاة الموقف السياسي للقوى السياسية السنية. فكيف ستواجه القوى السياسية الشيعية استحقاق رئاسة الوزراء هذه المرة وكيف ستحل هذه المعضلة، التي اصبحت نقطة ضعف كبيرة تؤشر على القوى السياسية الشيعية واداءها السياسي...؟
يرى بعض المراقبون أن فوز الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة، أنعش طموح رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي للعودة إلى سدة الحكم في العراق، وزاد من اصرار الأخير في التمسك برئاسة الوزراء المقبلة، ولاسيما مع إعلان زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الانسحاب من الانتخابات العراقية المقبلة المزمع اجراءها في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. إذ بدأ ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي والأطراف الموالية الأخرى خلال الأيام الماضية، بتنظيم حملة إعلامية لتلميع صورة المالكي، وتدشين دعاية انتخابية مبكرة، للعودة إلى رئاسة الوزراء المقبلة، أجرى على أثرها السيد المالكي مجموعة لقاءات إعلامية، تحدث خلالها صراحة عن طموحه برئاسة الوزراء من جديد، متوقعاً بأن تكون نتائج ائتلافه الانتخابية أفضل من نتائج انتخابات أيار/ مايو 2018، وأشار صراحةً إلى استعداده لقبول رئاسة الحكومة إذا عُرضت عليه. وسَّوق نفسه أكثر، من خلال اصراره على مواجهة الميليشيات الشيعية، في إشارة إلى سرايا السلام جيش المهدي سابقاً التابعة للزعيم الشيعي السيد مقتدى الصدر عندما يصل إلى سدة الحكم مرة أخرى، التي واجهها عسكرياً أبان ولايته الأولى في صولة الفرسان في محافظة البصرة عام 2008. هذا التصريح، ربما أنهى كل فرضيات التقارب الشيعي – الشيعي بين الصدريين ودولة القانون بشأن رئاسة الوزراء القادمة. فضلاً عن ذلك، فقد بدأ السيد المالكي بتسويق نفسه إقليمياً ودولياً، من خلال ادعائه بامتلاكه علاقات طيّبة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته وفريقه في الإدارة الجديدة، بل إنه عرض نفسه كوسيط بين إيران والولايات المتحدة في الملف النووي الإيراني.
يعتقد البعض، بأن السيد المالكي لديه بعض الأدوات التي تؤهله لرئاسة الوزراء القادمة، سواء تلك التي أهلته للولاية الثانية، كالصولة التي يفتخر بها المالكي شخصياً في كل مناسبة ضد جيش المهدي في محافظة البصرة، أو بأنه هو الوحيد القادر على حصر السلاح بيد الدولة، على الرغم من اتهامه بأن سمح لبعض الفصائل المسلحة في ولايته الثانية بالعمل تحت حماية حكومته أنذاك وتحالفه مع الفصائل المسلحة ممثلة بتحالف الفتح بزعامة السيد هادي العامري، أو النجاح الأمني النسبي الذي تحقق في ولايته الأولى بمواجهة التنظيمات الإرهابية ونشاط الفصائل المسلحة أنذاك. فضلاً عن ذلك، هناك بعض الادوات التي يمتلكها السيد المالكي على المستوى الشعبي والإداري، فعلى سبيل المثال، يمتلك المالكي قاعدة واسعة على الصعيد المؤسساتي والإداري، متمثلة في الكوادر الإدارية وبعض الموظفين، تلك القاعدة التي استغلها وقام بتوسعتها ابان ولايته الأولى والثانية من خلال التعيين واستغلال المؤسسات الحكومية والمال العام، سواء عبر التوسع في الوظائف والتعينات، او من خلال المنح والهبات المالية، التي منحها لموظفي الدولة، وزيادة الرواتب قبل الأزمة المالية، فضلاً عن كسب ود اغلب شيوخ العشائر على الصعيد الشعبي من خلال تأسيسه لمجالس اسناد العشائر ومنحهم الرواتب والهبات المالية والمسدسات وبعض الدرجات الوظيفية، ولاسيما في المؤسسات الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك السيد المالكي بعض الادوات او المقومات (إقليمياً ودولياً)، ولاسيما بين الاقطاب الفاعلة في الساحة العراقية، الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، سواء من خلال علاقته التاريخية مع إيران أو عن طريق علاقته بالرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، إذ غازل المالكي مؤخراً الإدارة الأمريكية بترحيبه ببقاء القوات الأمريكية غير القتالية بقوله: العراق يحتاج إلى الخبرة والاستخبارات والتدريب، فالقوات الأميركية غير القتالية ستكون داعمة ومساندة للعراق أيضاً، ونحن نرحب ببقاء هذه القوات لأغراض التدريب والتأهيل والإدامة للسلاح ونعتقد أن القوات العراقية أصبحت لديها الخبرة الكافية لإدامة السيطرة الأمنية. أو من خلال تبَّدل وتغيَّر طبيعة العلاقات التي شهدتها المنطقة، التي انعكست بدروها على الساحة العراقية، كعلاقة بعض القوى السياسية السنية المدعومة من قطر كتحالف الشيخ خميس الخنجر، التي تطوَّرت علاقته بالمالكي والقوى المتحالفة معه بعد الأزمة الخليجية – الخليجية وانعكاسها على العلاقة بين الدوحة وطهران.
هذا الطموح وهذه الادوات، كللها السيد المالكي مؤخراً بزيارة إلى أربيل التقى خلالها السيد مسعود البارزاني ليطرح نفسه على أنه الأكثر حضوراً والأوفر حظاً برئاسة وزراء العراق، ويقول المحلل السياسي والأكاديمي رعد الكعبي: إن اتفاقاً على ما يبدو قد أُبرم بين المالكي وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني خلال لقائهما مؤخرا في أربيل لتقاسم السلطة، بحيث تكون رئاسة الجمهورية للحزب الديمقراطي، ورئاسة الوزراء للمالكي، أو شخصية مقربة منه. وطالما أن الاكراد يتفقون مع فرقائهم في العملية السياسية بمقدار ما يحققونه من مكاسب للإقليم بصورة أو بأخر ولا يعارضون أي شخصية شيعية طالما يحقق لهم اهدافهم السياسية واطماعهم التوسعية في ضم الاراضي المتنازع عليها واضعاف سلطة الحكومة الاتحادية، وهذا ما اشار له القيادي بالحزب الديمقراطي الكردستاني عماد باجلان بقوله: الزعيم الكردي مسعود البارزاني أكد سابقا عدم وجود أي فيتو أو تحفظ على أية شخصية من المكون السياسي الشيعي بشأن تولي رئاسة الوزراء. وهذا قد يلتقي مع رغبة بعض القوى السياسية السنية التي تريد ان تضمن مكاسبها السياسية بغض النظر عن شخصية رئيس الوزراء، إلا أن طموح السيد المالكي بمنصب رئيس الوزراء قد يواجه بمصدات شيعية كبيرة على المستوى السياسي والشعبي، وابرز المصدات السياسية تتمثل في موقف زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، والفيتو الذي يضعه الصدر بوجه عودة السيد المالكي لرئاسة الوزراء منذ عام 2014، فضلاً عن رغبة الصدريين الذين بدأوا بالترويج لفكرة رئيس الوزراء الصدري ومتمسكين بها، وهي فكرة قد تحسب للسيد مقتدى الصدر سياسياً، ومناورة سياسية استباقية بشأن استحقاق رئاسة الوزراء، فربما يضغط السيد مقتدى الصدر بهذا الاتجاه بالفعل، لكن قد يحصل في نهاية المطاف على شخصية مقبولة منه شخصياً كالدفع بالسيد الكاظمي لولاية ثانية أو شخصية ثانية تحظى بقبوله على اقل التقادير أن لم يكن شخص صدري قح كما يسمونه. كذلك قد تصطدم طموحات السيد المالكي برغبة منافسيه سواء من المتحالفين معه كالعامري والفياض وقاسم الاعرجي والاديب أو من القوى السياسية الشيعية الآخرى من الحكمة والنصر والقوى الآخرى. فضلاً عن المعارضة الشعبية متمثلة بأنصار انتفاضة تشرين وحركات الاحتجاج التي تناصب السيد المالكي العداء وهاجمته بتظاهراتها واتهمته بأنه اضاع ثلث الدولة العراقية في عام 2014، والمتغير الانتخابي متمثل بقانون الانتخابات الجديد، الذي يسمح للمرشح نفسه الصعود دون أن يأهل الاخرين، وهي الفقرة التي استفاد منها دولة القانون كثيراً في الانتخابات السابقة، فضلاً عن موقف المرجعية الدينية في النجف الأشرف، التي أطلقت شعار المجرب لا يجرب بشأن تمسك المالكي بالولاية الثالثة.
لذلك يمكن القول بأن رئاسة الوزراء القادمة تمثل معركة سياسية بين القوى السياسية الشيعية، التي ستؤثر كالعادة في طبيعة استحقاقهم الانتخابي وستؤثر على طبيعة توازناتهم وتحالفاتهم داخل السلطة التشريعية، وستكون القوى الشيعية رهينة البراغماتية الكردية وستكون أربيل قبلتهم السياسية، التي ستملي شروطها عليهم بتحالفها الانتخابي، وبموازاة الموقف السياسي للقوى السياسية السنية. فكيف ستواجه القوى السياسية الشيعية استحقاق رئاسة الوزراء هذه المرة وكيف ستحل هذه المعضلة، التي اصبحت نقطة ضعف كبيرة تؤشر على القوى السياسية الشيعية واداءها السياسي...؟
اضافةتعليق